الجمعة، 3 يونيو 2011

متى نكفّ عن تهديم لبنان

الأشهر الأخيرة شهدت أحداثاً مفتعلة وانكفاءً عن الحكم وتسيير الشأن العام ساهمت إلى حد بعيد في تعميق الشك في قدرة اللبنانيين على تأمين الاستقرار في بلدهم والتفاعل البناء في ما بينهم.
هنالك خوف على مستقبل لبنان، على رغم أن البلد بقي بصورة نظرية خارج عواصف التغيير المتصاعدة حولنا من تونس ومصر حتى سوريا واليمن وليبيا.
ولولا القلق على المستقبل وترسخ الهدوء المشهود في لبنان على أسس مستدامة لكان البلد استضاف موجات من المبتعدين عن مناخ الصدام والعاملين على استمرار نشاط مؤسساتهم ومن هؤلاء مئات الأفراد والمؤسسات في مصر وسوريا.
لبنان مستقر للراغبين في الهدوء والنشاط على صعيد إقليمي ودولي، لبنان بلد توفير الخدمات الأساسية لنجاح الأعمال والاتصالات صار نتيجة إغفال سياسييه شروط تأمين الاستقرار النفسي والأمني ابعد ما يكون عن مركز لاستقطاب أصحاب الأعمال والعائلات الراغبة في هدوء إلى حين انقضاء عواصف المنطقة.
جوانب وأحداث عدة تدفع من حولنا من يبحثون عن موقع مستقر للعمل والعيش إلى الابتعاد عن لبنان. وكان الوضع على العكس تماماً عام 2001 بعد مهاجمة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقتل أكثر من 3000 من العاملين في هذين البرجين أو في البنتاغون قرب واشنطن الذي هوجم أيضا.
نهاية صيف 2001 بات العرب متهمين بأنهم إرهابيون. هذه الصفة أو الصبغة أسبغها على العرب أتباع أسامة بن لادن، ومذ ذاك ولبضع سنوات على الأقل صار كل عربي مسافر من البلدان الغربية يخضع لإجراءات تدقيق تضطره إلى الامتناع عن زيارة بريطانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا الخ.
وكانت الحصيلة توجه المواطنين العرب نحو لبنان الذي كانت لديه حكومة تحكم، على رغم تباعد النظرة إلى الشأن العام بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وكانت النتيجة تحقيق تحرك اقتصادي مقبول بعد انقضاء سنتين من الانكماش بين 1998 وصيف 2000، واستعادة لبنان دوره السياحي والاصطيافي للمواطنين العرب، مع المنافع التي تنتج من توافد الزوار وإقامتهم واستثماراتهم في مختلف المجالات.
اليوم مع ما يجري في العالم العربي، وما تشهده البلدان الصناعية من متاعب اقتصادية ونقدية، ومع الهدوء النسبي في لبنان وسعي الجماهير العربية إلى تحقيق مقدار من الحرية المتوافرة للبنانيين، كان من المتوقع أن يعود لبنان مقصد الابتعاد عن الصدامات والانطلاق في مجال الأعمال.
على رغم الظروف المشار إليها والتي تبدو مؤاتية لتحفيز النشاط في لبنان واستقطاب ذوي الكفايات وأصحاب المبادرات، نشهد عوض ذلك انكفاء وابتعاداً عن لبنان حتى من اللبنانيين من أصحاب الإنجازات.
ولا بد أن نسأل أنفسنا لماذا هذا التناقض الفاضح بين الإمكانات النظرية والواقع الفعلي على الأرض؟
السبب الوحيد للابتعاد عن لبنان هو اعتكاف آلية الحكم عن توفير الأمان للمستثمر والزائر، وجمود التحرك السياسي والإداري الذي يصيب حاجات الناس في الصميم، كما الشعور بأن النار تحت الرماد وهي تهب في أحداث قد تبدو بسيطة لكنها بعيدة الأهمية، ولنشر إلى بعضها.
- وزارة الصحة التي توفر الدواء للأمراض المستعصية، ولا سيما منها السرطانية، وتمول عمليات غسيل الكلى للمواطنين، صارت على مقربة من العجز عن الوفاء بالتزاماتها هذه ذات الأبعاد الإنسانية والاجتماعية.
- 1,5 مليار دولار يجمدها وزير الاتصالات استناداً إلى الدستور على حد قوله وضرورة تخصيص جزء ملحوظ من هذه الأموال لإغراض إنمائية عبر البلديات. وآلية الحكم لا تستطيع تحريك هذه الأموال حتى في المجالات الإنمائية. ولبنان يتحمل في المقابل كلفة اقتراض مبلغ مماثل من اجل تغطية نفقات جارية كالمعاشات للأساتذة والموظفين الخ.
- على صعيد أخطر، قوات الأمم المتحدة تتعرض لعملية تفجير دون أي تبرير سوى، ربما، رغبة البعض في إبعاد هذه القوى عن القيام بدورها، في تشكيل حاجز أمان بين القوى اللبنانية والجيش الإسرائيلي. وربما كان القصد من العدوان إشغال القوات الدولية، بحيث لا تتصدى لمسيرة تدعو إليها الفصائل الفلسطينية يوم 5 حزيران ذكرى الهزيمة العربية الكبرى التي نتجت من تحدي مصر جمال عبد الناصر لالتزامات شروط هدنة وقعتها مصر مع إسرائيل بعد حرب 1956 واحتلال قوات فرنسية وبريطانية وإسرائيلية قناة السويس.
مسيرة 5 حزيران، ذكرى أكبر هزيمة عربية لا ندري لماذا يجب إحياء ذكراها إلا تمهيداً لانكسار جديد في وجه حرب قد تأتي، والمسرح المجاني للعبث الفلسطيني هو بالطبع لبنان.
- دراجون هوائيون أستونيون يخطفون في البقاع منذ أشهر، وأستونيا بلد صغير على بحر البلطيق شمال أوروبا، بالكاد يعرفه اللبنانيون، فلماذا خطف الأستونيون؟
الجواب السطحي يتمثل في طلب فدية مالية لإطلاق المخطوفين، وقد ظهروا على شاشة التلفزيون يطلبون المعونة بعدما استعصت قضيتهم على سلطات بلدهم.
كيف للفرنسي، أو البريطاني، أو الأميركي، أو الألماني أن يشعر إذا شاء التجول في أنحاء لبنان وبعض جوانب بيروت. هل سيشعر بالأمان وهنالك خطف لأستونيين؟ بالتأكيد لا، وهذا حجر يرمى على زجاج سمعة لبنان.
- بعد وعود مستفيضة وادعاءات كثيرة عن تحسن شبكة خدمات الهاتف الخليوي، والانترنت، لا نشهد إلا تردياً يوماً بعد يوم واستلاباً لأموال اللبنانيين والزوار أن لم يكن عبر التعرفة - وهي الأعلى في المنطقة - فنتيجة التقطع غير المعقول.
لقد باتت وسائل الاتصال حيوية للمؤسسات والأفراد وتوافرها يعتبر من أسس نجاح المجتمعات، فتصنيف المدن المستقطبة لنشاطات الأعمال والخدمات يأخذ في الحسبان دوماً جدارة هذه الخدمات بالاعتماد عليها وتكاليفها، وكلا المؤشرين من الأسوأ في العالم.
هذا قليل من كثير يبين لماذا لبنان مستمر في وضع متأزم سياسياً ويقرب من وضع متأزم اقتصادياً، والسؤال هو متى يدرك مفاتيح السياسة أنهم يؤلبون اللبنانيين على رفضهم.
اللبنانيون قد لا يتظاهرون في الشوارع مطالبين بإسقاط النظام، بل ربما غادر المزيد منهم هذا البلد البديع بكيانه والتعيس بقادته.

بقلم مروان اسكندر - النهار 3 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق