الأربعاء، 27 أبريل 2011

عندما تنقلب قطر فجأة على «صورتها المقاومة» في لبنان وفلسطين: رأس حربة ضد النظام السوري... وفي التعتيم على مجزرة البحرين

خلال تدشين أمير قطر لسوق بنت جبيل (علي الصغير)

من إمارة صغيرة ومثيرة للضجر إلى إمارة منتفخة ومنتشية ومثيرة للجدل وطامحة للعب دور أشبه بأدوار الدول الكبرى. إنها قطر التي لطالما حصدت أثمان تطبيعها المبكر مع إسرائيل، قبل أن تحصد، ومن دون سابق استعداد، أثمان انحيازها الإعلامي، إلى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، من دون أن تغادر دورها الأول.
ازدواجية غريبة عجيبة ميّزت السياسة القطرية حيال القضايا العربية، فهي من جهة مناصرة لحركات المقاومة بمواقفها وإعلامها ولا سيما فضائية «الجزيرة»، ومن جهة ثانية ترتبط بعلاقات وطيدة مع إسرائيل، إلى حد أنها أول من افتتح ممثلية لها في الدوحة.
ومع استمرار رسم علامات استفهام كبرى حول خلفية وأبعاد دور هذه الدولة الصغيرة، إلا أن ما فاجأ الجميع مؤخرا هو الانقلاب المفاجئ في الأدوار والانتقال من موقع التوازن في صياغة الموقف والعلاقات مع الدول العربية ومع إسرائيل في آن معا، مع لحظ حيز من الخصومة إن لم نقل العداء للمملكة العربية السعودية، إلى موقع الطرف الكامل الأوصاف والأدوار في لعبة «الثورات» و«الانتفاضات» و«التحركات» في عدد من الدول العربية، وخاصة في ليبيا ومصر وتونس واليمن.

ولعل أبرز ما استوقف المراقبين هو الانقلاب القطري على الصديق والحليف والأخ السوري، ففي حين كانت القيادة القطرية تنتقد الأنظمة التي كانت ولاّدة للأصوليات والرافضة لكل أنواع الحريات لا سيما دور المرأة في المجتمع وتثني على القيادة السورية ذات التوجه العلماني مع حماية المعتقدات الدينية، اختارت قطر دورا معاكسا لم يلعبه خصوم سوريا من العرب والغرب وشنّت حملة شعواء على النظام في سوريا ضاربة عرض الحائط كل المعايير السياسية والمهنية التي ميّزت أداء فضائيتها الأبرز عربيا.
ويقول خبراء وسياسيون إن «التحول القطري بدأ في التعاطي مع المسألة الليبية حيت تحولت الدوحة إلى رأس حربة تتولى التسويق للتدخل العسكري الدولي في ليبيا وهي أول من اعترف بالمجلس الانتقالي هناك وأعلنت مشاركتها في الضربات الجوية ضد مواقع كتائب القذافي. وهي وراء اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي اتخذ موقفا شكّل غطاء للتدخل الغربي في ليبيا وتقدم بشكوى ضد إيران على قاعدة مزاعم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون لا سيما البحرين».
ويرى المراقبون «أن النظام القطري كان صلة الوصل بين أميركا والعرب، واستفاد من علاقاته مع أميركا لافتعال دور اكبر من حجمه بكثير على صعيد قضايا المنطقة واحتضن على ربوعه اكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة وذلك في موازاة التنطح لما أسمي «لعب دور قومي» تحت عنوان «حماية الحقوق العربية»، غير أن التناقض في الأدوار القطرية واضح وجلي بدءا من الممثلية الإسرائيلية في الدوحة يقابله دعم الفلسطينيين واللبنانيين في مواجهة العدوان الإسرائيلي،
واللافت للانتباه أن أمير قطر هو آخر رئيس عربي زار الولايات المتحدة الأميركية وعقد قمة مع رئيسها باراك أوباما، أعقبها تطور كبير في الأداء القطري، فقناة «الجزيرة» التي تعبر عن السياسة الرسمية القطرية تحولت إلى منبر للمعارضة السورية وقاعدة لضخ أوسع دعاية معادية للنظام السوري. وما الاستقالات التي شهدتها «الجزيرة» بدءا من الإعلامي الزميل غسان بن جدو وصولا إلى المذيعة لونا الشبل إلا نتيجة للانحراف عن القضايا القومية».
«عندما يقع الخلاف بين الإيراني والعربي، فقطر مع العرب، وإذا تم الخلاف مع السوري والخليجي فهي مع الخليجي، والثمن المطلوب من سوريا لوقف الحملة عليها هو فك التحالف مع إيران ووقف دعم حركات المقاومة لا سيما «حماس» و«حزب الله»، والقيادة القطرية هي من يتولى التسويق لهذا الطرح وعلنا، والمستغرب أن تكون قطر هي من تحرّك دول مجلس التعاون الخليجي في وقتنا الحاضر» يقول أحد الدبلوماسيين العرب في بيروت.
ويتوقف الدبلوماسي نفسه عند دعوة أمير قطر للرئيس أوباما إلى حضور كأس العالم في العام 2022 في الدوحة، «وهذا يدل على اطمئنان ما بعده اطمئنان بان التوازنات ستبقى كما هي الآن وحتى ذاك التاريخ»، علما أن احتمال أن يكون مصير أمير قطر كمصير والده الذي انقلب عليه «ليس مستبعدا على الإطلاق».
ويوضح «أن ما تقوم به القيادة القطرية يتماهى كليا مع التوجه الأميركي الذي عبّرت عنه مراكز الدراسات الأميركية المرموقة والتي أجمعت على اعتبار أن «الرئيس السوري الشاب بشار الأسد برهن عن حنكة في التعامل مع الضغوطات الخارجية على سوريا مستفيدا من الدروس التي حفظها من السياسة الخارجية لوالده، أما اليوم ومن اجل تفادي وقوع مزيد من الدماء يتعين عليه التحرك بعيدا عن التفكير بآليات توفر له الحماية فحسب (...)».
وهذه الخلاصة تعني «أن على الأسد التخلي عن الخيارات الإستراتيجية التي انتهجها كاستمرار للنهج السوري منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد وأبرزها فك التحالف مع إيران و«حزب الله» و«حماس»، ويقود ذلك إلى الارتماء في أحضان أميركا والغرب كخيار وحيد للحفاظ على النظام مع ما يعنيه ذلك من جلوس إلى طاولة مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بعدما أصبح اعزل من كل عناصر القوة».
ويؤكد المراقبون أن «قيادة قطر عبر إعلامها تعاطت بازدواجية فاقعة ففي حين انساقت في حملة تحريض مكشوفة ضد بعض الدول على غرار ما يجري في سوريا تجاهلت في المقابل ما يجري في دول أخرى، فالإعلام القطري لعب دورا مشبوها في أحداث سوريا واختلق أحداثا لم تكن موجودة مطلقا واتى أحيانا بشهود عيان لا وجود لهم وفي الوقت الذي تعاطى فيه بالتضخيم مع أحداث سوريا قرر التعتيم على أحداث أخرى وتحديدا ما يجري في البحرين التي تسيل فيها دماء المدنيين العزّل وتدمر دور العبادة و تنتهك الخصوصيات ويستباح كل شيء فيها».
ويرى الدبلوماسيون العرب «أن الإعلام القطري سقط في الامتحان لأن الأمر الموضوعي هو أن ما يحصل في مصر وليبيا يحصل في البحرين، ومن يطالب بالديموقراطية وبالحرية في دول عربية معينة فان معظم دول مجلس التعاون الخليجي تفتقد لأبسط مقومات الديموقراطية والحرية، باستثناء التجربة الكويتية الخاصة والفريدة في هذا المجال. وما نشاهده عبر الإعلام القطري وتحديدا قناة «الجزيرة» في ما يخص سوريا، بلغ في كثير من الأحيان حديث أحداث قبل حصولها أو أنها لم تحصل نهائيا».
ويقول الدبلوماسيون «إن قطر دولة ضعيفة جدا في حجمها وتشكيلها وبنيانها القائم على حكم أميري مطلق وهكذا نظام لا يمكن تسويقه في الغرب إلا إذا تحول إلى خادم للقوى الكبرى. وهو حضّر لهذا الدور من خلال الخلط بين علاقة ممتازة مع إسرائيل وأميركا، وفي الوقت ذاته تحولت قطر إلى قاعدة أساسية لدعم المقاومات العربية والإسلامية وفي مقدمها قضية فلسطين، وما حصل مع لبنان إبان عدوان تموز 2006 خير دليل على ذلك، ففي حين كانت قطر محطة للطائرات الأميركية الناقلة للذخيرة والصواريخ إلى إسرائيل بعد نفاد مخزونها الذي أفرغته على الشعب اللبناني الأعزل، وبعد عجز إسرائيل عن حسم المعركة لصالحها، وبعد فشل رهان دول الاعتدال على هزيمة «حزب الله»، تمهيدا لترجمة ذلك سياسيا في لبنان، فان القيادة القطرية قامت بما عجزت عنه دول الاعتدال العربي عبر الدخول من بوابة إعادة إعمار ما دمره العدوان مقدمة لإدارة المرحلة اللاحقة ومنع «حزب الله» وحلفائه من توظيف انتصار تموز سياسيا ثم جاءت محطة الدوحة في أيار 2008، التي حصلت بنتيجتها القوى المتحالفة مع الاعتدال العربي على مكاسب أساسية في حين تم تفريغ انتصار تموز بشكل تدريجي من مضمونه الأساسي تحت عناوين الحرب على السلاح في الداخل... ليجد «حزب الله» و«أمل» أن كل تهليلهما لقطر ودورها وأميرها ووزير خارجيتها طار فجأة في موسم الثورات العربية»...
وتكشف المصادر الدبلوماسية العربية نفسها «أن دولة قطر رصدت موازنة ضخمة لإسقاط النظام السوري ووزعت جزءا من هذا المبلغ على وسائل إعلامية عربية ولبنانية، إضافة إلى احتضان المعارضة السورية، وخاصة «الأخوان المسلمين» بالتنسيق مع الأتراك، وتزويدها بكل ما تحتاجه من دعم مالي وإعلامي وسياسي».
والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو استطاع النظام السوري أن يتجاوز القطوع الأمني ـ السياسي؟
إن المؤشرات الأولية، تضيف المصادر الدبلوماسية العربية، تفيد أن القيادة السورية تتجه إلى حسم الموقف في مواجهة ما تسمى «الخلايا الإرهابية المسلحة»، وذلك في إطار توجه يهدف إلى عدم التراجع عن الخيار الإصلاحي ومن ثم إدارة حوار سياسي وطني واسع، يمهد لترجمة الإصلاحات، بحيث تعود سوريا أقوى وأكثر صلابة ومعها قوى المقاومة في لبنان وفلسطين (...)، فإذا كان النظام السوري هو المانع لتقسيم العراق فان تجاوزه للأزمة سيشكل ضمانة للاستقرار في لبنان ورادعا في مواجهة محاولات إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها، والمحافظة على وحدة العراق، وحينها تسقط مقولة «عفا الله عما مضى».

داود رمال - السفير 27 نيسان 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق