الأحد، 8 مايو 2011

القرضاوي في الواجهة: إنه زمن الإخوان!

في الجمعة الأولى بعد رحيل مبارك، التي أطلق عليها "جمعة النصر"، اعتلى الداعية يوسف القرضاوي منبر ميدان التحرير في وسط القاهرة، وألقى خطبة في الجموع المحتشدة، كانت الأولى له على أرض مصر منذ ثلاثين عاماً، منع خلالها عن الإمامة والخطابة، وكانت آخر خطبة لصلاة جامعة قبل اعتقالات أيلول 1981. في الجمعة الأولى بعد رحيل مبارك، التي أطلق عليها "جمعة النصر"، اعتلى الداعية يوسف القرضاوي منبر ميدان التحرير في وسط القاهرة، وألقى خطبة في الجموع المحتشدة، كانت الأولى له على أرض مصر منذ ثلاثين عاماً، منع خلالها عن الإمامة والخطابة، وكانت آخر خطبة لصلاة جامعة قبل اعتقالات أيلول 1981.

يوم ذاك دعا القرضاوي، المصري الأصل والمقيم في قطر والحاصل على جنسيتها، الحكام العرب إلى الاستماع لشعوبهم والتحاور معهم، ويوم ذاك أيضا منع حرس القرضاوي وائل غنيم من اعتلاء المنصة وإلقاء كلمة في جموع شباب ثورة 25 يناير. ويوم ذاك، أيضا وأيضا، بدأت علامات الاستفهام تكبر حول مدلولات خطاب القرضاوي و"الاستماع للشعوب" الذي تزامن مع نقل "الجزيرة"، القطرية أيضاً، صوت الشعوب، أو بعض الشعوب.
ربما لم يشهد العصر الحديث داعية شهدت شخصيته ومواقفه جدلاً كذاك الذي أثاره القرضاوي ومواقفه وشخصيته.   فالقرضاوي، وعلاقته بالإخوان المسلمين، وكميات الفتاوى التي تصدر عنه، وغالبها جدلي، معطوفة على المساحة التي تفردها له قناة "الجزيرة" لنشر آرائه وفكره، جعلته الداعية الأبرز على الساحة الإسلامية، الذي يقل إلى حد الاختفاء حياله الواقفون في المساحة الرمادية، فإما تأييد أو رفض.


تناغمه وبدعم الثورات التي تضعها "الجزيرة" تحت المجهر، وغض النظر عن الثورات التي ليست من أولويات "الجزيرة"، كحوادث البحرين، زادت من الانقسام حول القرضاوي.
القرضاوي، المتأثر بالغزالي وابن تيمية وحسن البنا، دعم ثورات مصر وليبيا وسوريا واليمن، إلا أنه لم يفعل ذلك في ما خص ثورة البحرين إذ وصف الاحتجاجات في دولة البحرين بأنها ثورة "طائفية" شيعية، وموجهة ضد السنة. كما انتقد بشدة الحركة المعارضة في البحرين، واعتبر أنها بذلك تختلف عن الحركات الاحتجاجية في مصر وتونس وليبيا ومصر، ودُهِش القرضاوي بشدة "من قيام المتظاهرين البحرينيين بمهاجمة أهداف للسنّة، وحمل صور مرجعيات شيعية غير بحرينية". وأشار إلى أن المحتجين في البحرين يعمدون إلى "الاستقواء بالخارج، ويعبرون عن آراء فئة مذهبية وليس الشعب بكامله". وقال أن ثورة البحرين مختلفة تماما عن مثيلاتها في مصر وتونس واليمن ، موضحا أن "ما يحدث في البحرين ثورة طائفية، أما باقي الثورات الأربع فكلها ثورة شعب ضد حاكمه الظالم،" ولفت القرضاوي إلى أن الشعب المصري "خرج بكل فئاته وطوائفه، مسلمين ومسيحيين، شبابا وشيوخا، رجالا ونساء، تقدميين ورجعيين، أهل الدين وأهل الدنيا".

كلهم قتلوا الشباب

إلا أن انتقاد القرضاوي العنيف لثورة البحرين لم يمنعه من تمجيد وتأييد ثورات أخرى، فطالب قادة وضباط وجنود الجيش الليبي بألا يسمعوا ولا يطيعوا أوامر القذافي بقتل أبناء شعبهم، لأن السمع والطاعة هنا حرام، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقال عبر الجزيرة "وأنا هنا أفتي: من يستطع من الجيش الليبي أن يطلق رصاصة على القذافي فليقتله وليرح الناس من شره".
القرضاوي تناول حوادث سوريا بقوله "لا نزال نعيش في ظل ثورتين، ندعو الله عز وجل أن يحقق أمالنا في نصرهما وهما ثورة ليبيا وثورة اليمن واليوم وصل قطار الثورة إلى محطة كان لا بد من أن يصل إليها، وهي محطة سوريا، ولا يمكن أن تنفصل سوريا عن تاريخ الأمة العربية". وتابع قائلاً: "قال بعضهم أن سوريا في منأى عن هذه الثورات"، وتساءل: "كيف تكون في منأى عن هذه الثورات؟ أليست هي جزءاً من الأمة؟ سوريا مثل غيرها… بل هي أولى من غيرها بهذه الثورات".

رد دمشق على القرضاوي جاء عبر وزير الأوقاف السوري محمد عبد الستار، فما كان من القرضاوي إلا أن رد على الرد ونعت عبد الستار بالـ "أبْلَه وعبيط"، وتعجب من موقف الوزير، الذي هاجم بيانات اتحاد العلماء المسلمين، واعتبرها تدخلا في الشأن السوري، قائلا: "إن سوريا دولة عربية، شعبها منا ونحن منه"، وقال: "إن كل الحكام الذين قامت في بلادهم ثورات تورطوا في قتل الشباب المسالمين، بدءًا بزين العابدين بن على، ومروراً بمبارك، والقذافي، وعلي صالح، وانتهاء ببشار الأسد".
مواقف القرضاوي الانتقائية حيال الثورات العربية، التي كانت سبباً لتسجيل مآخذ عليه، انضمت إلى مواقفه وفتاويه التي يصفها بعض العلماء بالانتقائية. فالقرضاوي، الذي أفتى بجواز رجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لعلاقته بالإسرائيليين، لم تسمع عنه فتوى مشابهة حين تعلق الأمر بمصافحة وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني لأمير قطر في الدوحة، ولا لزيارة شيمون بيريز لمبنى قناة "الجزيرة" التي تفرد له مساحات على الهواء لنشر فكره وفتاويه وانشطته.

والقرضاوي، الذي أفتى بمقاطعة البضائع الدانماركية لنشر صحفها رسوماً كاريكاتورية تسيء إلى نبي الإسلام، غض النظر عن زيارة "فلمنغ روس" رئيس تحرير جريدة "ييلاندز بوستن" التي نشرت هذه الرسوم إلى قطر، للمشاركة في احتفالية "مراسلون بلا حدود". إلا أنه عاد بعد ثلاثة أيام وانتقد هذه الزيارة بعدما خرجت القضية إلى العلن، فأشار إلى أن "مسؤولين قطريين أوضحوا خلال اتصالهم به، بأن الأمر لا يتعلق برسام الصور المسيئة للرسول، وأنهم لم يكونوا على علم ومعرفة بشخصيته قبل دخوله قطر" وهو ما اعتبره القرضاوي "عذراً لا يكفي".
وهو كان ندد بزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر للأردن بسبب ما اعتبره تصريحات المسيئة للإسلام والرسول، واتهامه المسلمين بنشر الإسلام بالعنف والقتل والسيف.
يرى القرضاوي أن الحركة الإسلامية تعني مجموع العمل الإسلامي الجماعي الشعبي. كما يرى أنه ليس من العدل تحميل الحركة الإسلامية مسؤولية كل ما عليه مسلمو اليوم من ضياع وتمزق وتخلف، بل إن ذلك هو حصيلة عصور الجمود وعهود الاستعمار، وإن كان عليها بلا شك قدر من المسؤولية يوازي ما لديها من أسباب وإمكانات مادية ومعنوية "هيأها الله لها"، استخدمت بعضها، وأهملت بعضا آخر، وأساءت استعمال بعض ثالث.

ويرى ضرورة أن تقف الحركة الإسلامية مع نفسها للتقويم والمراجعة، وأن تشجع أبناءها على تقديم النصح وإن كان مراً، والنقد وإن كان موجعاً ولا يجوز الخلط ما بين الحركات الإسلامية والإسلام ذاته، فنقد الحركة لا يعني نقد الإسلام وأحكامه وشرائعه، ولقد عصم الله الأمة أن تجتمع على ضلالة، ولكنه لم يعصم أي جماعة أن تخطئ أو تضل، خصوصاً في القضايا الاجتهادية التي تتعدد فيها وجهات النظر. ويرى أن الاستبداد السياسي ليس مفسداً للسياسة فحسب بل هو مفسد للإدارة والاقتصاد والأخلاق والدين. فهو مفسد للحياة كلها.

القرضاوي والإخوان

انتمى القرضاوي إلى جماعة "الإخوان المسلمين" وأصبح من قياداتها المعروفين، ويعتبر الشيخ منظر الجماعة الأول، كما عرض عليه تولي منصب المرشد مرات عدة لكنه رفض، وكان يحضر لقاءات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين كممثل للإخوان في قطر، إلى أن استعفي من العمل التنظيمي في الإخوان.
وقام الدكتور القرضاوي بتأليف كتاب "الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد" يتناول فيه تاريخ الجماعة منذ نشأتها إلى نهاية القرن العشرين، ودورها الدعوي والثقافي والاجتماعي في مصر وسائر بلدان العالم التي يوجد فيها الإخوان المسلمون.
وأبدى القرضاوي ترحيبه بتولي الإخوان حكم مصر وأنهم "الجماعة الإسلامية الوسطية المنشودة"، وفق وصفه، واعتبر مشروع الإمام حسن البنا "المشروع السني الذي يحتاج إلي تفعيل"، ووصف الإخوان المسلمين بأنهم "أفضل مجموعات الشعب المصري بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم وأكثرهم استقامة ونقاء".
تعرض يوسف القرضاوي للسجن مرات عدة لانتمائه إلى الإخوان المسلمين. دخل السجن لأول مرة العام 1949 في العهد الملكي، ثم اعتقل ثلاث مرات في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر في كانون الثاني سنة 1954، ثم في تشرين الثاني من السنة عينها، واستمر اعتقاله نحو عشرين شهراً، ثم في العام 1963.

نشاطاته

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر، وهو الرئيس السابق لجمعية البلاغ القطرية، الممولة لشبكة "إسلام أونلاين" على الانترنت، وعضو مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي ومصرف فيصل الإسلامي بالبحرين، وعضو مجلس الأمناء لمنظمة الدعوة الإسلامية في أفريقيا، ونائب رئيس الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في الكويت وعضو مجلس الأمناء لمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد.

أبرز الفتاوى

لم تكن فتوى القرضاوي بإباحة غناء المرأة الأولى ضمن الفتاوى الصادمة لما ترسّخ في الخطاب الديني السائد، فقد صدر عنه الكثير من الفتاوى المثيرة للجدل والمخالفة للمتعارف عليه في الفقه الإسلامي، منها فتواه بإباحة صبغ شعر الرجل بالسواد، وإباحة قيام النادل المسلم بتقديم الخمر في المطاعم والفنادق، وإباحة اشتراك الجنود الأميركيين المسلمين في الحرب ضدّ المسلمين في العراق وأفغانستان. إضافة إلى العديد من الفتاوى غيرها. كما أجاز القرضاوي استخدام علامات الترقيم (الفاصلة والاستفهام والتعجب والفاصلة المنقوطة) في كتابة آيات القرآن الكريم في البحوث العلمية، وهو ما قابله عدد من علماء الأزهر بالرفض، إلا أنه اعتبر أن هذه الإضافة جائزة "بل يستحسنها ويستحبها، لأنها تعين على فهم النص القرآني".
فتوى أخرى أصدرها أثارت جدلاً واسعاً في ما اعتبرها البعض مثيرة للبلبلة تبيح تناول مشروبات تحوي كميات ضئيلة من الكحول، وقال "ليس هناك مانع من تناول المشروبات التي تحتوي نسباً ضئيلة من الكحول التي تتشكل طبيعيا بفعل التخمر، فان وجود ما نسبته خمسة في الألف من الكحول لا أثر له في التحريم، لأنها نسبة ضئيلة جداً، خاصة إذا كانت بفعل التخمر الطبيعي وليست مصنعة ولذلك لا أرى حرجاً من تناول هذا المشروب".

الفتوى جاءت في معرض تصديه لسؤال عن مشروب طاقة موجود في الأسواق يحوي كمية ضئيلة من الكحول، فقال "الناس تريد معرفة حكم الشرع فيه، لذلك عندما سئلت وجدت نفسي مجبراً على توضيح الصورة للمسلمين، حتى لا يضيقوا على أنفسهم بغير وجه حق".
 كما أفتى القرضاوي بعدم جواز تصويت المسلمين في جنوب السودان لصالح الانفصال عن شماله، مطالباً المسلمين والعرب بالتكاتف وإنشاء كيان كبير يوحدهم ويلم شملهم.
وانقسمت الآراء ما بين ترحيب شديد واستنكار، حول فتوى للقرضاوي أباح فيها غناء المرأة بشروط، معتبراً أنه "لا يوجد مانع في غناء المرأة شرط أن يكون ذلك في إطار الضوابط الشرعية التي تتضمن عدم احتواء الأغنية على المحرمات التي يأتي في مقدمتها الرقص وظهور المسكرات". كما اشترط القرضاوي أن يكون غناء المرأة ذا قيمة وغير مثير للشهوات.

القرضاوي، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في العالم الإسلامي، منع عن الحصول على  تأشيرة دخول إلى بريطانيا، علماً أن الاتحاد الذي يرأسه مقره لندن، وسبق له أن زار بريطانيا في 2004، لكن زيارته ترافقت مع احتجاجات من جمعيات يهودية وجمعيات مثليي الجنس، اعتبرته معادياً للسامية ويكره المثليين. كذلك منعت الولايات المتحدة القرضاوي عن دخول أراضيها منذ العام 1999.
التفاوت في الآراء حيال القرضاوي بلغ حده حين أصدر الشيخ السلفي محمود عامر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمدينة دمنهور المصرية، فتوى تدعو لقتل القرضاوي، معتبراً "إن التصريحات التي فيها الحض والعزم على شق عصا الناس في مصر الذين تحت ولاية حاكم مسلم متغلب وصاحب شوكة تمكنه من إدارة البلاد لا تجوز، وإلا جاز لولي الأمر أن يسجنه أو يقتله درءاً لفتنته حتى لا يستفحل الأمر"، وكل من نهج نهجه في التحريض على الخروج على الحاكم، بمن فيهم الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

القرضاوي في سطور


ولد يوسف مصطفى القرضاوي في قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية في 9 أيلول 1926. مات والده وعمره عامان فتولى عمّه تربيته.
نشأ وحفظ القرآن، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة. التحق بالأزهر حتى تخرج من الثانوية وكان ترتيبه الثاني على مملكة مصر ثم التحق الشيخ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالية السنة 1953، وكان ترتيبه الأول بين زملائه وعددهم مائة وثمانون طالباً. حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية السنة 1954 وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر، وعددهم خمسمائة. حصل يوسف القرضاوي على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب في السنة 1958، لاحقاً في السنة 1960 حصل على الدراسة التمهيدية العليا، المعادلة للماجستير، في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين، وفي السنة 1973 حصل على (الدكتوراه) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الكلية عينها، وكان موضوع الرسالة عن "الزكاة وأثرها في حل المشكلات الاجتماعية".
في السنة 1961، سافر القرضاوي إلى دولة قطر وعمل فيها مديراً للمعهد الديني الثانوي، وبعد استقراره هناك حصل القرضاوي على الجنسية القطرية. وفي السنة 1977 تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميداً لها إلى نهاية 1990، كما أصبح مديراً لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر ولا يزال قائماً بإدارته إلى يومنا هذا.

إبراهيم دسوقي – النهار الأحد, 08 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق