الخميس، 5 مايو 2011

الدروز دين ودنيا


" قال الله تعالى في كتابه العزيز: ((يا أيّها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)). سورة الحجرات – الآية (6) 
قال الله تعالى في كتابه العزيز: ((يا أيّها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)). سورة الحجرات – الآية (6) 
- (( وقد خاب من افترى)). سورة طه – الآية (61) 
- ((وليُسألُنّ يوم القيامة عما كانوا يفترون)). سورة العنكبوت _ الآية _ (13).
ما افتُريَ على قوم قط بقدر ما افتُريَ على الدروز .
فمن هم هؤلاء الدروز؟ من هم في الدين؟ ومن هم في الدنيا؟ 
لا أريد أن أتحدث مطولاً عن أصلهم ونسبهم أو معتقدهم، فقد سبقني الكثيرون إلى ذلك, فمنهم من أصاب مشكوراً, ومنهم من ضلّ الصراط المستقيم سامحه الله .
الدروز من حيث التسمية: إن التسمية الحقيقية والروحية للدروز هي: الموحدون أو الفاطميون.
الموحدون: لأنهم وحّدوا الخالق ونزهوه, عرفوه بعقولهم وأنفسهم دون سائر الخلق. فكان أكبر معبّر عن فهمهم ونظرتهم للدين, المغفور له شيخ المعرة, شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء ((أبو العلاء المعري)) عندما قال:
كذب الظنّ لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء 
وأكد ذلك موضحاً في قولٍ آخر :
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر ديّن لا عقل له
آمن الموحدون – الدروز – بالإله الواحد الأحد, المنزه عن الأزواج والعدد, لا تحيط به الصفات وهو خالق كل الموجودات, موجود في كل مكان وزمان, يعلم السر وأخفى, لا ينفعه أيماننا ولا يضرّه كفرنا, فهو غني عن العالمين, معلّ علة العلل, وعلة العلل هي العقل الكلي. 



والفاطميون: نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد بن عبد الله, وزوجة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه, وهذا يكفيها ويكفيهم نسباً وشرفاً وأصالة, ديناً ودنيا.


وفي جميع الحالات فهم عرب عاربة وليسوا عرباً مستعربة، يمارسون هذا قولاً وعملاً، في السلم والحرب، قائمين وقاعدين، مقيمين أم راحلين. الدروز / الموحدون / من حيث الدين: إنهم مسلمون، بل هم روح الإسلام وجوهره، ليسوا ديناً ولا مذهباً بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكنهم تميّزوا عن الآخرين بفهم فلسفي للإيمان وللحياة، للدين والدنيا. 
-آمنوا بخالق واحد أحد لهذا الكون، لا تحيط به الصفات، ولا تنال منه الشبهات، مدبر الكائنات،وخالق كل الموجودات، يرى ولا يُرى، يعلم السر وأخفى، لا يخلو منه زمان ولا مكان، لا يضره كفرنا ولا ينفعه إيماننا، متّبعين قوله تعالى في عدّة آيات نذكر منها: 
-((ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين)). سورة آل عمران –الآية-97- 
-((إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغنيّ حميد))-سورة إبراهيم-الآية- 8. 
-((و من جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله غنيّ عن العالمين))- سورة العنكبوت-الآية - 6. 
-((يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد))- سورة فاطر- الآية- 15-.
الإيمان بالله عندهم لا يتطلّب شكلاً معيناً لا يتم إلا به، وعبادة الله ليست طقوساً أو حركات تراتبيّة لا تُقبل إلا من خلالها، فالشكل آنيُّ زائل والجوهر أزليٌّ باقٍ. والإيمان والعبادة هما علاقة روحيّة بين الإنسان و خالقه, وكلّ مباهاة بها أو تظاهر ما هو إلا عبارة عن نفاق و دجل و رياء. لذلك فعبادتهم ليست مفروضة عليهم فرضاً, و إنما يقومون بها طواعية و عرفاناً, في أي زمان و مكان, وعلى أية حال هم موجودون فيها, لا طمعاً في ثوابٍ ولا خوفاً من عقاب. لا يفرضون إيمانهم و اعتقادهم على أحد, ولا يلومون أو يؤاخذون أحداً على سلوكه أو معتقده, عملاً بالآية الكريمة المحكمة: ((لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ)).
آمنوا و عملوا بالمحكم من القرآن الكريم و عزفوا عن المتشابه عملاً بقوله تعالى في الآية -7- من سورة آل عمران: ((هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله, وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به, كلٌٌّ من عند ربنا وما يذّكّر إلا أولو الألباب)). 
المحكم عندهم هو ما نزل لجميع بني البشر, صالح ٌلكلّ زمان ومكان لا يختلف حوله اثنان مثل ذلك قوله تعالى: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) سورة المائدة- الآية-2-
- ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)). سورة الحجرات- الآية-13-.
-(( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)). سورة آل عمران – الآية – (104). أما ما عدا ذلك فهو المتشابه.
أمنوا وعملوا بسبع خصال حميدة توحيدية لا يخالفهم فيها إلاّ أعداء الله والإنسانية , وهذه الخصال السبعة هي: 1- صدق اللسان -2- حفظ الإخوان – 3- ترك عبادة العدم والأوثان 
- 4- البراءة من الأبالسة والطغيان – 5- توحيد الباري وتنزيهه -6-7- الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره ولذلك تسمعهم يقولون: ((الرضا والتسليم غاية العلم والتعليم)). 
- آمنوا بالتقمص , خلود الروح وفناء الجسم // الهيكل // عملاً بقول المسيح سابقاً: ((من لم يلد من بطن أمه مرتين لم يبلغ ملكوت السماوات)). وعملاً بآيات القرآن الكريم لاحقاً حيث جاء في الآيات – 27 – 28- 29 -30 – من سورة الفجر: ((يا أيتها النفس المطمئنة – ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية – فادخلي في عبادي – وادخلي جنتي)). والآية – 28 – من سورة البقرة: ((كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه تُرجعون)).
- أخذوا بالنظريات والمفاهيم الفلسفية سابقاً ولاحقاً التي تحدثت عن فناء الشكل وخلود الجوهر, حجتهم في ذلك: أنه من العدل كل العدل, ألاّ يحاسَب إنسان على حالة واحدة في حياة واحدة، فإذا خُلق إنسان مجنوناً, فعلى أي شيء يُحاسب حتى ولو كانت جميع أفعاله وأقواله سيئة, مَن يُحاسب يجب أن يكون مسؤولاً عما يقوله أو يفعله, وهل المجنون مسؤول؟! 
كذلك إذا توفي إنسان وهو طفل لم يتجاوز السنتين أو السبع سنوات أو لم يبلغ سن الرشد , فكيف يُحاسب…..الخ؟! 
إذن : لا بد من تعدد الحيوات وأشكالها حتى يمر الإنسان بجميع الحالات من فقر وغنى ومرض وعافية ، وقوة وضعف ………إلخ . حتى يُحاسب على ما جنت يداه وعقله ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر .
- حرّموا تعدد الزوجات واكتفوا بالزوجة الواحدة : إذ عملوا بنص الآية القرآنية الآمرة ، والتي تنفي حتى استطاعة العدل بين النساء نفياً مطلقاً أبدياً ، حيث استُعملت أداة النصب والنفي الأبدي – لن – ((ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)) – سورة النساء – الآية – (129)
الموحدون / الدروز / في الدنيا: لم يكن إيمان الموحدين- الدروز- الديني- إيماناً مفروضاً عليهم فرضاً, ينسونه أو يتركونه بعد تأديته مباشرةً، ولكنه كان إيماناً في القلب والعقل واللسان، يمارسونه سلوكاً يومياً قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم في السر والعلن، في الليل والنهار، لا وقت يقيده، ولا مكان يحصره ، لقد فهموا أن الإيمان النقي والتوبة النصوح لم تكن شيئاً إن لم تقترن بالعمل الصالح، مؤمنين و متّبعين الآية – 82 –من سورة البقرة والتي تقول: ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )) . جاعلين من الإيمان كل الإيمان، ومن العمل الصالح كفتي ميزان متقابلتين، لا متراجحتين, فلا إيمان أبداً بدون العمل الصالح. لذلك فقد انعكس إيمانهم الروحي على سلوكهم اليومي، حيث اتصفوا بكرم الأخلاق و الضيافة ، بالمروءة و الشجاعة، بالدفاع عن الأرض و العرض، بنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، بصدق الهرج وحفظ الفرج، ولقد لخّص هذه الخصال الحميدة شيخ عشيرة السرديّة من بداوة الأردن المسلم السني، في تعزيته بالمغفور له القائد العام للثورة السورية الكبرى ((سلطان باشا الأطرش)) حيث قال معزياُ :
صاحب الحظ، حامي الأرض ، صاين العرض، صادق الهرج ، حافظ الفرج 
سلطان الله يرحمه .
ملاحظة: كلمة الحظ عند البداوة تعني الضمير الحيّ، وكلمة الهرج تعني القول .
لم يرضخوا لمستبد أو مستعمر، ولم يرضوا بحاكم طاغية، قديماً وحديثاً.
إنهم بنو شيبان! أبطال معركة ذي قار ورافعو رايات العزة والكرامة للعرب والعروبة، تلك المعركة التي قال عنها محمد رسول الله: ((هذا يومٌ انتصف فيه العرب من العجم)). 
إنهم ورثة إيمان (سلمان الفارسي) صاحب فكرة حفر الخندق حول المدينة المنورة ومنفذها ومحقق النصر للرسول والإسلام والمسلمين.
إنهم أحفاد الصحابي الجليل الذي قال عنه الرسول ولم يقل عن غيره: ((رحم الله أبا ذر، يعيش وحيداً، ويموت وحيداً، ويدخل الجنة وحيداً)). إنه أبو ذر الغفاريّ صاحب أول نظرية ثورية ضد الطغاة في التاريخ بعد الميلاد بقوله: ((عجبت لامرئ دخل بيته فلم يجد فيه ما يطعم عياله ولم يخرج للحاكم شاهراً سيفه)).
إنه الصحابي الجليل الذي نفاه – عثمان بن عفان – الخليفة الثالث إلى صحراء الربذة بسبب نصيحة قالها له لاتباع الدين الصحيح .
إنهم أبطال مقاومة الغازي إبراهيم باشا المصري ، بن محمد علي باشا عندما جاء غازياً لبلاد الشام.
إنهم مفجرو وأبطال تحرير بلاد الشام من المستبد العثماني الكريه عدو العروبة والإسلام، ورافعو العلم العربي فوق سماء دمشق. 
إنهم مفجرو و أبطال الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي ، وصانعو تحرير واستقلال سوريا.
إنهم الثائرون ضد حكم الطاغية أديب الشيشكلي في سوريا ، ومسقطو حكمه. وقاتلوه فيما بعد.
إنهم محررو وأبطال الحرب اللبنانية التي أرادت أن يصبح لبنان دويلات طائفية كريهة معادية للعرب والعروبة ، وهازمو – المارنز – الأمريكي ، وحاموا المقاومة الفلسطينية في لبنان قبل ترحيلها من لبنان وحتى هذه اللحظة.
إنهم مفجرو وأبطال معارك التحرير في الجولان السوري الحبيب.
إنهم المتشبثون بالأرض و بالعروبة دائماً وأبداً في الوقت الذي تآمر و يتآمر الآخرون على الأرض والعروبة . حيث زعم الكافرون بالأرض والعروبة أن تشبث الموحدين- الدروز- بأرضهم ، خيانة،
ولذلك قال الشاعر العربي الفلسطيني الموحد الدرزي سميح القاسم في مقابلة تلفزيونية: ((إذا كان التشبث بالأرض خيانة فإني أعتز بأني أكبر خائن في العالم ، لأني أكبر متشبث بأرضي وبعروبتي)).


المحامي مناع النبواني - سويدا نت - Friday, November 07

0 تعليقات::

إرسال تعليق