الثلاثاء، 3 مايو 2011

نهاية أسطورة أميركية: البحر يبتلع أسامة بن لادن


</span>أميركيون يحتفلون بمقتل بن لادن أمام البيت الأبيض أمس (أ ب)<span class=
أميركيون يحتفلون بمقتل بن لادن أمام البيت الأبيض أمس (أ ب)
</span>بن لادن<span class=
بن لادن
3519 يوماً هي الفترة التي مرّت منذ أن حوّل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن 11 أيلول العام 2001، من يوم أميركي مشمس إلى جحيم مستعر لن يمحى من الذاكرة، كما أنها الفترة التي استغرقت للانتقام من أكثر الرجال المطلوبين في العالم في عملية عسكرية وأمنية معقدة، استغرق الإعداد لها قرابة الأربعة أعوام، وتم تنفيذها في أقل من ساعة، داهمت خلالها وحدة كوماندوس مجمعاً كان يتحصّن فيه بن لادن في مدينة أبوت أباد الباكستانية، وأدت إلى مقتله بالإضافة إلى ابنه وإحدى زوجاته واثنين من اقرب مساعديه.
وجاء اغتيال بن لادن كنصر قوي للرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أعلن مؤخراً نيته الترشح لولاية رئاسية ثانية، وبعيد فشل سلفيه الرئيس السابق جورج بوش، في اقتناصه بعد سنوات من الغزو الأميركي لأفغانستان أواخر العام 2001 في أعقاب هجمات 11 أيلول على الولايات المتحدة، وقبله بيل كلينتون الذي رصد مكافأة قدرها خمسة وعشرين مليون دولار للقبض على بن لادن بعدما اتهمه بتنفيذ الهجومين على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام واللذين أسفرا عن سقوط 244 قتيلاً وآلاف الجرحى في العام 1998.
وفي كلمة ألقاها فجر أمس، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما «يمكنني أن أعلن للأميركيين والعالم أن الولايات المتحدة نفذت عملية أدت إلى مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي المسؤول عن مقتل آلاف الأبرياء».
وأشار أوباما إلى أنه «منذ حوالي 10 سنوات نفذ في احد أيام أيلول أسوأ هجوم في تاريخ الولايات المتحدة. إن مشاهد هجمات 11 أيلول لا تزال عالقة في ذاكرتنا، عندما خطفت طائرات كانت تحلق في سماء صافية، ورأينا انهيار برجي مركز التجارة العالمي، وتصاعد الدخان الأسود فوق مقر البنتاغون، وحطام الرحلة 93 في شانكسفيل في بنسلفانيا، حيث منع عمل بطولي وقوع مزيد من الدمار والحزن».


وأضاف «في 11 أيلول 2001، كنا موحّدين في تصميمنا على حماية بلادنا، وإحالة أولئك الذين ارتكبوا هذه الاعتداءات الحاقدة إلى القضاء، وبالتالي خضنا حرباً ضد القاعدة لحماية رعايانا وأصدقائنا وحلفائنا... لكن أسامة بن لادن نجح في الفرار من أفغانستان إلى باكستان، وفي الوقت ذاته استمر تنظيم القاعدة في تنفيذ عمليات على طول هذه الحدود وعبر فروعه في العالم أجمع».
وتابع «بعدما توليت مهامي طلبت من مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ليون بانيتا أن يجعل من القضاء على بن لادن أو القبض عليه أولوية في حربنا على القاعدة في حين أننا نواصل تنفيذ عمليات للقضاء على شبكته وتفكيكها... وفي آب الماضي، وبعد سنوات من العمل البطيء لأجهزة استخباراتنا، أبلغت بوجود خيط يوصل إلى بن لادن... لقد تطلب الأمر أشهراً عدة لمتابعة هذا الخيط. لقد اجتمعت مع فريقي للأمن القومي مرات عدة لبحث المعلومات المرتبطة بتحديد مكان بن لادن في مجمع مبانٍ في قلب باكستان... وأخيراً، في الأسبوع الماضي قررت انه أصبح لدينا ما يكفي من المعلومات للتحرك وأذنت بعملية تهدف إلى القبض على أسامة بن لادن وإحالته على القضاء... واليوم (الأحد) شنت الولايات المتحدة عملية محددة الهدف ضد هذا المجمع في باكستان، ونفذت مجموعة صغيرة من الأميركيين العملية بشجاعة ومهارة فائقتين. لم يصب أي أميركي في العملية... وبعد تبادل لإطلاق النار قتلوا أسامة بن لادن وأخذوا جثته».
واعتبر أوباما أن «مقتل بن لادن يمثل النجاح الأكبر حتى الآن في العمليات الأميركية للانتصار على القاعدة، لكن مقتله لا يعني نهاية جهودنا. لا شك في أن تنظيم القاعدة سيواصل شن عمليات ضدنا، وعلينا أن نبقى متيقظين في بلادنا وفي الخارج وسنبقى كذلك»، مشدداً على أن «الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام ولن تكون يوماً في حرب مع الإسلام. لم يكن بن لادن زعيماً مسلماً. لقد قتل عدداً كبيراً من المسلمين، وعلى كل من يؤمن بالسلام وكرامة الإنسان أن يشيد بمقتله».

عملية الاغتيال

وقالت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن بن لادن قتل بطلقتين ناريتين في رأسه، بعدما قامت عناصر من سلاح البحرية الأميركية («سيلز»)، بالتعاون مع وحدة استخباراتية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية «سي أي إيه»، بمداهمة مجمع سكني في منطقة أبوت أباد، التي يقطنها ضباط متقاعدون من الجيش الباكستاني على بعد 50 كيلومتراً شمالي إسلام أباد. وأشار مسؤولون مطلعون على تفاصيل العملية أن فريق الكومندوس ضم زهاء 15 من أفراد القوات الخاصة بالإضافة إلى متخصصين في الأدلة الجنائية.
وأشار مسؤول أميركي بارز إلى أن جذور العملية بدأت قبل أربع سنوات عندما تمكنت أجهزة الاستخبارات من رصد مراسل شخصي لبن لادن، بناء على معلومات من موقوفين مشتبه في ضلوعهم في الإرهاب - أحدهم خالد شيخ محمد الذي يعتقد على نطاق واسع أنه العقل المدبر لهجمات 11 أيلول - قالوا أثناء التحقيق معهم إن «هذا الرجل هو احد مراسلي القاعدة القلائل الذين يثق بهم بن لادن، وإن هذا الشخص ربما يعيش مع بن لادن ويحميه».
وأضاف «قبل عامين تمكنت أجهزة الاستخبارات الأميركية من تحديد مناطق يعمل فيها هذا المراسل وشقيقه غير أننا لم نستطع أن نحدد بالضبط مكان إقامته نظراً للإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها وشقيقه». وأشار إلى أن «حذرهما الشديد عزز اعتقادنا بأننا نسير على الطريق الصحيح... وقد عثرنا على المسكن في آب العام 2010... وعلى الفور استرعى هذا المجمع اهتمام المحللين الاستخباراتيين... وعندما شاهدنا المجمع الذي يعيش فيها الشقيقان صدمنا لما رأيناه فقد كان للمجمع بوابتان مؤمنتان، وكان أكبر بكثير من باقي المنازل في المنطقة، وبالرغم أن قيمته تبلغ مليون دولار ليس فيه هاتف أو انترنت».
ولفت إلى أن «الإجراءات الأمنية التي كانت تحيط بالمجمع غير عادية. فقد كان يحيط به 12 جداراً بارتفاع 18 قدماً (نحو 5.4 أمتار) يعلوها سياج شائك، كما تقسم جدران داخلية أجزاء من المجمع لتوفير مزيد من الخصوصية»، مشيراً إلى المحللين الاستخباراتيين خلصوا إلى أن هذا المجمع بني خصيصاً لإخفاء شخص مهم، وقد رجحوا أن يكون هذا الشخص بن لادن، وأنه بعد جهود بذلت للتأكد من ذلك، بدأ البيت الأبيض استعداداته للعملية. وأضاف أنه الساعة 8,20 من يوم الجمعة الماضي (بتوقيت واشنطن) اصدر أوباما قرار تنفيذ الغارة بواسطة مروحيات قبل أن يتوجّه في رحلة إلى ألاباما.
وأشار مسؤول آخر إلى أن العملية أدت إلى مقتل المراسل وشقيقه وابن بالغ لأسامة بن لادن، بالإضافة إلى امرأة «استخدمها أحد حراس بن لادن كدرع بشري»، لكن مستشار أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان قال إن المرأة التي قتلت هي إحدى زوجات بن لادن، مشيراً إلى أنه من غير الواضح ما إذا كانت هي التي وضعت نفسها في مرمى النيران أم أن بن لادن هو الذي احتمى بها كدرع.
وقال مسؤول أميركي إن مروحية شاركت في الغارة سقطت بسبب «خلل فني»، لافتاً إلى أن طاقم المروحية قاموا بتفجيرها «واستقل عناصر القوة المهاجمة وطاقم المروحية مروحية أخرى للخروج من المجمع».

دفن بن لادن

وأشارت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية إلى أن القوات الأميركية نقلت جثة بن لادن بداية إلى أفغانستان، قبل أن تدفن «وفقاً للتقاليد الإسلامية»، في منطقة بحرية.
وقال مسؤول في البنتاغون إن صلاة جنازة أقيمت لبن لادن على متن حاملة الطائرات «كارل فينسون» في بحر عمان، قبل أن يتم إلقاء جثته في البحر، وذلك بعدما لم تبد أي دولة في العالم استعدادها لدفن جثمانه، تحسباً من إقامة ضريح في مكان دفنه، قد يصبح مزاراً للمتشددين الإسلاميين، وأيضاً تخوفاً من عمليات انتقامية قد ينفذها أتباعه ضد تلك الدول.
وأوضح المسؤول الأميركي أن الصلاة بدأت يوم أمس في الساعة الخامسة وعشر دقائق، واستمرت خمسين دقيقة، مشيراً إلى أنه «تم الالتزام بالأحكام المتبعة في صلاة الجنازة الإسلامية». وأضاف انه تم غسل جثة بن لادن، ثم وضعت في كفن ابيض، وضع بدوره في كيس مثقل، وقد تلا ضابط الصلاة التي قام مترجم بتعريبها، ثم وضعت الجثة على لوحة ألقيت منها في المحيط.
وأثارت طريقة دفن بن لادن جدلاً واسعاً حول مدى تطابقها مع الشريعة الإسلامية. وقال مستشار شيخ الأزهر احمد الطيب لشؤون الحوار بين الأديان محمود عزب «إذا كان صحيحاً أن جثة بن لادن قد ألقيت في البحر فإن الإسلام ضد هذا تماماً»، معتبراً أن «للجثة احتراماً سواء كانت لشخص تم اغتياله أو توفي وفاة طبيعية... وينبغي احترام جسد أي إنسان سواء كان مؤمناً أم لا، مسلما أو غير مسلم». وشدد على أن الإسلام «لا يقبل الدفن في البحر وإنما فقط في الأرض».
في هذا الوقت قال مسؤول أمني أميركي إن اختبارات الحامض النووي الذي أجري على بن لادن أظهرت تطابقاً بنسبة مئة في المئة مع أقربائه، مضيفاً أن زوجات بن لادن تعرفن على جثته في موقع الحادث.
وبثت محطات التلفزة الأميركية والباكستانية صورة لرجل ملتحٍ مصاباً بالرأس، قالت إنها صورة بن لادن، ولكن تبيّن أنها صورة سبق أن نشرت على شبكة الانترنت في العام 2009.
الدور الباكستاني
وتفاوتت المعلومات بشأن المشاركة الباكستانية في عملية الاغتيال، وفيما ذكرت مصادر أمنية باكستانية إن «عناصر من خدمات الاستخبارات الباكستانية (أي أس أي) كانت متواجدة أثناء العملية، قال مسؤول أميركي إن واشنطن لم تبلغ السلطات الباكستانية مسبقاً بالهجوم مبرراً ذلك بضمان السرية، في حين قال مسؤول أميركي آخر «لم نطلع أي بلد آخر حتى باكستان على المعلومات الاستخباراتية التي حصلنا عليها، وكان هذا لسبب واحد فقط، وهو أننا اعتقدنا أن ذلك ضروري لأمن العملية ولأمن قواتنا».
غير أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أشارت إلى أن تعاوناً أميركياً - باكستانياً في مجال مكافحة الإرهاب قاد إلى نجاح العملية، مشيرة إلى أن إسلام أباد «تعاونت بشكل رائع في جهود ضرب القاعدة... وفي الواقع، فإن التعاون مع باكستان قادنا إلى بن لادن وإلى المجمع الذي كان يختبئ فيه».

تهديدات.. وإجراءات أمنية

وهددت عناصر جهادية الولايات المتحدة وحلفاءها بالانتقام لمقتل بن لادن. وكتب أحد العناصر «ليعلم الكفار أن المسلمين المجاهدين باقون إلى أن تقوم الساعة»، فيما كتب آخر إن «العصابة المؤمنة ستظل موجودة تنغص على الكافرين عيشهم». في حين كتب ثالث «والله ثم والله ثم والله لن تنعم أميركا ولا حلفاؤها من دول الغرب والشرق، لن تنعم بالأمن بعد اليوم وسترون ذلك قريبا جدا جدا»، في وقت هددت حركة طالبان الباكستانية بمهاجمة أهداف باكستانية وأميركية.
ودفعت هذه التحذيرات بالعديد من حكومات العالم إلى رفع درجة الإنذار الأمني. ودعت الشرطة الدولية (الأنتربول) إلى توخي درجة عالية من اليقظة تجاه «التهديد الإرهابي» المتزايد من القاعدة والجماعات التابعة لها.
من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن على حكومته أن تلزم جانب الحذر تحسباً لأعمال انتقامية، فيما قال وزير خارجيته وليم هيغ «ربما تحاول قطاعات من القاعدة أن تظهر أنها مازالت تعمل في الأسابيع القليلة المقبلة كما هو حال بعضهم بالفعل»، مضيفاً «طلبت من سفاراتنا بالفعل هذا الصباح مراجعة أمنها».
وأعلن وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني أن بلاده تتخذ حالياً إجراءات أمنية مشددة بالأماكن الحساسة والمطارات والموانئ تحسباً لاعتداءات انتقامية، فيما أكدت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ضرورة استمرار اليقظة الأمنية في البلاد.
وفي مصر، بدأت السلطات الأمنية في المطارات تشديد إجراءاتها الأمنية على مداخل الصالات والأسوار وأرض المهبط خوفاً من ردود أفعال تنظيم القاعدة، فيما ذكر مسؤول عراقي أن القوات العراقية اتخذت تدابير لمواجهة أي أفعال انتقامية من قبل عناصر تنظيم القاعدة في مدينة بعقوبة.
وأشاع اغتيال بن لادن ارتياحاً على المستوى الدولي، تخلله حذر في بعض المواقف في العالمين العربي والإسلامي. وقال مصدر سعودي مسؤول إنّ المملكة تأمل بأن تشكل العملية خطوة نحو مكافحة الإرهاب وتفكيك خلاياه والقضاء على «الفكر الضال الذي يقف وراءه»، فيما أمل مسؤول في الرئاسة اليمنية أن يشكل الأمر «بداية النهاية للإرهاب». أما إيران فاتخذت من العملية ذريعة قوية لمهاجمة الوجود الأميركي في دول المنطقة، إذ اعتبرت أن «مبررات واشنطن وحلفائها لنشر قوات في الشرق الأوسط بحجة محاربة الإرهاب لم تعد موجودة».
وأبدت وزارة الخارجية العراقية «سعادتها بالخبر»، فيما اكتفى وزير الخارجية المصري نبيل العربي بالقول إنّ مصر ضد كل أشكال العنف، ولكن «لا تعليق لديها»، في حين رأى الرئيس التركي عبد الله غول أنّ قتل بن لادن يجب أن يشكل «مثالاً لكلّ الإرهابيين».
واعتبرت منظمة المؤتمر الإسلامي أنّ بن لادن «مسؤول عن هجمات ضد المدنيين الأبرياء». وقالت إنّها تشدد على ضرورة «معالجة الأسباب والجذور الحقيقية للإرهاب».
من جهته، ندد رئيس الحكومة الفلسطينية المقال إسماعيل هنية بالعملية، مشيراً إلى أنه يدعو الله أن يرحم أسامة بن لادن وأن يحتسبه في عداد الشهداء والصديقين، فيما اعتبر المتحدث باسم حكومة تسيير الأعمال في الضفة الغربية غسان الخطيب أن «التخلص من بن لادن مفيد لقضية السلام في شتى أنحاء العالم ولكن المهم هو التغلب على الخطاب والأساليب العنيفة التي طبّقها وشجعها بن لادن وآخرون في العالم».

(«السفير»، أ ف ب، رويترز، أب، د ب أ، أ ش أ)  3 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق