داخل أحد بيوت وادي خالد (رويترز) |
بدت المعابر الحدودية التي تربط شمال لبنان مع سوريا أمس في حركة خجولة مع تردد الأنباء عن عودة الهدوء نسبياً إلى المناطق التي كانت شهدت مواجهات بين الجيش السوري والمحتجين، ولا سيما في مدينة تلكلخ التي سجل فيها خلال اليومين الماضيين حركة نزوح شبه جماعية باتجاه منطقة وادي خالد، في مشهد غير مألوف عبر معبر البقيعة (عمر إبراهيم)، الذي لم تتوقف الحركة عليه أمس، حيث شهد حركة عبور بالاتجاهين مع تشديد الإجراءات الأمنية من قبل القوة الأمنية المشتركة، وعودة عناصر المخابرات السورية إلى موقعها المواجه لنقطة التفتيش اللبنانية، والتي كانوا اضطروا إلى إخلائها بعد تعرضها للحرق على أيدي المحتجين.
بالأمس عاد عدد من العائلات النازحة إلى منطقة العبودية السورية حيث سجل عبور نحو 150 شخصاً من الأطفال والنساء، قابلها نزوح 13 عائلة من تلكلخ إلى منطقة وادي خالد، لتضاف إلى مجمل العائلات التي نزحت ليل أمس الأول. وفي الوقت الذي شهد فيه معبر البقيعة تدابير أمنية استثنائية من قبل الجيشين اللبناني والسوري كل في نقطته، سجلت خروق عديدة لحركة نزوح وعودة عند المعابر، التي تعتبر غير شرعية لجهة النهر الكبير، والذي غالبا ما يعتمد لتهريب البضائع، وذلك قبل أن تتخذ السلطات المعنية تدابير أمنية باتجاهه.
وفيما يبدي النازحون تحفظات حول الإدلاء بأي تصريح صحافي، فاجأت السورية صباح العزة (55 عاماً) مندوبي وسائل الإعلام لدى دخولها إلى الأراضي اللبنانية برفقة أولادها بالقول: "الله يحمي سوريا ويحمي رئيسها بشار الأسد، وما تصدّقوا كل شي عمّا تسمعوه من أخبار. الوضع جيد في سوريا". كما شهد المعبر حركة ناشطة لنقل الخبز من سوريا والبضائع من قبل بعض الفتية اللبنانيين الذين عملوا على نقل "البطاطا - الشيبس" من سوريا إلى لبنان عبر عربة صغيرة، لبيعها والاستفادة من فارق الأسعار ومن وجود السوريين في منطقة وادي خالد، بحسب ما اوضح الفتى عبد الرحمن حسين سالم (9 سنوات)، والذي قال: "لقد بدأت اليوم بنقل البطاطا من سوريا إلى لبنان، وذلك لتحقيق أرباح من التجارة، خصوصاً أنني أربح في كل كيس كبير مبلغاً وقدره 750 ليرة لبنانية". وأضاف: "هناك أطفال آخرون يعملون على نقل البوظة والخبز وأي شيء يمكن أن نستفيد من بيعه في هذه الظروف".
النازحون في وادي خالد
لم تنم القرى والبلدات الحدودية في وادي خالد والمشاتي (نجلة حمود) ليلة أمس، حيث انشغل الجميع في كيفية استقبال العائلات السورية التي نزحت أمس الأول من سوريا إلى لبنان، لا سيما من بلدة تلكلخ القريبة من منطقة وادي خالد. وعمد الأهالي إلى احتضان الوافدين واستقبالهم في منازلهم. كما أقاموا لهم موائد الطعام، واهتموا بالأطفال الصغار، الذين كانوا يعانون من حالات عصبية من جراء الأحداث الأمنية التي عاشوها في بلدتهم، حيث كان العديد منهم يذرفون الدموع أمام عدسات المصورين، ويلاحقون الصحافيين للاستفسار عما يحصل داخل سوريا.
وأمضى الوافدون وأهالي المنطقة ليلتهم بكثير من الحذر والترقب، خصوصاً بعد الاشتباكات العنيفة التي حصلت ليل الأربعاء ـ الخميس بين المحتجين وعناصر الجيش السوري، إثر اعتقال شيخ البلدة وبعد التحضيرات التي كانوا قد سمعوا عنها ليوم "جمعة الغضب"، وتخوفهم من إمكانية قيام الجيش بقصف المدينة بالمدفعية، وكان النازحون وهم بغالبيتهم من النساء والأطفال يتوقعون مزيداً من التصعيد، لذلك فروا إلى الجانب اللبناني بانتظار ما ستؤول إليه أحداث نهار جمعة الغضب. وردّد العديد من الأهالي عبارة "إن ما قبل نهار الجمعة غير ما بعده".
وأعرب عدد من النازحين عن قلقهم على أهلهم وأبنائهم، الذين بقوا في تلكلخ، مؤكدين على أنهم لم يتوقعوا في يوم من الأيام أن يهجروا من منازلهم، لافتين إلى "أن ما يواسيهم ويخفف من مأساتهم، هو حفاوة الاستقبال التي لاقوها من جيرانهم اللبنانيين، الذين حرصوا على أن لا ينقصنا أي شيء". وقالت إحدى النازحات، التي نزلت ضيفة لدى عمر بري في البقيعة: "ننتظر بفارغ الصبر ما ستسفر عنه مظاهرات يوم الجمعة، لكي نعود إلى ديارنا، لأننا لم نعتد على التهجير والنزوح كما لا يمكننا أن نبقى في مقلب وأزواجنا في مقلب آخر، وذلك بالرغم من العناية التي أحاطونا بها أهالي وادي خالد الا أنه لا يمكننا أن نكون ضيوفاً دائمين ومزعجين، فنحن أتينا ونحمل معنا بعض الحاجيات البسيطة والحالة ضيقة ولا يمكن للناس أن تتحمل بعضها فترة طويلة". وتشير حنان التي عبرت إلى الحدود اللبنانية صباح أمس برفقة أبنائها الخمسة إلى أنها غادرت منزلها بناء على طلب زوجها، لأن الأوضاع غير مطمئنة، ومن المتوقع أن تشهد مزيداً من التصعيد، مؤكدة على أنها لا تعرف أحداً في وادي خالد، لكنها تبحث عن الأمان لأبنائها الصغار غير القادرين على تحمل أصوات الرصاص والقذائف.
وقالت ثريا التي نزلت ضيفة لدى خضر علي في بلدة البقيعة: "لم يغمض لنا جفن طيلة الليل خوفاً من حدوث اشتباكات مسلحة بين الأهالي وقوات الأمن السورية على غرار ما حصل مساء أمس الأول، ونحن نترقب بفارغ الصبر انتهاء التوترات وعودة الأمن والاستقرار لكي نتمكن من ممارسة حياتنا اليومية"، مؤكدة على "أن التهجير والنزوح ليسا حلاً ونحن اليوم ضيوف معززون لكن لا نعلم ماذا سيحل بنا إذا طالت الأمور وتدهورت الأوضاع الأمنية في سوريا".
ولفت مختار بلدة المقيبلة رامي خزعل إلى "أن غالبية النازحين نزلوا ضيوفاً معززين في منازل أقربائهم ومعارفهم، كما قدم أبناء الوادي الذين يقطنون في طرابلس منازلهم إلى النازحين فقمنا بتجهيزها بما يلزم وإيواء الأهالي، لأنهم في النهاية أهلنا وجيراننا، وهم تحملونا في ظروف عدة وعلى ما يبدو أن الوقت قد حان لنردّ شيئاً من الجميل إلى جيراننا". وأكد خزعل على "أن العديد ممن دخلوا الأراضي اللبنانية عبر معبر جسر البقيعة الغربي توجهوا إلى مختلف القرى والبلدات العكارية وتحديداً إلى المشاتي ومنهم أيضاً من توجه إلى مدينة طرابلس لدى معارفهم وأقربائهم"، مشيراً إلى "أن المعبر شهد اليوم (أمس) دخول عدد بسيط من العائلات لا يتعدى الخمس". وأفاد رئيس بلدية مشتى حسن حمزة الأحمد أن "البلدة استقبلت أمس الأول أكثر من 7 عائلات، هم بغالبيتهم لبنانيات متزوجات في الجانب السوري، غادروا منازلهم لحين عودة الأمور إلى طبيعتها في الجارة السورية ونزلوا ضيوفاً كالعادة لدى أقربائهم".
واعتبر النائب السابق محمد يحيى (ابن وادي خالد) أنه "من الطبيعي أن تشهد بلدات وادي خالد زيارات للأخوة السوريين"، لافتاً إلى أن "هناك روابط اجتماعية، وعلاقات قرابة تجمع بين المنطقتين"، مؤكداً أن التواصل يتمّ بشكل طبيعي بحكم الجغرافيا والتاريخ، وأن ما تشهده منطقة وادي خالد لا يُسمى بحركة نزوح بل زيارة طبيعية إلى الأهل والأقرباء بسبب توتر الأجواء في الجارة سوريا". واستبعد يحيى أن تزداد أعداد الوافدين لأن الأوضاع الأمنية مستقرة ولا مخاوف من المستقبل.
السفير 30 نيسان 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق