الأحد، 8 مايو 2011

الأمير السيد عبد الله التنوخي (ق)


مكتبة الأمير السيد (ق)

مقام الأمير السيد عبد الله التنوخي (ق) في عبيه - لبنان
الأمير السيد (ق)، هو أحد العمالقة الكبار في الفكر التوحيدي الدرزي، فهو يحظى، بعد الأنبياء والرسل، بمنزلة دينية عريقة عند الدروز، وهو يُعتبر مُجدد المذهب والتراث الدرزي، فقد جاء بعد حوالي خمسمائة سنة من الضياع، حيث عاش الموحدون الدروز في مناطقهم في سوريا ولبنان وفلسطين، مبتعدين عن المدن والمراكز، ومحاولين أن يحافظوا على دينهم بأي طريقة. لكن مرور الوقت وابتعادهم عن مراكز الدعوة وعن الأماكن المقدسة، وعدم ظهور شخصيات قيادية دينية، وواعظين ورجال فكر وتقوى بشكل بارز، أدّى إلى وهن في العقيدة، وإلى بعض التحوّل ومجاراة البيئة التي عاشوا فيها ومسايرتها، ربما بسبب الضغط الشديد، والمطاردة الدينية، والملاحقة المذهبية، التي كانت في أعقابهم طوال تلك الفترة. وقد جاء الأمير السيد (ق) ليضع الأمور في نصابها الصحيح، ويجمع الرسائل ويحققها، ويزيل الدخيل منها، ويشرحها مؤشرا كيف يجب أن يكون التعامل مع الدين، وكيف على المؤمن أن يتصرف، وأن يعمل، وأن يسلك، بموجب وصايا الدين التي وُضعت في مستهل القرن الحادي عشر في القاهرة المعزية. وقد وضع الأمير السيد (ق) كذلك أسسا جديدة للتراث والتقاليد الدرزية العريقة. واستنادا على تعاليمه وفرائضه قمنا، بمناسبة مرور خمسمائة سنة على وفاته، بإحياء موضوع التراث ونشره وتعميمه في المدارس، فأصدرنا المناهج والكتب المناسبة وأوجدنا أسبوع التراث الدرزي، مما أدى إلى إحياء الوجود الدرزي العريق.وعندما التقينا بإخواننا في لبنان، سمعنا الكثير من الإطراء لمشروع التراث، ولا زلت أذكر أقوال المرحوم الشيخ محمد أبو شقرا، شيخ العقل، عندما زرناه في بيته مع مجموعة من المفتشين حيث قال في التراث:" أنتم السابقون ونحن اللاحقون".
وكان الأمير السيد (ق) بالإضافة على كونه مصلحا وواعظا وحكيما، شاعرا أديبا مثقفا، قلّ أمثاله في عصره وفي البيئة التي عاش فيها.


يقول د. فؤاد أبو زكي في كتابه عن الأمير السيد (ق) لبنان 1997 صفحة 704: "إن هذا البحث يكشف عن شخصية أدبية كبيرة مغمورة طوت معالم أدبها أيدي الستر والصيانة، ولم تُعرف ولم تشتهر إلا في أوساط الموحدين الذين رأوا في شخصه طهارة قلب، وصفاء النفس، وصدق القول، والعفة والتقوى والتدين والمثل الأعلى... ورأوا في أدبه دروسا بالغة وإشاعة للحق وللعدل وإصلاح ما فسد من الضمائر والنفوس، وبث روح التوحيد والألفة والمحبة، وعدّوه بحق، المعلم الأول في عصره".

وجاء في كتاب الدكتور عبد الرحمن بدوي، مذاهب الإسلاميين، بيروت ص 643: "لعل أكبر شخصية علمية بين الدروز منذ بهاء الدين المقتنى، هي شخصية الأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخي (ق)، ولشروحه لبعض رسائل الحكمة اثر بالغ، وقبره في عبيه بجبل لبنان، مقصد الزائرين من الدروز في كل عام... وقد حفظ القرآن في سن مبكرة وجوّده ودرسه وكان يطوف القرى في طلب العلم والحديث وهو صغير السن. تورع يافعا، ولما ثبت جنانه وتم بنيانه، فاق الأقران وطرح الدنيا واشتغل بعبادة الرحمن، فجوّد كتاب الله العزيز، ودرسه وتلاه غيبا، ولازم الدرس فيه...".

ويقول الكاتب سليمان علم الدين في كتابه: " المدارس الفكرية والتيارات السياسية ودعوة التوحيد الدرزية، لبنان 1998 ص 564: "يعتبر الأمير السيد بحق، محيي المذهب التوحيدي الدرزي، بعد أن كاد يندثر ويزول، نتيجة الجهل وعدم الاطلاع على الرسائل أو تفسير ما بقي منها، فانبرى بكل قوته وجهده، إلى ترتيب القواعد وشرح النصوص ووضع قواعد السلوك، وبجهده وعمله المتواصل، أصبح لمذهب التوحيد هوية، فرقة مميزة، لها قواعدها الدينية المسلكية، وكتبها التي تحدد معتقداتها الروحانية".

ولكي يستطيع الأمير السيد (ق) أن يقوم بكل هذه الجهود، كان يتطلب منه أن يقتني مكتبة ضخمة. وهذا بالضبط ما حصل، فقد كانت مكتبته زاخرة بالمراجع والمخطوطات، وبلغ عددها 340 مرجعا، تحتوي على الكتب النفيسة والمخطوطات النادرة. وإذا علمنا أن الطباعة لم تكن متوفرة في ذلك الوقت، نفهم أي جهد يتطلب جمع هذه المجموعة الضخمة من الكتب. وعن المكتبة يقول د، أبو زكي ص 239: "رغب الأمير عبد الله منذ حداثته في اقتناء الكتب ومطالعتها، فجمع الشروحات والتفاسير، منها تفسير القرآن الكريم، وكتب اللغة العربية والفلسفية والفقهية والنحوية وسير الملوك وأخبار الأنبياء ودواوين الشعراء وكتاب إخوان الصفا. وجهّز إلى مصر رجلا لابتياع معجمي "المُحكّم" لابن سيدة، و"القاموس المحيط" للفيروز بادي وغيرهما من الكتب التي يحتاج إليها. وقال بمن يوثق بكلامه، أنه شاهد خزانة الأمير عبد الله، وفيها ثلاثمائة وأربعون مجلدا. ثم جدّد غير ذلك وأضاف إليها، ما وقع تحت يده من الكتب، فكانت خزائنه عامرة بالمجلدات النفيسة.

وجاء في كتاب المؤرخ عجاج نويهض، الذي يعتمد على سيرة الأمير السيد لابن سباط صفحة 68 ما يلي: "أخبرنا ابن سباط أن الأمير السيد كانت لديه خزانة عامرة من نفائس الكتب في الشرع والدين والتاريخ والشعر واللغة والأدب وقصص الأنبياء، فضلا عن كتب السيرة والتفسير والفقه على المذاهب الأربعة. وجملة ذلك 340 مجلدا ما عدا الصغير من الكتب والكراريس المفردة، أو ما هو معروف في بيوت لبنان "بالسفينة" وكان يحضر الكتب التي يسمع بها من القاهرة ودمشق والقدس وغيرها. وكان الأمير السيد ذا خط جميل، وحريصا على صحة النسخ والنساخة، كانت صناعة تُعد من أعلى الصناعات مرتبة عند أهل الفنون حتى زمن قريب".

وفي السنوات الأخيرة، تم في دمشق العثور على مخطوطات قديمة في المكتبة الظاهرية بدمشق، تتعلق بالأمير السيد (ق). فقد جاء في مقدمة كتاب الشيخ أبو صالح فرحان العريضي " الرسالة الموسومة بنهر الجمان، لبنان 2007 ما يلي: "تسرب إلينا نبأ سار من فضيلة القاضي ربيع زين الدين مفاده أن في مدينة دمشق في المكتبة الظاهرية بالتحديد مخطوطات قديمة تتضمن أخبار السيد التنوخي أثناء إقامته في دمشق وما جرى له وما كتبه عنه الأئمة والأدباء والمؤرخون، وأثنوا عليه بما هو أهله، فبحمد الله تعالى وعونه وتوفيقه حصلنا على تلك المخطوطات تصويرا طبق الأصل وليس نسخا عنها". وقد جاء في إحدى هذه المخطوطات عن الأمير السيد (ق) القول ص 53: " كان بيته قبلة للعلماء والفقهاء والفضلاء وكان له مكتبة عامرة بالكتب القيمة يختلف إليها أهل العلم للإطلاع والبحث والدراسة وإفادة الناس وتفقههم في أمور دينهم.".

وقد مر على وفاة الأمير السيد (1479) أكثر من خمسة قرون، لكن تعاليمه ما زالت سائدة منتشرة في أوساط الموحين الدروز، يسيرون على هداها، ويتبعون أركانها، وهم مطمئنون أن العلوم الكبيرة الفائضة التي تمتع بها قداسة الأمير، هي الركن والأساس والقاعدة، للإيمان العميق والتقوى الكبيرة التي يدعو إليها قداسة الأمير.

 بقلم د. سلمان حمود فلاح - 30 نوفمبر 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق