السبت، 4 يونيو 2011

حركة ميزان القوى تحدّد تدخلها في اليمن.. دول الخليج تنتظر «سقوط الصنم»

يمني يتابع عملية تشييع ضحايا موالين للشيخ صادق الأحمر في صنعاء أمس (رويترز)
«النتيجة الأكثر ترجيحاً للأزمة هي ترك علي عبد الله صالح السلطة من خلال اتفاق سياسي يوافق عليه من موقع الضعف أو إطاحة قوات عسكرية منشقة وزعماء قبائل به من كرسي الرئاسة»...

حاول متابعو مشاهد «الحرب الأهلية» في اليمن، كمجموعة «أوراسيا» للبحوث السياسية، تصوّر خواتيم الأزمة التي مضى عليها أكثر من أربعة أشهر، والتكهّن بما قد تؤول إليه من انشقاقات في البيت اليمني الواحد – غير الموحّد – وقراءة التغييرات الجذرية التي قد تنتج من مثل هذه المواجهات الضارية.

قلنا «حربا أهلية» لان التوصيف لم يعد بحاجة إلى جرأة أو دقة، كما أن التسمية لم تعد تحتمل التأجيل ولو أن بعض القادة اليمنيين أصروا على استبعادها، على الأقل إعلامياً. اليمن اليوم أكثر وضوحاً مما كان عليه مع اندلاع الثورة الشبابية: رئيس البلاد وقواته الحكومية يقاتلون زعيم القبيلة الأقوى، الرئيس مصاب «يقاوم» دعوات التغيير بالقوة، القصر الرئاسي ساحة من ساحات الصراع، العاصمة ترزح تحت رصاص القبائل المحتشدة والميليشيات، مظاهر مسلحة تعدّت الخناجر التقليدية لتشمل الكلاشنيكوف والقذائف والصواريخ... والخارج يتفرّج إلى حين يصبح فيه التدخل ضروريا!

إذاً، رأى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وزعيم قبيلة «حاشد» صادق الأحمر أن «إستراتيجية المواجهة» هي الحلّ وان معركة «التصفية» ستستمر على قاعدة «يا قاتل يا مقتول» على مرأى من العيون الخليجية التي تبدو في موقع الجار، الذي نفض يده من مشاكل جاره الداخلية بعدما فشلت مساعيه الأولى. فماذا تقول الأوساط الخليجية اليوم في وقت شملت المواجهات الصاخبة إصابة صالح بجروح «طفيفة» وبات منزل الأحمر ساحة حرب؟

«إن المكوّنات الرئيسية في اليمن تنظر إلى الصراع الدائر على أنه بمثابة صراع أجنحة داخل البيت الحاكم، إن لم يكن محاولة للالتفاف على منجز الثورة اليمنية ومصيرها. أما المساعي الإقليمية والخليجية فغائبة الآن بانتظار حركة ميزان القوى، قبل تقرير الموقف، خصوصاً أن الطرفين المتصارعين حليفان أساسيان للسعودية تحديدا، وهذا ما يعني بشكل أو بآخر اختطاف الثورة، أو أحد تدابير الثورة المضادة»... يجزم الباحث السعودي فؤاد إبراهيم في حديث لـ«السفير» إذاً، بأن المحرّك الأساس الذي أودى بالخصومة السياسية بين آل الأحمر وصالح إلى هذا المستوى من الخطورة، هو «استنفاد العلاقة الثنائية لأغراضها»، وانه لا بدّ أن يتمكّن أحد الطرفين من إدارة المصالح الإقليمية، والسعودية خاصة، منفرداً، في إشارة إلى «بيت الأحمر» الذي رأى إبراهيم أن «بإمكانهم أن يلعبوا دوراً في المستقبل من خلال الانضواء في الثورة اليمنية طمعاً في الحصول على قطعة وازنة من كعكة السلطة المقبلة».

حالة الانتظار والترقب، وربما التفرّج، تَظهر جليا في أداء الأطراف الخليجية التي لا تستطيع، برأي الكاتب وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات عبد الخالق عبد الله، «حسم المواجهة العسكرية الحاصلة أو إيقافها» بل «أن التدخل الخليجي ينتظر مرحلة إضعاف الطرفين المتصارعين.. وعند تلك اللحظة تأتي مبادرة خليجية جديدة». يؤكد عبد الله لـ«السفير» أن «الطرف الخليجي تدخّل بكل ثقله السياسي والدبلوماسي في اليمن مروّجا للمبادرة الأولى، لكنه لم يستطع إقناع صالح بالتنحي، بالإضافة إلى عدم تعاون الطرفين الآخرين: الشباب الذين رفضوا المساعدة والمعارضة التي واصلت وضع الشروط». وجزم عبد الله بالقول «المبادرة الأولى انتهت، رغم أنها نصت أساساً على ترك صالح للسلطة وهو ما شكّل مطلباً سعودياً وخليجياً وأميركياً».

يضع الأكاديمي الإماراتي المواجهات في صنعاء في خانة «المحصلة الطبيعية لفشل المبادرة الخليجية» كما يتوقع استمرار المعارك خلال الصيف، إذ «لا بد من فترة تصعيد لتعود الدبلوماسية الخليجية إلى الساحة اليمنية. فالعودة مؤكدة ولكن ليست قريبة»، كما يلقي عبد الله باللوم على الرئيس اليمني الذي «اعتبر بمواجهته الأقوى عسكرياً يستطيع تمرير الرسائل إلى الأطراف الأخرى».

قتال «الأقوياء» يضع الحرب اليمنية في طليعة الملفات الإقليمية والدولية، وهو ما يُقرأ في تصريحات التحذير والتهدئة، لكن ما يشغل بال الدول المحيطة لم يعد الأمس والحاضر بل معالم العهد اليمني الجديد. ويقول إبراهيم إن «السعودية تحاول العثور على حليف قوي في اليمن القادم، لذا هي تسعى لاقتناص طرف قبلي - حزبي - مناطقي يمكن التعويل عليه في المستقبل»، مضيفا أن «الدعم الذي قد يحظى به الأحمر إقليمياً، سعودياً، ودولياً، يندرج في سياق مسعى صنع البديل وإن تبطّن التفافاً على الثورة اليمنية، ولكن لا أعتقد أن ما سينجم عن سقوط الصنم، سيأتي منسجماً مع خطط الدعم الإقليمي والدولي، لأن الأوضاع ما بعد رحيل صالح لن تكون، بالتأكيد كما قبلها، فالعقدة اختزلت الآن في بقاء الرئيس أما رحيله فسيعني الكثير».

ربما أصبحت لغة المبادرات في «خبر كان» ولكن التسويات التي قد تتمكن من إنقاذ اليمن مما وصل إليه لا بد وأن تتخطى معوّقات أربعة فنّدها نائب مدير معهد «بروكينغ» في الدوحة إبراهيم شرقية لـ«السفير»، وهي أولا، تحدي تطبيقها، إذ أن صالح لا يحكم بمفرده بل يمثل نظاماً قبلياً وعسكرياً كاملاً متكاملاً، لذا فإن توقيعها يعني أخذ رضى كل مفاصل شبكة النظام، ثانيا، ثقة الشباب شبه المفقودة بقيادات المعارضة التي لا يعتبرون أنها تمثلهم، ثالثا، إصرار صالح على التنحي بشكل مشرّف، ورابعا، عامل القوة الذي لجأ إليه صالح كل الفترة الماضية من خلال الحشد في الشارع.

دنيز يمين - السفير 4 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق