طرح فلاسفة اليونان على بساط البحث الفلسفي كثيرا من القضايا الفلسفية، منها ما يتعلق بالمباحث الرئيسية للفلسفة : الوجود ، والمعرفة، والقيم ؛ ومنها ما يدور حول المباحث الفرعية للفلسفة : فلسفة التاريخ ، و فلسفة القانون ، وفلسفة الجمال ،،، إلخ . ومن القضايا الفلسفية التي ترتبط بالمباحث الرئيسية للفلسفة ، والتي تناولها فلاسفة اليونان بالبحث والدراسة والتحلي قضية "ثبات الوجود وواحديته"، أقصد هل الوجود ثابت وواحد أم أنه متكثر ومتحرك؟ ويعد الفيلسوف اليوناني بارمنيدس (حوالي 500 ق.م.) المنتمي للمدرسة الإيلية في مقدمة الفلاسفة الذين اعتقدوا أن الوجود ثابت وواحد . ولقد استفاد نفر من الفلاسفة التاليين عليه من فلسفته وفي طليعتهم الفيلسوف اليوناني أفلاطون (347 – 427 ق.م.). ومن هذا المنطلق سيحاول الباحث من خلال هذا البحث الوقوف على طبيعة الوجود عند بارمنيدس ، وكيف برهن على ثباته وواحديته؟ وما هي صفات هذا الوجود؟ ومعرفة مدي تأثر أفلاطون بفلسفته؟ معتمدا في ذلك على نصوص كلا الفيلسوفين التي سيقوم بتحليلها.
بادئ ذي بدء ننوه إلى أن الأيونيين السابقين عليه كانوا يزعمون أن الحركة والتغير هما الطابع العام للوجود، وأشاروا كذلك إلى أن السكون يحتاج إلى التفسير والدراسة وظل الأمر على هذا النحو إلى أن جاء بارمنيدس ورفض القول بحركة الوجود وتغيره على نحو ما صرح الأيونيون ونادي بأن العالم ثابت مقابل حركته عند الأيونيين. لقد رفض بارمنيدس القول بتغير الوجود وأكد على ثباته، لأن القول بالتغير يعني الانتقال من الوجود إلى اللاوجود. ولكن أرسطاطاليس ( 322 – 384 ق.م.) رفض هذا الرأي البارمنيدي، فعند الأول "يصح الانتقال من مرتبة في الوجود إلي مرتبة أخرى، مثل انتقال الموجود بالقوة إلي الوجود بالفعل ، فالتغير قد يكون عند أرسطاطاليس انتقالا من وجود إلي وجود آخر وليس انتقالا من وجود إلي لا وجود. "([1]) ولم يخالف بارمنيدس الأيونيين فحسب بل أنه خالف بقوله هذا هيراقليطس (475 – 535 ق.م.) أيضا الذي زعم أن السمة الغالبة علي الوجود هي الحركة والتغير . وهكذا فإن الكثرة مرفوضة وكذلك التغير مرفوض عند الإيليين عامة و بارمنيدس خاصة. ([2]) لقد وجه بارمنيدس "اهتمامه إلى مشكلة العقل والحواس شأنه في ذلك شأن معاصره هيراقليط الأفسوسي في الطرف الآخر من العالم المتكلم بالإغريقية اعتقد أن الإنسان يجب أن يتبع العقل وحده إلا أن عقله أوصله إلي نتيجة هي عكس ما وصل إليه هيراقليط تماما. قال هيراقليط : كل شيء يتغير ، وقال بارمنيدس : لا شيء يتغير . قال هيراقليط : ليست الحكمة سوي تفهم الطريقة التي يدور بها العالم ، وقال بارمنيدس : أن الكون لا يدور حقا على الإطلاق، وإنما هو ساكن سكونا مطلقا . إن التغير والحركة والتبادل لم تكن في نظره سوي أوهام مصدرها الحواس. "([3]) إن بارمنيدس باتجاهه العقلي وهيراقليطس باتجاهه الحسي هما رواد الفكر الفلسفي بلا منازع". إن الفيلسوفين الكبيرين هرقليطس و بارمنيدس مهدا طريق الفلسفة: الأول ينادي بالتغير والصيرورة... والثاني بالثبات والسكون. الأول بلا شك أب السفسطة والثاني أب المنطق والتغير والثبات هما الفلسفة خلال القرون . "([4]) ولم تستمر السيادة لهذين التيارين الفلسفيين كثيرا ؛ بل أنه ظهر فريق آخر من الفلاسفة حاول التوفيق بين هذين الاتجاهين المتضادين ." ([5])
إن الإيليين عامة وبارمنيدس خاصة حولوا مسار البحث الفلسفي عامة فبعد أن كان البحث الفلسفي يبحث عن العلة الأولى للأشياء، التي عدها الطبيعيون الأوائل: الماء ، والهواء، الخ. أو أنها الأعداد - على نحو ما زعم الفيثاغوريون – فقد أصبح البحث الفلسفي على أيدي الإيليين يبحث في ما وراء الوجود المحسوس، إنه أصبح يبحث في ماهية الوجود ذاته .([6]) ولقد رفض بارمنيدس تلك الواحدية المادية الأيونية التي تشكل أسس الفلسفة الأيونية .([7])
وإذا كان بارمنيدس رفض مبادئ الفلسفة الأيونية و لفيثاغورية إلا أن أفلاطون تأثر بهما كثيرا. بالإضافة إلى تأثره بمؤثرات فلسفية أخرى أثرت في فلسفته. ولأجل ذلك يمكننا القول إن بارمنيدس يعد همزة الوصل بين الاتجاه المادي الحسي الذي سبقه والاتجاه العقلي الذي أتي من بعده.
ولقد وضع بارمنيدس فلسفته شعرا مقابل فلاسفة مدرسة أيونيا الذين وضعوا فلسفتهم نثرا، وحذا حذوه نفر من الفلاسفة الذين أتوا من بعده. ووضع بارمنيدس فلسفته في كتاب دعاه "الطبيعة"، الذي قسمه إلى قسمين : الأول: "في الحقيقة" الوجود الحقيقي"، والثاني في الظن "الوجود المحسوس". (*) [8]
يبدأ بارمنيدس قصيدته حيث يشير إلى أنه سيبحث فيها عن الوجود الحقيقي والوجود غير الحقيقي. يقول: "جئت تبحث – هكذا تحدث الآلهة بارمنيدس – في كل شيء: عن الحق الثابت للمستدير، كما تبحث عن ظنون البشر الفانيين التي لا يوثق بها . ولكنك تعلم أن تعلم هذه الأمور أيضا (أي الظنون)، كيف تنظر في جميع الأشياء التي تظهر (أي المظاهر) وتبحث فيها". ([9]1) نستنتج من ذلك أن بارمنيدس يعتبر الوجود الحقيقي هو الثابت والوجود غير الحقيقي هو الظن وخداع البصر . وهذا نفس ما نسبه أرسطاطاليس في مؤلفه "الطبيعة" إلى بارمنيدس، عندما صنفه ضمن الفلاسفة القائلين بأن المبدأ الأول لا يتحرك. يقول: "وقد يجب أن يكون المبدأ إما واحدا، وإما أكثر من واحد . وإن كان واحدا فإما أن يكون غير متحرك على مثال ما قال بارمنيدس ومالسيس ، وإما أن يكون متحركا على ما قال الطبيعيون. فقال بعضهم إن المبدأ الأول هواء ، وقال آخرون إنه ماء". ([10]2) وهذا ما أشار إليه أرسطاطاليس أيضا في مؤلفه "الكون والفساد" ولكنه صرح بذلك – هنا – علي نحو ينم عن دهشته وتعجبه من هذا الرأي . يقول: "بالصدور عن هذه النظريات وبمعاندة شهادة الحواس والاستهانة بها بحجة أنه ينبغي إتباع العقل فقط انتهي بعض الفلاسفة – يقصد بارمنيدس وأصحابه من الإيليين – إلى التصديق بأن العالم واحد غير متحرك وغير متناه لأنه إن لم يكن كذلك فإن الحد بحسبهم لا يمكن إلا أن يحاد الخلو . "([11])
يرى بارمنيدس أن الوجود الحقيقي كما أنه ثابت فهو أيضا واحد بعبارة أخري الكل عنده واحد وكذلك غير متحرك أيضا .([12]) وهذا ما عناه أفلاطون في محاورة "بارمنيدس"، الذي ذكر أن الكل واحدا وليس متعددا عند بارمنيدس، ذلك يعني أن الأخير ينكر الكثرة، وهذا ما قصده من بعده تلميذاه زينون (؟ - 489 ق.م.) ومليسوس (حوالي 440 ق.م.). يقول أفلاطون:
سقراط: إنني أرى يا بارمنيدس، أي زينون لا يجب أن يكون واحدا معك في الصداقة فقط، بل الثاني لنفسك في تأليفه أيضا. إنه يضع ما تقول بطريقة أخري ، وسيبذل قصارى جهده ليجعلنا نعتقد أنه يخبرنا شيئا جديدا؛ لأنك تقول في قصائدك (الكل يكون واحدا) ولا تورد براهين ممتازة عن هذا . وتقول أنه لا يكون متعددا من الناحية الأخرى ، وتقدم دليلا غامرا لصالح هذا القول. أنت تثبت الوحدة ، هو ينكر الكثرة . وهكذا أنت تخدع العالم بإيهامهم أنك تقول أشياء مختلفة – يقصد عن تلاميذه – في حين أنك تقول الشيء عينه . إن هذا أسلوب فني يتعدي مجال أكثريتنا . "([13])
جعل بارمنيدس للمعرفة طريقين: الأول: طريق اليقين، والثاني: طريق الظن. يقول: "أقبل الآن لأخبرك، واسمع كلمتي وتقبلها. هناك طريقان لا غير للمعرفة يمكن التفكير فيهما ، الأول أن الوجود موجود... ولا يمكن أن يكون غير موجود، وهذا هو طريق اليقين، لأنه يتبع الحق . والثاني أن الوجود غير موجود، ويجب ألا يكون موجودا، وهذا الطريق لا يستطيع أحد أن يبحثه، لأنك لا تستطيع معرفة اللا وجود ولا أن تنطق به لأن الفكر والوجود واحد ونفس الشيء". ([14]) هكذا يقسم بارمنيدس الوجود إلي وجودين: وجود حقيقي وهو موجود ، ووجود غير حقيقي وهو غير موجود. والقسم الثاني في تلك القسمة أو الثنائية هو ما جعله السوفسطائيون موجودا وجودا حقيقيا. فقد أشاروا إلى أ، ما هو فاسد موجود، وهذا ما صرح به أفلاطون في محاورته "السفسطائي"، فقد عاب عليهم أنهم أكدوا على وجود اللا وجود وأثني على موقف بارمنيدس المناهض لهذا الاتجاه السوفسطائي . يقول أفلاطون:
"الغريب : إن من يقول إن الباطل موجود فلديه الجرأة لتأكيد لا وجود الوجود ، لأن هذا يدل ضمنا على احتمال وجود الباطل . لكن بارمنيدس العظيم – يا ولدى ، احتج ضد هذه المقولة ، فى أيام كنت صبيا ، لقد واصل غرس الدرس عينة في الأفكار حتى نهاية حياته ، مردده شعرا ونثرا: أبعد عقلك من طرق هذا ؛ لأن ذلك لا يبرهن أبدا ، وهو أن الأشياء وهو أن الأشياء التى لا تكون تكون . "([15]) إذا لا وجود للخلاء أو الفراغ ، وكذلك لا وجود لمسافات بين الأشياء حيث تكون الحركة والتغير محتملين، ولا وجود أيضا لبدايات أو نهايات زمنية للأشياء. ([16])
يوحد بارمنيدس – على نحو ما ذكرنا سابقا - بين الوجود والمعرفة، فيشير إلى أن ما نفكر فيه موجود وما لا نفكر فيه غير موجود ، فكأن الأشياء المحسوسة لا وجود لها في إدراكنا ، وأن ما يسري عليه الكون والفساد والبداية والنهاية صور فحسب . ([17]) ويشير بارمنيدس إلي ذلك بقوله : " ما يلفظ به ويفكر فيه يجب أن يكون موجودا ، لأنه من الممكن أن يكون الوجود موجودا ، ومن المستحيل أن يوجد اللا وجود : إني أمرك أن تتأمل هذه الأمور . " ([18]) ولما كان الوجود قابل للتفكير فيه فهو موجود ، ولما كان اللا وجود في المقابل لا يمكن التفكير فيه فهو غير موجود ، ولما كان الجمهور يفكر عكس ذلك يجب الابتعاد عن طريقة تفكيره . يقول : " وأن ترجع عن ذلك الطريق [ الأول للبحث ] وعن هذا الطريق الأخر أيضا الذي يصل فيه البشر ، ولا يعرفون شيئا ناظرين إليه بوجهين ؛ لأن الارتباك الموجود في صدورهم يضلل عقولهم حتى لقد يعيشون كالصم العمي والطغام الذين لا يميزون ، فيذهبون إلي أن الوجود موجود ، وأن الوجود والوجود و اللا وجود شيء واحد ، وإلي أن كل شيء يتجه في اتجاهات متضادة". ([19])
إذا العقل وحده يستطيع أن يصل إلى حقيقة الأشياء، وهي أن الوجود موجود واللا وجود غير موجود، وأنه من المستحيل أن يكون الوجود واللا وجود، وأنه من المستحيل أن يكون الوجود واللاوجود شيئا واحدا . أقصد أنه من غير الممكن إثبات وجود اللا وجود ، ويجب عدم النظر أو البحث في هذه المسألة لأنها بكل تأكيد مستحيلة. ([20]) وهكذا يمكننا القول إنه لا يوجد سوي طريق واحد يجب أن نسلكه وهو أن الوجود موجود . ولقد أكد بارمنيدس على ذلك وعضد من أتي من بعده من الإيليين رأيه من خلال حججهم لنفي الكثرة والحركة . ([21]) كذلك العقل وحده يمكنه معرفة الوجود الحقيقي ( الوجود العقلي ) مقابل الحواس التي لا تستطيع معرفة سوي الوجود الزائف ( الوجود الحسي ) . ومن هنا تكون المعرفة عند بارمنيدس " نوعان : عقلية وهي ثابتة كاملة وظنية وهي قائمة على العرف وظواهر الحواس . فالحكيم يأخذ بالأولي ويعول عليه كل التعويل ، ثم يلم بالأخرى ليقف على مخاطرها ويحاربها بكل قواه . "([22])
وفيما يتعلق بصفات الوجود عند بارمنيدس فهي عديدة ، منها أنه لا يكون ولا يفسد ، وأنه واحد ، ومتصل : كان ويكون وسيكون ، وكل ، ووحيد التركيب ، لا يتحرك ، ولا نهاية له ، ولا نهاية له ، و مجتمع .([23])
نستدل من ذلك أن الوجود يأتي من الوجود وينتهي إلى الوجود . وينفي بارمنيدس بذلك – على نحو ما أشرنا سابقا – العدم ، فالعدم – عنده – من هذا الطريق معدوم.
ويستطرد بارمنيدس موضحا مسألة كون الوجود ، فينفي عنه أنه أتي من اللا وجود فلا يبقي سوي أنه أتي من الوجود . يقول : فأي أصل لهذا الوجود تريد أن تبحث عنه ؟ وكيف ومن أي أصل نشأ ؟ إني أسمح لك بالقول أو التفكير أنه نشأ من اللا وجود ، لأن اللا وجود لا يمكن أن يعبر عنه أو يفكر فيه وأيضا إذا كان قد نشأ من اللا وجود ، فما الضرورة التي جعلته ينشأ متأخرا عن وقته أو قبل ذلك ؟ فهو إما أن يكون قد وجد مرة واحدة ، أو لم يوجد أصلا . ولن تسلم قوة اليقين في أنفسنا بأن شيئا خرج إلي الوجود من اللا وجود ، اللهم إلا من الوجود ذاته ، ولذلك فإن العدالة لم تخفف قيودها وتسمح للوجود بأن يكون أو يفسد ، بل العدالة تشد الوجود بقيد وثيق . ويتوقف الحكم على هذه الأمور على ما يأتي : " هل الوجود موجود أو غير موجود ؟ " لهذا يلزم بالضرورة أن نتجاهل أحد الطريقين لأنه لا يمكن التفكير فيه أو التعبير عنه ( إذ هو طريق غير صادق ) وأن نأخذ الطريق الثاني لأنه طريق الوجود والحقيقة . وما مصير الوجود في المستقبل ؟ أو كيف يمكن أن يوجد ؟ إذا جاء إلي الوجود فليس بموجود . وكذلك إذا وجد في المستقبل . وبذلك تزول الصيرورة ولا يتحدث أحد عن فساده . "([24]) إذا لا مجال للتغير أو الحركة وكذلك لا مجال للعدم أو الخلاء على الإطلاق فيما يتعلق بالوجود . وهذا ما ذكره أرسطاطاليس ، فقد بين في مؤلفه " الكون والفساد " أن بارمنيدس أكد على الواحدية والثبات ، وأنه أكد أيضا على انتفاء الخلاء والعدم . يقول أرسطاطاليس : " وفي الواقع أن بعض القدماء – يقصد بارمنيدس وأصحابه من الإيليين – قد ظن أن الموجود هو بالضرورة واحد وغير متحرك فعلي رأيهم الخلو لا يوجد وأنه لا يمكن أن توجد حركة في العالم مادام أنه لا يوجد خلو منفصل عن الأشياء . وكانوا يزيدون على ذلك أنه لا يمكن أيضا أن يوجد تعدد مادام أنه لا يوجد خلو يقسم الأشياء ويعزلها . على أن دعوي أن العالم ليس متصلا لكن الموجودات التي تؤلفه متماسة مهما كانت منفصلة فيرجع ذلك إلي القول بأن الموجود متعدد وليس واحدا وأن الخلو موجود . وأنه إذا كان الموجود هو مطلقا قابلا للقسمة في جميع الاتجاهات فمن ثم لا يوجد بعد وحدة لأي ما كان بحيث أنه لا يوجد أيضا تعدد . " ([25])
ويستمر بارمنيدس في سرد صفات الوجود ، فهو عنده ليس منقسما ، ومتجانس ، ومتماسك ، ويملأ كل شيء ، ومتصل . يقول : " وأيضا فإنه لا يتحرك من جهة حدوده القوية السر ، بلا بداية ولا نهاية ، لأن الكون والفساد [ أي ما يظهر وما يختفي ] قد ابعدا ، إذ أبعدهما اليقين الصادق – إن الوجود ذاته يظل في المكان نفسه ، باقيا بنفسه ، ثانيا على الدوام ، لأن الضرورة تمسكه داخل قيود النهاية التي تحيط به ، فقد حكم القانون الإلهي ألا يكون الوجود بغير نهاية ، فهو لا يحتاج إلي شيء ؛ أما إذا كان لا نهائيا [ فريمان من جهة المكان ] فإنه يحتاج إلي كل شيء . "([26])
ويترتب على قولنا أن الوجود والفكر أمرا واحدا أنه لا معني لكثير من المصطلحات التي يستخدمها البشر، وتوهموا أنها ذات معني ، كقولنا : الكون والفساد ، والوجود واللا وجود ، والنقلة في المكان ، وتغير اللون الساطع . ([27])
الوجود كامل من جميع الجهات ، وكل لا انفصال فيه . يقول : " وحيث كان له ( أي للوجود ) حد بعيد ، فهو كامل من جميع الجهات ، مثل الكرة المستديرة الأبعاد من المركز ، لأنها ليست أكبر أو أصغر في هذا الاتجاه أو ذاك ، ولا يعوقها شيء عن بلوغ النقط المتساوية عن المركز ، وليس الوجود أكثر أول أقل في مكان دون آخر ؛ بل هو كل لا انفصال فيه . ولما كان الوجود متساويا من جميع الجهات فإنه يبلغ الحدود بشكل متجانس . " ([28])
وبمجرد أن انتهي بارمنيدس من توضيح طبيعة الوجود الحقيقي من خلال طريق الحق الذي بدأ به قصيدته . ينتقل بعد ذلك إلي الطريق الثاني الذي اسماه طريق الظن . وبدأ حديثه عن هذا الطريق بالتصريح أنه انتهي الحديث عن طريق الحق والكلام الصادق المتعلق بالفكر والعقل . وأنه سيبدأ من الآن حديثه عن طريق الظن حيث الألفاظ الخادعة التي يقتنع بها الجمهور العادي . ([29])
يشير إلي أنه أمام الجمهور طريقين : الأول : طريق الحقيقة ، والثاني : طريق الزيف : ويجب أن يبتعد الجمهور عن الطريق الثاني . يقول : " لقد تعود البشر تسمية صورتين ، ويجب أن يمسكوا عن ذكر إحداهما عند الانحراف عن الحق [ كورنفورد : إذا ذهبوا بعيدا ] . وقد يزول بينهما من حيث تضادهما في الصورة ، واستدلوا عليهما بعلامات مختلفة . إحداهما النار في السماء ، وهي نار رقيقة لطيفة متجانسة من جميع الجهات ، ولكنها تختلف عن الأخرى . وهذه الصورة الأخرى تضادها تماما : إنها الليل المظلم ، جسم ثقيل كثيف واني واصفه لك نظام هذا العالم كما يظهر ، حتى لا يسبقك تفكير أي إنسان . "([30])
وبالجملة فإن نفر من الباحثين لما وجدوا بارمنيدس يؤثر الوجود العقلي – الوجود الحقيقي – على الوجود المحسوس – الوجود الزائف – زعموا أن بارمنيدس هو رائد المثالية. ولكن نفر آخر من الباحثين في المقابل اعترض على ذلك زاعما أن بارمنيدس هو رائد المادية بحجة أن بارمنيدس أكد على أن الأشياء تكون بواسطة الحار والبارد واللذين يسميهما نارا وأرضا. ([31]) ويردد بارمنيدس هنا – على ما يبدو – الطريقة الفيثاغورية عن الأضداد. ([32]) لكن يرى نفر من الباحثين في المقابل أن الإيليين رفضوا التضاد.
وعموما فإنه من الممكن تلخيص الخلاف بين هاتين المدرستين : الفيثاغورية والإيلية "بالقول إن مفهوم الوحدة عند الأولى رياضي إلى حد ما، وعند الثانية ميتافيزيقي أو أنطولوجي... إن الفيثاغوريين وضعوا مبدأ التضاد بين المحدود واللا محدود في صلب فلسفتهم العددية واعتبروه مبدأ صدور الكثرة عن الوحدة ، بينما نفي الإيليائيون التضاد وردوا وجود الأشياء إلي الوحدة المطلقة".([33])
وإذا كان بارمنيدس اختلف مع الطبيعيون الأوائل الذين زعموا أن العالم متغيرا ومتحركا ومملوء كثرة مقابل قوله بالواحدية والثبات. فإنه اختلف أيضا مع الطبيعيين المتأخرين في نفس المسألة، وإن كان الطبيعيون المتأخرون أخذوا عنه أن الموجود لا يسري عليه التغير أو الفساد، وأنه يظل مماثلا لذاته.([34])
وإذا كان الطبيعيون المتأخرون تأثروا بالجانب المادي من فلسفة بارمنيدس ؛ فإن الجانب العقلي من فلسفته ظل خاملا إلي أن أمسك به أفلاطون وارتقي به إلي مستوي التجريد العقلي الخالص ويبدو ذلك بوضوح في نظريته عن المثل .([35])
وإذا ما انتقلنا إلي القسم الثاني من البحث وهو معرفة أثر فلسفة بارمنيدس على فلسفة أفلاطون وخاصة نظريته عن المثل . فإنه من الضروري الإشارة إلي أن أفلاطون استفاد من الفلاسفة السابقين عليه كثيرا ، ومن هؤلاء الفلاسفة الذين استفاد منهم أفلاطون بارمنيدس، وتبدو مبادئ فلسفة بارمنيدس الثبات والواحدية بوضوح في نظرية المثل الأفلاطونية.[36] فقد انتصر أفلاطون في هذه النظرية لبارمنيدس مقابل آراء هيراقليطس و السوفسطائيين . فقد رفض أفلاطون تغير هيراقليطس وحركته الذي رأي أنهما يسريان على الوجود المحسوس على غرار بارمنيدس ، ورفض كذلك ربط حقائق الأشياء بما هو محسوس عند السوفسطاءيين مثلما فعل بارمنيدس . ولذلك يمكننا القول بأن أفلاطون ليس هو أول من ابتدأ طريق توجيه النقد للمعرفة الحسية السوفسطائية بل سبقه في ذلك بارمنيدس " لقد بدأ الاتجاه إلي نقد المعرفة الحسية منذ عصر الفلسفة السابقة على سقراط وكان بارمنيدس الفيلسوف المثالي أو ل وأهم من قدم نقدا عنيفا للمعرفة الحسية إذ فرق بين طريق الظن وطريق الحق وفي مقابل اتجاه بارمنيدس العقلي في المعرفة أكد السوفسطائيون وخاصة بروتاجوراس على أهمية الحواس في المعرفة بالعالم الطبيعي كما ادخلوا لأول مرة في اعتبارهم نسبية المعرفة إلي الذات العارفة فقال بروتاجوراس : الإنسان مقياس كل شيء ، غير أنه بدا لأفلاطون أن التوحيد بين المعرفة والإحساس لابد وأن ينتهي إلي إلغاء وجود الحقيقة ، فمادام كل ما يبدو للإنسان صحيحا بالنسبة له فسوف تتعدد وجهات النظر بحيث لا توجد في النهاية حقيقة واحدة موضوعية يمكن للجميع الاتفاق عليها بل سوف يصبح من المستحيل أيضا وجود الخطأ لذلك فقد عني أفلاطون عناية بالغة بالبحث في الأحكام الخاطئة وتفسير إمكانية وجودها. "(2[37]).
ويشير أفلاطون إلي أن المعرفة السوفسطائية ليست معرفة حقيقية في الواقع بمقدار ما أنها تخمينية ، فهي تنصب على معرفو ظواهر الأشياء لا على معرفة ماهية أو حقائق الأشياء. ([38]3) ويبدو ذلك بجلاء في طرح بروتاجوراس (411 – 481 ق.م.) أن الإنسان معيار معرفة الأشياء جميعا ، ويذكر أفلاطون هذا المبدأ السوفسطائي بقوله:
" سقراط : حسنا إنك أنقذت نفسك من تعلم مهم جدا بشأن المعرفة ؛ إن هذا الرأي هو رأي بروتاجوراس حقا ، مع أن لديه طريقة أخرى لإيضاح الفكرة عينها . يقول : " إن الإنسان هو مقياس كل الأشياء التي تكون ، ومقياس لوجود الأشياء التى لا تكون . " إنك قرأت هذه العبارة في أعماله ؟
ثياتيتوس : أوه نعم ، قرأتها مرارا .
سقراط : ألا يقول ط " أو يعني " أن الأشياء تكون لك مثلما تظهر لك ، وتكون لي كما تبدو لي وأننا أنت وأنا رجلان " ([39]) نستنتج من ذلك أن الحواس عند السوفسطائيين هي مصدر معرفة حقيقة الأشياء ، ولما كانت الحواس متغيرة فالمعرفة عندهم بالتالي متغيرة ، وتختلف من شخص إلي آخر . ويرجع ذلك إلي أن الإنسان الفرد عند السوفسطائيين هو الحكم في أن يقرر ما يكون له وما لا يكون له ، أقصد أن ما يراه الإنسان الفرد صادق بالنسبة له فهو صادق بالنسبة له ، وما يراه كاذب بالنسبة له فهو كاذب بالنسبة له . وما يري أنه أفضل بالنسبة له فهو فاضل بالنسبة له ، وما يري أنه رذيلة بالنسبة له فهو رذيلة بالنسبة له . ([40])
وبناء على ما سبق فإن الطابع العام للوجود عند السوفسطائيين هو الحركة والتغير ، وهذا ما يرفضه بارمنيدس مقابل طائفة أخرى من الفلاسفة التاليين عليه قبلوا ذلك منه . ويشير أفلاطون إلي هذا التوجه السوفسطائي المرفوض من قبل بارمنيدس ومن قبله كذلك بقوله :
" سقراط : ليس هناك شيء واحد ، ولا هذا ، ولا ذاك . وإن كل تلك الأشياء التي نعلن أنها تكون تأتي إلي الوجود من الحركة ، والتغيير ، ومن المزج مع بعضها بعضا . وإن وجب التكلم بشكل صحيح ، فإنه لا يوجد وجود على الإطلاق ، بل توجد صيرورة دائمة ومستمرة يمكن افتراض أن كل الفلاسفة المتعاقبين اتفقوا معك في هذا يا بروتاجوراس ، ما عدا بارمنيدس ، أخص بالذكر منهم هيراقليطس ، ايمادوقلوس وبقية الفلاسفة . "([41])
وفيما يتعلق بالعدم أو الخلاء أقصد اللا وجود فإن بارمنيدس – على نحو ما ذكرنا سابقا – رفض أن يكون اللا وجود موجودا على نحو ما زعم السوفسطائيون ، ويسير أفلاطون على درب بارمنيدس فيرفض بدوره مبدأ السوفسطائيين أن اللا وجود موجود ، فعنده " أن اللا وجود ليس ملائما لأي وجود ، فمن المستحيل أن نتحدث عن شيء ما معري عن أي الوجود . "([42]) ويعني ذلك أن ما يزعمه السوفسطائيين أن اللا وجود موجود رأي فاسد عند أفلاطون . فلا يمكن أن يكون اللا وجود موجود بل إن اللا وجود غير موجود والموجود موجود . يقول :
" الغريب : وتعني بالحقيقي ذلك الذي يكون بحق ؟
ثياتيتوس : نعم .
الغريب : ويكون اللا حقيقي ذلك الذي هو ضد الحقيقي ؟
ثياتيتوس : بالضبط .
الغريب : لا يكون الشبه حقيقي بحق إذن ، إذا كان ليس حقيقيا ، كما تقول .
ثياتيتوس : لا ، بل هو يكون في معني محدد .
الغريب : تعني أنه ، ليس في معني حقيقي ؟
ثياتيتوس : نعم ، إنه يكون صورة في الحقيقة فقط .
الغريب : ماذا نسمي إذن ، الصورة التى تكون غير حقيقية في الحقيقة بحق ؟
ثياتيتوس : نعم ، يظهر أ اللا وجود يكون معقدا مع الوجود بغرابة ، بهذه الطريقة .
الغريب : بغرابة ! علي اعتقاد ذلك . أنظر كيف أخبرنا السوفسطائي المتعدد الرؤوس ، أن نعترف بوجود اللا وجود ضد إرادتنا تماما . "([43]) نستنتج من ذلك أن أفلاطون مثل بارمنيدس يرفض وجود الخلاء أو العدم أي اللا وجود .
ويربط أفلاطون بين نظريته في المعرفة ونظريته في الوجود ، ويظهر ذلك واضحا عندما يقسم الوجود – على غرار بارمنيدس – إلي وجودين مرئي وغير منظور ، الأول : يسري عليه التغير والحركة ، والثاني : ليس كذلك ، الأول : يدرك بواسطة الحواس ، والثاني : يدرك من خلال العقل . يقول : " يجب علينا بادئ ذي بدء ، أن نوجد تميزا في حكمي ، وأن نسأل بعدئذ ما هو ذلك الذي يكون على الدوام ولا يمتلك صيرورة وما هو ذلك الذي يكون صائرا على الدوام ولا يكون أبدا ؟ إن ذلك الذي يدرك بالعقل والاستنتاج المنطقي يكون في الحالة عينها على الدوام ، لكن الذي يتصور بالرأي بمساعدة الحواس وبدون استنتاج منطقي يكون في عملية صيرورة والفناء ، ولا يكون في الحقيقة أبدا " ([44]) ويستطرد أفلاطون في ذكر صفات الوجود العقلي والوجود الحسي ، ونلاحظ أنها نفس الصفات التى ينعتها بارمنيدس لهما . ويطلق أفلاطون عليهما صفتين أخريين ، فالأول : غير مركب من أجزاء ، أما الثاني فعلي عكس ذلك مركب من أجزاء ، الأول : يكون هو نفسه ، والثاني لا يكون نفسه . يقول :
" سقراط : ويمكن أن يفترض الذي لا يتركب من عدة أجزاء أنه الشيء نفسه وغير متبدل ولا متحول ، في حين أن المركب من أشياء عدة يتبدل على الدوام ولا يكون الشيء عينه قط .
سيبس : إنني أوافق .
سقراط : إذن دعنا الآن نعود إلي البحث . أتكون تلك الحقيقة والتي نعطي نحن تعليلا عن وجودها في العملية المنطقية الديالكتيكية سواء أكانت المساواة ، الجمال ، أو أي شيء آخر ، أقول ، أتكون هذه ، الحقائق عرضة لأن تتغير وتتبدل قليلا أو بعض الشيء خلال الزمن ؟ وهل يكون كل منها ، ما هو على الدوام ، له الوجود الذاتي الموحد نفسه والطبائع عينها التي لا تتغير أو تتبدل ، ولا تقبل التنوع على الإطلاق ، أو في أي زمن ؟
سيبس : يجب أن تكون الشيء عينه يا سقراط .
سقراط : وماذا ستقول عن الجمال المتعدد ، كمثال ، جمال الرجال أو الأحصنة أو الأثواب أو أية أشياء أخرى كهذه ، أو عن التساوي المتعدد ، أو عن كل الأشياء الأخرى التي تسمي بالأشياء عينها والتي تدعي بها الحقائق بشكل عام ؟ هل هي الشيء عينه على الدوام ؟ ألا يمكن وصفها بمصطلحات عكس ذلك بالضبط على الأصح ، مثل أنها متغيرة دائما تقريبا وبالكاد تكون الشيء عينه أبدا إما مع أنفسها أو مع بعضها بعضا ؟
سيبس : أقول الأخير ، يا سقراط ، أي أنها في حالة تبدل على الدوام .
سقراط : وهذه نستطيع لمسها ورؤيتها وإدراكها بالحواس . لكن الأشياء اللا متغيرة يمكنك الإحاطة بها وفهمها جيدا بالعقل – إنها غير مرئية وهي لا تشاهد .
سيبس : إن هذا حقيقي جدا . "([45])
إذا الوجود عند أفلاطون وجودين : أحدهما معقول والآخر محسوس ، والأخير يشبه الأول وتقليد له ، إنه عبارة عن ظلال وانعكاسات للأول . يقول : "
سقراط : خذ الآن خطا كان قد قطع إلي جزأين غير متساويين ، وقسم كلا منهما بالنسبة عينها مرة ثانية ، وافترض أن أحد القسمين يطابق العالم المرئي والآخر يطابق العالم العقلي ، وعندها قارن التقسيمات فيما يتعلق بوضوحها أو غموضها وسوف تجد المقطع الأول في المجال المرئي يتألف من الصور ، وأعني بالصور ، في المكان الثاني الانعكاسات في الماء أو في الجسم ، الأجسام الناعمة والمصقولة وما شابه . هل تفهم ؟
كلوكون : نعم ، إنني أفهم .
سقراط : تخيل الجزء الأخر الآن ، والذي يكون هذا شبها له فقط ، لنضمن كل الحيوانات التي نري وكل شيء يتمدد يصنع .
كلوكون : جيد جدا . "([46])
ويمكن التوصل إلي معرفة حقيقة الأشياء بفضل ما يوجد فينا قبلا من مقدرة على معرفة ما هو حقيقي . يقول :
" سقراط : في حين أن محاورتنا تبين أن قدرة وطاقة العلم توجد في النفس سابقا ؛ وذلك كأمه إذا لم يكن ممكنا أن تتحول العين من الظلام إلي النور بدون الجسد كله ، هكذا آلة المعرفة تقدر بحركة النفس كلها فقط أن تتحول من عالم الصيرورة إلي ذلك العالم الذي للوجود وتتعلم الصبر على رؤية الوجود بالتدريج وعلي ألمع وأفضل وجود ، أو بكلمات أخرى على الخير . "([47]) نستدل من ذلك على أن الخير أو الوجود الحقيقي الذي يتربع على قمته مثال الخير أي الصانع هو الوجود الأفضل على حين أن الوجود المحسوس ليس كذلك .
ويعد مثال الخير هو علة المعرفة أي هو الذي يعطي المرء القدرة على المعرفة ، فالمعرفة والوجود الحقيقي شبيهين به . يقول :
" سقراط : وبعد ، فذلك الذي يمنح الحقيقة إلي المعروف وقوة المعرفة إلي العارف هو ، كما أريدك أن تقول ، مثال الخير . وهذا المثال ، وهو سبب العلم والحقيقة ، ستتصوره كوجود مدرك بالمعرفة ، و مع ذلك خال من العيوب كما هي الحقيقة والمعرفة كلاهما ، وستكون محقا لتجله كشيء مختلف عن هذه وحتى أجمل . ويمكن القول بحق ، كما في المثال السابق . إن النور والبصر شبيهان بالشمس ومع ذلك فهما ليسا الشمس . وهكذا في المجال الآخر فإن العلم والحقيقة يمكن اعتبارهما شبيهين بالخير ، لكن من الخطأ أن نعتقد أنهما الخير . والخير له مكان شريف أعلي فوق ذلك . "([48])
وإذا كان ما هو معقول هو الحقيقي ، وأن الذي يعطينا القدرة على معرفته هو مثال الخير ، فإن الفيلسوف وحده الذي يمكنه أن يدرك هذا الوجود . يقول :
"سقراط : حسنا ، لكن ثمة شيء آخر ، سيمياس ، هل يوجد عدل مطلق أم لا؟
سيمياس : يوجد بكل تأكيد .
سقراط : ويوجد كمال مطلق وخير مطلق .
سيمياس : طبعا .
سقراط : لكن هل رأيت أيا منهما بعينيك فقط .
سيمياس : لا ، بدون ريب .
سقراط : أو هل وصلت إليه أبدا بأي من حواسك الجسدية ؟ وأنا لا أتكلم عن هذه قط ، بل عن العظم المطلق ، والصحة ، والقوة ، وبالاختصار ، عن الحقيقة أو الطبيعة الحقيقة في كل سيء . هل تدرك حقيقتها من خلال الأعضاء الجسدية قط ؟ وعلى الأصح ، ألا يكون الدنو القرب إلي معرفة طبائعها المتعددة مصنوعا من قبل من ينظم رؤياه العقلية كي تمتلك الإدراك الأكثر دقة لجوهر كل شيء يتأمله؟
سيمياس: بالتأكيد.
سقراط : ويصل إلي معرفة الأنقى من يذهب إلي كل منها بالعقل وحده غير مولج أو مدخل عنوة عمل البصر أو الفكر ، أو أية حاسة أخرى بالإضافة إلي النقل ، بل يبحث عن الحقيقة مع العقل في صفاته التي تخصه يبحث عن حقيقة كل شيء في نقائه ، وهو من تخلص، بقدر ما يستطيع من العينين والأذنين ومن الجسد ككل ، وإذا جاز التعبير ، لأن هذه كونها في رأيه مختلة العناصر التي عندما تتحد بالنفس تعوقها عن نيل الحقيقة والمعرفة ومن غير الفيلسوف يستطيع أن يصل إلي معرفة الوجود الحقيقي على الأرجح".([49])
ويمكن للفيلسوف أن يصل إلي المفاهيم أو حقائق الأشياء من خلال الجدل ، فهو يستطيع أن يصل إلي معرفة الخير القصي على غرار البصر الذي يمكنه أن يدرك المحسوس .([50]) ويشير أفلاطون إلي ذلك بقوله:
"سقراط: وهكذا، يا كلوكون، وصلنا إلي ترنيمة علم الجمال أخيرا. إنه الأصل الذي يخص الألمعي فقط. ولقد وجدنا أن طاقة البصر تقدر على أن تقلده على كل حال ، لأن البصر ، وكما تتذكر ، تخيلنا أن باستطاعته أن يري الحيوانات الحقيقية والنجوم ولو بعد حين ، وآخر الجميع الشمس نفسه . هكذا ، بعلم الجدل ، يبدأ الشخص إذ ذاك استكشاف الحقيقي بنور العقل فقط وبدون أية مساعدة حسية ن يصون ذلك ، حتى يصل إلي إدراك الخير الحقيقي بالفهم الصافي ويجد نفسه في أخيرا في نهاية العالم العقلي ، كما يكون في حالة البصر في نهاية العالم المرئي . "([51])
ولما كانت علوم الهندسة والحساب تهدف إلي معرفة ما هو أزلي وليس معرفة ما يفني ، وعرفة ما هو ثابت وليس معرفة ما هو متغير ، لذلك فهما يساعدا الجدل في التوصل إلي معرفة حقائق الأشياء . يقول :
" سقراط : كما أن العلوم الحسابية التي تمتلك بعض الإدراك للوجود الحقيقي ، كما سبق وقلنا ، فإن الهندسة وما شابه ، تحكم عن الوجود فقط ، ولكنها لا تقدر على رؤية الحقيقة المستيقظة طالما أنها تترك الفرضيات التي تستعمل ثابتة وهي غير قادرة أن تعطي كشفا حسابيا عنها . إذ عندما لا يعرف الإنسان سببه الأول الخاص به ، وعندما يكون الاستنتاج والخطوات الوسيطة مبنية خارج الذي لا يعرفه ما هو ، فكيف يمكنه أن يتصور أن هكذا بنية اصطلاحية يمكن أن تصبح علما أبدا ؟
سقراط : إن علم الجدل ، وحده ، يذهب مباشرة إلي السبب الأول وهو العلم الوحيد الذي يلغي الفرضيات كي يجعل أساسه مبنيا إن العين النفسية التي دفنت حقيقة في ارض موحلة غريبة ترتفع إلي أعلي بمساعدته اللطيفة . و في هذا العمل تستخدم العلوم التي كنا باحثين فيها كمساعدين ووصفاء . لقد استعملنا غالبا الاسم المألوف للعلوم ، غير أنها يجب أن تمتلك اسما آخر ، أكثر وضوحا من الرأي وأقل وضوحا من العلم ، وهذا ما سميناه فهما في تخطيطنا المتقدم . لكن لماذا سنتجادل بشأن الأسماء في حين أن لدينا حقائق في هذه الأهمية كي نعتبر . "([52])
وبالنسبة لدرجات المعرفة فإنه مرتبطة بأقسام الوجود . ويشير أفلاطون إلي أن أقسام الوجود أثنين ينقسم كل منهما إلي قسمين ، وهذه الأقسام الأربعة للوجود تتطابق مع القدرات الأربعة التي يمتلكها الإنسان . فالعقل يتفق مع الأعلى ، والفهم مع الثاني ، والإيمان أو الاعتقاد مع الثالث ، ويعد إدراك الظلال مع الأخير .([53]) إذا أقسام المعرفة قسمين للعقل وآخرين مع الرأي . يقول :
" سقراط : إننا قانعون على كل حال ، كما كنا سابقا ، ليكون لدينا أربع تقسيمات . اثنتان للعقل ، واثنتان لأهل الرأي . سنسمي القسمة الأولي علما ، والثانية فهما ، والثالثة اعتقادا ، والرابعة الإدراك الحسي للظلال ، الرأي كونه متعلقا بالولائم ، والعقلي بالوجود ، وهكذا لتصنع التناسب . " يكون الوجود للملائك ، هكذا الصفاء العقلي للرأي . وكما يكون العقلي للرأي ، كذلك العلم للاعتقاد ، والفهم للإدراك الحسي للظلال . " ([54])
بقول كلي فإن نظرية المثل عند أفلاطون تبين أن فلسفته تقوم على التوفيق ، ففي هذه النظرية لم يتأثر ببارمنيدس فحسب بل تأثر بهرقليطس أيضا ، وتأثر بغيرهم من الفلاسفة كذلك . وتقوم طريقته في التوفيق علي " حصر كل وجهة نظر في دائرة وإخضاع المحسوس للمعقول ، والحادث للضروري .فنحن نجد عنده تغير هرقليطس ، ووجود بارمنيدس ، ورياضيات الفيثاغوريين وعقيدتهم في النفس ، وجواهر ديموقريطس ، وعناصر أنبادوقليس ، وعقل أنكساغوراس فضلا عن مذهب سقراط ... فهو لم يزدر شيئا من تراث الماضي ، وأراد أن ينتفع بكل شيء ، ثم طبع هذا التراث بطابعه الخاص ، وزاد فيه فتوسع وتعمق إلي حد لم يسبقه إليه أحد . "([55])
وبالنسبة لتأثر أفلاطون ببارمنيدس فقد استفاد منه كثيرا ويبدو ذلك بوضوح في رفضه لتغير هيراقليطس ، وفي بحثه عن عالم ثابت يشبه الوجود البارمنيدي في كل صفاته ويظهر ذلك في التشابه الواضح والكبير بين صفات المثل عند أفلاطون وصفات الوجود الحقيقي عند بارمنيدس . إن أثر بارمنيدس على فلسفة أفلاطون " يكمن في رفض أفلاطون لعام هيراقليطس المتغير ... ومحاولته إيجاد عالم ثابت غير متغير ، وهذا العالم شبيه بالوجود البارمنيدي تتوفر فيه متطلبات الدوام والأزلية والتي بدونها لا يمكن وجود معرفة ، ثم أن أفلاطون ( نسب إلي المثل صفات الوجود البارمنيدي من حيث أنها صور ثابتة كلية لا تفسد ولا تتغير ، ولكن التغير قانون العالم الحسي والتبادل البدي بين الأضداد هو الذي يسيطر على هذا الوجود فمن الضد إلي الضد ، ومن الموت إلي الحياة "، إضافة إلي ذلك استمد أفلاطون من بارمنيدس الإيمان بأن العالم الواقع في الزمن ، وبأن التغير لابد أن يكون وهما ، حيث كان يعلم جيدا بإنكار بارمنيدس لوجود مكان فارغ". ([56])
الخاتمة: تشتمل على أهم النتائج :
1 – رفض بارمنيدس ما زعمه الطبيعيون الأوائل أن الوجود متغير و متحرك ، ورفض كذلك واحديتهم المادية . وأضحت الفلسفة تتناول علي يدي الإيليين عامة وبارمنيدس خاصة ما وراء الوجود المحسوس وليس الوجود المحسوس .
2 – ربط بارمنيدس بين مبحث الوجود ومبحث المعرفة ، وقسم الوجود إلي وجودين : الأول : الوجود العقلي – الوجود الحقيقي – والثاني : الوجود المحسوس – الوجود غير الحقيقي – الأول : نعرفه بواسطة العقل ، والثاني نعرفه بواسطة الحواس .
3 – نعت الوجود بأنه موجود واللا وجود بأنه غير موجود ، والوجود واحد ، ومتصل ، ولا يفسد ، ووحيد التركيب ، ولا بداية له ولا نهاية ، ومتجانس ، ولا يكون ولا يفسد ، ومتماسك ، و دائما ، و ملاء ، ،،إلخ .
4 – اختلف الباحثون حول كون بارمنيدس رائدا للمثالية أن أنه رائدا للمادية ، ففي حين يري بعض الباحثين أنه رائد للمثالية يري البعض الآخر في المقابل أنه رائد المادية ، لكنه من المرجح أنه جمع في فلسفته بين المثالية والمادية .
5 – استفاد أفلاطون من فلسفته كثيرا – على نحو ما ستفاد من غيره من الفلاسفة – في ما وضعه من فلسفة وخاصة نظريته عن المثل . فقد رفض أفلاطون – على غرار بارمنيدس – قول السوفسطائيين أن الحواس هي مصدر معرفة حقائق الأشياء ، ورفض رأيهم أن التغير والحركة الطابع العام للوجود .
6 – قسم الوجود – على غرار بارمنيدس – إلي قسمين : الأول الوجود العقلي – الوجود الحقيقي – والوجود الحسي – الوجود غير الحقيقي – الأول يعرف عن طريق العقل والثاني يعرف عن الحواس . ويعرف الفيلسوف وحده حقيقة الأشياء من خلال الجدل وبمساعدة علوم الحساب والهندسة .
7 – جعل للمعرفة درجات ، وكل درجة مرتبطة بقسمي الوجود ، اللذين قسم كل قسم منهما إلي قسمين ، وأصبحت للمعرفة بالتالي أربع درجات ، اثنتان للعقل واثنتان للرأي ، والأوليان يمثلان العلم ، والأخريان يمثلان الاعتقاد .
قائمة المصادر والمراجع
أولا : العربي منها:
1 – د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، محاضرات ألقاها عام 1953- 1954م ، الطبعة الأولي 1954م ، دار إحياء الكتب العربية عيسي البابي الحلبي وشركاه .
2 – أرسطاطاليس : الكون والفساد ويتلوه كتاب " في ميلسوس وفي أكسينوفان وفي غرغياس " ترجمها من الإغريقية إلي الفرنسية وصدرها بمقدمة في تاريخ الفلسفة الإغريقية وعلق عليهما تعليقات متتابعة بارتلمي سانتهلير ونقلها إلي العربية أحمد لطفي السيد ، 1350 هـ / 1932 م، دار الكتب المصرية بالقاهرة .
3 – أرسطاطاليس : تلخيص السماء والعالم لأبي الوليد بن رشد تقديم وتحقيق جمال الدين العلوي ، الطبعة الأولي 1404 هـ / 1984 م، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس (1) جامعة سيدي محمد بن عبد الله .
4 – أرسطاطاليس : الطبيعة ترجمة إسحق بن حنين مع شروح ابن السمح وآخرين ، حققه وقدم له د. عبد الرحمن بدوي ، 1384 هـ / 1964 م، الناشر الدار القومية للطباعة والنشر مصر .
5 – أفلاطون : الجمهورية ، المحاورات الكاملة ، المجلد الأول ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
6 – أفلاطون : بارمنيدس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
7 - أفلاطون : فيدون ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثالث ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
8 - أفلاطون: السفسطائي ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
9 - أفلاطون: ثياتيتوس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
10 - أفلاطون :طيماوس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
11 – د. أميرة حلمي مطر : الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها ، طبعة جديدة 1998 م، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة .
12 – أوليف جيجن : المشكلات الكبرى في الفلسفة اليونانية ، ترجمه عن الألمانية وعلق عليه د. عزت قرني ، 1976 م، توزيع دار النهضة العربية القاهرة .
13 – برتراند رسل : حكمة الغرب : عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي ، ترجمة فؤاد زكريا ، 1403 هـ / 1983 م، سلسلة عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون واِلآداب – الكويت .
14 – بنيامين فارنتن : العلم الإغريقي ، ترجمة أحمد شكري سالم مراجعة حسين كامل أبو الليف ، 1985 م، ملتزم الطبع والنشر مكتبة النهضة المصرية .
15 - ثيوكاريس كيسيدس : جذور المادية الديالكتيكية هيراقليطس ، ترجمة حاتم سلمام ، الطبعة الأولي 1987 م، دار الفارابي بيروت – لبنان .
16 – جورج جي . أم جيمس : التراث المسروق الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقةترجمة شوقي جلال ، 1966 م، المجلس الأعلي للثقافة ، المشروع القومي للترجمة – مصر .
17 – حربي عباس عطيتو : ملامح الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1922 م، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية .
18 – ر . فالتزر : أفلاطون تصوره لإله واحد ونظرة المسلمين في فلسفته ، كتب دائرة المعارف الإسلامية (8) إبراهيم خورشد وآخرين ، الطبعة الأولي 1982 م، دار الكتاب اللبناني بيروت – لبنان .
19 – ريكس وورنر : فلاسفة الإغريق ترجمة عبد الحميد سالم ، 1985 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب .
20 – أ.د/ عبد الجليل كاظم الوالي : نظرية المثل البناء الأفلاطوني والنقد الأرسطي ، الطبعة الأولي 2002م، الوراق للنشر والتوزيع – عمان الأردن .
21- د. عبد الرحمن بدوي : ربيع الفكر اليوناني : خلاصة الفكر الأوروبي سلسلة الينابيع ، الطبعة الهامسة 1979 م، الناشر وكالة المطبوعات الكويت دار القلم بيروت لبنان .
22 – د. عبد العال عبد الرحمن عبد العال : مشكلة التوفيق والأصالة لدي فلاسفة اليونان من أمباذوقليس حتى أفلوطين ، بحث منشور لنيل درجة الماجستير ، قسم الفلسفة ، كلية الآداب – جامعة طنطا 1995 م.
23 – د. علي سامي النشار : نشأة الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1981 مدار المعارف – مصر .
24 – فريدريك نيتشة : مقدمة لقراءة محاورات أفلاطون ، ترجمة د. محمد الجوة ، ود. أحمد الجوة تقديم د. فتحي التريكي ، الطبعة الأولي ، دار البيروني للنشر والتوزيع صفاقس .
25 – د. ماجد فخري : تاريخ الفلسفة اليونانية ، بدون .
26 – أ.د/ مصطفي النشار : تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي ، 1988 م، الناشر دأر قباء للطباعة والنشر والتوزيع .
27 – ميشلين سوفاج : بارمنيدس ترجمة د. بشارة صارجي ، سلسلة أعلام الفكر العالمي ، الطبعة الأولي ، 1401 هـ / 1981 م،المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
28 – و.ك.س.جثري : الفلاسفة الإغريق من طاليس إلي أرسطو ترجمة وتقديم د. رأفت حليم سيف مراجعة د.إمام عبد الفتاح إمام ، بدون .
29 – ول ديورانت : قصة الحضارة ترجمة محمد زيدان ، الطبعة الثالثة 1986 م، اختارته وأنفقت علي ترجمته الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر .
30 – يوسف كرم : تاريخ الفلسفة اليونانية ، 1999 م، لجنة التأليف والترجمة و النشر ملتزم توزيع هذا الكتاب مكتبة النهضة المصرية.
ثانيا: الأجنبي منها:
[2](2) ميشلين سوفاج : بارمنيدس ، ترجمة دز بشارة صارجي ، سلسلة أعلام الفكر العالمي ، الطبعة الأولي 1401 هـ / 1981 م المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ص 39 ، وللمزيد من التوضيح ينظر : برتراند رسل : حكمة الغرب ، عرض تاريخي للفسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي ، ترجمة فؤاد زكريا ، 1403 هـ / 1983م ، سلسلة عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت ، ج 1 ، ص 191 ، ثيوكاريس كيسيدس : جذور المادية الديالكتيكية هيراقليطس ، ترجمة حاتم سلمان ، الطبعة الأولي 1987 م دار الفارابي بيروت – لبنان ، ص 297 – 298 .
[3](1) بنيامين فارنتن : العلم الإغريقي ، ترجمة أحمد شكري سالم مراجعة حسين كامل أبو الليف ، 1985 م ، ملتزم الطبع والنشر مكتبة النهضة المصرية ، ج 1 ، ص 66 . وللمزيد من التوضيح ينظر:
Luck (J .V .) : An introduction to Greek philosophy , © 1992 ,Reprined Thames andHusdson Ltd , London , p 54 .
[4](2) د. علي سامي النشار : نشأة الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1981م دار المعارف – مصر ، ص 71 .
[5](3) د. عبد العال عبد الرحمن عبد العال : مشكلة التوفيق و الأصالة لدي فلاسفة اليونان من أمبادوقليس حتى أفلوطين ، بحث منشور لنيل درجة الماجستير إشراف أ.د/ محمد فتحي عبد الله ، قسم الفلسفة ، كلية الآداب – جامعة طنطا 1995م ، ص 2 – 3 .
[6](4) د. مصطفي النشار : تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي ، 1988م ، الناشر دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ج 1 : السابقون على السوفسطائيون ، ص 185 .
[7](5) و. ك. س. جثري : الفلاسفة الإغريق من طاليس إلي أرسطو ، ترجمة وتقديم د. رأفت حليم سيف مراجعة د. إمام عبد الفتاح إمام . بدون ، ص 128 .
[10](2) أرسطاطاليس : الطبيعة ، ترجمة اسحق بن حنين مع شروح ابن السمح وآخرين ، حققه وقدم له د. عبد الرحمن بدوي ، 1384 هـ م 1964م الناشر الدار القومية للطباعة والنشر مصر ، ج 1 ، م 1 ، ف 2 ، 184 أ ، ص 50 .
[11](1) ا أرسطاطاليس : الكون والفساد ، ويتلوه كتاب " في ميلسوس وفي أكسينوفان وفي غرغياس " ترجمها من الإغريقية إلي الفرنسية وصدرها بمقدمة في تاريخ الفلسفة الإغريقية وعلق عليهما تعليقات متتابعة بارتلمي سانتهلير ونقلها إلي العربية أحمد لطفي السيد ، 1350 هـ / 1932م، دار الكتب المصرية بالقاهرة ، ك 1 ، ب 8 ، ف 3 ، ص 177 .
[12](2) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 131 ، أرسطاطاليس : الطبيعة ، ج 1 ، م 1 ، ف 5 ، 188 أ ، ص 43 .
[13](3) أفلاطون : بارمنيدس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994م الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ص 15 – 16.
[14](4) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 131.
[15](1) أفلاطون : السفسطائي ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994م الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ص 237.
[16](2) ريكس وورنر : فلاسفة الإغريق ، ترجمة عبد الحميد سليم ، 1985م، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ص 35 .
(3) ول ديورانت : قصة الحضارة ، ترجمة محمد زيدان ، الطبعة الثالثة 1986م ، اختارته و أنفقت على ترجمته الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، ج 2 ، من م 2 ، : حياة اليونان ، ص 197 .
(4) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 131 .
[17](5) المرجع السابق : ص 131 .
[18](6) المرجع السابق : ص 131 .
[21](1) للمزيد من التوضيح ينظر : أرسطاطاليس : الطبيعة ، ج 1 ، م 1 ، ف 3 ، 186 أ ، ص 17 – 32 .
[22](2) يوسف كرم : تاريخ الفلسفة اليونانية ، 1999م ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ملتزم توزيع هذا الكتاب مكتبة نهضة مصر ، ص 28 .
[23](3) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 133 .
[24](4) المرجع السابق : ص 132 .
[25](1) أرسطاطاليس : الكون والفساد ، ك 1 ، ب 1 ، ف 2 ، ص 176 – 177 .
[26](2) د. أحمد فؤاد الأهواني: فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 132 .
[27](3) المرجع السابق : ص 133 .
[28](4) المرجع السابق : ص 133 .
[29](5) المرجع السابق : ص 133 .
[30](1) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 133 .
[31]) 2) Leaertus ( Diogenes ) : Lives of eminents philosophers, with an English translation by Hivks (R.D.) L.C.L , vol II , book Ix , 430 ,
و للمزيد من التوضيح ينظر : أرسطاطاليس : الطبيعة ، ج 1 ، م 1 ، ف 5 ، 188أ ، ص 43 ، Barnes ( Jonathan ) : The presocratic philosophers ,©1979 Reprinted 1986 by Routledge &Kegan Paul plc , published in the U.S.A , p 176، د. عبد الرحمن بدوي : ربيع الفكر اليوناني : خلاصة الفكر الأوروبي سلسلة الينانبيع ، الطبعة الخامسة 1979م ، الناشر وكالة المطبوعات المويت – دار القلم بيروت – لبنان ، ص 124 – 125 ، د. حربي عباس عطيتو : ملامح الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1992م ، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية ، ص 98 .
[32](3) جورج جي . أم جيمس : التراث المسروق الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة ، ترجمة شوقي جلال ، 1996م ، المجلس الأعلى للثقافة ، المشروع القومي للترجمة – مصر ، ص69 .
[33](4) د. ماجد فخري :تاريخ الفلسفة اليونانية ، بدون ، ص 43 .
[34](5) أوليف جيجن : المشكلات الكبرى في الفلسفة اليونانية ، ، ترجمه عن الألمانية وعلق عليه د. عزت قرني ، 1976م ، توزيع دار النهضة العربية القاهرة ، ص 287.
[35](1) Tomlin ( E.W.F. ) : The great philosophers the western world , Skeffington and L T D
[36], founded 1858 , Hutchinson , Stratford Place , London , p 48 .
[37](2) د. أميرة حلمي مطر : الفلسفة اليونانية تاريخها ها ومشكلاتها ، ص 171 – 172 .
(3) أفلاطون : السفسطائي ، ص 223 .
[38]
[39](1) أفلاطون : السفسطائي ، ص 232 .
[40](2) أفلاطون : ثياثيوس المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، : ، ص 167.
[41](3) المرجع السابق : ص 153 .
[42](4) أفلاطون : السفسطائي ، ص 237 – 238 .
[43](1) أفلاطون : السفسطائي ، ص 242 – 243 .
[44](2) أفلاطون : طيماوس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ص 413 .
[45](1) أفلاطون : فيدون ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثالث ، نقلها إلي العربية شوقي تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ص 396 – 397 ، وللمزيد من التوضيح ينظرأفلاطون : : الجمهورية ، المحاورات الكاملة ، المجلد الأول ، نقلها إلي العربية شوقي تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر ةالتوزيع ، بيروت – لبنان ، ك 6 ، ص 313 .
[46](1) أفلاطون : الجمهورية ، ك 6 ، ص 313 - 314 .
[47](2) المرجع السابق : ك 7 ، ص 324 .
[48](3) المرجع السابق : ك 6 ، ص 312 .
[49](1) أفلاطون : فيدون ص 374 – 375 .
[50](2) فريدريك نيتشه : مقدمة لقراءة محاورات أفلاطون ، ترجمة د. محمد الجوة ، ود. أحمد الجوة تقديم د. فتحي التريكى ، الطبعة الأولي دار البيروني للنشر والتوزيع صفاقس ، ص 53 .
[51](3) أفلاطون : الجمهورية ، ك 7 ، ص 346 .
[52](1) أفلاطون : الجمهورية ، ك 7 ، ص 347 – 348 .
[53](2) المرجع السابق : ك 6 ، ص 326 .
[54](3) المرجع السابق : ك 7 ، ص 348 .
[55](1) ر. فالتزر : أفلاطون وتصوره لإله واحد ونظرة المسلمين في فلسفته ، كتب دائرة المعارف الإسلامية (8) لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية إبراهيم خورشيد وآخرين ، الطبعة الأولي 1982م ، دار الكتاب اللبناني – لبنان ، ص 46 – 47 .
[56](2) أ.د/ عبد الجليل كاظم الوالي نظرية المثل البناء الأفلاطوني والنقد الأرسطي ، الطبعة الأولي 2002م ، الوراق للنشر والتوزيع – عمان الأردن ، ص 57.
د. حسن حسن كامل إبراهيم - أستاذ مساعد – قسم الفلسفة - كلية البنات – جامعة عين شمس - 1 أكتوبر 2009
بادئ ذي بدء ننوه إلى أن الأيونيين السابقين عليه كانوا يزعمون أن الحركة والتغير هما الطابع العام للوجود، وأشاروا كذلك إلى أن السكون يحتاج إلى التفسير والدراسة وظل الأمر على هذا النحو إلى أن جاء بارمنيدس ورفض القول بحركة الوجود وتغيره على نحو ما صرح الأيونيون ونادي بأن العالم ثابت مقابل حركته عند الأيونيين. لقد رفض بارمنيدس القول بتغير الوجود وأكد على ثباته، لأن القول بالتغير يعني الانتقال من الوجود إلى اللاوجود. ولكن أرسطاطاليس ( 322 – 384 ق.م.) رفض هذا الرأي البارمنيدي، فعند الأول "يصح الانتقال من مرتبة في الوجود إلي مرتبة أخرى، مثل انتقال الموجود بالقوة إلي الوجود بالفعل ، فالتغير قد يكون عند أرسطاطاليس انتقالا من وجود إلي وجود آخر وليس انتقالا من وجود إلي لا وجود. "([1]) ولم يخالف بارمنيدس الأيونيين فحسب بل أنه خالف بقوله هذا هيراقليطس (475 – 535 ق.م.) أيضا الذي زعم أن السمة الغالبة علي الوجود هي الحركة والتغير . وهكذا فإن الكثرة مرفوضة وكذلك التغير مرفوض عند الإيليين عامة و بارمنيدس خاصة. ([2]) لقد وجه بارمنيدس "اهتمامه إلى مشكلة العقل والحواس شأنه في ذلك شأن معاصره هيراقليط الأفسوسي في الطرف الآخر من العالم المتكلم بالإغريقية اعتقد أن الإنسان يجب أن يتبع العقل وحده إلا أن عقله أوصله إلي نتيجة هي عكس ما وصل إليه هيراقليط تماما. قال هيراقليط : كل شيء يتغير ، وقال بارمنيدس : لا شيء يتغير . قال هيراقليط : ليست الحكمة سوي تفهم الطريقة التي يدور بها العالم ، وقال بارمنيدس : أن الكون لا يدور حقا على الإطلاق، وإنما هو ساكن سكونا مطلقا . إن التغير والحركة والتبادل لم تكن في نظره سوي أوهام مصدرها الحواس. "([3]) إن بارمنيدس باتجاهه العقلي وهيراقليطس باتجاهه الحسي هما رواد الفكر الفلسفي بلا منازع". إن الفيلسوفين الكبيرين هرقليطس و بارمنيدس مهدا طريق الفلسفة: الأول ينادي بالتغير والصيرورة... والثاني بالثبات والسكون. الأول بلا شك أب السفسطة والثاني أب المنطق والتغير والثبات هما الفلسفة خلال القرون . "([4]) ولم تستمر السيادة لهذين التيارين الفلسفيين كثيرا ؛ بل أنه ظهر فريق آخر من الفلاسفة حاول التوفيق بين هذين الاتجاهين المتضادين ." ([5])
إن الإيليين عامة وبارمنيدس خاصة حولوا مسار البحث الفلسفي عامة فبعد أن كان البحث الفلسفي يبحث عن العلة الأولى للأشياء، التي عدها الطبيعيون الأوائل: الماء ، والهواء، الخ. أو أنها الأعداد - على نحو ما زعم الفيثاغوريون – فقد أصبح البحث الفلسفي على أيدي الإيليين يبحث في ما وراء الوجود المحسوس، إنه أصبح يبحث في ماهية الوجود ذاته .([6]) ولقد رفض بارمنيدس تلك الواحدية المادية الأيونية التي تشكل أسس الفلسفة الأيونية .([7])
وإذا كان بارمنيدس رفض مبادئ الفلسفة الأيونية و لفيثاغورية إلا أن أفلاطون تأثر بهما كثيرا. بالإضافة إلى تأثره بمؤثرات فلسفية أخرى أثرت في فلسفته. ولأجل ذلك يمكننا القول إن بارمنيدس يعد همزة الوصل بين الاتجاه المادي الحسي الذي سبقه والاتجاه العقلي الذي أتي من بعده.
ولقد وضع بارمنيدس فلسفته شعرا مقابل فلاسفة مدرسة أيونيا الذين وضعوا فلسفتهم نثرا، وحذا حذوه نفر من الفلاسفة الذين أتوا من بعده. ووضع بارمنيدس فلسفته في كتاب دعاه "الطبيعة"، الذي قسمه إلى قسمين : الأول: "في الحقيقة" الوجود الحقيقي"، والثاني في الظن "الوجود المحسوس". (*) [8]
يبدأ بارمنيدس قصيدته حيث يشير إلى أنه سيبحث فيها عن الوجود الحقيقي والوجود غير الحقيقي. يقول: "جئت تبحث – هكذا تحدث الآلهة بارمنيدس – في كل شيء: عن الحق الثابت للمستدير، كما تبحث عن ظنون البشر الفانيين التي لا يوثق بها . ولكنك تعلم أن تعلم هذه الأمور أيضا (أي الظنون)، كيف تنظر في جميع الأشياء التي تظهر (أي المظاهر) وتبحث فيها". ([9]1) نستنتج من ذلك أن بارمنيدس يعتبر الوجود الحقيقي هو الثابت والوجود غير الحقيقي هو الظن وخداع البصر . وهذا نفس ما نسبه أرسطاطاليس في مؤلفه "الطبيعة" إلى بارمنيدس، عندما صنفه ضمن الفلاسفة القائلين بأن المبدأ الأول لا يتحرك. يقول: "وقد يجب أن يكون المبدأ إما واحدا، وإما أكثر من واحد . وإن كان واحدا فإما أن يكون غير متحرك على مثال ما قال بارمنيدس ومالسيس ، وإما أن يكون متحركا على ما قال الطبيعيون. فقال بعضهم إن المبدأ الأول هواء ، وقال آخرون إنه ماء". ([10]2) وهذا ما أشار إليه أرسطاطاليس أيضا في مؤلفه "الكون والفساد" ولكنه صرح بذلك – هنا – علي نحو ينم عن دهشته وتعجبه من هذا الرأي . يقول: "بالصدور عن هذه النظريات وبمعاندة شهادة الحواس والاستهانة بها بحجة أنه ينبغي إتباع العقل فقط انتهي بعض الفلاسفة – يقصد بارمنيدس وأصحابه من الإيليين – إلى التصديق بأن العالم واحد غير متحرك وغير متناه لأنه إن لم يكن كذلك فإن الحد بحسبهم لا يمكن إلا أن يحاد الخلو . "([11])
يرى بارمنيدس أن الوجود الحقيقي كما أنه ثابت فهو أيضا واحد بعبارة أخري الكل عنده واحد وكذلك غير متحرك أيضا .([12]) وهذا ما عناه أفلاطون في محاورة "بارمنيدس"، الذي ذكر أن الكل واحدا وليس متعددا عند بارمنيدس، ذلك يعني أن الأخير ينكر الكثرة، وهذا ما قصده من بعده تلميذاه زينون (؟ - 489 ق.م.) ومليسوس (حوالي 440 ق.م.). يقول أفلاطون:
سقراط: إنني أرى يا بارمنيدس، أي زينون لا يجب أن يكون واحدا معك في الصداقة فقط، بل الثاني لنفسك في تأليفه أيضا. إنه يضع ما تقول بطريقة أخري ، وسيبذل قصارى جهده ليجعلنا نعتقد أنه يخبرنا شيئا جديدا؛ لأنك تقول في قصائدك (الكل يكون واحدا) ولا تورد براهين ممتازة عن هذا . وتقول أنه لا يكون متعددا من الناحية الأخرى ، وتقدم دليلا غامرا لصالح هذا القول. أنت تثبت الوحدة ، هو ينكر الكثرة . وهكذا أنت تخدع العالم بإيهامهم أنك تقول أشياء مختلفة – يقصد عن تلاميذه – في حين أنك تقول الشيء عينه . إن هذا أسلوب فني يتعدي مجال أكثريتنا . "([13])
جعل بارمنيدس للمعرفة طريقين: الأول: طريق اليقين، والثاني: طريق الظن. يقول: "أقبل الآن لأخبرك، واسمع كلمتي وتقبلها. هناك طريقان لا غير للمعرفة يمكن التفكير فيهما ، الأول أن الوجود موجود... ولا يمكن أن يكون غير موجود، وهذا هو طريق اليقين، لأنه يتبع الحق . والثاني أن الوجود غير موجود، ويجب ألا يكون موجودا، وهذا الطريق لا يستطيع أحد أن يبحثه، لأنك لا تستطيع معرفة اللا وجود ولا أن تنطق به لأن الفكر والوجود واحد ونفس الشيء". ([14]) هكذا يقسم بارمنيدس الوجود إلي وجودين: وجود حقيقي وهو موجود ، ووجود غير حقيقي وهو غير موجود. والقسم الثاني في تلك القسمة أو الثنائية هو ما جعله السوفسطائيون موجودا وجودا حقيقيا. فقد أشاروا إلى أ، ما هو فاسد موجود، وهذا ما صرح به أفلاطون في محاورته "السفسطائي"، فقد عاب عليهم أنهم أكدوا على وجود اللا وجود وأثني على موقف بارمنيدس المناهض لهذا الاتجاه السوفسطائي . يقول أفلاطون:
"الغريب : إن من يقول إن الباطل موجود فلديه الجرأة لتأكيد لا وجود الوجود ، لأن هذا يدل ضمنا على احتمال وجود الباطل . لكن بارمنيدس العظيم – يا ولدى ، احتج ضد هذه المقولة ، فى أيام كنت صبيا ، لقد واصل غرس الدرس عينة في الأفكار حتى نهاية حياته ، مردده شعرا ونثرا: أبعد عقلك من طرق هذا ؛ لأن ذلك لا يبرهن أبدا ، وهو أن الأشياء وهو أن الأشياء التى لا تكون تكون . "([15]) إذا لا وجود للخلاء أو الفراغ ، وكذلك لا وجود لمسافات بين الأشياء حيث تكون الحركة والتغير محتملين، ولا وجود أيضا لبدايات أو نهايات زمنية للأشياء. ([16])
يوحد بارمنيدس – على نحو ما ذكرنا سابقا - بين الوجود والمعرفة، فيشير إلى أن ما نفكر فيه موجود وما لا نفكر فيه غير موجود ، فكأن الأشياء المحسوسة لا وجود لها في إدراكنا ، وأن ما يسري عليه الكون والفساد والبداية والنهاية صور فحسب . ([17]) ويشير بارمنيدس إلي ذلك بقوله : " ما يلفظ به ويفكر فيه يجب أن يكون موجودا ، لأنه من الممكن أن يكون الوجود موجودا ، ومن المستحيل أن يوجد اللا وجود : إني أمرك أن تتأمل هذه الأمور . " ([18]) ولما كان الوجود قابل للتفكير فيه فهو موجود ، ولما كان اللا وجود في المقابل لا يمكن التفكير فيه فهو غير موجود ، ولما كان الجمهور يفكر عكس ذلك يجب الابتعاد عن طريقة تفكيره . يقول : " وأن ترجع عن ذلك الطريق [ الأول للبحث ] وعن هذا الطريق الأخر أيضا الذي يصل فيه البشر ، ولا يعرفون شيئا ناظرين إليه بوجهين ؛ لأن الارتباك الموجود في صدورهم يضلل عقولهم حتى لقد يعيشون كالصم العمي والطغام الذين لا يميزون ، فيذهبون إلي أن الوجود موجود ، وأن الوجود والوجود و اللا وجود شيء واحد ، وإلي أن كل شيء يتجه في اتجاهات متضادة". ([19])
إذا العقل وحده يستطيع أن يصل إلى حقيقة الأشياء، وهي أن الوجود موجود واللا وجود غير موجود، وأنه من المستحيل أن يكون الوجود واللا وجود، وأنه من المستحيل أن يكون الوجود واللاوجود شيئا واحدا . أقصد أنه من غير الممكن إثبات وجود اللا وجود ، ويجب عدم النظر أو البحث في هذه المسألة لأنها بكل تأكيد مستحيلة. ([20]) وهكذا يمكننا القول إنه لا يوجد سوي طريق واحد يجب أن نسلكه وهو أن الوجود موجود . ولقد أكد بارمنيدس على ذلك وعضد من أتي من بعده من الإيليين رأيه من خلال حججهم لنفي الكثرة والحركة . ([21]) كذلك العقل وحده يمكنه معرفة الوجود الحقيقي ( الوجود العقلي ) مقابل الحواس التي لا تستطيع معرفة سوي الوجود الزائف ( الوجود الحسي ) . ومن هنا تكون المعرفة عند بارمنيدس " نوعان : عقلية وهي ثابتة كاملة وظنية وهي قائمة على العرف وظواهر الحواس . فالحكيم يأخذ بالأولي ويعول عليه كل التعويل ، ثم يلم بالأخرى ليقف على مخاطرها ويحاربها بكل قواه . "([22])
وفيما يتعلق بصفات الوجود عند بارمنيدس فهي عديدة ، منها أنه لا يكون ولا يفسد ، وأنه واحد ، ومتصل : كان ويكون وسيكون ، وكل ، ووحيد التركيب ، لا يتحرك ، ولا نهاية له ، ولا نهاية له ، و مجتمع .([23])
نستدل من ذلك أن الوجود يأتي من الوجود وينتهي إلى الوجود . وينفي بارمنيدس بذلك – على نحو ما أشرنا سابقا – العدم ، فالعدم – عنده – من هذا الطريق معدوم.
ويستطرد بارمنيدس موضحا مسألة كون الوجود ، فينفي عنه أنه أتي من اللا وجود فلا يبقي سوي أنه أتي من الوجود . يقول : فأي أصل لهذا الوجود تريد أن تبحث عنه ؟ وكيف ومن أي أصل نشأ ؟ إني أسمح لك بالقول أو التفكير أنه نشأ من اللا وجود ، لأن اللا وجود لا يمكن أن يعبر عنه أو يفكر فيه وأيضا إذا كان قد نشأ من اللا وجود ، فما الضرورة التي جعلته ينشأ متأخرا عن وقته أو قبل ذلك ؟ فهو إما أن يكون قد وجد مرة واحدة ، أو لم يوجد أصلا . ولن تسلم قوة اليقين في أنفسنا بأن شيئا خرج إلي الوجود من اللا وجود ، اللهم إلا من الوجود ذاته ، ولذلك فإن العدالة لم تخفف قيودها وتسمح للوجود بأن يكون أو يفسد ، بل العدالة تشد الوجود بقيد وثيق . ويتوقف الحكم على هذه الأمور على ما يأتي : " هل الوجود موجود أو غير موجود ؟ " لهذا يلزم بالضرورة أن نتجاهل أحد الطريقين لأنه لا يمكن التفكير فيه أو التعبير عنه ( إذ هو طريق غير صادق ) وأن نأخذ الطريق الثاني لأنه طريق الوجود والحقيقة . وما مصير الوجود في المستقبل ؟ أو كيف يمكن أن يوجد ؟ إذا جاء إلي الوجود فليس بموجود . وكذلك إذا وجد في المستقبل . وبذلك تزول الصيرورة ولا يتحدث أحد عن فساده . "([24]) إذا لا مجال للتغير أو الحركة وكذلك لا مجال للعدم أو الخلاء على الإطلاق فيما يتعلق بالوجود . وهذا ما ذكره أرسطاطاليس ، فقد بين في مؤلفه " الكون والفساد " أن بارمنيدس أكد على الواحدية والثبات ، وأنه أكد أيضا على انتفاء الخلاء والعدم . يقول أرسطاطاليس : " وفي الواقع أن بعض القدماء – يقصد بارمنيدس وأصحابه من الإيليين – قد ظن أن الموجود هو بالضرورة واحد وغير متحرك فعلي رأيهم الخلو لا يوجد وأنه لا يمكن أن توجد حركة في العالم مادام أنه لا يوجد خلو منفصل عن الأشياء . وكانوا يزيدون على ذلك أنه لا يمكن أيضا أن يوجد تعدد مادام أنه لا يوجد خلو يقسم الأشياء ويعزلها . على أن دعوي أن العالم ليس متصلا لكن الموجودات التي تؤلفه متماسة مهما كانت منفصلة فيرجع ذلك إلي القول بأن الموجود متعدد وليس واحدا وأن الخلو موجود . وأنه إذا كان الموجود هو مطلقا قابلا للقسمة في جميع الاتجاهات فمن ثم لا يوجد بعد وحدة لأي ما كان بحيث أنه لا يوجد أيضا تعدد . " ([25])
ويستمر بارمنيدس في سرد صفات الوجود ، فهو عنده ليس منقسما ، ومتجانس ، ومتماسك ، ويملأ كل شيء ، ومتصل . يقول : " وأيضا فإنه لا يتحرك من جهة حدوده القوية السر ، بلا بداية ولا نهاية ، لأن الكون والفساد [ أي ما يظهر وما يختفي ] قد ابعدا ، إذ أبعدهما اليقين الصادق – إن الوجود ذاته يظل في المكان نفسه ، باقيا بنفسه ، ثانيا على الدوام ، لأن الضرورة تمسكه داخل قيود النهاية التي تحيط به ، فقد حكم القانون الإلهي ألا يكون الوجود بغير نهاية ، فهو لا يحتاج إلي شيء ؛ أما إذا كان لا نهائيا [ فريمان من جهة المكان ] فإنه يحتاج إلي كل شيء . "([26])
ويترتب على قولنا أن الوجود والفكر أمرا واحدا أنه لا معني لكثير من المصطلحات التي يستخدمها البشر، وتوهموا أنها ذات معني ، كقولنا : الكون والفساد ، والوجود واللا وجود ، والنقلة في المكان ، وتغير اللون الساطع . ([27])
الوجود كامل من جميع الجهات ، وكل لا انفصال فيه . يقول : " وحيث كان له ( أي للوجود ) حد بعيد ، فهو كامل من جميع الجهات ، مثل الكرة المستديرة الأبعاد من المركز ، لأنها ليست أكبر أو أصغر في هذا الاتجاه أو ذاك ، ولا يعوقها شيء عن بلوغ النقط المتساوية عن المركز ، وليس الوجود أكثر أول أقل في مكان دون آخر ؛ بل هو كل لا انفصال فيه . ولما كان الوجود متساويا من جميع الجهات فإنه يبلغ الحدود بشكل متجانس . " ([28])
وبمجرد أن انتهي بارمنيدس من توضيح طبيعة الوجود الحقيقي من خلال طريق الحق الذي بدأ به قصيدته . ينتقل بعد ذلك إلي الطريق الثاني الذي اسماه طريق الظن . وبدأ حديثه عن هذا الطريق بالتصريح أنه انتهي الحديث عن طريق الحق والكلام الصادق المتعلق بالفكر والعقل . وأنه سيبدأ من الآن حديثه عن طريق الظن حيث الألفاظ الخادعة التي يقتنع بها الجمهور العادي . ([29])
يشير إلي أنه أمام الجمهور طريقين : الأول : طريق الحقيقة ، والثاني : طريق الزيف : ويجب أن يبتعد الجمهور عن الطريق الثاني . يقول : " لقد تعود البشر تسمية صورتين ، ويجب أن يمسكوا عن ذكر إحداهما عند الانحراف عن الحق [ كورنفورد : إذا ذهبوا بعيدا ] . وقد يزول بينهما من حيث تضادهما في الصورة ، واستدلوا عليهما بعلامات مختلفة . إحداهما النار في السماء ، وهي نار رقيقة لطيفة متجانسة من جميع الجهات ، ولكنها تختلف عن الأخرى . وهذه الصورة الأخرى تضادها تماما : إنها الليل المظلم ، جسم ثقيل كثيف واني واصفه لك نظام هذا العالم كما يظهر ، حتى لا يسبقك تفكير أي إنسان . "([30])
وبالجملة فإن نفر من الباحثين لما وجدوا بارمنيدس يؤثر الوجود العقلي – الوجود الحقيقي – على الوجود المحسوس – الوجود الزائف – زعموا أن بارمنيدس هو رائد المثالية. ولكن نفر آخر من الباحثين في المقابل اعترض على ذلك زاعما أن بارمنيدس هو رائد المادية بحجة أن بارمنيدس أكد على أن الأشياء تكون بواسطة الحار والبارد واللذين يسميهما نارا وأرضا. ([31]) ويردد بارمنيدس هنا – على ما يبدو – الطريقة الفيثاغورية عن الأضداد. ([32]) لكن يرى نفر من الباحثين في المقابل أن الإيليين رفضوا التضاد.
وعموما فإنه من الممكن تلخيص الخلاف بين هاتين المدرستين : الفيثاغورية والإيلية "بالقول إن مفهوم الوحدة عند الأولى رياضي إلى حد ما، وعند الثانية ميتافيزيقي أو أنطولوجي... إن الفيثاغوريين وضعوا مبدأ التضاد بين المحدود واللا محدود في صلب فلسفتهم العددية واعتبروه مبدأ صدور الكثرة عن الوحدة ، بينما نفي الإيليائيون التضاد وردوا وجود الأشياء إلي الوحدة المطلقة".([33])
وإذا كان بارمنيدس اختلف مع الطبيعيون الأوائل الذين زعموا أن العالم متغيرا ومتحركا ومملوء كثرة مقابل قوله بالواحدية والثبات. فإنه اختلف أيضا مع الطبيعيين المتأخرين في نفس المسألة، وإن كان الطبيعيون المتأخرون أخذوا عنه أن الموجود لا يسري عليه التغير أو الفساد، وأنه يظل مماثلا لذاته.([34])
وإذا كان الطبيعيون المتأخرون تأثروا بالجانب المادي من فلسفة بارمنيدس ؛ فإن الجانب العقلي من فلسفته ظل خاملا إلي أن أمسك به أفلاطون وارتقي به إلي مستوي التجريد العقلي الخالص ويبدو ذلك بوضوح في نظريته عن المثل .([35])
وإذا ما انتقلنا إلي القسم الثاني من البحث وهو معرفة أثر فلسفة بارمنيدس على فلسفة أفلاطون وخاصة نظريته عن المثل . فإنه من الضروري الإشارة إلي أن أفلاطون استفاد من الفلاسفة السابقين عليه كثيرا ، ومن هؤلاء الفلاسفة الذين استفاد منهم أفلاطون بارمنيدس، وتبدو مبادئ فلسفة بارمنيدس الثبات والواحدية بوضوح في نظرية المثل الأفلاطونية.[36] فقد انتصر أفلاطون في هذه النظرية لبارمنيدس مقابل آراء هيراقليطس و السوفسطائيين . فقد رفض أفلاطون تغير هيراقليطس وحركته الذي رأي أنهما يسريان على الوجود المحسوس على غرار بارمنيدس ، ورفض كذلك ربط حقائق الأشياء بما هو محسوس عند السوفسطاءيين مثلما فعل بارمنيدس . ولذلك يمكننا القول بأن أفلاطون ليس هو أول من ابتدأ طريق توجيه النقد للمعرفة الحسية السوفسطائية بل سبقه في ذلك بارمنيدس " لقد بدأ الاتجاه إلي نقد المعرفة الحسية منذ عصر الفلسفة السابقة على سقراط وكان بارمنيدس الفيلسوف المثالي أو ل وأهم من قدم نقدا عنيفا للمعرفة الحسية إذ فرق بين طريق الظن وطريق الحق وفي مقابل اتجاه بارمنيدس العقلي في المعرفة أكد السوفسطائيون وخاصة بروتاجوراس على أهمية الحواس في المعرفة بالعالم الطبيعي كما ادخلوا لأول مرة في اعتبارهم نسبية المعرفة إلي الذات العارفة فقال بروتاجوراس : الإنسان مقياس كل شيء ، غير أنه بدا لأفلاطون أن التوحيد بين المعرفة والإحساس لابد وأن ينتهي إلي إلغاء وجود الحقيقة ، فمادام كل ما يبدو للإنسان صحيحا بالنسبة له فسوف تتعدد وجهات النظر بحيث لا توجد في النهاية حقيقة واحدة موضوعية يمكن للجميع الاتفاق عليها بل سوف يصبح من المستحيل أيضا وجود الخطأ لذلك فقد عني أفلاطون عناية بالغة بالبحث في الأحكام الخاطئة وتفسير إمكانية وجودها. "(2[37]).
ويشير أفلاطون إلي أن المعرفة السوفسطائية ليست معرفة حقيقية في الواقع بمقدار ما أنها تخمينية ، فهي تنصب على معرفو ظواهر الأشياء لا على معرفة ماهية أو حقائق الأشياء. ([38]3) ويبدو ذلك بجلاء في طرح بروتاجوراس (411 – 481 ق.م.) أن الإنسان معيار معرفة الأشياء جميعا ، ويذكر أفلاطون هذا المبدأ السوفسطائي بقوله:
" سقراط : حسنا إنك أنقذت نفسك من تعلم مهم جدا بشأن المعرفة ؛ إن هذا الرأي هو رأي بروتاجوراس حقا ، مع أن لديه طريقة أخرى لإيضاح الفكرة عينها . يقول : " إن الإنسان هو مقياس كل الأشياء التي تكون ، ومقياس لوجود الأشياء التى لا تكون . " إنك قرأت هذه العبارة في أعماله ؟
ثياتيتوس : أوه نعم ، قرأتها مرارا .
سقراط : ألا يقول ط " أو يعني " أن الأشياء تكون لك مثلما تظهر لك ، وتكون لي كما تبدو لي وأننا أنت وأنا رجلان " ([39]) نستنتج من ذلك أن الحواس عند السوفسطائيين هي مصدر معرفة حقيقة الأشياء ، ولما كانت الحواس متغيرة فالمعرفة عندهم بالتالي متغيرة ، وتختلف من شخص إلي آخر . ويرجع ذلك إلي أن الإنسان الفرد عند السوفسطائيين هو الحكم في أن يقرر ما يكون له وما لا يكون له ، أقصد أن ما يراه الإنسان الفرد صادق بالنسبة له فهو صادق بالنسبة له ، وما يراه كاذب بالنسبة له فهو كاذب بالنسبة له . وما يري أنه أفضل بالنسبة له فهو فاضل بالنسبة له ، وما يري أنه رذيلة بالنسبة له فهو رذيلة بالنسبة له . ([40])
وبناء على ما سبق فإن الطابع العام للوجود عند السوفسطائيين هو الحركة والتغير ، وهذا ما يرفضه بارمنيدس مقابل طائفة أخرى من الفلاسفة التاليين عليه قبلوا ذلك منه . ويشير أفلاطون إلي هذا التوجه السوفسطائي المرفوض من قبل بارمنيدس ومن قبله كذلك بقوله :
" سقراط : ليس هناك شيء واحد ، ولا هذا ، ولا ذاك . وإن كل تلك الأشياء التي نعلن أنها تكون تأتي إلي الوجود من الحركة ، والتغيير ، ومن المزج مع بعضها بعضا . وإن وجب التكلم بشكل صحيح ، فإنه لا يوجد وجود على الإطلاق ، بل توجد صيرورة دائمة ومستمرة يمكن افتراض أن كل الفلاسفة المتعاقبين اتفقوا معك في هذا يا بروتاجوراس ، ما عدا بارمنيدس ، أخص بالذكر منهم هيراقليطس ، ايمادوقلوس وبقية الفلاسفة . "([41])
وفيما يتعلق بالعدم أو الخلاء أقصد اللا وجود فإن بارمنيدس – على نحو ما ذكرنا سابقا – رفض أن يكون اللا وجود موجودا على نحو ما زعم السوفسطائيون ، ويسير أفلاطون على درب بارمنيدس فيرفض بدوره مبدأ السوفسطائيين أن اللا وجود موجود ، فعنده " أن اللا وجود ليس ملائما لأي وجود ، فمن المستحيل أن نتحدث عن شيء ما معري عن أي الوجود . "([42]) ويعني ذلك أن ما يزعمه السوفسطائيين أن اللا وجود موجود رأي فاسد عند أفلاطون . فلا يمكن أن يكون اللا وجود موجود بل إن اللا وجود غير موجود والموجود موجود . يقول :
" الغريب : وتعني بالحقيقي ذلك الذي يكون بحق ؟
ثياتيتوس : نعم .
الغريب : ويكون اللا حقيقي ذلك الذي هو ضد الحقيقي ؟
ثياتيتوس : بالضبط .
الغريب : لا يكون الشبه حقيقي بحق إذن ، إذا كان ليس حقيقيا ، كما تقول .
ثياتيتوس : لا ، بل هو يكون في معني محدد .
الغريب : تعني أنه ، ليس في معني حقيقي ؟
ثياتيتوس : نعم ، إنه يكون صورة في الحقيقة فقط .
الغريب : ماذا نسمي إذن ، الصورة التى تكون غير حقيقية في الحقيقة بحق ؟
ثياتيتوس : نعم ، يظهر أ اللا وجود يكون معقدا مع الوجود بغرابة ، بهذه الطريقة .
الغريب : بغرابة ! علي اعتقاد ذلك . أنظر كيف أخبرنا السوفسطائي المتعدد الرؤوس ، أن نعترف بوجود اللا وجود ضد إرادتنا تماما . "([43]) نستنتج من ذلك أن أفلاطون مثل بارمنيدس يرفض وجود الخلاء أو العدم أي اللا وجود .
ويربط أفلاطون بين نظريته في المعرفة ونظريته في الوجود ، ويظهر ذلك واضحا عندما يقسم الوجود – على غرار بارمنيدس – إلي وجودين مرئي وغير منظور ، الأول : يسري عليه التغير والحركة ، والثاني : ليس كذلك ، الأول : يدرك بواسطة الحواس ، والثاني : يدرك من خلال العقل . يقول : " يجب علينا بادئ ذي بدء ، أن نوجد تميزا في حكمي ، وأن نسأل بعدئذ ما هو ذلك الذي يكون على الدوام ولا يمتلك صيرورة وما هو ذلك الذي يكون صائرا على الدوام ولا يكون أبدا ؟ إن ذلك الذي يدرك بالعقل والاستنتاج المنطقي يكون في الحالة عينها على الدوام ، لكن الذي يتصور بالرأي بمساعدة الحواس وبدون استنتاج منطقي يكون في عملية صيرورة والفناء ، ولا يكون في الحقيقة أبدا " ([44]) ويستطرد أفلاطون في ذكر صفات الوجود العقلي والوجود الحسي ، ونلاحظ أنها نفس الصفات التى ينعتها بارمنيدس لهما . ويطلق أفلاطون عليهما صفتين أخريين ، فالأول : غير مركب من أجزاء ، أما الثاني فعلي عكس ذلك مركب من أجزاء ، الأول : يكون هو نفسه ، والثاني لا يكون نفسه . يقول :
" سقراط : ويمكن أن يفترض الذي لا يتركب من عدة أجزاء أنه الشيء نفسه وغير متبدل ولا متحول ، في حين أن المركب من أشياء عدة يتبدل على الدوام ولا يكون الشيء عينه قط .
سيبس : إنني أوافق .
سقراط : إذن دعنا الآن نعود إلي البحث . أتكون تلك الحقيقة والتي نعطي نحن تعليلا عن وجودها في العملية المنطقية الديالكتيكية سواء أكانت المساواة ، الجمال ، أو أي شيء آخر ، أقول ، أتكون هذه ، الحقائق عرضة لأن تتغير وتتبدل قليلا أو بعض الشيء خلال الزمن ؟ وهل يكون كل منها ، ما هو على الدوام ، له الوجود الذاتي الموحد نفسه والطبائع عينها التي لا تتغير أو تتبدل ، ولا تقبل التنوع على الإطلاق ، أو في أي زمن ؟
سيبس : يجب أن تكون الشيء عينه يا سقراط .
سقراط : وماذا ستقول عن الجمال المتعدد ، كمثال ، جمال الرجال أو الأحصنة أو الأثواب أو أية أشياء أخرى كهذه ، أو عن التساوي المتعدد ، أو عن كل الأشياء الأخرى التي تسمي بالأشياء عينها والتي تدعي بها الحقائق بشكل عام ؟ هل هي الشيء عينه على الدوام ؟ ألا يمكن وصفها بمصطلحات عكس ذلك بالضبط على الأصح ، مثل أنها متغيرة دائما تقريبا وبالكاد تكون الشيء عينه أبدا إما مع أنفسها أو مع بعضها بعضا ؟
سيبس : أقول الأخير ، يا سقراط ، أي أنها في حالة تبدل على الدوام .
سقراط : وهذه نستطيع لمسها ورؤيتها وإدراكها بالحواس . لكن الأشياء اللا متغيرة يمكنك الإحاطة بها وفهمها جيدا بالعقل – إنها غير مرئية وهي لا تشاهد .
سيبس : إن هذا حقيقي جدا . "([45])
إذا الوجود عند أفلاطون وجودين : أحدهما معقول والآخر محسوس ، والأخير يشبه الأول وتقليد له ، إنه عبارة عن ظلال وانعكاسات للأول . يقول : "
سقراط : خذ الآن خطا كان قد قطع إلي جزأين غير متساويين ، وقسم كلا منهما بالنسبة عينها مرة ثانية ، وافترض أن أحد القسمين يطابق العالم المرئي والآخر يطابق العالم العقلي ، وعندها قارن التقسيمات فيما يتعلق بوضوحها أو غموضها وسوف تجد المقطع الأول في المجال المرئي يتألف من الصور ، وأعني بالصور ، في المكان الثاني الانعكاسات في الماء أو في الجسم ، الأجسام الناعمة والمصقولة وما شابه . هل تفهم ؟
كلوكون : نعم ، إنني أفهم .
سقراط : تخيل الجزء الأخر الآن ، والذي يكون هذا شبها له فقط ، لنضمن كل الحيوانات التي نري وكل شيء يتمدد يصنع .
كلوكون : جيد جدا . "([46])
ويمكن التوصل إلي معرفة حقيقة الأشياء بفضل ما يوجد فينا قبلا من مقدرة على معرفة ما هو حقيقي . يقول :
" سقراط : في حين أن محاورتنا تبين أن قدرة وطاقة العلم توجد في النفس سابقا ؛ وذلك كأمه إذا لم يكن ممكنا أن تتحول العين من الظلام إلي النور بدون الجسد كله ، هكذا آلة المعرفة تقدر بحركة النفس كلها فقط أن تتحول من عالم الصيرورة إلي ذلك العالم الذي للوجود وتتعلم الصبر على رؤية الوجود بالتدريج وعلي ألمع وأفضل وجود ، أو بكلمات أخرى على الخير . "([47]) نستدل من ذلك على أن الخير أو الوجود الحقيقي الذي يتربع على قمته مثال الخير أي الصانع هو الوجود الأفضل على حين أن الوجود المحسوس ليس كذلك .
ويعد مثال الخير هو علة المعرفة أي هو الذي يعطي المرء القدرة على المعرفة ، فالمعرفة والوجود الحقيقي شبيهين به . يقول :
" سقراط : وبعد ، فذلك الذي يمنح الحقيقة إلي المعروف وقوة المعرفة إلي العارف هو ، كما أريدك أن تقول ، مثال الخير . وهذا المثال ، وهو سبب العلم والحقيقة ، ستتصوره كوجود مدرك بالمعرفة ، و مع ذلك خال من العيوب كما هي الحقيقة والمعرفة كلاهما ، وستكون محقا لتجله كشيء مختلف عن هذه وحتى أجمل . ويمكن القول بحق ، كما في المثال السابق . إن النور والبصر شبيهان بالشمس ومع ذلك فهما ليسا الشمس . وهكذا في المجال الآخر فإن العلم والحقيقة يمكن اعتبارهما شبيهين بالخير ، لكن من الخطأ أن نعتقد أنهما الخير . والخير له مكان شريف أعلي فوق ذلك . "([48])
وإذا كان ما هو معقول هو الحقيقي ، وأن الذي يعطينا القدرة على معرفته هو مثال الخير ، فإن الفيلسوف وحده الذي يمكنه أن يدرك هذا الوجود . يقول :
"سقراط : حسنا ، لكن ثمة شيء آخر ، سيمياس ، هل يوجد عدل مطلق أم لا؟
سيمياس : يوجد بكل تأكيد .
سقراط : ويوجد كمال مطلق وخير مطلق .
سيمياس : طبعا .
سقراط : لكن هل رأيت أيا منهما بعينيك فقط .
سيمياس : لا ، بدون ريب .
سقراط : أو هل وصلت إليه أبدا بأي من حواسك الجسدية ؟ وأنا لا أتكلم عن هذه قط ، بل عن العظم المطلق ، والصحة ، والقوة ، وبالاختصار ، عن الحقيقة أو الطبيعة الحقيقة في كل سيء . هل تدرك حقيقتها من خلال الأعضاء الجسدية قط ؟ وعلى الأصح ، ألا يكون الدنو القرب إلي معرفة طبائعها المتعددة مصنوعا من قبل من ينظم رؤياه العقلية كي تمتلك الإدراك الأكثر دقة لجوهر كل شيء يتأمله؟
سيمياس: بالتأكيد.
سقراط : ويصل إلي معرفة الأنقى من يذهب إلي كل منها بالعقل وحده غير مولج أو مدخل عنوة عمل البصر أو الفكر ، أو أية حاسة أخرى بالإضافة إلي النقل ، بل يبحث عن الحقيقة مع العقل في صفاته التي تخصه يبحث عن حقيقة كل شيء في نقائه ، وهو من تخلص، بقدر ما يستطيع من العينين والأذنين ومن الجسد ككل ، وإذا جاز التعبير ، لأن هذه كونها في رأيه مختلة العناصر التي عندما تتحد بالنفس تعوقها عن نيل الحقيقة والمعرفة ومن غير الفيلسوف يستطيع أن يصل إلي معرفة الوجود الحقيقي على الأرجح".([49])
ويمكن للفيلسوف أن يصل إلي المفاهيم أو حقائق الأشياء من خلال الجدل ، فهو يستطيع أن يصل إلي معرفة الخير القصي على غرار البصر الذي يمكنه أن يدرك المحسوس .([50]) ويشير أفلاطون إلي ذلك بقوله:
"سقراط: وهكذا، يا كلوكون، وصلنا إلي ترنيمة علم الجمال أخيرا. إنه الأصل الذي يخص الألمعي فقط. ولقد وجدنا أن طاقة البصر تقدر على أن تقلده على كل حال ، لأن البصر ، وكما تتذكر ، تخيلنا أن باستطاعته أن يري الحيوانات الحقيقية والنجوم ولو بعد حين ، وآخر الجميع الشمس نفسه . هكذا ، بعلم الجدل ، يبدأ الشخص إذ ذاك استكشاف الحقيقي بنور العقل فقط وبدون أية مساعدة حسية ن يصون ذلك ، حتى يصل إلي إدراك الخير الحقيقي بالفهم الصافي ويجد نفسه في أخيرا في نهاية العالم العقلي ، كما يكون في حالة البصر في نهاية العالم المرئي . "([51])
ولما كانت علوم الهندسة والحساب تهدف إلي معرفة ما هو أزلي وليس معرفة ما يفني ، وعرفة ما هو ثابت وليس معرفة ما هو متغير ، لذلك فهما يساعدا الجدل في التوصل إلي معرفة حقائق الأشياء . يقول :
" سقراط : كما أن العلوم الحسابية التي تمتلك بعض الإدراك للوجود الحقيقي ، كما سبق وقلنا ، فإن الهندسة وما شابه ، تحكم عن الوجود فقط ، ولكنها لا تقدر على رؤية الحقيقة المستيقظة طالما أنها تترك الفرضيات التي تستعمل ثابتة وهي غير قادرة أن تعطي كشفا حسابيا عنها . إذ عندما لا يعرف الإنسان سببه الأول الخاص به ، وعندما يكون الاستنتاج والخطوات الوسيطة مبنية خارج الذي لا يعرفه ما هو ، فكيف يمكنه أن يتصور أن هكذا بنية اصطلاحية يمكن أن تصبح علما أبدا ؟
سقراط : إن علم الجدل ، وحده ، يذهب مباشرة إلي السبب الأول وهو العلم الوحيد الذي يلغي الفرضيات كي يجعل أساسه مبنيا إن العين النفسية التي دفنت حقيقة في ارض موحلة غريبة ترتفع إلي أعلي بمساعدته اللطيفة . و في هذا العمل تستخدم العلوم التي كنا باحثين فيها كمساعدين ووصفاء . لقد استعملنا غالبا الاسم المألوف للعلوم ، غير أنها يجب أن تمتلك اسما آخر ، أكثر وضوحا من الرأي وأقل وضوحا من العلم ، وهذا ما سميناه فهما في تخطيطنا المتقدم . لكن لماذا سنتجادل بشأن الأسماء في حين أن لدينا حقائق في هذه الأهمية كي نعتبر . "([52])
وبالنسبة لدرجات المعرفة فإنه مرتبطة بأقسام الوجود . ويشير أفلاطون إلي أن أقسام الوجود أثنين ينقسم كل منهما إلي قسمين ، وهذه الأقسام الأربعة للوجود تتطابق مع القدرات الأربعة التي يمتلكها الإنسان . فالعقل يتفق مع الأعلى ، والفهم مع الثاني ، والإيمان أو الاعتقاد مع الثالث ، ويعد إدراك الظلال مع الأخير .([53]) إذا أقسام المعرفة قسمين للعقل وآخرين مع الرأي . يقول :
" سقراط : إننا قانعون على كل حال ، كما كنا سابقا ، ليكون لدينا أربع تقسيمات . اثنتان للعقل ، واثنتان لأهل الرأي . سنسمي القسمة الأولي علما ، والثانية فهما ، والثالثة اعتقادا ، والرابعة الإدراك الحسي للظلال ، الرأي كونه متعلقا بالولائم ، والعقلي بالوجود ، وهكذا لتصنع التناسب . " يكون الوجود للملائك ، هكذا الصفاء العقلي للرأي . وكما يكون العقلي للرأي ، كذلك العلم للاعتقاد ، والفهم للإدراك الحسي للظلال . " ([54])
بقول كلي فإن نظرية المثل عند أفلاطون تبين أن فلسفته تقوم على التوفيق ، ففي هذه النظرية لم يتأثر ببارمنيدس فحسب بل تأثر بهرقليطس أيضا ، وتأثر بغيرهم من الفلاسفة كذلك . وتقوم طريقته في التوفيق علي " حصر كل وجهة نظر في دائرة وإخضاع المحسوس للمعقول ، والحادث للضروري .فنحن نجد عنده تغير هرقليطس ، ووجود بارمنيدس ، ورياضيات الفيثاغوريين وعقيدتهم في النفس ، وجواهر ديموقريطس ، وعناصر أنبادوقليس ، وعقل أنكساغوراس فضلا عن مذهب سقراط ... فهو لم يزدر شيئا من تراث الماضي ، وأراد أن ينتفع بكل شيء ، ثم طبع هذا التراث بطابعه الخاص ، وزاد فيه فتوسع وتعمق إلي حد لم يسبقه إليه أحد . "([55])
وبالنسبة لتأثر أفلاطون ببارمنيدس فقد استفاد منه كثيرا ويبدو ذلك بوضوح في رفضه لتغير هيراقليطس ، وفي بحثه عن عالم ثابت يشبه الوجود البارمنيدي في كل صفاته ويظهر ذلك في التشابه الواضح والكبير بين صفات المثل عند أفلاطون وصفات الوجود الحقيقي عند بارمنيدس . إن أثر بارمنيدس على فلسفة أفلاطون " يكمن في رفض أفلاطون لعام هيراقليطس المتغير ... ومحاولته إيجاد عالم ثابت غير متغير ، وهذا العالم شبيه بالوجود البارمنيدي تتوفر فيه متطلبات الدوام والأزلية والتي بدونها لا يمكن وجود معرفة ، ثم أن أفلاطون ( نسب إلي المثل صفات الوجود البارمنيدي من حيث أنها صور ثابتة كلية لا تفسد ولا تتغير ، ولكن التغير قانون العالم الحسي والتبادل البدي بين الأضداد هو الذي يسيطر على هذا الوجود فمن الضد إلي الضد ، ومن الموت إلي الحياة "، إضافة إلي ذلك استمد أفلاطون من بارمنيدس الإيمان بأن العالم الواقع في الزمن ، وبأن التغير لابد أن يكون وهما ، حيث كان يعلم جيدا بإنكار بارمنيدس لوجود مكان فارغ". ([56])
الخاتمة: تشتمل على أهم النتائج :
1 – رفض بارمنيدس ما زعمه الطبيعيون الأوائل أن الوجود متغير و متحرك ، ورفض كذلك واحديتهم المادية . وأضحت الفلسفة تتناول علي يدي الإيليين عامة وبارمنيدس خاصة ما وراء الوجود المحسوس وليس الوجود المحسوس .
2 – ربط بارمنيدس بين مبحث الوجود ومبحث المعرفة ، وقسم الوجود إلي وجودين : الأول : الوجود العقلي – الوجود الحقيقي – والثاني : الوجود المحسوس – الوجود غير الحقيقي – الأول : نعرفه بواسطة العقل ، والثاني نعرفه بواسطة الحواس .
3 – نعت الوجود بأنه موجود واللا وجود بأنه غير موجود ، والوجود واحد ، ومتصل ، ولا يفسد ، ووحيد التركيب ، ولا بداية له ولا نهاية ، ومتجانس ، ولا يكون ولا يفسد ، ومتماسك ، و دائما ، و ملاء ، ،،إلخ .
4 – اختلف الباحثون حول كون بارمنيدس رائدا للمثالية أن أنه رائدا للمادية ، ففي حين يري بعض الباحثين أنه رائد للمثالية يري البعض الآخر في المقابل أنه رائد المادية ، لكنه من المرجح أنه جمع في فلسفته بين المثالية والمادية .
5 – استفاد أفلاطون من فلسفته كثيرا – على نحو ما ستفاد من غيره من الفلاسفة – في ما وضعه من فلسفة وخاصة نظريته عن المثل . فقد رفض أفلاطون – على غرار بارمنيدس – قول السوفسطائيين أن الحواس هي مصدر معرفة حقائق الأشياء ، ورفض رأيهم أن التغير والحركة الطابع العام للوجود .
6 – قسم الوجود – على غرار بارمنيدس – إلي قسمين : الأول الوجود العقلي – الوجود الحقيقي – والوجود الحسي – الوجود غير الحقيقي – الأول يعرف عن طريق العقل والثاني يعرف عن الحواس . ويعرف الفيلسوف وحده حقيقة الأشياء من خلال الجدل وبمساعدة علوم الحساب والهندسة .
7 – جعل للمعرفة درجات ، وكل درجة مرتبطة بقسمي الوجود ، اللذين قسم كل قسم منهما إلي قسمين ، وأصبحت للمعرفة بالتالي أربع درجات ، اثنتان للعقل واثنتان للرأي ، والأوليان يمثلان العلم ، والأخريان يمثلان الاعتقاد .
قائمة المصادر والمراجع
أولا : العربي منها:
1 – د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، محاضرات ألقاها عام 1953- 1954م ، الطبعة الأولي 1954م ، دار إحياء الكتب العربية عيسي البابي الحلبي وشركاه .
2 – أرسطاطاليس : الكون والفساد ويتلوه كتاب " في ميلسوس وفي أكسينوفان وفي غرغياس " ترجمها من الإغريقية إلي الفرنسية وصدرها بمقدمة في تاريخ الفلسفة الإغريقية وعلق عليهما تعليقات متتابعة بارتلمي سانتهلير ونقلها إلي العربية أحمد لطفي السيد ، 1350 هـ / 1932 م، دار الكتب المصرية بالقاهرة .
3 – أرسطاطاليس : تلخيص السماء والعالم لأبي الوليد بن رشد تقديم وتحقيق جمال الدين العلوي ، الطبعة الأولي 1404 هـ / 1984 م، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس (1) جامعة سيدي محمد بن عبد الله .
4 – أرسطاطاليس : الطبيعة ترجمة إسحق بن حنين مع شروح ابن السمح وآخرين ، حققه وقدم له د. عبد الرحمن بدوي ، 1384 هـ / 1964 م، الناشر الدار القومية للطباعة والنشر مصر .
5 – أفلاطون : الجمهورية ، المحاورات الكاملة ، المجلد الأول ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
6 – أفلاطون : بارمنيدس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
7 - أفلاطون : فيدون ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثالث ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
8 - أفلاطون: السفسطائي ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
9 - أفلاطون: ثياتيتوس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
10 - أفلاطون :طيماوس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت – لبنان .
11 – د. أميرة حلمي مطر : الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها ، طبعة جديدة 1998 م، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة .
12 – أوليف جيجن : المشكلات الكبرى في الفلسفة اليونانية ، ترجمه عن الألمانية وعلق عليه د. عزت قرني ، 1976 م، توزيع دار النهضة العربية القاهرة .
13 – برتراند رسل : حكمة الغرب : عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي ، ترجمة فؤاد زكريا ، 1403 هـ / 1983 م، سلسلة عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون واِلآداب – الكويت .
14 – بنيامين فارنتن : العلم الإغريقي ، ترجمة أحمد شكري سالم مراجعة حسين كامل أبو الليف ، 1985 م، ملتزم الطبع والنشر مكتبة النهضة المصرية .
15 - ثيوكاريس كيسيدس : جذور المادية الديالكتيكية هيراقليطس ، ترجمة حاتم سلمام ، الطبعة الأولي 1987 م، دار الفارابي بيروت – لبنان .
16 – جورج جي . أم جيمس : التراث المسروق الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقةترجمة شوقي جلال ، 1966 م، المجلس الأعلي للثقافة ، المشروع القومي للترجمة – مصر .
17 – حربي عباس عطيتو : ملامح الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1922 م، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية .
18 – ر . فالتزر : أفلاطون تصوره لإله واحد ونظرة المسلمين في فلسفته ، كتب دائرة المعارف الإسلامية (8) إبراهيم خورشد وآخرين ، الطبعة الأولي 1982 م، دار الكتاب اللبناني بيروت – لبنان .
19 – ريكس وورنر : فلاسفة الإغريق ترجمة عبد الحميد سالم ، 1985 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب .
20 – أ.د/ عبد الجليل كاظم الوالي : نظرية المثل البناء الأفلاطوني والنقد الأرسطي ، الطبعة الأولي 2002م، الوراق للنشر والتوزيع – عمان الأردن .
21- د. عبد الرحمن بدوي : ربيع الفكر اليوناني : خلاصة الفكر الأوروبي سلسلة الينابيع ، الطبعة الهامسة 1979 م، الناشر وكالة المطبوعات الكويت دار القلم بيروت لبنان .
22 – د. عبد العال عبد الرحمن عبد العال : مشكلة التوفيق والأصالة لدي فلاسفة اليونان من أمباذوقليس حتى أفلوطين ، بحث منشور لنيل درجة الماجستير ، قسم الفلسفة ، كلية الآداب – جامعة طنطا 1995 م.
23 – د. علي سامي النشار : نشأة الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1981 مدار المعارف – مصر .
24 – فريدريك نيتشة : مقدمة لقراءة محاورات أفلاطون ، ترجمة د. محمد الجوة ، ود. أحمد الجوة تقديم د. فتحي التريكي ، الطبعة الأولي ، دار البيروني للنشر والتوزيع صفاقس .
25 – د. ماجد فخري : تاريخ الفلسفة اليونانية ، بدون .
26 – أ.د/ مصطفي النشار : تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي ، 1988 م، الناشر دأر قباء للطباعة والنشر والتوزيع .
27 – ميشلين سوفاج : بارمنيدس ترجمة د. بشارة صارجي ، سلسلة أعلام الفكر العالمي ، الطبعة الأولي ، 1401 هـ / 1981 م،المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
28 – و.ك.س.جثري : الفلاسفة الإغريق من طاليس إلي أرسطو ترجمة وتقديم د. رأفت حليم سيف مراجعة د.إمام عبد الفتاح إمام ، بدون .
29 – ول ديورانت : قصة الحضارة ترجمة محمد زيدان ، الطبعة الثالثة 1986 م، اختارته وأنفقت علي ترجمته الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر .
30 – يوسف كرم : تاريخ الفلسفة اليونانية ، 1999 م، لجنة التأليف والترجمة و النشر ملتزم توزيع هذا الكتاب مكتبة النهضة المصرية.
ثانيا: الأجنبي منها:
1 –Barnes ( Jonathan ) : The presocratic philosophers printed in 1986 ,Routledge & Kegan Paul London and New York .
2 - Freeman ( Kathleen ) : The pre – Socratic philosophers , 1971 printing in Great Britain , Oxford Basil Black well .
3 – Leaertus ( Diogenes ) : Lives of eminents philosophers , with an enlish translation ,L.C.L.
4 – Luce ( J.V . ) : AN introduction to greek philosophy , ©1992 , Reprinted 1994 , Thames and Hudson Ltd . London .5 – Tomlin ( E.W.F.) : Great philosophers the western world , Skeffington and son L T D , founded 1858 , Hutchinson House , Stratford Place , London .
[1](1) د. أميرة حلمي مطر : الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها ، طبعة جديدة 1998 م ، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ، ص 66 .[2](2) ميشلين سوفاج : بارمنيدس ، ترجمة دز بشارة صارجي ، سلسلة أعلام الفكر العالمي ، الطبعة الأولي 1401 هـ / 1981 م المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ص 39 ، وللمزيد من التوضيح ينظر : برتراند رسل : حكمة الغرب ، عرض تاريخي للفسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي ، ترجمة فؤاد زكريا ، 1403 هـ / 1983م ، سلسلة عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت ، ج 1 ، ص 191 ، ثيوكاريس كيسيدس : جذور المادية الديالكتيكية هيراقليطس ، ترجمة حاتم سلمان ، الطبعة الأولي 1987 م دار الفارابي بيروت – لبنان ، ص 297 – 298 .
[3](1) بنيامين فارنتن : العلم الإغريقي ، ترجمة أحمد شكري سالم مراجعة حسين كامل أبو الليف ، 1985 م ، ملتزم الطبع والنشر مكتبة النهضة المصرية ، ج 1 ، ص 66 . وللمزيد من التوضيح ينظر:
Luck (J .V .) : An introduction to Greek philosophy , © 1992 ,Reprined Thames andHusdson Ltd , London , p 54 .
[4](2) د. علي سامي النشار : نشأة الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1981م دار المعارف – مصر ، ص 71 .
[5](3) د. عبد العال عبد الرحمن عبد العال : مشكلة التوفيق و الأصالة لدي فلاسفة اليونان من أمبادوقليس حتى أفلوطين ، بحث منشور لنيل درجة الماجستير إشراف أ.د/ محمد فتحي عبد الله ، قسم الفلسفة ، كلية الآداب – جامعة طنطا 1995م ، ص 2 – 3 .
[6](4) د. مصطفي النشار : تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي ، 1988م ، الناشر دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ج 1 : السابقون على السوفسطائيون ، ص 185 .
[7](5) و. ك. س. جثري : الفلاسفة الإغريق من طاليس إلي أرسطو ، ترجمة وتقديم د. رأفت حليم سيف مراجعة د. إمام عبد الفتاح إمام . بدون ، ص 128 .
[8](*) اعتمد الباحث في بحثه علي نصوص بارمنيدس في اللغة العربية التي استفاد مترجمها من نصوص بارمنيدس في اللغة الإنجليزية التي جمعها Freeman وغيره من الباحثين . للمزيد من التوضيح ينظر : د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، محاضرات ألقاها عام 1953 – 1954م ، الطبعة الأولي 1954م ، دار إحياء الكتب العربية عيسي البابي الحلبي وشركاه ، ص 130 – 137 ، Freeman ( Kathleen ) : The pre – Socratic philosophers ,1971 printing in Great Britain . Oxford Basil Black well , p 41 – 46 .
[9](1) د. أحمد فؤاد الأهواني فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 130 ، وللمزيد من التوضيح ينظر أرسطاطاليس : : تلخيص السماء والعالم لأبي الوليد بن رشد ، تقديم و تحقيق جمال الدين العلوي ، الطبعة الأولي 1404 هـ / 1984م ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس (1) جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، م 3 ، ج 2 ، ص 282 .[10](2) أرسطاطاليس : الطبيعة ، ترجمة اسحق بن حنين مع شروح ابن السمح وآخرين ، حققه وقدم له د. عبد الرحمن بدوي ، 1384 هـ م 1964م الناشر الدار القومية للطباعة والنشر مصر ، ج 1 ، م 1 ، ف 2 ، 184 أ ، ص 50 .
[11](1) ا أرسطاطاليس : الكون والفساد ، ويتلوه كتاب " في ميلسوس وفي أكسينوفان وفي غرغياس " ترجمها من الإغريقية إلي الفرنسية وصدرها بمقدمة في تاريخ الفلسفة الإغريقية وعلق عليهما تعليقات متتابعة بارتلمي سانتهلير ونقلها إلي العربية أحمد لطفي السيد ، 1350 هـ / 1932م، دار الكتب المصرية بالقاهرة ، ك 1 ، ب 8 ، ف 3 ، ص 177 .
[12](2) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 131 ، أرسطاطاليس : الطبيعة ، ج 1 ، م 1 ، ف 5 ، 188 أ ، ص 43 .
[13](3) أفلاطون : بارمنيدس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994م الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ص 15 – 16.
[14](4) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 131.
[15](1) أفلاطون : السفسطائي ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثاني، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994م الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ص 237.
[16](2) ريكس وورنر : فلاسفة الإغريق ، ترجمة عبد الحميد سليم ، 1985م، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ص 35 .
(3) ول ديورانت : قصة الحضارة ، ترجمة محمد زيدان ، الطبعة الثالثة 1986م ، اختارته و أنفقت على ترجمته الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، ج 2 ، من م 2 ، : حياة اليونان ، ص 197 .
(4) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 131 .
[17](5) المرجع السابق : ص 131 .
[18](6) المرجع السابق : ص 131 .
[21](1) للمزيد من التوضيح ينظر : أرسطاطاليس : الطبيعة ، ج 1 ، م 1 ، ف 3 ، 186 أ ، ص 17 – 32 .
[22](2) يوسف كرم : تاريخ الفلسفة اليونانية ، 1999م ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ملتزم توزيع هذا الكتاب مكتبة نهضة مصر ، ص 28 .
[23](3) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 133 .
[24](4) المرجع السابق : ص 132 .
[25](1) أرسطاطاليس : الكون والفساد ، ك 1 ، ب 1 ، ف 2 ، ص 176 – 177 .
[26](2) د. أحمد فؤاد الأهواني: فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 132 .
[27](3) المرجع السابق : ص 133 .
[28](4) المرجع السابق : ص 133 .
[29](5) المرجع السابق : ص 133 .
[30](1) د. أحمد فؤاد الأهواني : فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، ص 133 .
[31]) 2) Leaertus ( Diogenes ) : Lives of eminents philosophers, with an English translation by Hivks (R.D.) L.C.L , vol II , book Ix , 430 ,
و للمزيد من التوضيح ينظر : أرسطاطاليس : الطبيعة ، ج 1 ، م 1 ، ف 5 ، 188أ ، ص 43 ، Barnes ( Jonathan ) : The presocratic philosophers ,©1979 Reprinted 1986 by Routledge &Kegan Paul plc , published in the U.S.A , p 176، د. عبد الرحمن بدوي : ربيع الفكر اليوناني : خلاصة الفكر الأوروبي سلسلة الينانبيع ، الطبعة الخامسة 1979م ، الناشر وكالة المطبوعات المويت – دار القلم بيروت – لبنان ، ص 124 – 125 ، د. حربي عباس عطيتو : ملامح الفكر الفلسفي عند اليونان ، 1992م ، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية ، ص 98 .
[32](3) جورج جي . أم جيمس : التراث المسروق الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة ، ترجمة شوقي جلال ، 1996م ، المجلس الأعلى للثقافة ، المشروع القومي للترجمة – مصر ، ص69 .
[33](4) د. ماجد فخري :تاريخ الفلسفة اليونانية ، بدون ، ص 43 .
[34](5) أوليف جيجن : المشكلات الكبرى في الفلسفة اليونانية ، ، ترجمه عن الألمانية وعلق عليه د. عزت قرني ، 1976م ، توزيع دار النهضة العربية القاهرة ، ص 287.
[35](1) Tomlin ( E.W.F. ) : The great philosophers the western world , Skeffington and L T D
[36], founded 1858 , Hutchinson , Stratford Place , London , p 48 .
[37](2) د. أميرة حلمي مطر : الفلسفة اليونانية تاريخها ها ومشكلاتها ، ص 171 – 172 .
(3) أفلاطون : السفسطائي ، ص 223 .
[38]
[39](1) أفلاطون : السفسطائي ، ص 232 .
[40](2) أفلاطون : ثياثيوس المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، : ، ص 167.
[41](3) المرجع السابق : ص 153 .
[42](4) أفلاطون : السفسطائي ، ص 237 – 238 .
[43](1) أفلاطون : السفسطائي ، ص 242 – 243 .
[44](2) أفلاطون : طيماوس ، المحاورات الكاملة ، المجلد الخامس ، نقلها إلي العربية شوقي داود تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ص 413 .
[45](1) أفلاطون : فيدون ، المحاورات الكاملة ، المجلد الثالث ، نقلها إلي العربية شوقي تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ، ص 396 – 397 ، وللمزيد من التوضيح ينظرأفلاطون : : الجمهورية ، المحاورات الكاملة ، المجلد الأول ، نقلها إلي العربية شوقي تمراز ، 1994م ، الأهلية للنشر ةالتوزيع ، بيروت – لبنان ، ك 6 ، ص 313 .
[46](1) أفلاطون : الجمهورية ، ك 6 ، ص 313 - 314 .
[47](2) المرجع السابق : ك 7 ، ص 324 .
[48](3) المرجع السابق : ك 6 ، ص 312 .
[49](1) أفلاطون : فيدون ص 374 – 375 .
[50](2) فريدريك نيتشه : مقدمة لقراءة محاورات أفلاطون ، ترجمة د. محمد الجوة ، ود. أحمد الجوة تقديم د. فتحي التريكى ، الطبعة الأولي دار البيروني للنشر والتوزيع صفاقس ، ص 53 .
[51](3) أفلاطون : الجمهورية ، ك 7 ، ص 346 .
[52](1) أفلاطون : الجمهورية ، ك 7 ، ص 347 – 348 .
[53](2) المرجع السابق : ك 6 ، ص 326 .
[54](3) المرجع السابق : ك 7 ، ص 348 .
[55](1) ر. فالتزر : أفلاطون وتصوره لإله واحد ونظرة المسلمين في فلسفته ، كتب دائرة المعارف الإسلامية (8) لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية إبراهيم خورشيد وآخرين ، الطبعة الأولي 1982م ، دار الكتاب اللبناني – لبنان ، ص 46 – 47 .
[56](2) أ.د/ عبد الجليل كاظم الوالي نظرية المثل البناء الأفلاطوني والنقد الأرسطي ، الطبعة الأولي 2002م ، الوراق للنشر والتوزيع – عمان الأردن ، ص 57.
د. حسن حسن كامل إبراهيم - أستاذ مساعد – قسم الفلسفة - كلية البنات – جامعة عين شمس - 1 أكتوبر 2009
0 تعليقات::
إرسال تعليق