الاثنين، 6 يونيو 2011

السعوديّة والثورات العربيّة: إيران أولاً

وزيرا خارجية السعودية والبحرين قبيل بدء اجتماع مجلس التعاون في الرياض أمس (فايز نور الدين ــ أ ف ب)
حين عاد الملك السعودي عبد الله، في الثالث والعشرين من شباط الماضي من المغرب، آخر محطة في جولته العلاجية، إلى السعودية، وجد أمامه ثلاثة ملفات: الإصلاح في السعودية، الانتفاضة الشعبية في البحرين، وتداعيات سقوط الرئيسين التونسي والمصري.
تجاوز استقبال الملك عبد الله في الرياض حدود الحفاوة والابتهاج بعودته معافى من رحلة العلاج، التي دامت ثلاثة أشهر، كثرت خلالها الشائعات عن تدهور حالته الصحية، بل إن البعض أذاع خبر وفاته قبل عودته من المغرب بأسبوع. المغزى السياسي لاستقبال الملك يقع في قلب اللحظة العربية الحافلة بالحركة والاضطراب والجدل، فبينما بعض أقرانه من الرؤساء العرب كانوا يتركون بلدانهم وآخرون يقاومون المد الشعبي الذي يطالب برحيلهم، يعود العاهل السعودي على نحو احتفالي اختلطت فيه الرعية بعلية القوم خلال الاستقبال الذي حصل على أرض المطار، وتواصل أياماً عدة في قصره، وأشاعت من حوله وسائل الإعلام جواً خاصاً، اجتهدت خلاله لإظهار حب السعوديين ووفائهم لـ«ملك الإصلاح»، حسب الصفة التي صارت معروفة عنه منذ توليه إدارة دفة المملكة إثر اعتلال صحة شقيقه الملك فهد جراء جلطة دماغية سنة 1995 أقعدته عن متابعة تفاصيل الحكم.

وجد الملك عبد الله نفسه أمام موقف دقيق، حين أخذ يعود تدريجاً إلى العمل بعد رحلة العلاج التي دامت ثلاثة أشهر في الولايات المتحدة والمغرب. ذلك أن رياح الثورات التي هبت من تونس بدأت تقترب من حدود المملكة، وهو بحسه البدوي الفطري استطاع أن يفرق بين الرياح الموسمية العابرة التي تهب عادة على السعودية، آتية من صحراء الداخل، وتلك التي تدوم وتعصف بالأخضر واليابس، حين تكون آتية من الخارج.

فريق الملك عبد الله كان ينتظر على أحر من الجمر، وكل عضو من أعضائه يقبض على ملف ثقيل محشو بالشكاوى والاقتراحات والدراسات والأرقام. فقبل سفره إلى واشنطن في نهاية تشرين الثاني الماضي للعلاج، كان العاهل السعودي قد بدأ جملة من الخطوات بهدف ترتيب البيت الداخلي في إطار تصوره الخاص لخلافته. لكن الملك عكس الاتجاه العام وأعطى الأولوية لتحصين المملكة في وجه عاصفة الثورات.

ويروي مصدر سعودي أن الملك عبد الله جمع مجلس العائلة، الذي كان قد علّق اجتماعاته الدورية في غيابه وناقش معه مسألة وضع استراتيجية لكيفية التعاطي مع التطورات، واستقر الأمر على جملة من الخطوط العريضة داخلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً، ضمن توجه أن تقود السعودية سياسة هجومية كأفضل وسيلة للدفاع، وتغيير مسار العاصفة القادمة، لذا، شُرع على عجل بحل الملفات المعقدة في السكن والتعليم والتشغيل. ورُصد مبلغ 35 مليار دولار لذلك.

الدافع إلى التحرك السعودي السريع هو الإحساس بتكوّن رأي عام داخلي يطالب ببدء مسيرة الإصلاح من دون تأخير، وقد تجاوزت المطالبة حدود حل ملفات التمييز بحق الأقليات إلى حركة شبه منظمة قوامها قطاع واسع من المثقفين والنساء والجيل الجديد. وعلى تنوع مشاربه وتعدد مطالبه، يأتي هذا القطاع عند نقطة أساسية، هي أن الحكم في السعودية صار بالياً وعتيقاً تهيمن عليه مسحة دامغة من الشيخوخة والعجز والتحجر. فالأجيال الجديدة خصوصاً، ترى نفسها في مرآة العصر، وهزتها صورة ما حصل في تونس ومصر، وهي التي تحضر بقوة في عوالم التواصل الاجتماعي منذ زمن طويل بسبب الإمكانات المتاحة لها للتواصل مع قنوات الإعلام ووسائل التعبير الجديدة. وهذا الجيل ليس مسكوناً بهاجس التغيير فحسب، بل يريد أن يعيش حياته على نحو مختلف، وهذا ما تعكسه جملة الأعمال الروائية المكتوبة بأقلام نسائية خلال العقدين الأخيرين، من أمثال بدرية البشر، ورجاء الصانع ورجاء العالم. ويطمح الجيل السعودي الجديد إلى أن يتمتع بثروات بلاده على نحو مختلف، ويعيش حياته وفق طراز عصري يحاكي النسق الكوني القائم على الانفتاح والاختلاط، فيما يصر الجيل الحاكم، وما يحيط به من ديكور ديني، على أن السعودية هي مملكة العائلة صاحبة الحق الشرعي في اختيار نمط الحياة لكافة السعوديين.

طرح مسألة الملكية الدستورية في البحرين حرّك البحر السعودي الراكد، فالحكم لا يزال يستمد شرعيته من الشريعة الإسلامية، بدعم من المؤسسة الوهابية التي تشرّع القوانين. خطة السعودية لمقاومة عدوى التغيير قامت على المواجهة من أراضي الغير، ومنذ اللحظة الأولى التقى الملك عبد الله والأمير نايف، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، عند نقطة واحدة، أن البحرين هي الخاصرة الضعيفة للسعودية، والناقل النموذجي للحرارة إلى بلدان الخليج، وما يحصل فيها يمكنه أن يمثّل مختبراً لإنتاج وصفة يجري تعميمها خليجياً، ومن هنا يجب إغلاق النافذة البحرينية التي بدأت تتسرب منها رياح التغيير إلى شرق المملكة التي تسكنها أغلبية شيعية تعاني التمييز، وتتركز فيها الغالبية العظمى من الثروات.

علاج الشأن البحريني كان يتطلب قرارات جريئة، يمكن أن تكون لها آثار إقليمية وعربية ودولية. لذا، تحركت الدبلوماسية السعودية في ثلاثة اتجاهات: ترتيب البيت الخليجي، تكثيف الاتصالات العربية والدولية، وتحرك أمني سريع لتطويق انتفاضة البحرين. وإزاء ذلك وضعت السعودية إيران في المرمى الآخر.

لم يكن في وسع الملك عبد الله أن يبدأ الهجوم المضاد قبل أن يوحد كلمة الخليجيين من حوله، وهي مهمة بدت صعبة لعدة اعتبارات، رغم أن العاهل السعودي وضع مسألة الأمن الخليجي في الصدارة، وجرّد مبرراً لذلك مساندة إيران لانتفاضة البحرين، وهنا، عُمل على بلورة خطاب سعودي يقول إن ما يحصل في البحرين يتجاوز الانتفاضة الشعبية إلى تقويض أساس الحكم وفق مخطط إيراني يستهدف بقية دول الخليج، واستند هذا الخطاب إلى الدعوات التي أطلقها بعض أقطاب المعارضة البحرينية الشيعية لإقامة جمهورية، مثلما ورد في تصريحات زعيم حركة حق حسن مشيمع، الذي عاد من منفاه في لندن ليرفع من مستوى شعارات الانتفاضة من المطالبة بملكية دستورية إلى إقامة جمهورية.

ويقول مصدر خليجي إن المعوّقات التي وقفت في طريق الملك عبد الله تتمثل في كسب تأييد كل من قطر وعمان والإمارات والكويت لتوجهه. كان الملك عبد الله يريد من قطر ثلاثة أمور: الأول أن تغير قناة الجزيرة من تعاطيها مع الوضع في البحرين والمنطقة الشرقية، وألّا تتبنى الحركة الاحتجاجية على النحو الذي اشتغلت عليه في كل من تونس ومصر. والأمر الثاني السير في ركب السعودية في ما يخص الموقف من إيران والموافقة على الاستراتيجية الأمنية الخليجية، انطلاقاً من تفعيل التعاون العسكري بين بلدان الخليج، في إطار قوة درع الجزيرة، التي هي من حيث الشكل قوة خليجية، أما من الناحية الفعلية فهي قوة سعودية، فضلاً عن أنها لا تمثّل أكثر من مرجعية رمزية للتغطية على تعثّر بناء مؤسسات خليجية موحدة ذات منهجيات عمل على المستوى الاتحادي. فالسائد هو العمل الأحادي، حيث لكل بلد أجهزته العسكرية والأمنية والاتفاقات الدفاعية الخارجية. والأمر الثالث هو عدّ الشأن البحريني شأناً خليجياً داخلياً، يتكفل الخليجيون بعلاجه في ما بينهم من باب التكافل والتضامن داخل الأسرة الواحدة، وعلى نحو لا يؤدي إلى تحرك العالم ضدهم تحت بند التدخل في شأن بلد مستقل.

واللافت أن قطر راعت التوجه السعودي، وهو ما عكس نفسه من خلال مسألتين: الأولى هي تغطية الجزيرة لانتفاضة البحرين والحركة الاحتجاجية في السعودية. ورغم أن الأخيرة كانت خافتة الصوت ولم تسلط عليها أضواء إعلامية، مثّلت قضية البحرين مأخذاً على مهنية الجزيرة، وكان واضحاً أن التغطية تصدر عن موقف سياسي قطري. والمسألة الثانية هي دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، الذي كان بقرار من كل دول مجلس التعاون، بما فيها قطر. وفي كل الأحوال، هناك نقطة تستوجب الإشارة، هي أن الدوحة لم تسر في الخط السعودي للتحريض على إيران، وظلت علاقاتها مع طهران على الوتيرة السابقة نفسها.

وفي ما يتعلق بمواقف كل من عمان والكويت، لم تكن المسألة سهلة، مثلما تصورت السعودية، ورغم أن الرياض حاولت إغراء عمان بالمال، إلا أن سياسة التوازن العمانية تجاه إيران بقيت سارية المفعول، والأمر ذاته بالنسبة إلى الكويت، التي تعكّر صفو علاقاتها مع إيران التطورات الأخيرة، وفي الخصوص التجاذب الدبلوماسي من حول إعلان الكويت اكتشاف شبكة تجسس إيرانية تعمل على أراضيها، وقد جرى تجاوز الأزمة بسرعة.

الإمارات وحدها وقفت إلى جانب السعودية. وتفيد مصادر إماراتية بأن موقف الإمارات ليس نابعاً من اعتماد وجهة النظر السعودية بقدر ما أنه يعتمد على أمرين: الأول هو الخلاف مع إيران على قضية الجزر الثلاث، والثاني هو المخاوف الإماراتية الفعلية من المشروع النووي الإيراني. نجحت السعودية في توحيد الموقف الخليجي من البحرين، وفشلت في توجيهه ضد إيران، لكنها لم تتراجع عن مسألة الاستراتيجية الأمنية وفق طموح سياسي بعيد ينحصر في هدفين: حرف اتجاه رياح التغيير لكي لا تصل المملكة، وأداء دور أساسي في رسم الخريطة السياسية المقبلة، وهذا ما يفسر تدخلها بقوة في الثورتين الليبية واليمنية.

وفي كل الأحوال، إن التلويح بالخطر الإيراني لا يكفي وحده لكي يستمر التضامن الخليجي، وتتحقق مناعة منطقة الخليج في وجه عواصف التغيير، ويبقى ملفان أساسيان مفتوحان يحددان مستقبل الوضع في السعودية: الأول تسوية الأزمة البحرينية على نحو يعيد الموقف إلى ما كان عليه قبل دخول قوات «درع الجزيرة»، والثاني يتعلق بالإصلاحات في السعودية.

سياسة السعودية في الالتفاف على الثورات العربية مرشحة لأن ترتد عليها سلباً، إن الأمر يحيل على موقفها من مصر الناصرية، حينما وضعت نفسها في وجه المد الشعبي، لكنها لم تنجح في هزم عبد الناصر، رغم الإمكانات الهائلة التي وظفتها لإسقاطه.

كرهاً بالثورات

في الوقت الذي تبذل السعودية جهوداً كبيرة لوأد انتفاضة البحرين، فإنها تؤيد ما يحصل في ليبيا وسوريا، وتتمنى سقوط نظامي الحكم في طرابلس ودمشق، إلا أنها لم تقم بخطوات أو تصدر مواقف حيال التحركات الاحتجاجية في البلدين. وقال مصدر ليبي في المجلس الانتقالي لـ«الأخبار» إن محاولات انتزاع اعتراف سعودي بالمجلس باءت كلها بالفشل، وأكد أن محاولات تدخل أميركية وقطرية وكويتية، لم تؤدّ إلى نتائج ملموسة. وكشف عن أن الرياض رفضت حتى استقبال وفد من المجلس.

ورغم أن السعودية على خصومة قديمة مع الزعيم الليبي معمر القذافي وتتمنى زواله، إلا أنها نأت بنفسها كلياً عن التحرك الخاص بمعالجة الوضع الليبي، وهي لم تشارك رسمياً في جهود الحلف الأطلسي لحماية المدنيين على غرار شقيقاتها في مجلس التعاون، قطر والإمارات والكويت، ولم تنضم إلى مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بليبيا التي تضم 22 دولة ومنظمة منها منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تؤثر عليها السعودية في صورة كبيرة، وأخيراً لم تُسهم في الصندوق الذي تأسس في روما لتمويل الثوار الليبيين.

أما في ما يخص التطورات في سوريا، فقد مارست السعودية سياسة الصمت، ولم يصدر عنها موقف رسمي، لا لمصلحة الحكم ولا خصومه، بل إنها لم ترد حتى على الاتهامات التي صدرت عن أوساط غير رسمية بشأن تورطها في عمليات تخريب منسوبة إلى رئيس مجلس الأمن القومي السعودي بندر بن سلطان. وتؤكد أوساط عربية مطلعة أن السعودية تتمنى سقوط الرئيس بشار الأسد، وتراهن على حليفيها رفعت الأسد وعبد الحليم خدام. وتستبعد الأوساط أن تدعم السعودية جماعة الإخوان المسلمين، فالاتجاه السائد فيها حالياً ليس على اتفاق عقائدي معها، وهي أقرب إلى الاتجاه التقليدي الذي تمثل في المراقب العام الأسبق عصام العطار.

وتفسر أوساط سعودية مواقف الرياض من الحالتين الليبية والسورية، بأنها نابعة من موقف مبدئي من الحركات الاحتجاجية، وما دامت قد تحركت لقمع انتفاضة البحرين، فهي لا تستطيع أن تسجل على نفسها تأييد إسقاط النظامين في ليبيا وسوريا، وهي تميل في العمق إلى نوع من التسويات تجربها الآن في اليمن.

البحرين: رفع حظر التجوال اليوم

أعلنت قوة الدفاع في البحرين، أمس، رفع حظر التجوال بدءاً من اليوم، لكن مع استمرار الحظر البحري، نظراً إلى عودة الأوضاع الأمنية إلى وضعها الطبيعي، بحسب ما ذكرت في بيان لها. ويأتي هذا الإجراء التخفيفي قبل نحو أسبوع من رفع حالة السلامة الوطنية (الطوارئ) في حزيران المقبل.

من جهة ثانية، عقدت المحكمة الابتدائية جلسة لما يعرف بالخلية الإرهابية المتهمة بمحاولة قلب النظام خلال الأحداث الأخيرة، التي تشمل قادة المعارضة. وذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن الجلسة كانت «طويلة جداً»، وأنه جرى استدعاء مجموعة من الشهود، وسُمح للمعتقلين بلقاء عائلاتهم لوقت قصير. وأُجّلت جلسة المحاكمة الى 25 أيار المقبل.

وفي السياق، قضت محكمة السلامة الوطنية الاستئنافية، بالإجماع، بتأييد الحكم الصادر بإعدام متظاهرين اثنين، وكذلك تأييد الحكم الصادر بالسجن المؤبد لمتظاهر ثالث، وتعديل الحكم الصادر بحق متظاهرين اثنين، واستبدال عقوبة الإعدام بالسجن المؤبد.

(الأخبار) بشير البكر: العدد ١٤١٨ الاثنين ٢٣ أيار ٢٠١١

0 تعليقات::

إرسال تعليق