الأحد، 11 سبتمبر 2011

الإنترنت يكشر عن أنيابه

خلال عام 2010 تبددت كل الشكوك في أن أمن شبكة الإنترنت أصبح الآن يمثل مشكلة جيوسياسية. لقد عرفنا من المراسلات الدبلوماسية التي كشف عنها موقع «ويكيليكس» أنه بدءا من أوروبا، وصولا إلى منطقة الشرق الأوسط والصين، وما بعد ذلك، تواجه واشنطن وقتا أصعب مما تصورنا في سعيها للحصول على ما تريد. وجعلت التسريبات في حد ذاتها الأمور أكثر حساسية، ولم يقتصر الأمر على وضع بعض أصدقاء أميركا في وضع محرج، بل تعدى ذلك إلى إذكاء نظريات تآمر تقول إن الولايات المتحدة كانت نوعا ما وراء تسريب هذه المراسلات.
لكن لا يعد ما حدث مع «ويكيليكس» القصة المهمة الوحيدة المتعلقة بالإنترنت خلال عام 2010، بل كان هناك أيضا الخلاف العلني بين شركة «غوغل» والصين، والحرب على أجهزة «بلاك بيري» داخل الهند ومنطقة الخليج العربي، والظهور المفاجئ في يوليو (تموز) لفيروس أُطلق عليه اسم «ستوكس نت» يبدو أنه استهدف وعمل على تقويض المنشآت النووية الإيرانية.

لقد عرفنا أيضا أن الهجمات الإلكترونية لم تعد مجرد سلاح يستخدمه المراهقون والمجرمون التافهون، بل أصبحت جزءا من الترسانة الوطنية. وفي الواقع، أظهر موقع «ويكيليكس» أنه يمكن لأي وغد إلكتروني أن يكون محيرا ولا مركزيا مثل تنظيم القاعدة. وفي الواقع، فإنه كما الحال مع تنظيم القاعدة، ستبقى مشكلة «ويكيليكس» معنا لأعوام. وربما يكون ذلك مجرد إشارة إلى ما سيحدث لاحقا.

ربما لن يتم إلقاء القبض على أسامة بن لادن حيا، لكن من سوء الحظ بالنسبة للدبلوماسية الأميركية، فإن مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج، سيقضي الكثير من الأيام داخل المحكمة. وإذا ما تمت مقاضاته داخل الولايات المتحدة، فسوف يصفه البعض بأنه شهيد الإنترنت الأول في العالم. وعلى عكس بن لادن، سيعامله الكثير من الأميركيين بالأساس كشخص فريد من نوعه أو كبطل حرية التعبير. وسيدافع حلفاؤه - وهم فيلق من القراصنة الذين استوحوا أفعالهم من «ويكيليكس» - عن الحرية من خلال المزيد من عمليات الانتقام الإلكترونية. ويمكن أن يخلق ذلك قضية مشتركة. وبصيغة أخرى، فإنه حتى الآن تخشى واشنطن من أن يصبح بعض الإرهابيين قراصنة. لكن ربما يجب أن نشعر جميعا بالقلق من أن يصبح بعض القراصنة إرهابيين.

وعلاوة على ذلك، فإن المعلومات التي نشرها موقع «ويكيليكس» عن السياسة الخارجية الأميركية ستكون لها آثار على علاقات دولية.

وربما كانت باكستان وراء الإطاحة برئيس محطة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية داخل إسلام آباد، وإعادته على الفور إلى أرض الوطن. ومما يثير القلق بدرجة أكبر احتمالية أن يكون قرار حكومة الأرجنتين بالانضمام إلى البرازيل في الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة رد فعل، ولو جزئيا، على رسالة مسربة جاء فيها تشكيك وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون في الصحة العقلية للرئيسة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر. ويأتي ذلك على الرغم من العلاقات التقليدية بين الأرجنتين وإسرائيل. ومن المحتمل أن يستمر الدمار الذي نال من العلاقات الأميركية الأرجنتينية. وبعد ذلك، هناك المخاطر التي يطرحها «ويكيليكس» أمام الشركات، فعندما وافقت شركات متعددة الجنسيات مقرها الولايات المتحدة، منها «ماستر كارد» و«باي بال»، على مطالب الحكومة الأميركية بمنع تعاملات مالية خاصة بموقع «ويكيليكس»، سرعان ما تعرضت هذه الشركات إلى هجمات منع الخدمة من جانب قراصنة متعاطفين مع قضية «ويكيليكس». ونتيجة لذلك، فإن هذه الشركات والكيانات الأخرى المماثلة ستكون أكثر اعتمادا على حكومات من أجل الحصول على معلومات بشأن مثل هذه الهجمات (وكيفية الحماية منها). في الماضي لم يكن استعداد الشركات لتقديم معلومات حساسة إلى الحكومة الأميركية أمرا ذا أهمية كبيرة لهذه الشركات، حيث لم تكن تواجه عدوا إلكترونيا قويا قادرا على شن هجمات متطورة. لكن يبدو أن مجموعة «مجهول»، التي ترد على التهديدات ضد أسانج، لديها إمكانيات أكبر.

وقد تعني تداعيات هذه المشكلة بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات قيودا جديدة على العولمة نفسها. وإذا بدأت الشركات في البحث عن ملاذ آمن من خلال بناء مجتمعات على شبكة الإنترنت وراء بوابات، وبعيدة عن الطريق المعلوماتي السريع، ستزداد صعوبة الحصول على المعلومات. وبينما تسعى شركات التقنية بدرجة أكبر إلى الحصول على حماية من الهيئات الأمنية الحكومية، ستكون المبيعات العالمية وخطط التوسع أكثر اعتمادا على القواعد التي تحكم الأمن القومي.

وحتى الآن لم يكشف موقع «ويكيليكس» عن أسرار صناعية مهمة، لكن على ضوء التركيز على المراسلات الدبلوماسية الأميركية تذكرنا هذه الحقيقة ببساطة بأن السفارات الأميركية تلعب دورا أصغر في تعزيز التجارة الأميركية. وإذا ما سُرّبت مجموعة مماثلة من الرسائل من حكومات فرنسية ويابانية، فإن التداعيات التجارية ستكون أكبر. لذا ربما لن يمر وقت طويل قبل أن نرى مجموعة من التسريبات - مسروقة من حكومات أو شركات - تحدث ذعرا داخل الأسواق وتؤدي إلى تراجع أسعار الأسهم وتقوض كيانات مثل «أوبك». وكما تظهر الأحداث الدرامية المستمرة المرتبطة بجوليان أسانج، ستسعى حكومات بجد من أجل إدارة مثل هذه المشكلات. لكن ستكون التحديات أكبر بالنسبة إلى الشركات، حتى لو كانت هذه الشركات ثرية.

أخذ موقع «ويكيليكس» حرية المعلومات إلى مستوى جديد تماما خلال 2010. ويمكن فقط تخيل التداعيات التي سنراها خلال 2011.

* إيان بريمر رئيس مجموعة «أوراسيا»

وباراغ خانا زميل باحث بارز في مؤسسة «أميركا الجديدة»

إيان بريمر وباراغ خانا - الشرق الأوسط - 26 ديسمبر 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق