الخميس، 2 يونيو 2011

المخدرات والجنس


المخدرات والجنس
"الحشيش هاهو أمام عينيك قطعة صغيرة خضراء لا تزيد في حجمها عن حبة البندق ليست لها أي رائحة على الإطلاق .. ها هي إذن سعادتك .إن لك الحق الآن في أن تعتبر نفسك في مرتبة أعلى من كل الرجال.. إن أحداً لا يعرف ولا يمكنه أن يفهم كل ما تفكر فيه وكل ما تشعر أو تحس به إنه ملك مجهول يعيش وحيداً في معتقدات ولكن من يهتم؟؟ لقد أصبحت إلهاً!".
هذه ليست كلمات معلم من الباطنية أو أقوال أحد مساطيل الغرز بل إنها كلمات الشاعر الفرنسي الكبير بودلير يصف بها إحساسه بهذا العقار السحري الذي تحرق منه مصر أكثر من خمسين طناً كل عام .ومابين دواوين بودلير وملفات الشرطة ومابين متعة الكيف وتهمة التعاطي يظل الحشيش لغزاً مستعصياً على الفهم فكلما زادت الكبسات الأمنية وتضخمت ملفات الضبط والمطاردة كلما زاد عدد المتعاطين الذين يراوغون رجال الأمن كما يراوغهم دخانه الأزرق وكلما علت أصوات المنع والإدانة زادت أصوات كركرة الجوزة وقهقهات السلطنة!!

ومن أهم أسباب تعاطي الحشيش في العالم بصفة عامة وفي مصر بصفة خاصة الجنس أو الحصول على المزيد من متعة الجنس ففي دراسة أجراها المجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان سنة 1992 على عينة كبيرة من طلبة الجامعات والمدارس الثانوية في مصر ظهر أن الجنس هو الدافع الأول لتعاطي الحشيش وهذا يفسر لنا إذا خرجنا على نطاق أوسع من طلبة الجامعة أي على نطاق مصر كلها سر ارتباط الحشيش دائماً في الأذهان بليل ومساء يوم الخميس ففضلاً عن أنه في يوم الخميس الأول من كل شهر والذي كانت تتجمع فيه الأسر المصرية حول أجهزة الراديو لتستمتع بصوت أم كلثوم والذي كان عند نسبة كبيرة منهم لا يداعب المزاج إلا من خلال دخان الحشيش، فضلاً عن ذلك الاستمتاع الكلثومي فليل الخميس هنا في مصر له قدسية خاصة فهذه الليلة هي ليلة الجنس ليه ما حدش فاهم، هل لأنها نهاية الأسبوع وبعدها يوم إجازة وهو الجمعة؟! ومازال هذا الارتباط الشرطي بين الخميس والجنس فزورة من الفوازير المصرية المستعصية على الحل، في هذا اليوم يزيد التعاطي ويزيد الإتجار فيصبح الخميس كابوساً أسوداً لإدارة مكافحة المخدرات وحلماً وردياً لسوق المنشطات الجنسية والذي يتوهم الناس أن الحشيش هو أهم عناصرها أي أنه بمثابة الزعيم لهذه المنشطات التي ابتدعتها القريحة البشرية والتي تبدأ بالقواقع البحرية والجمبري وجذور الجينسنج ومخاصي الثور وبيض السلحفاة وقرن وحيد القرن وتنتهي بالسبانيش فلاي Spanish fly ولا بأس من أن نذكر لك كنهه وماهيته فهو عبارة عن بودرة خنافس مطحونة من جنوب أوروبا!! إلى هذه الدرجة وتطبيقاً لشعار "الحاجة أم الاختراع " دفعت حمى الجنس الإنسان إلى مواصلة البحث عما ينشط شهوته وكان الأهم والأرخص هو الحشيش.

[حتى نستطيع التعرف على ما إذا كان الحشيش منشطاً جنسياً أم لا؟؟، لا بد أولاً من أن نتعرف عليه هو شخصياً، ما هي مادته الفعالة وما هي آثاره ألعامه حتى نستطيع فهم تأثيره الجنسي وهل هو وهم أم حقيقة؟؟

الحشيش المصري أو الماريجوانا الأمريكية أو الجانجا الهندية أو الداجا الأفريقية أو الماكونا المكسيكية... الخ، كل هذه الطوائف والمسميات تنمى إلى نبات واحد هو نبات القنب ولكن الاختلافات ترجع إلى الأجزاء المأخوذة من النبات هل هي الأوراق؟ هل هي الرؤوس المزهرة؟ هل هي المادة الراتنجية؟ أم هي النبات كله؟ وبالنسبة للحشيش الذي نحن بصدده فإنه من المادة الراتنجية التي هي خلاصة إفرازات زهور نبات القنب ولذلك فهو أقوى هذه العقاقير جميعاً ويكفى أن نعرف أن الحشيش أقوى بثماني مرات عن الماريجوانا والغريب أن نبات القنب كان يستخدم في البداية في أغراض نافعة فقد صنعت من أليافه أحبال وأنواع من الأقمشة المتينة كما كان الأطباء يصفونه لعلاج بعض الأمراض وكذلك استعمل نبات القنب في أغراض دينيه ويقال إنه ظهر أول ما ظهر فوق جبال الهمالايا في شمال الهند منذ ما يقرب من 35 قرناً أما عن دخوله إلى مصر فتشير بعض المراجع التاريخية إلى أنه عرف فيها منذ حوالي القرن العشرين قبل الميلاد واستخدم حينئذ في علاج بعض أمراض العيون ولكن هذا الرأي شابته بعض الانتقادات التي جعلت المؤرخين والباحثين لا يميلون إليه ولكن المؤكد أنه دخل إلى مصر خلال القرن الثاني عشر في أوائل حكم الأيوبيين وفي هذا القرن نفسه يكتب عالم النبات العربي ابن البيطار عن القنب فيقول"إنه يزرع في مصر ويعرف فيها بالحشيش وهو يؤكل وآكله يشعر بالخفة والسرور" وقال" إن الصوفية والطائفة الإسماعيلية يتعاطونه في ممارساتهم الدينية"، وظل الحشيش بعدها بين المنع والإباحة في حالة المد والجذر يمنعه الظاهر بيبرس بالقوة حين لاحظ تأثيره السيء على معنويات جنوده أثناء حرب المغول ويبيحه الإمام القرافي ويقول إنه لا حرج في تعاطي القنب بمقادير صغيرة بحيث لا تؤثر في العقل أو تفسد الحس، ولقد اتهمت مصر لذلك من الغرب بأنها قد أخذت من الحملة الفرنسية المطبعة وأعارتها الحشيش الذي عادت به إلى بلاد النور باريس وانتشر حتى أصبح له نادٍ هناك يسمى نادي الحشاشين والذي كان من أبرز أعضائه الشاعر بودلير والأديب غوته.

ويحتوي نبات القنب على 421 مادة كيميائية وأهم هذه المواد جميعاً مادة دلتا-9-تترا هيدرو كنابينول أو اختصارا دلتا-9-تي-إتش-سي وتأثيرها يظل في الجسم في حالة تدخينها مدة من 2 إلى 4 ساعات، أما في حالة التناول بالفم أو البلع تظل من 5 إلى 12 ساعة ولكن السؤال الذي لا بد من طرحه لكي نفهم بالتدريج مدى تأثيره على الحالة الجنسية هو أين تظل هذه المادة الفعالة والخطيرة؟ إنها من المواد العاشقة للدهون ولذلك فأفضل الأماكن التي تجتذبها هي المخ والخصيتين وهنا تكمن أولى العلاقات بين الحشيش والجنس.
المخدرات والجنس
[أما ثاني العلاقات فسنستطيع فهمه إذا فهمنا التأثيرات النفسية للحشيش بعد أن ألقينا الضوء على تأثيراته البيولوجية فالحشيش يضخم الإحساس بالتأثيرات الخارجية حتى النكتة التي لا تستحق حتى الابتسام تجعل الحشاش يستلقى على قفاه من الضحك، إنه يطرب للموسيقى سواء كمطرب أو كمستمع أفضل، إنه أكثر بهجة بالألوان والمناظر الطبيعية والأهم أن اللمس لديه أكثر حساسية وهذه أيضاً نضعها في خانة الارتباط بين الحشيش والجنس، أما إحساس الزمان والمكان فيتعرضان للتشوه الشديد على يد الحشيش فتصبح الدقيقة ساعة وحجرة المساكن الشعبية قصراً من قصور ألف ليلة وليلة!! وهذا الإحساس الزمني المشوه بالذات هو نقطة من النقاط الأساسية التي تروج للحشيش في دنيا الجنس خاصة عند الذين يعانون من سرعة القذف أو من البرود الجنسي للزوجات ولكنه في الواقع ما هو إلا وهم كما سنعرف فيما بعد حين نتعرف على الدراسات التي أجريت على هذه المسألة، وآخر هذه التأثيرات النفسية والتي أعتقد أن لها دوراً كبيراً في ارتباط الحشيش بالجنس هي ذوبان كل الكوابح والفرامل التي تقيد وتكتف شخصية المتعاطي في ظروفه الطبيعية ويقول مرجع الطب النفسي الأمريكي لكابلان وسادوك وهو من أهم هذه المراجع في العالم يقول أن هذا الذوبان أو التحرر يحدث على مستوى التعبير بالكلام فضلاً عن التعبير بالتصرفات ولكن بالنسبة للتصرفات السلوكية ينفى المرجع أن يفعل الحشاش عموماً أي تصرفات إجرامية إلا إذا كانت طبيعة شخصيته الأصلية تميل إلى الإجرام أما بالنسبة للجنس في هذه النقطة بالذات فالحشيش هنا يذيب الوقار المصطنع ويشجع المتعاطي على إتيان أشياء أثناء الممارسة تجلب له اللذة كان من المستحيل أن يفكر فيها في الحالة الطبيعية وأعتقد أن هذا سبب مهم آخر لتعاطي الحشيش هنا في مجتمع يريد أن يتصرف في غرف النوم كما يتصرف في حفلات الكوكتيل الدبلوماسي وهو يرتدى الردنجوت والبابيون!!

[يقولون في الأمثال الشعبية "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب" فما بالك إذا كان ذلك المجرب هو الطبيب أو الصيدلي نفسه هنا يكون الحديث أكثر دقة والوصف أكثر تشويقاً وقد جرب كثير من العلماء والأطباء تحت تأثير الفضول العلمي الحشيش بكافة أنواعه ووسائل تناوله ومنهم العالم الفرنسي "باسكال بروتو" والعالم الألماني شنيدر والذي كان يتعاطاه بجرعة تبلغ ثلاثة ملليجرامات من خلاصة الحشيش أما تجربة العالم "بور" والذي جرب الحشيش بتناول ستين نقطة من خلاصة الحشيش كانت تحضرها له إحدى الشركات فقد كانت تجربته أهم هذه التجارب ونقتبس هنا فقرة يلخص لنا فيها حالته الجنسية بعد تناول الحشيش، يقول بور أنه وجد نفسه وقد أصيب بحالة من الرعشة المتعمدة وأنه كان يعلم بأنه يرمى بذراعيه حوله ويتحرك وهو يكتب كالثعبان ويبدو كالبلياتشو لما يقوم به من حركات عجيبة بوجهه وبعينيه وفمه ولكن المهم في الأمر أنه لم يكن في إمكانه الامتناع عن هذا الأداء، أما من ناحية الرغبة الجنسية فقد كان يشعر أنها غائبة تماماً وأن ملكة الجمال فينوس نفسها لو تجسدت أمامه لما أغرته ولكن رغم ذلك الهبوط في الرغبة الجنسية إلا أن شهيته للطعام كانت كبيرة إذ أنه ابتلع دجاجة كاملة وكمية كبيرة من العيش والزبد، وما لبث بعدها أن أخذته موجة من الهلوسة إذ شعر بأنه يجلس في قارب يبحر به في السماء وسط سحب وردية اللون!!

* وما زال سؤال هل الحشيش إدمان أم عادة مطروحاً بشده على ساحة الطب النفسي ولكن أغلب الأطباء النفسيين يميلون إلى الرأي الثاني وهو أنه مجرد عادة لأنه ليست له أعراض انسحاب مثل الأفيون إذا تخلى عنه المتعاطي وهذا ما جعل المجتمع المصري يصدم بشده حين أعلن هذا الرأي د.حسن الساعاتي ود.محمد شعلان في بداية الثمانينات حين طالبا بالإباحة بدلاً من المنع وكان رد الفعل عنيفاً إذ سرعان ما تكونت جبهة مضادة تتشكل وعلى رأسها د. مصطفى سويف ود. أبو العزايم وقد ذكر د.سويف أن الخطر الأكبر في الحشيش هو في أن متعاطيه يصعد درجات أعلى في سلم المخدرات فقد أعلن أن الانتقال إلى تعاطي الأفيون يتم بمعدل 3% سنوياً من بين المتعاطين المنتظمين للحشيش.

[أقدم الدراسات التي عالجت مسألة الحشيش والجنس أجريت في الهند عام 1939 بواسطة د. كوبرا على 1238 متعاطٍ للحشيش وقد جاءت النتيجة كما يلي:

- 24% ذكروا أن العقار لم يكن له أي تأثير على رغبتهم الجنسية أو أدائهم الجنسي.
- 20% أشاروا إلى أنه تسبب في بعض الانتعاش في البداية ثم حدث هبوط بعد ذلك.
- 16% ذكروا أنه نبههم جنسياً وساعدهم في الأداء.
- 40% سبب لهم هبوطاً جنسياً سواء في الرغبة أو في الأداء.

وفي دراسة أحدث أجراها العالم كولدوني بمعهد جونسون سنة 1973 على خمسمائة رجل تتراوح أعمارهم مابين الثامنة عشره والثلاثين واستمر تعاطيهم لمدة ست أو سبع سنوات وقد كتب في تقريره النهائي "بازدياد تعاطي الحشيش تتناقص معدلات النشاط الجنسي ويقل تكرار حدوث التهيج".

وقد أرجع ماسترز وجونسون وهما أكبر عالمين في مجال العلوم الجنسية SEXOLOGY الإحساس بتحسن الأداء الجنسي الذي قد يشعر به المتعاطي إلى ما يمنحه الحشيش من زيادة حساسية اللمس أو الراحة من بعض القيود النفسية التي تكبله في حياته العادية، هذا عن الرجل الحشاش فماذا عن الست الحشاشة؟؟ ذكر العالمان ماسترز وجونسون أن الحشيش يسبب جفافاً مؤقتاً لجدار المهبل والذي يسبب للمرأة في معظم الأحيان ألماً حاداً أثناء الجماع.

[كانت هذه الدراسات السابقة عن الأداء الجنسي فماذا عن علاقة الحشيش بالخصوبة الجنسية؟، أثبتت دراسات عديدة أن للحشيش تأثيراً على عدد وحركة وشكل الحيوانات المنوية مما يؤثر على خصوبة الرجل ولكن معظم هذه الدراسات أثبتت أن هذه التأثيرات قابلة للعودة لمعدلاتها الطبيعية بعد الامتناع عن الحشيش ومن أهم هذه الدراسات العلمية الدراسة التي أجراها د. ويلي همبري بجامعة كولومبيا في منتصف السبعينات على ستة عشر شاباً ممن كانوا يتعاطون الحشيش فقط وقد أقام هؤلاء المتعاطين الشباب في المستشفى لمدة ثلاثة أشهر تحت الملاحظة وكان د. همبري يأخذ منهم تحليلاً للسائل المنوي كل أسبوعين وتحليلاً هورمونياً كل أسبوع وكانت النتيجة كما يلي:

- نقص يقدر بحوالي 40% في عدد الحيوانات المنوية.
- نقص يقدر بحوالي 20% في حركة الحيوانات المنوية.
- زيادات مختلفة في الأشكال المشوهة للحيوانات المنوية.

* وبرغم كل هذه الأرقام السابقة فما زال صندوق الحشيش الأسود مفقوداً هنا في مصر لأنه في مجتمعنا له عالم خاص وأبجدية خاصة وسبب لجوء الناس إليه مختلف هنا عن الغرب الذين أجريت عليهم هذه الدراسات ولذلك فنحن نحتاج لدراسات خاصة بنا لنفهم من خلالها لماذا نصرف كل هذه المليارات لنظل في حالة السطل؟ ولماذا نحل مشاكلنا الجنسية خلف غلالة رقيقه من الدخان الأزرق.

خالد منتصر - إيلاف - GMT 19:45:00 2004 الثلاثاء 20 يوليو

0 تعليقات::

إرسال تعليق