من المرتقب أن يلقي الرئيس باراك أوباما خطاباً عن الشرق الأوسط الخميس المقبل في وزارة الخارجية الأميركية. ومن المقرّر أن يلتقي العاهل الأردني عبد الله الثاني الثلاثاء، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجمعة. وسوف يلقي أوباما أيضاً كلمة أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية (إيباك)، اللوبي اليهودي الأكبر في الولايات المتحدة، الأحد المقبل. نستطيع أن نقول بكلّ ثقة إذاً إن عملية السلام في الشرق الأوسط تحتلّ مساحة في تفكير الرئيس الأميركي.
استقال جورج ميتشل للتو من منصب المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط قبل انتهاء ولايته التي كان من المفترض أن تمتدّ سنتين، "لأسباب شخصية" كما قال. فهل يمكن أن تكون تلك الأسباب الشخصية إخفاقه في حمل الفلسطينيين والإسرائيليين على التوصّل إلى اتّفاق للسير قدماً نحو السلام؟ أم أن السبب الحقيقي هو إدراكه أن الصبر والديبلوماسية والفهم العميق للمنطقة ليست كافية على الإطلاق لتغيير الستاتيكو وإقناع كل الأفرقاء بأن التسويات المتبادلة والمطالب الواقعية والتطلّعات المدروسة هي الوحيدة الكفيلة بأن تتيح لهم اجتياز خطوة نحو حل سلمي يمكن أن يكون مقبولاً لدى الجميع، علماً أنها أيضاً ليست كافية لتحقيق السلام؟
من المرتقب أن يلقي نتنياهو كلمة أمام الكونغرس الأميركي بحلول نهاية الأسبوع. عبثاً نتوقّع منه تقديم شيء جديد. إن كان هناك من يحبس أنفاسه ترقّباً لما سيقوله، فثمة أمر أكيد: ليس مسروراً بالمصالحة الأخيرة بين حركتَي "حماس" و"فتح". التقارب بين الفصائل الفلسطينية هو مصدر إحباط كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلي لأنه يدحض الزعم الذي استخدمه مراراً وتكراراً في الماضي. فطالما ردّد أنّ الفلسطينيين منقسمون، وأن الرئيس محمود عباس لا يتحدث باسم كل الفلسطينيين، وأن أيّ اتّفاق توقعه إسرائيل مع عباس سيلقى على الأرجح رفضاً من "حماس". أما الآن وقد بات عباس يمثّل الفلسطينيين من موقع راسخ ويبدو مصمّماً على ان يطلب من الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول المقبل، يجد نتنياهو نفسه في وضع حرج وخياراته الفعلية معدومة. إذا قال إن إسرائيل لن تتفاوض مع حكومة فلسطينية تضمّ "حماس"، فمن المؤكّد أنه سيدفع الفلسطينيين إلى السعي لإعلان دولتهم المستقلّة بصورة أحادية، وغالب الظن أن الأمم المتحدة سوف تُذعِن لرغبتهم. القبول بالوحدة الفلسطينية والتقدّم في اتّجاه محادثات تسفر عن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلّة استناداً إلى حدود 1967 هو أمر مستحيل الآن، إلا أنه قد يصبح قريباً الخيار الوحيد المتاح أمام نتنياهو. فقد يُنحّيه الإسرائيليون الذين يريدون أن ينتهي المأزق – وأعدادهم كبيرة بما يكفي لإحداث فارق – جانباً ويستبدلونه برئيس وزراء يسلك الاتّجاه المنشود.
مع خروج جورج ميتشل من الصورة، لا يبدو الرهان على أوباما واعداً جداً. إذا لم تضع الولايات المتحدة خطّة جديدة تعكس الوقائع المستجدّة على الأرض، فسيتّجه الوضع نحو التعقيد. ومنطقة الشرق الأوسط حالياً في غنى عن مزيد من التعقيدات، لكنها قد تكون العاصفة الضرورية لإطلاق أجندة السلام وفق مسار سياسي جديد. السؤال الذي يجب أن يطرحه أوباما ونتنياهو وعبد الله وجميع الأطراف المعنيّين على أنفسهم اليوم هو: مع من ستتفاوض إسرائيل وعلى أي أساس؟ لقد رحل حسني مبارك، والأسد في سوريا منهمك بضبط الأوضاع التي خرجت عن السيطرة، في حين أن الملك الأردني لا يبدو مهتمّاً كثيراً بمنح شعبه الإصلاحات التي يطالب بها فيما تعلو أكثر فأكثر الهمسات التي تتحدّث عن الحاجة إلى ملَكية دستورية، وقد تتحوّل قريباً مطالب مرفوعة في وجه النظام.
تبيّن حتى الآن أن الولايات المتحدة لا تواكب نبض التغيير في المنطقة. فهي لا تزال تتحالف مع الأوراق الخاسرة بدل طرح أفكار مستحدَثة لتسوية نزاع مستمرّ منذ عقود. ونقصد بذلك أفكاراً جديدة مواكبة للعصر، بدل الاستمرار في عقد اجتماعات مع اللاعبين أنفسهم والإصغاء إليهم وتقديم المشورة لهم بعدما أثبتوا مراراً وتكراراً عجزهم عن تسوية النزاع. عندما يتحدّث الرئيس باراك أوباما عن الشرق الأوسط هذا الأسبوع، يجب أن يُقدِّم إلينا لاعبين جدداً وأفكاراً ومبادرات جديدة تتناسب مع التطوّرات والمشهد السياسي الجديد الذي يجتاح الشرق الأوسط. يجدر به أن يخاطب كل الدول الشرق الأوسطية ويحمّل كل واحدة منها مسؤولية الإخفاق حتى الآن في التوصّل إلى تسوية عادلة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وحريّ به ألا ينسى أن أحداً لا يملك حصانة أمام حمى الحرية، بما في ذلك إسرائيل والأردن اللتين قد تصل إليهما رياح الثورات حتى لو بدا أنهما في مأمن منها نسبياً في الوقت الراهن.
بقلم أوكتافيا نصر - النهار 16 أيار 2011
استقال جورج ميتشل للتو من منصب المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط قبل انتهاء ولايته التي كان من المفترض أن تمتدّ سنتين، "لأسباب شخصية" كما قال. فهل يمكن أن تكون تلك الأسباب الشخصية إخفاقه في حمل الفلسطينيين والإسرائيليين على التوصّل إلى اتّفاق للسير قدماً نحو السلام؟ أم أن السبب الحقيقي هو إدراكه أن الصبر والديبلوماسية والفهم العميق للمنطقة ليست كافية على الإطلاق لتغيير الستاتيكو وإقناع كل الأفرقاء بأن التسويات المتبادلة والمطالب الواقعية والتطلّعات المدروسة هي الوحيدة الكفيلة بأن تتيح لهم اجتياز خطوة نحو حل سلمي يمكن أن يكون مقبولاً لدى الجميع، علماً أنها أيضاً ليست كافية لتحقيق السلام؟
من المرتقب أن يلقي نتنياهو كلمة أمام الكونغرس الأميركي بحلول نهاية الأسبوع. عبثاً نتوقّع منه تقديم شيء جديد. إن كان هناك من يحبس أنفاسه ترقّباً لما سيقوله، فثمة أمر أكيد: ليس مسروراً بالمصالحة الأخيرة بين حركتَي "حماس" و"فتح". التقارب بين الفصائل الفلسطينية هو مصدر إحباط كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلي لأنه يدحض الزعم الذي استخدمه مراراً وتكراراً في الماضي. فطالما ردّد أنّ الفلسطينيين منقسمون، وأن الرئيس محمود عباس لا يتحدث باسم كل الفلسطينيين، وأن أيّ اتّفاق توقعه إسرائيل مع عباس سيلقى على الأرجح رفضاً من "حماس". أما الآن وقد بات عباس يمثّل الفلسطينيين من موقع راسخ ويبدو مصمّماً على ان يطلب من الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول المقبل، يجد نتنياهو نفسه في وضع حرج وخياراته الفعلية معدومة. إذا قال إن إسرائيل لن تتفاوض مع حكومة فلسطينية تضمّ "حماس"، فمن المؤكّد أنه سيدفع الفلسطينيين إلى السعي لإعلان دولتهم المستقلّة بصورة أحادية، وغالب الظن أن الأمم المتحدة سوف تُذعِن لرغبتهم. القبول بالوحدة الفلسطينية والتقدّم في اتّجاه محادثات تسفر عن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلّة استناداً إلى حدود 1967 هو أمر مستحيل الآن، إلا أنه قد يصبح قريباً الخيار الوحيد المتاح أمام نتنياهو. فقد يُنحّيه الإسرائيليون الذين يريدون أن ينتهي المأزق – وأعدادهم كبيرة بما يكفي لإحداث فارق – جانباً ويستبدلونه برئيس وزراء يسلك الاتّجاه المنشود.
مع خروج جورج ميتشل من الصورة، لا يبدو الرهان على أوباما واعداً جداً. إذا لم تضع الولايات المتحدة خطّة جديدة تعكس الوقائع المستجدّة على الأرض، فسيتّجه الوضع نحو التعقيد. ومنطقة الشرق الأوسط حالياً في غنى عن مزيد من التعقيدات، لكنها قد تكون العاصفة الضرورية لإطلاق أجندة السلام وفق مسار سياسي جديد. السؤال الذي يجب أن يطرحه أوباما ونتنياهو وعبد الله وجميع الأطراف المعنيّين على أنفسهم اليوم هو: مع من ستتفاوض إسرائيل وعلى أي أساس؟ لقد رحل حسني مبارك، والأسد في سوريا منهمك بضبط الأوضاع التي خرجت عن السيطرة، في حين أن الملك الأردني لا يبدو مهتمّاً كثيراً بمنح شعبه الإصلاحات التي يطالب بها فيما تعلو أكثر فأكثر الهمسات التي تتحدّث عن الحاجة إلى ملَكية دستورية، وقد تتحوّل قريباً مطالب مرفوعة في وجه النظام.
تبيّن حتى الآن أن الولايات المتحدة لا تواكب نبض التغيير في المنطقة. فهي لا تزال تتحالف مع الأوراق الخاسرة بدل طرح أفكار مستحدَثة لتسوية نزاع مستمرّ منذ عقود. ونقصد بذلك أفكاراً جديدة مواكبة للعصر، بدل الاستمرار في عقد اجتماعات مع اللاعبين أنفسهم والإصغاء إليهم وتقديم المشورة لهم بعدما أثبتوا مراراً وتكراراً عجزهم عن تسوية النزاع. عندما يتحدّث الرئيس باراك أوباما عن الشرق الأوسط هذا الأسبوع، يجب أن يُقدِّم إلينا لاعبين جدداً وأفكاراً ومبادرات جديدة تتناسب مع التطوّرات والمشهد السياسي الجديد الذي يجتاح الشرق الأوسط. يجدر به أن يخاطب كل الدول الشرق الأوسطية ويحمّل كل واحدة منها مسؤولية الإخفاق حتى الآن في التوصّل إلى تسوية عادلة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وحريّ به ألا ينسى أن أحداً لا يملك حصانة أمام حمى الحرية، بما في ذلك إسرائيل والأردن اللتين قد تصل إليهما رياح الثورات حتى لو بدا أنهما في مأمن منها نسبياً في الوقت الراهن.
بقلم أوكتافيا نصر - النهار 16 أيار 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق