لا شيء في لبنان عفويا وبريئا، فقد أثبتت التجارب أن كل الأحداث مبرمجة، أما الوقود فدائما جاهز: إنه المواطن.
بينما كانت البلاد تراقب التطورات الإقليمية وتنتظر الفرج لتأليف الحكومة، تسارعت أحداث أمنية في توقيت مستغرب مع علامات استفهام حول أهدافها ومراميها، وهي وإن لم تصل إلى الذروة، لكنها هدّدت بالانفجار، وتستمر تنتظر يدا تضغط على الزناد، ربما استجابة لأمر عمليات ما.
فبعد أحداث سجن رومية، ينشغل الأمن والجيش والدولة بمخالفات البناء التي بدورها ليست عفوية ووظفت في إطار الحملة المعلنة بين الفريقين المتصارعين، ممّا دفع باتجاه صب وقود إضافية على نار الخلافات والانقسامات السياسية الحاصلة.
وهنا يطرح مراقبون أسئلة عدة أبرزها:
مَن قرّر تشريع أبواب الفوضى العمرانية قبل أن يتخذ قرار بإزالتها، بعدما ارتفعت أعمدة وطبقات؟ ولماذا استشرت بهذه الطريقة السرطانية فجأة من دون حسيب أو رقيب، ثم اصطدمت بقرار سياسي عسكري أمني لإقفالها؟
بعض حقائق هذا الملف انه، وقبل نحو الشهرين، أقدمت جهات ما على الترويج بين المواطنين أن ضوءا أخضر أعطي للعمار، على أن كلفة غض الطرف الأمني عن أي مخالفة لا تزيد عن بضع عشرات من الدولارات لمَن يفترض أن يكون الجهة الحريصة على صيانة حرمة الدولة والناس والمشاعات العامة.
وبدأت تتردّد أخبار عن أن قوى سياسية في صيدا وغيرها أعطت هذا الضوء الأخضر لبدء هذه العملية بالتوافق مع بعض القيادات الأمنية، فأصبح المواطن يسأل: لماذا لا استفيد من هذه الفرصة ما دامت الدولة غائبة والوضع الاقتصادي سيئا؟ وانصرف كثير من اللبنانيين إلى التخطيط لمحاولة استغلال هذه الثغرة والنفاذ منها إلى بناء طبقة إضافية أو محل تجاري أو غرفة، في محاولة للالتفاف على الغلاء المستشري في القطاع العقاري، وانتقاما من دولة استقالت من وظيفتها الاجتماعية والمعيشية وانشغلت بخلافات المكاسب والمقاعد والإثراءات غير المشروعة.
وهنا اختلط الحابل بالنابل، وعمد بعضهم إلى التعدّي على المشاعات العامة والأوقاف بطريقة عشوائية وأحيانا مشوَّهة. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ ما لبثت رائحة المذهبية أن فاحت بقوة من هذه الظاهرة.
ولكن، هل هذه الثورة هي مجرّد عملية انتقامية أم تلبية لحاجة ملحّة لشرائح ذات دخل محدود؟ أم أنها نتيجة تواطؤ سياسي مافيوي يهدف
حصرا إلى الاستفادة المادية؟
يؤكد خبراء اقتصاديون أن بداية هذه الظاهرة غير الصحية ترافقت مع خمود غير مسبوق في سوق البناء والعمار، انعكس سلبا على حلقة صناعية تجارية تشكلت في الأعوام الأخيرة، قوامها عقاريون ومقاولون وأصحاب كسارات وتجار الترابة والإسمنت الجاهز.
وأدّى التراجع في السوق العقارية، وتحديدا منذ حزيران 2010، إلى ثبات في أسعار الشقق والمباني من جهة، والى تردد المقاولين في بناء وحدات سكنية جديدة من جهة ثانية. ونظرا إلى حجم السوق العقارية والمستفيدين منها، أحدث هذا الأداء السلبي بلبلة في أوساط هذه الحلقة الصناعية التجارية، انعكست تراجعا في بيع مواد البناء على مختلف أنواعها.
وكان لا بد لهذه الحلقة المرتبطة بمصالح سياسية واقتصادية واسعة تقتات منها، أن تُحدث ثغرة ما تنفذ منها باتجاه إعادة تحريك هذه الصناعة العقارية والبنائية.
هذا الواقع "الصفقاتي" لا ينفي وجود غايات سياسية من تحريك البناء المخالف، ومن ثَم تحريك حملة لقمعه. بعض هذه الغايات أظهرته المداولات السياسية التي حصلت في الأيام الأخيرة، ومهدت لإزالة عدد من المخالفات وبعضها الآخر مرشح للظهور في الأيام القليلة المقبلة في ضوء كم هائل من الحقائق تكونت لدى الجهات المعنية. وهذا ما دفع أساسا قيادتي حركة "أمل" و"حزب الله" إلى رفع الغطاء السياسي عن هذا الملف ونفض اليد من أي تداعيات مرتبطة، في حين يدفع المواطن ثمن البناء المخالف وثمن... إزالته!
ليندا مشلب - الجمهورية 4 أيار 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق