الجنس المقدس |
أسطورة الصعود والنزول
في أفريقيا ثمة أسطورة يجري تداولها في أوساط الـ أشانتي الغانيين (من غانا)، تفسر أصل الجنس والعائلة ربما لا تختلف عن الأسطورة التوحيدية. قيل إنه منذ زمن هبط رجل وامرأة من السماء، وطلع أيضا رجل وامرأة من الأرض، وفي وقت لاحق أرسل الإله الاسمي ثعبان الأصلة وبنى بيته في النهر. في البدء كان الرجال والنساء يتعايشون معا من دون اتصال جنسي، ولم تكن لديهم فكرة عن الحمل والولادة. وذات يوم سألهم الثعبان ما إذا كان لديهم أطفال، وبعدما أجابوه بالنفي أبلغهم أنه سيعلمهم كيف يتم الحمل. جعلهم يصطفون أزواجا، وجها لوجه، ثم رش الماء على بطونهم بالترافق مع تلاوة طقسية، ثم طلب إليهم أن يعودوا إلى بيوتهم ويتضاجعوا. من هذا المثال الذي يرمز إلى القضيبية تعلم هؤلاء الجماع وأنجبوا الأطفال الأوائل في الكون. بين التوراة والحكايات الأفريقية نجد رمزي التفاحة والثعبان، والبلاغة المشتركة تكمن في الأسطورة التي تحاك عن الجنس سواء في التوراة أو في القصص. اقترن بالجنس بالأسطورة والأسطورة بالدين والدين بالجنس، هكذا دواليك في عالم لا ندري كيف جرى بناؤه. أسقطت التفاحة (أو الثمرة) آدم وحواء وقيل إن حواء هي التي أكلتها، وصارت رمز الرغبة في العالم مثلما كان الدراقن رمزا أساسيا للأنثى، كذلك المشمش في الهند، والرمان في اليونان القديمة. واعتبر الأرز رمزا أنثويا، كما كان يستخدم سابقا في طقوس الطهارة. قصة سقوط آدم وحواء من الجنة تبين أن الجنس والدين هما من أكثر الاهتمامات شيوعا بين البشر. وهما متعارضان في أغلب الأحيان، فالأول جسداني زائل، والثاني روحي سرمدي. وكلاهما يشغل حيزا مختلفا. وهذا ما يبينه الكاتب جيفري بارندر في دراسته عن الجنس في أديان العالم . يقول إنه رغم توافر عدد لا يحصى من الكتب التي تناولت الأديان في العالم، يبدو أن جل هذه الأعمال تقريبا يستخف بالعناصر المرتبطة بالجنس على وجه التحديد، رغم الاعتراف بأهمية الجنس في ما يخص الدين. كما أن العديد من الدراسات المقارنة التي تناولت أسفار الأوبانيشادية في صدد الطقوس الخاصة بالاتصال الجنسي، غالبا ما تحذف من النصوص المترجمة. وهناك نصوص حول اليوغا تنزع إلى إهمال التمرينات الجنسية التي يمكن استخدامها، وكذلك النظريات الفيزيولوجية المتصلة بالسلوك الجنسي، والتي تشكل العنصر الأساسي المكوّن لطرائق اليوغا الهندية والصينية.
البغاء... مقدّساً
التقارب بين الدين والجنس يبدو أشد وضوحا في الهند، حسبما ورد في الملاحم والنصوص الهندية الكلاسيكية، إذ اعتبرت أن العلاقات الجنسية، خارج نطاق الرباط الزوجي، في ما يخص الرجال طبعا، امرأ مقبولا في وصفه جزءا لا يتجزأ من الحياة. فقد كان ثمة محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لإشباع الحاجات الشهوانية لدى الذكر، وكانت الفتيات بمنزلة الهيتيري عند اليونان، و فتيات الغيشا لدى اليابانيين. كن على ثقافة عالية، وينبغي أن تدفع الدولة لمعلميهم. ومن المهام التي كن يضطلعن بها الرقص، الغناء، التمثيل، الخياطة، تنسيق الأزهار، وسواها من الفنون المنزلية. ويتوضح أن تاريخ البغاء قد أولته الديانات القديمة احتراما قبل أن ينقلب تحقيراً وإنكارا. فقد كان هناك البغاء المقدس حيث كان يقام لفض بكارة العذراء احتفال مقدس تمنح الفتاة فيه نفسها لمن منحه الإله قوة الإخصاب وقدسية الجنس، ولم تكن الفتاة تحصل على اكتمال أنوثتها إلا بمنحها نفسها لهذا الشخص، ويحق لها بعد ذلك الزواج. البغاء المقدس، على ما نعلم، هو تلك العلاقة الانفصالية ذات الطبيعة المختلفة عن الحب العذري، وهي تقابل بالتفعيل والجانب الجسمي في مقابل كبت الجانب النفسي أي التعلق الوجداني بالآخر. لم يبق البغاء المقدس على سمت واحد، فقد تبدل بتبدل أنماط الحياة. تلفت الدراسات إلى احتجاز العذارى في المعابد إذ كانت وظيفتهن الترفيه عن الكهنة من جانب ومضاجعة الحجاج من جانب آخر لقاء اجر، وقد تطور البغاء المقدس فأصبح من حق البغي المقدسة أن تحتفظ بجزء من مال بغائها ليعينها عند الزواج. في ملحمة المهابهارتا كان الملك يوديشترا يحظى ليس فقط بعدد من الزوجات، بل كان يبعث تحياته إلى النساء المتأنقات. ومن جهة أخرى تبرز التوترات في الحياة وفي التعاليم الهندية من خلال ما ذكر في الملاحم أيضا من حملات مضادة للبغاء العادي. فقد كانت تفرض رقابة صارمة على المباغي وصالات الشراب، لأنها تتسبب بالأذى للملكة. أما الديفا - داسيز (أي خادمات الله) فكن محظيات من منزلة رفيعة، مكرسات لخدمة الآلهة في المعابد الهندوسية. هذه الممارسات ترقى إلى عهود غابرة، حين كانت الفتيات يتلقين دروسا في فنون الإثارة الشهوانية حتى يصبحن مؤهلات لخدمة زوار المعبد لقاء أجر، لأن واجباتهن كانت تشتمل على الرقص والغناء، وغالبا ما كان يُنظر إلى الرقص في وصفه عملا لا أخلاقيا، إلى أن ساهمت الإصلاحات الحديثة في نزع هذه الصفة عنه. لقد ساءت سمعة البغاء المقدس في المعابد الهندية، وبات الحجاج يتشكون أحيانا بسبب إغواءات فتيات المعبد التي كانت تلهيهم عن العبادة. أما إلغاء البغاء في المعابد فتقرر على يد البريطانيين وبدعم من الإصلاحيين الهندوس، وترافق ذلك مع حظر حرق الأرامل. الكتاب الأشهر في الثقافة الهندية والذي صوّر الشهوانية بحذافيرها هو الكاماسوترا ، أي مذهب الشهوة أو الحب، واقتبس عنه الكثير من الكتاب وأهل الفن. يؤكد هذا الكتاب أنه ينبغي للنساء أن يتعلمن فنون الغرام كما الرجال تماما. ويسرد فنون الباه التي يتعلق معظمها بالتدبير المنزلي، بما في ذلك طبعا القراءة والشعر وإتقان اللغة الرمزية والملغزة. أما في ما يخص الرجال فيقر بضرورة أن يكونوا مهرة في أنواع الرياضة واستخدام السلاح والمراهنة. ويمكن المحظيات أن يكن بارعات في هذه الفنون، كما يمكن النساء المتزوجات أن يزدن من جاذبيتهن عبر الإلمام بهذه الطرائق، حتى إذا انفصلن عن أزواجهن وجدن وسيلة يعتمدن عليها. يعنى الجزء الرئيسي من الكاماسوترا بتقديم أمثلة حول عملية الاتصال الجنسي، مميزا بين الشريك المناسب وغير المناسب. ويتطرق أيضا إلى أنواع العناق، والتقبيل في مختلف أشكاله، والهصر والخمش والعض. ويورد تفاصيل عن وضعيات متعددة الأنماط، بعضها يتميز بمهارة بهلوانية ويتطلب الكثير من التدريب. وتتجلى هيمنة الذكر حين ينعم الرجل بمضاجعة امرأتين في وقت واحد أو نساء عديدات معا. ويمكن المرأة أن تتخذ دور الرجل حين يكون متعبا من قبيل التغيير. غير أن الممارسة الفموية مقتصرة على الخصيان المتنكرين بهيئة ذكور أو إناث. وهنالك أجزاء أخرى من الكاماسوترا تبحث في موضوع المغازلة، من خلال زرع الثقة في الفتاة الساعية إلى الظفر بقلب رجل، وعلى يد فتاة أخرى، وكذلك موضوع الخطبة وأنماط الزواج. لقد تركت الكاماسوترا أثرها في الفنون والرسم وصنوف الأدب، واستمرت حوالي ألف عام نموذجا أدبيا معياريا حول الجنس، كان ملموسا في الأنواع الأدبية، بما في ذلك الشعر التعبدي. أما التانترا فقيل إنها إعادة اكتشاف لأغوار المرأة. وبحسب الشعائر اليوغية فإن المرأة اليوغية تمارس التمرينات وهي عارية، وتمثل الأعضاء الجنسية، من وجهة نظرها، القوى الكونية التي يرمز إليها بعضو شيفا الذكوري. وسعى بعض التانتريين إلى المضي أبعد من حدود الطقوس الجنسية العادية التي كان الهندوس يؤدونها، معتبرين أن المحرمات كانت صائبة في ما يخص آخرين وينبغي تحطيمها بغية إحراز قدرات استثنائية. إن السمة العامة للجماع التانتري هي احتجاز المني، الذي كان يعتقد أن له قوة سحرية. فإذا ما بقي محتبسا في الجسد، لن يكون هناك خوف من الموت. ما نجده عن الجنس في الهند يختلف عنه لدى البوذيين، إذ كان الجنس مثار خوف عند هؤلاء لأنه قد يغدو ندا للسكينة التي ينشدها الراهب بطريقته التي اختارها لنفسه في إنكار الذات. وكم من قصص رويت عن قمع الرغبات الجنسية، وعن فتنتها لدى الرهبان البوذيين، وتأثرت مجتمعات الصين واليابان بالطقوس البوذية، والتغيرات التي طرأت عليها، ومن بين هذه الطقوس التي كان لها تأثيرها في الجنس، ولو بشكل هامشي، طقس عبادة الشاي الذي أدخل في القرن الثالث عشر ليصبح بمنزلة طريقة ذات فاعلية لتدريب النساء الشابات على قواعد اصطلاء الموقد.
العالم العائم
استخدم تعبير العالم العائم في اليابان في أواخر القرن السابع عشر للدلالة على المجتمع السعيد ولكن غير المستقر. وثمة أمثلة بارزة عن الأوكيو أو الفن القصصي لعالم المومسات، ظهرت في مؤلفات إيهارا ساياكاكو الذي رصد القضيتين الأكثر حضورا في العالم وهما المال والجنس. فروايته الأولى، الرجل الذي أنفق عمره في ممارسة الحب، تحكي عن بطل كان يطوف البلاد، ممارسا العشق مع آلاف النساء ومئات الغلمان. وفي روايته الأكثر واقعية، خمس نساء عاشقات لمحبوب واحد ، كان سايكاكو شاعريا وشعبيا في آن واحد. وبدلا من البلاط ثمة البيوت وغرف الاستحمام والمسارح والمباغي وبيوت العامة. وفي روايته مرآة الحب الذكوري، عالج سايكاكو قضية اللواط. فقد كان لتنامي الحياة الرهبانية البوذية دور في شيوع الجنسية المثلية بين المعلم والمريد.وقد اعتبر صاحب الرواية أن المعابد البوذية بمنزلة ملاذ مفضل لممارسة الجنسية المثلية. اشتملت كتب الأوكيو على كتابات مبهجة، وأحيانا داعرة. مع ذلك، هناك على ما يبدو، أعمال مشابهة تعارض تلك التي تنطوي على نية صريحة لـ تشجيع الفضيلة ومعاقبة الرذيلة وسادت الكثير من الرسوم الجنسية في اليابان. وقد رسم أوتامارو مغنيات ومومسات وسابحات عاريات. وكانت هذه الأعمال تصور فتيات بيوت الشاي وهن عاريات الصدور، أو هنّ يدخنّ بنهم، أو ينغمسن في المتع الجنسية. وثمة لوحات لمتعبات ذاهبات إلى السرير. كان هذا العالم العائم بمنزلة رد على شكلانية الحياة المنزلية التي يتخللها المنع والقمع. وحدهم رجال الطبقات العليا في وسعهم تحمل نفقات الخليلات والمحظيات، بينما يجد رجال الطبقة الوسطى متنفسهم عند فتيات الغيشا أو لدى المومسات. كانت فتاة الغيشا بارعة، راقصة، وعلى نحو أدق كانت راقصة ومغنية ومحترفة. وكان ارتياد بيت الغيشا يوفر التسلية لكنه لا يمنح بداهة الحق في الجماع. ولهذا كان يترتب على الرجل أن يوقع عقدا تغدو فتاة الغيشا بموجبه خليلته.
الجنس لدى اليهود
الجنس المقدس |
النبي المزواج
ماذا عن الجنس في الإسلام؟ كيف كانت صورته؟ الواقع أن الإسلام عنى بهذا الجانب الفطري من حياة الإنسان، ووضع فيه من القواعد والأحكام والتوجيهات ما يضمن أداءه لوظيفته. تركز الآراء التي كثيرا ما تعتمد في العالم غير الإسلامي على زيجات محمد المتعددة، مدعية أن ذلك لا يتناسب مع مرتبته كنبي. فالدين والممارسة عند النبي محمد أساسيان لفهم العلاقات بين الدين والجنس في الإسلام، إلا أن هذه الوقائع ينبغي توثيقها بالاستناد إلى القرآن والسيرة النبوية وكذلك الأحاديث النبوية. يتكرر القول إن محمدا كان لديه الكثير من الزوجات، وتبين الوقائع أنه لم يتزوج حتى بلغ الخامسة والعشرين من العمر، وخديجة أولى زوجاته وكان عمرها أربعين عاما. ومن بين زوجات محمد، عائشة هي الوحيدة لم تكن متزوجة من قبل، وكانت الثالثة بينهن. الجنس في الإسلام له قصصه التي لا تنتهي ولا يكتمل الحديث عنها بمقالة أو كتاب. ذلك لأن الجنس يحضر في كل شيء وقد اشتمل القرآن على آيات عديدة عالجت العلاقات بين الجنسين، فهناك آيات تقول بالزواج من واحدة إلى أربع نساء. ويتردد القول تقليديا أن هذا الإقرار قد منح بعد مقتل عدد كبير من الرجال في معركة احد مخلّفين وراءهم أرامل ويتامى بائسين. وكما هي الحال لدى شعوب كثيرة، كان الهدف من الزواج إنجاب ذرية. ثمة نقطة ينبغي التركيز عليها إذا قارنّا بين الجنس في الدين الإسلامي والجنس في الدين المسيحي وحتى في الدين اليهودي، فكثيراً ما ارتبط اسم محمد بتعدد الزوجات وقيل إنه ولد مختونا. أما المسيح بحسب ما تقول الميتولوجيا الدينية فقد ولد من سيدة عذراء، أو ولد من غير أب، ولهذا دلالته في الجنس. كان يسوع يهوديا وكانت كلماته عن الجنس والزواج مأخوذة من الجذور التاريخية العبرية. أكد يسوع حالة الزواج الأحادي في اعتبارها مفروضة من الرب. إن المثال الذي ضربه عن الوحدة الزوجية وعدم الافتراق كان متوازيا مع مثله الأخرى. فهو لم ينتقد فعل الرغبة الجنسية فحسب، بل انتقد أيضا هذا الفعل في الخيال. ولن تناقش قضايا الجنس والزواج بصورة واسعة في الكنيسة القديمة، لكن موقفها انطوى على إعراض عن الدنيا وهي شاطرت الكثيرين من مناوئيها مشاعر الغنوصية والعداء للجنس. صحيح أن الكنيسة لم تدن الزواج لأن المسيح باركه، إلا أن الزواج عدّ أدنى درجة من العذرية، وكان التبتل مثال من يود أن يكون كاملا، لكن العلمانيين طرحوا آراءهم لمواجهة محاولات الإكليروس تنظيم حياتهم.
الجنس عند العرب
الجنس المقدس |
تحولات
لقد تبدلت الثقافة الجنسية عبر العصور، وأكثر من ذلك كشفت أعمال الأنتروبولوجيين بين الشعوب البدائية عن اتجاهات جديدة في صدد الاتصال الجنسي، ولعب الرجال والنساء في مجتمعات متنوعة أدوارا مختلفة. وعثر على كميات ضخمة من الأدب الذي يتناول الموضوعات الجنسية، بصرف النظر عن الطابع الخيالي للأوصاف، وعن الغرابة في التعبير. وكانت رواية دي إتش لورنس، عشيق الليدي تشاترلي ، إحدى الروايات الأكثر شهرة، وبقيت لفترة طويلة ممنوعة في البلاد التي كتبت فيها. وكتب لورنس في مقدمة طبعة متأخرة، عن الطاقة الجنسية المثيرة للعواطف وللذكريات الكامنة وراء الكلمات التي يطلقون عليها اسم الفاحشة. هذا غيض من فيض عن الجنس في أديان العالم، ولا يبدو أن هذا الغيض يغلق الباب
فرح جبر - جريدة النهار - حرر في: Mar 18 2007, 10:17 PM
1 تعليقات::
الكلام غير مسند وهو مجرد سرد
إرسال تعليق