في أثناء إطلاق التقرير الذي يوضح حجم المصيبة التربوية في العالم، غنى التلامذة نشيد الأونيسكو (بلال قبلان) |
أعلنت منظمة الأونيسكو للتربية والتعليم أن النزاعات المسلحة في العالم تحرم ما يقارب 28 مليون طفل من حقهم في التعليم، بفعل الاضطرابات الأمنية، وتعرض الأطفال لعمليات الاغتصاب والعنف الجنسي، بالإضافة إلى الهجمات المتعمدة على المدارس.
وأوضحت في تقرير أعدّ بإشراف كيفن واتكنز، أن الأطفال والتعليم ليسوا فقط في مرمى النار، بل باتوا يُستهدفون بصورة متزايدة في النزاعات العنيفة، مضيفاً أن «إخفاق الحكومات في حماية حقوق الإنسان، يلحق بالأطفال بالكثير من الأذى، ويحرمهم الفرصة الوحيدة المتاحة لهم للانتفاع بالتعليم، وقد آن الأوان لاتخاذ المجتمع الدولي الخطوات اللازمة لمعاقبة مرتكبي الجرائم الشائنة».
وقد أطلق المكتب الإقليمي للأونيسكو التقرير أمس من بيروت، في وجه أصحاب القرار في العالم لأنهم لا يسيرون على النهج الذي يؤدي إلى تحقيق الأهداف الستة للتعليم للجميع في العام 2015، بعدما اتفق عليها ممثلو مئة وستين بلدا خلال مؤتمر عقد في العاصمة السنغالية دكار في العام 2000.
وانطلاقاً من ذلك، يتعين على الجهات المانحة وضع ترتيبات أكثر فعالية لتجمع الأموال، وزيادة التمويل المخصص لمبادرة المسار السريع للتعليم للجميع، بصيغتها المعدلة، ليبلغ 6 مليارات دولار أميركي في السنة.
وفي ما يخص لبنان، أعلن أحد خبراء المنظمة غسان العكاري أن مسؤولي المكتب حاولوا بعد حرب تموز في العام 2006، الحصول على معلومات من وزارة التربية عن الدمار الذي لحق بالمدارس، والخسائر التي لحقت بالأساتذة والتلامذة، لكن المعلومات لم تكن متوفرة. وقد لاحظوا عدم وجود وحدة في وزارة التربية خاصة بحالات الطوارئ، فاقترحوا على وزير التربية حينها خالد قباني تشكيل تلك الوحدة، لكن ذلك لم يحصل حتى اليوم.
وأضاف: «لذا كان تقديم المساعدات للمدارس في لبنان، ضمن مبادرات فردية قامت بها جمعيات أو دول، وبالتالي لم تكن منظمة، ولم تستطع الإحاطة بالمشاكل التي عاشها التلامذة والإدارات على المستويات المادية والتربوية والنفسية».
ورأت الأستاذة في «الجامعة اللبنانية الأميركية» هيام حافظ الزين، خلال اللقاء، أن الدعم المالي الذي يتم توفيره للتعليم في حالة الأزمات ليس بالقدر المطلوب، وليس فيه استدامة، «لذلك يجب أن يتم الاعتماد على الذات، وعلى المبادرات الفردية وحتى على العمل التطوعي من قبل طلاب الجامعات الذين يتخصصون في علم النفس الاجتماعي». وأوردت ما حصل في الجنوب كمثال لتقول إن «الجنوب يضم متمولين كباراً، يجب طرق أبوابهم للمبادرة في مساعدة تلامذة المدارس وتأهيلهم بعد الحروب».
وتبين في تقرير الأونيسكو أنه جرت في الفترة الواقعة بين عامي 1999 و2008 عشرات النزاعات المسلحة في خمسة وثلاثين بلدا، بينها ثلاثون بلدا من البلدان ذات الدخل المنخفض والحد الأدنى من الدخل المتوسط، فيما يتجاوز عدد السكان المهجرين والنازحين، الثلاثة وأربعين مليون نسمة، لكنه يفوق فعليا ذلك العدد بكثير، بينما تواجه نسبة كبيرة من اللاجئين والمشردين عقبات تحول بينهم وبين التعليم، وبلغت نسبة القيد في التعليم الابتدائي في مخيمات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 69 في المئة فقط في العام 2008.
بالإضافة إلى ذلك، تحرف النزاعات المسلحة الأموال العامة عن الاستثمار في التعليم، وتوجهها نحو الإنفاق العسكري. وهناك واحد وعشرون بلدا ناميا في العالم، ينفق على السلاح أكثر مما ينفق على المدارس الابتدائية، ولو خفضت هذه البلدان عشرة في المئة من ميزانيتها العسكرية فقط، لأصبح بمقدورها أن تلحق تسعة ملايين وخمسمئة ألف طفل إضافي بالمدارس. كما يحرف الإنفاق العسكري موارد المعونة إلى غير وجهتها ويبتلعها، فلو حولت البلدان الغنية قيمة ستة أيام من الإنفاق العسكري إلى المساعدة الإنمائية للتعليم الأساسي، لكان في الإمكان سد الفجوة التمويلية التي تأتي من المساعدات الخارجية للتعليم، والبالغة ستة عشر مليار دولار.
وفي منطقة أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى وحدها، يتسرب نحو عشرة ملايين طفل من المدارس الابتدائية في كل عام. كما تبلغ نسبة الراشدين في العالم الذين يفتقدون مهارات القراءة ما يقارب 769 مليون نسمة، ولا تزال أوجه التفاوت بين الجنسين تعرقل التقدم في مجال التعليم، بينما يتعين توظيف ما يقارب مليون وتسعمئة ألف معلم إضافي، يخصص أكثر من نصفهم لأفريقيا.
وقد أطلقت الأونيسكو في التقرير مبادرة تمويلية عالمية باسم: «مرفق التمويل الدولي للتعليم»، وذلك على غرار النموذج المتبع في قطاع الصحة، من أجل مساعدة الجهات المانحة في تعبئة موارد جديدة، بينها إصدار سندات خزينة خاصة بهذا المرفق لتوفير مبلغ يتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنويا، وفرض رسم على الهاتف الجوال في أوروبا بنسبة صفر فاصل خمسة في المئة من إيراد الاشتراكات، من أجل توفير 890 مليون دولار سنويا.
ووضعت الأونيسكو برنامجا من أجل التغيير، يهدف إلى معالجة أربعة مجالات حصلت فيها إخفاقات منهجية، وهي:
أولاً: الإخفاق في حماية المدنيين أثناء الحروب، ويتناول ضرورة عمل الحكومات على تعزيز النظم الكفيلة برصد انتهاكات حقوق الإنسان التي تؤثر على التعليم والإبلاغ عنها، ودعم الخطط الوطنية الرامية إلى وضع حد لتلك الانتهاكات، وفرض عقوبات محددة على مرتكبيها، كما ينبغي إنشاء لجنة دولية معنية بجرائم الاغتصاب والعنف الجنسي وإشراك المحكمة الجنائية الدولية في عمل اللجنة من أجل تقييم الأدلة وتحليلها والشروع في الإجراءات القانونية.
ثانيا: الإخفاق في توفير التعليم، ويتناول تغيير عقلية الجهات المانحة وحملها على الاعتراف بالمكانة الرفيعة للتعليم، وزيادة مستوى التمويل السنوي له من مبلغ سبعمئة وثلاثين مليون دولار إلى ملياري دولار، لتغطية العجز في تمويل التعليم، بالإضافة إلى إصلاح التدابير الإدارية المتعلقة باللاجئين لتحسين انتفاعهم من التعليم.
ثالثا: الإخفاق في عملية البناء، وينبغي هنا على الجهات المانحة ردم الفجوة المصطنعة بين المعونة الإنسانية والمعونة الطويلة الأمد، كما يتعين توجيه المزيد من المساعدات الإنمائية، عبر الصناديق الوطنية الجماعية، مثل الصندوق الاستئماني لتعمير أفغانستان.
رابعا: تحرير إمكانات التعليم من عقالها، وإطلاق العنان للطاقات الكامنة من أجل تعزيز السلام، وقيام الجهات المانحة بإعطاء الأولوية لتطوير نظم تعليم جامعة، والنظر إلى المدارس يوصفها أماكن لتنشئة الأجيال على مبادئ وأخلاقيات وسلوكيات التسامح والاحترام المتبادل، والقدرة على العيش بسلام مع الآخرين، بالإضافة إلى زيادة الموارد المتاحة للتعليم من خلال صندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، بما يتراوح بين خمسمئة مليون دولار ومليار دولار في السنة.
ونبهت الأونيسكو إلى أن ظاهرة تضخم أعداد الشباب بالتلازم مع الإخفاقات في مجال التعليم، تشكل مزيجا خطرا من شأنه تحضير الأرضية لحدوث نزاعات عنيفة، موضحة أن النظم التعليمية في الكثير من البلدان المتأثرة في النزاعات لا توفر للشباب المهارات اللازمة التي تجنبهم الفقر والبطالة، علما أن كفة الميزان الديموغرافي باتت تميل لمصلحة الشباب في العديد من البلدان، حتى أن نسبة الشباب دون سن الخامسة والعشرين في بعض الدول تبلغ أكثر من ستين في المئة.
وحددت الأونيسكو الأهداف الستة للتعليم وهي: الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، وتعزيز الصحة ومحاربة الجوع، لأن اعتلال الصحة وسوء التغذية وانعدام الحوافز لدى الأطفال، تقوض تعلمهم مدى الحياة.
وأشارت إلى انخفاض معدلات وفيات الأطفال في العام 2008 إلى ثمانية ملايين وثمانمئة طفل، بعدما كانت اثني عشر مليونا وخمسمئة ألف طفل في العام 1990، بينما يبلغ عدد البلدان التي تسجل فيها وفيات الأطفال معدلات عالية ثمانية وستين بلدا، بينها تسعة عشر بلدا فقط يجري العمل فيها لخفض معدلات الوفيات بمقدار الثلثين في العام 2015.
وفي مجال التعليم الابتدائي، يوضح التقرير أن عدد أطفال العالم غير الملتحقين في المدارس كان يبلغ في العام 2000 مئة وستة ملايين طفل، وانخفض العدد إلى سبعة وستين مليونا في العام 2008. لكن على الرغم من الوجه المشرق، فقد انخفض عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في النصف الثاني من العقد السابق إلى نصف العدد الذي تحقق في أوله. وإذا ما استمر ذلك الاتجاه فإن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس عام 2015 سوف يصبح اثنين وسبعين مليون طفل، أي أكثر من العدد الذي كان في العام 2008.
وفي حين اقتربت معظم البلدان الغنية من الوصول إلى تعميم التعليم الثانوي في كل من أميركا الشمالية وأوروبا الغربية بنسبة سبعين في المئة، لا تبلغ نسبة التعليم الثانوي في أفريقيا سوى أربعة وثلاثين في المئة، في حين لا تتعدى نسبة الذين يتوجهون إلى التعليم العالي ستة في المئة. كما في أفريقيا والدول العربية نسبة أمية عالية بين الراشدين.
زينب ياغي - السفير 02/03/2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق