الأحد، 17 يوليو 2011

نصير شاهر الحمود: 70 مليون أمي في العالم العربي ومثلهم من العاطلين عن العمل.. مليارات الدولارات أهدرها العرب لبناء أجهزة أمنية تحمي أنظمتها الدكتاتورية

دوره الاجتماعي والإنساني وعطاؤه المميز كانا الدافع الأساسي للأمم المتحدة لتعيينه سفيراً للنيات الحسنة، بعدما تعززت ثقة المؤسسات الدولية والتنموية بقدرة نصير شاهر الحمود على إحداث فارق في الجهود لتحسين مستوى معيشة أبناء المنطقة، فعين نائبا لرئيس صندوق التنمية للصحة العالمية، وهو حاليا المدير الإقليمي لمنظمة "أمسام" المراقب الدائم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. انطلاقاً من موقعه كان معه هذا الحوار.
■ في ظل الثورات التي يشهدها العالم العربي، كيف تنظر إلى الواقع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية؟
- في الناحية الاجتماعية، كان الواقع للفئة الكبرى من المجتمعات العربية بمثابة وقود، تلاه إطلاق شرارة ذلك التحرك الواسع، إذ شعرت تلك الفئة بأن الأنظمة القائمة على شؤونها لم تعطها النصيب الكافي من الحقوق الأساسية المتمثلة بحق التوظيف والتعليم والصحة، بل كانت هذه الأنظمة وبالاً على شعوبها باعتمادها على أبناء شعبها كمصدر لجمع الضرائب من دون مساعدة هؤلاء على الارتقاء بقدراتهم الذاتية بما يمكنهم من خوض غمار المساهمة في بناء بلادهم وتكوين ثروات مجتمعية، بعيدا عن التقليدية المتمثلة بالضريبة فحسب.
كما أن الواقع الاجتماعي للبلدان العربية، قبل هذه الثورات وبعدها، لا يدعو إلى التفاؤل وإن كنا نرجو حصول تحول، فنحو 70 مليون أمي في العالم العربي يقابلهم عدد قريب من العاطلين عن العمل وآخرون غيرهم يشعرون بالتهميش والإقصاء.
وهذا الأمر يشتبك مع الشأن الاقتصادي، فالبطالة وسوء توزيع الثروة وغياب الشفافية والفساد، هي أبرز العناوين التي حكمت الأنظمة العربية بعد سنوات الاستقلال عن المستعمرين البريطاني والفرنسي، وأصبح الخوض في الحديث عن الرقابة ومحاربة المفسدين وناهبي الثروات ضمن المحظورات التي نجحت الأنظمة في بنائها في كينونة العقل الجمعي للمجتمعات.
غالبية الدول العربية أصبحت تعاني عجزا في قدرات توفير أمنها الغذائي، إذ تعتمد على أوروبا والولايات المتحدة في شراء المنتجات الزراعية، رغم تمتع هذه البلدان بخصوبة التربة القادرة على الإنتاج، فضلا عن توافر المياه والأيدي العاملة.
■ ما هي المتغيرات التي أنتجتها الثورات العربية؟
- أبرز المتغيرات التي نتجت عن الحراك الشعبي، تمثل في إسقاط مقولة أن العرب بمثابة فائض على البشرية، كما ساهم ذلك التحرك في استعادة الشارع العربي زمام الثقة بنفسه.
لقد نجحت الأنظمة الثورية التي جاءت إلى سدة الحكم في منتصف القرن الماضي في إيهام الشعوب بأنها خير ممثل لها، وأنها هي من سيتولى قيادة الدفة نحو بر الأمان على أسس قومية أو اشتراكية تراعي العدالة والمساواة، غير أن هذه الأنظمة، التي أخذت تتوغل في صلاحياتها، ما لبثت أن تحولت شكلاً جديداً ومختلف من أشكال الاستعمار الذي تتعذر مواجهته في ظل انشغال الشعوب في همها الأساسي المتمثل في نيل فرص التعليم وتوفير لقمة العيش.
لكن لكل بداية نهاية، وقد بلغت هذه الأنظمة مرحلة من الهرم الذي تعذر معه إصلاحها، كما أنها لا تمتلك القدرة على إجراء الحوار مع الأطراف الداعين إلى الإصلاح، الأمر الذي دفعها إلى مواجهة تلك المطالب بقوة السلاح سعيا إلى ردعها. لكن ذلك لم يعد ينفع في ظل ارتفاع مستوى وعي الشارع العربي.
■ ما الدور الذي تقوم به حيال الأوضاع التي يشهدها العالم العربي، وهل هناك استنساب في التعامل مع الدول؟
- لا تمييز بين الدول التي تحصل فيها المتغيرات، فنحن نمثل هيئة دولية تقف على مسافة واحدة بين الجميع، فقد طالبنا بضرورة إحقاق الحقوق وتمكين الشعوب من استعادة حريتها في سوريا واليمن وليبيا، كما انتقدنا ممارسات طائفية تحدث في العراق. أما على صعيد دورنا فقد نجحنا في إطلاق سلسلة مبادرات إنسانية ذات صلة بمحاربة الفقر وسوء التغذية والجوع ودرء البطالة في غير دولة عربية، كما حرصنا، عبر مشاركة بعض الدول ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية، في إحراز تقدم في هذا الشأن. لكن الحكومات العربية مطالبة بلعب دور أكثر أهمية في هذا الشأن، بما يسهم في تعزيز قدراتنا على إحداث التغيير.
■ هل لك أن تشرح لنا عن تجربتك ومشاهداتك؟ ما الأشياء التي لمستها وأثرت فيك؟
- كثيرة هي الصور المأسوية التي عشتها في مناطق في القارة الإفريقية، إذ شهدنا معاناة المئات، بل الألوف، من الراغبين في الحصول على الطعام والماء ولا يجدونه، كما تأثرت كثيرا في غزة حين رأيت قدرات أبناء هذا القطاع المحاصر على جبه تحديات الحصار، فقد تنازل كثير من الأطفال عن إفطارهم اليومي لمصلحة جيرانهم أو أبناء أعمامهم لاعتقادهم أنهم أكثر حاجة منهم إلى ذلك.
لقد ساهمت الثورة المصرية في التخفيف عن الغزيين تلك الأعباء التي ترتبت على سنوات الحصار الأربع ونتمنى أن تكون مصر ما بعد الثورة سندا للقضية الفلسطينية ونصيرا لها.
■ هل تعتقد أن مسار التنمية يجري بالشكل الصحيح في الدول العربية؟
- هناك شكوك واسعة في نجاعة البرامج التي أطلقت في الدول العربية وصدقيتها وكان يروج لها لتأتي في إطار التنمية، إذ إن الحكم على صلاحية تلك البرامج يأتي من النتائج التي تظهر جليا مخيبة للآمال.
لقد اقترضت حكومات الدول العربية مليارات الدولارات من مؤسسات التمويل الدولية بغية بناء بنية تحتية متقدمة، فضلا عن إطلاق برامج تنموية تهدف إلى تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها. كما حصلت على أموال بشروط ميسرة لتحسين واقع التعليم والصحة، لكن المؤشرات الدولية تؤكد بطء التحول الذي تحققه تلك السياسات، وفي مقابل ذلك تراكمت الديون على غالبية الدول العربية وهو ما ساهم في زيادة الأعباء على المواطنين البسطاء، إذ تم تغطية عجوز الموازنات وفوائد المديونية عبر ضرائب جديدة فرضت على العموم، الأمر الذي زاد الاحتقان في الشارع العربي.
■ ألا تعتقد أن مفهوم التنمية بما هو عليه أصبح شكلاً آخر لاستعمار المجتمعات وتطويعها؟
- في جزء من هذه المقولة الأمر صحيح، إذ إن الاقتراض لأغراض التنمية وتحويل الأموال إلى غير أبوابها سيجعلها رهينة للمؤسسات الدولية التي تقاد من الدول الفاعلة في المنظومة الدولية. وعلى النقيض من ذلك استطاعت دول، من أبرزها تركيا وماليزيا، تبني برنامج إصلاح وطني من دون اللجوء إلى المؤسسات الدولية، لتتخطى أزماتها الاقتصادية بخطط منتظمة ومحسوبة.
إن مليارات الدولارات أهدرت في الدول العربية لأغراض بناء أجهزة أمنية لحماية أنظمة ديكتاتورية ولم تصرف في سبيل الارتقاء بالتعليم والصحة وسبل العيش الكريم، وهو أمر تسبب باندلاع الثورات العربية.
■ هل واجهت مواقف تمنعك عن العمل بحرية وخصوصا في القضايا الحساسة الإنسانية؟
- الصعوبات التي واجهتنا في بعض الدول تمثلت في غياب المعلومة والشفافية وإجراءات تسهيل مهماتنا الإنسانية، لاعتقاد بعض الدول أننا نميل إلى مصالح قوى فاعلة في المجتمع الدولي. ولكن نحن نقف مع الإنسان لأنه إنسان ونحاول مساعدته على ممارسة حياته بشكل طبيعي.
■ إلامَ يحتاج العالم العربي؟
- إلى أن يستذكر موقعه من العالم، وكيف تمكنت دول نامية من نيل موقع ريادي على الخريطة العالمية كالبرازيل والهند وماليزيا وعليه أن يؤمن بقدراته وقدرات شعوبه على التغيير، كما أن الدول العربية في حاجة إلى قيادات كارزمية براغماتية.
وعلى جامعة الدول العربية إعادة بناء دورها، وهو أمر مرتهن بالدور المصري المنتظر ما بعد الثورة ومدى التوافق مع الدول العربية الأخرى البارزة والتي أخص منها السعودية والعراق وسوريا.
وأخيرا أتمنى زيادة مساهمة "إمسام" ومنظمات الأمم المتحدة في التحولات الحاصلة بالمجتمعات والأنظمة العربية من خلال دفع الجهود المبذولة في الشأن الصحي والتعليمي، فضلا عن التغذية، لنحقق رسالتنا الإنسانية السامية.

زاهر العريضي – النهار 17 تموز 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق