الأحد، 15 مايو 2011

العماد ميشال عون يتذكر لحظات سقوط قصر بعبدا وذهابه إلى السفارة الفرنسية..


كان مؤلماً ما حصل في صباح السبت في 13 تشرين الأول 1990. دبابات الجيش السوري تطبق على قصر بعبدا الذي يتحصن فيه الجنرال عون، وطائرات السوخوي السورية تدك القصر بالقنابل. كان ذلك إعلان نهاية "العهد العوني" الذي بدأ في 23 أيلول 1988.

الجنرال الذي وعد بالتحرير والنصر وتحقيق السيادة والاستقلال في لبنان، أعلن الاستسلام الكامل في بيانٍ أبكى الكثيرين وأفرح الخصوم. ثم حوصر في السفارة الفرنسية تمهيدا لنفيه.


العسكريون الذين كانوا تحت إمرته، توزعوا بين النعوش، والسجون السورية والتحقت غالبيتهم بقيادة العماد إميل لحود، بطلب من الجنرال عون، واختار جنود اللواء العاشر أن يقاوموا حتى النهاية، في منطقة ضهر الوحش، فقتل أكثرهم في تلك المعركة.

من نجا من تداعيات 13 تشرين لبعض الوقت، أو اعتقد انه بمنأى عن آثار ذلك الحدث، كان محاصرا بين خيارين: إما أن يكون تابعاً ومنفذا لسياسات سلطات ما بعد الطائف الأمنية، أو يتحمل عواقب الرفض والاعتراض، من نفي وسجن. وهذا ما كان يحدث في الخمس عشرة سنة الماضية.

بين تشرين 1990 و تشرين 2005 تغير لبنان والمنطقة والعالم، كبر الصغار الذين سمعوا نداء العماد ميشال عون طالبا وقف النار والاستسلام "حقناً للدماء وإنقاذاً للأرواح وحفاظاً على ما تبقى...". وانقلبت سنوات الأسى والنضال والاعتقالات، إلى انتصار، في 14 آذار 2005 بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وفي 7 أيار عندما عاد العماد ميشال عون من منفاه الباريسي.

الجنرال عون الشاهد الأول على ما جرى في 13 تشرين، ماذا يقول في الذكرى الخامسة عشرة على 13 تشرين. كيف ينظر إلى تلك المحطة المفصلية في تاريخ لبنان؟ كيف عاش اليوميات الأخيرة في بعبدا؟ وهل كان بالإمكان تجنب ما حصل؟

في مكتبه في الرابية استعاد الجنرال ذكريات تلك المرحلة وروى شهادته لــ "صدى البلد".

يرفض الجنرال ميشال عون اعتبار 13 تشرين هزيمة، لأن عبارة "هزيمة" تتضمن معنىً نهائياً. وما جرى في ذلك اليوم كان معركة أساسية والأكثر صعوبة في حياته العسكرية. ولم يشكل ما حدث في ذلك اليوم صدمة للعماد، لأنه كان من الطبيعي أن يخسر المعركة نظراً للمعايير العسكرية وموازين القوى العالمية. لكن "القتال" إذا صح التعبير انتقل إلى الميدان السياسي، "فالقوة استطاعت أن تفرض أمراً واقعاً لكنني حافظت على حق اللبنانيين بعدم المساومة. كنت واثقاً أننا سنكمل المعركة سياسياً وديبلوماسياً في العالم، ولا عنفياً في لبنان. ومنذ لجوئي إلى السفارة الفرنسية أعطيت التوجيهات اللازمة بأن تكون المقاومة رفضية، لا عنفية. وبذلك حافظنا على الشعلة عبر التظاهرات في المناسبات الوطنية في 14 آذار و 13 تشرين و عيد الاستقلال لتبقى الذاكرة الوطنية سليمة. والمعركة التي خسرناها في 13 تشرين الأول 1990 ربحناها في 14 آذار 2005 حين انتهت مسيرة التحرير التي بدأت في 14 آذار 1989وسجلنا انتصارنا. وكنا جاهزين لتلقي هذا الانتصار وننتظر تحققه، ونعمل على التأسيس لحالة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان. و أبلغت كوادر التيار في اجتماع في 2003 عن تنظيم التيار و تحوّله إلى حزب بعد انتخابات العام 2005 والتي ستكون حرة، وننتقل تالياً إلى مرحلة سياسية جديدة.

المسار الذي انطلق في 13 تشرين كان واضحاً جداً من الألف إلى الياء لكنه لم يتضح بشكله النهائي إلا في نهاية 2001 وبداية 2002 عبر العمل جدياً على قانون استعادة سيادة لبنان".

معركة الأمر الواقع

السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الجميع عند استعادة ذكرى 13 تشرين الأول عام 1990، هو عن مدى وجود إمكانية لتجنب ما جرى من معارك وسقوط ضحايا من العسكريين والمدنيين الأبرياء. ينفي العماد عون هذا الاحتمال، ويشير إلى تجربة التدخل السوري في العام 1976 حين سمحت الجبهة اللبنانية بدخول القوات السورية سلمياً إلى مناطقها، "وهذا ما اعتبر في ذلك الوقت أنه تم بناءً على طلب اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين. في حين أن دخول السوريين هو استسلام إثر خسارة معركة، إذ تم تفضيل خيار الاستسلام لسورية على خيار الاستسلام للفلسطينيين. واتخذ هذا الخيار ذريعة لابتزاز اللبنانيين على أساس أنهم طلبوا التدخل السوري، فيما تشير كل الوقائع بما فيها أحاديث وردت على لسان حافظ الأسد (الرئيس السوري الراحل) تدل على أن القرار كان سورياً، و لم يكن للبنانيين أي دور في اتخاذه. لهذا السبب لم يكن ممكناً دعوة السوريين للدخول إلى "المنطقة الحرة" أو القبول بدخولهم إليها من دون مقاومة، لأن ذلك كان سيلغي حقنا بطلب الانسحاب السوري. فأخذت المخاطرة على نفسي وعائلتي وعلى أقرب المقربين إلي، وصمدنا تحت القصف إلى حين حصول وقف النار الذي لم يحترم. لكننا سلمنا القيادة إلى السلطة المنبثقة من الاحتلال".

رفض الحل السلمي

كان يمكن للوثيقة التي بعث بها الجنرال عون إلى السفير الفرنسي رينيه ألا عبر النائب السابق بيار دكاش ليل 12 تشرين أن تشكل مخرجا مشرفا لجميع الفرقاء. وقد تضمنت الوثيقة اثني عشر بنداً تنص على الاعتراف بالياس الهراوي وتوحيد الجيش وحل الميليشيات والتشديد على إجراء انتخابات نيابية حرة برعاية الأمم المتحدة. ولو أخذ الحكم الموالي لسورية بهذه الوثيقة لما وقعت أحداث 13تشرين. لكن الوثيقة أهملت وصرف النظر عنها من اجل فرض الخيار العسكري. ويقول عون إن "موضوع الوثيقة أتى نتيجة محادثات أجريت مع محسن دلول في منزل السفير الفرنسي قبل أيام من 13 تشرين، لكن دلول لم يقدم لي خياراً سوى الاستسلام للمشيئة السورية، فعندما سألناه عن أساس المبادرة السورية والبرنامج المقبل للحكومة، أجاب ندخل في الحكومة "وبعدين بيقولولنا"، عندها قلت له إنني أريد أن أعرف ماذا سأقول للناس، وهذا ما ترجم في حينه أنني أريد الاستسلام لأنني خائف من الناس، فلم يفهم جوابي في معناه الحقيقي. القصة كانت واضحة فالبنود شكلت مخرجاً للأزمة، و بما أن الغاية ليست حل الأزمة بل وضع اليد على لبنان نهائياً، حدث ما حدث".

يكرر العماد عون دائماً أنه فرض معركة 13 تشرين في حين أن الحروب السابقة فُرضت عليه: "كنت قادراً على الهروب من هذه المعركة، فقد تدخل وسطاء لكي أشارك في الحكم و كأن شيئاً لم يحدث. ما يقوله الياس الهراوي عن أنه عرض علي أن أكون "سوبر وزير" صحيح، لكن كان علي الدخول في لعبة السلطة والحكم مقابل ماذا؟ هنا نعود إلى ما ورد في كتاب سركيس نعوم "حلم أم وهم" عن عرض رئاسة الجمهورية علي. الموضوع ليس صراعاً على السلطة بل صراع على الوطن حيث لا يجوز الاستسلام لا شكلاً ولا جوهراً كما كان يطلب مني. لاحقاً ذهب وسطاء إلى السفارة الفرنسية يفاوضونني على الخروج من السفارة و إعادة حقوقي المصادرة. وكانوا يطلبون مشاركتي في الحكومة، من اجل التخلص من وجود ميشال عون في المقاومة. أعتقد أن السوريين كانوا أذكى بكثير من الطقم السياسي اللبناني الحليف لهم، لأنهم عرفوا أن المقاومة ستؤذيهم على المدى البعيد فحاولوا المساومة عليها لكننا لم نبع حقنا".

إذن دولي بالاجتياح

بالعودة إلى أحداث 13 تشرين يؤكد عون أن الصمود أمام اجتياح الجيش السوري إلى قصر بعبدا لم يكن ممكناً، "فالإمكانات غير موجودة واحتياط الذخيرة استنفد، كنا محاصرين بحرياً وبرياً، ومنعت عنا المحروقات". وعشية 13 تشرين كان الجنرال يتلقى إفادات من المخابرات عن الحشود العسكرية، وأبلغ في منتصف الليل أن الجنود اللبنانيين الذين سيشاركون في الهجوم وضعوا شارات بيضاء للتعارف، ويقول إنه كان يعرف أن المعركة ستبدأ صباحاً.

"سألني اللواء نديم لطيف عن استعمال الطيران، فأجبته إننا نعلم في حال مرور الطيران فوق القصر، أن هذه هي الإشارات الجدية للإذن الدولي بالاجتياح، فنوقفه فور بداية المعركة لتحديد الخسائر، لكننا نكون ثبتنا حقنا و أرينا العالم أن الطيران السوري والإسرائيلي متضامنان.

كنا نعرف شروط استعمال الطيران في لبنان، والطائرة السورية التي مرت قبل يومين في بعبدا مثلت إشارة إلى الإذن الدولي بذلك".

بيان الاستسلام

في اليوم الأخير في بعبدا، استفاق الجنرال نحو السابعة إلا ربعاً، وعندما أغارت طائرات السوخوي على القصر كان يحلق ذقنه: "احتفظت بسلوكي الطبيعي فحلاقة الذقن لم تكن ضرورية في الصباح. بدأت أتلقى إفادات عن تحركات على الأرض، وعندما تمّ القصف الجوي اتصلت بالسفير رينيه ألا وقلت له إن المبادرة التي وجهتها إليه أمس انتهى أمرها مع الهجوم، وبأنني أطلب وقف النار، وأعترف بالاستسلام والخسارة العسكرية، ودعوت إلى إرسال مسؤولين لاستلام القصر الجمهوري ووزارة الدفاع. أصريت على كلمة استسلام وليس تفاهم، رغم أن البعض صعب عليه الأمر. استعملت الكلمة بمفهومها القانوني، لأننا سحقنا بالقوة وكي لا نقع في خطأ تفسير الحدث. عندما نقل ألاّ طلبي إلى مخاطبيه عبر الهاتف (الهراوي، ألبير منصور، لحود) انتظروا وقتاً لإجابته، ثم أصروا على حضوري إلى السفارة الفرنسية لأكون تحت مراقبته، وقد علمت مضمون هذا الحديث لاحقاً. تناقشت مع السفير الفرنسي نحو ربع ساعة حول مدى ضرورة الذهاب إلى السفارة طالما أنني أعلنت وقف النار والاستسلام، كنت أريد أن أسلّم السلطة وأنا موجود في القصر، لأنهم تحدثوا على مدى أسبوعين عن أن ميشال عون يقيس المسافة بين القصر والسفارة، و كانوا يخططون لدفعي للذهاب إلى السفارة.

السفير الفرنسي ألاّ كان واضحاً بضرورة المجيء إلى السفارة. لم أؤكد له إذا ما كنت انوي الذهاب إلى هناك. وبعد ربع ساعة طلبت ملالة وذهبنا تحت القصف الكثيف الذي أدى إلى تشظي الملالة، كما سقطت إحدى القذائف قربنا فانهال التراب والحصى علينا من برج الملالة. عندما وصلنا إلى السفارة الفرنسية لم يتوقف إطلاق النار وطلبوا أن أعلن تسليم القيادة إلى إميل لحود في الإذاعة، ففعلت ذلك في البيان الشهير "... حفاظاً على من تبقى..."، لكن ذلك لم يوقف النار رغم أنني كنت أبلغت غرفة العمليات في اليرزة ومديرية المخابرات عن صدور البيان وطلبت منهم أن يتصلوا بالعماد لحود ويضعوا أنفسهم تحت تصرفه. بدأت تردنا أخبار المجازر وجرائم الحرب في بسوس وضهر الوحش ودير القلعة حيث لا يزال مصير عدد من الجنود مجهولاً".

الخروج من القصر

أسئلة كثيرة تطرح في استعادة ذكريات تلك المرحلة، ما هي السيناريوهات البديلة والافتراضية لما حدث في 13 تشرين؟ ماذا لو عاد العماد عون إلى قصر بعبدا وتقدم السوريون والجيش بقيادة إميل لحود لتسلم السلطة، هل كانوا اغتالوا عون للتخلص منه أم أسروه وحاكموه؟ هل سيقاوم الجنود حتى الموت؟

بالنسبة للعماد عون كان من المفترض أن تسير الأمور وفق منطق الاستسلام العسكري:" كنت طلبت أن يستلم الجيش اللبناني الوثائق. وقد استسلمت من دون قيد أو شرط ، وكنت مستعداً لمواجهة مصيري. كان بإمكانهم اغتيالي أو أسري لكنني لم أشعر بالخوف من المحاكمة. الاغتيال كان وارداً خصوصاً أنهم حاولوا ذلك قبل ساعات من 13 تشرين. كنت أفكر بأنني قد أخسر حياتي، ولم يعنيني ما سيحصل بعد موتي. وهذه العبارة رددتها مئات المرات، وأردفت أنني سأقاوم ما بقيت حياً... في ظروف كالتي حصلت معي يجب أن يعرف الإنسان كيف يخسر كي يكون أهلاً للربح. تعودنا أن نربح من دون سحق الخصم، وان نخسر من دون أن يخالجنا شعور بالانسحاق".

صور العائلة التي بقيت في بعبدا، الشهداء الذين سقطوا على الجبهات فيما الجنرال عاجزٌ عن مساعدتهم، حاضرة دائماً في ذهنه:" تركت عائلتي في القصر على أساس أنني سأعود إلى بعبدا لتسليم السلطة. لكن رينيه ألا رفض مغادرتي إثر ورود أخبار المجازر و قال إنني أصبحت تحت حماية الدولة الفرنسية. مشاهد المجازر لا تبارح ذهني. نحن عسكر و نذرف الدمع عند سقوط كل شهيد، لكن في الوقت نفسه لدينا طاقة على الاحتمال وبرودة أعصاب. لم يكن ما جرى المشهد الأول في حياتي، بل سبقتها مشاهد سقط فيها ضحايا وكنا نصمد حين كان الصمود يحمل مقومات البقاء، غير أن الصمود الأخير كان رمزياً. لم أكن خارج المعركة ولم نسلم من كثرة الحكي، مع العلم أن زوجتي رفضت إلا أن تكون الشخص الأخير الذي يخرج من القصر".

ربما أراحت مرحلة المكوث في السفارة الفرنسية الجنرال عون من ثقل المسؤوليات وأبعدته عن صخب الأحداث: "عندما التقيت عائلتي بادرتهم إلى القول بأننا سنرتاح لكن الناس يتعبون. كنت في هدوئي المطلق، وبدأت مرحلة تأمل كبيرة في الوضع و الآفاق المقبلة. فيما بعد اتخذت القرار بإكمال المعركة سواء بقيت وحدي أم وقف الناس إلى جانبي، من أجل الذين ماتوا في 13 تشرين وفي المعارك الأخرى. وبدأنا المقاومة من المكان الذي خسرنا فيه أي العمل على تغيير المعادلة الدولية".

خدعة الترحيل

قد يكون السفير الفرنسي رينيه ألا الديبلوماسي الوحيد في لبنان الذي وقف إلى جانب عون، وحاول عبثاً الحد من الخسائر والأضرار، وتحول إلى ضحيةٍ أخرى لــ 13تشرين. الجنرال الذي يأمل أن يكتب الديبلوماسي الفرنسي مذكراته يصف ألا بــ "الرجل الشجاع" و يعتبر أنه خدع في 13 تشرين: "خدع أهل الحكم ألا أولاً في اتفاق وقف النار. وثانياً عندما اتفق مع السلطة اللبنانية على مصيري وترحيلي من السفارة بعد الظهر. لكن الحكومة تراجعت بعدما استقدمت فرنسا طائرةً إلى قبرص على أساس أن تنقلني هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني إلى هناك. كل هذه الأمور مدونة وتعرفها فرنسا. وصلتني لاحقاً معلومات أن ألا رفض مهمة ديبلوماسية طلب منه تنفيذها في بيروت أيام الهراوي. لم يقبل بالمهمة وقال إنه لا يستطيع التعامل مع..."كاذبين".

من جهةٍ أخرى يرى الجنرال أن قيام إيلي حبيقة بنقل عائلته من بعبدا إلى السفارة الفرنسية هو نوعٌ من رد الجميل، على ما قال حبيقة نفسه، و كانت إشارة وفاءٍ منه.

-----------------------

جنود دير القلعة والمفقودون

قضية الجنود المفقودين والمعتقلين في السجون السورية تتحمل مسؤوليتها القيادات العسكرية المتتالية والحكومات المتعاقبة، بحسب عون.

فهذه القيادات والحكومات "لم تستوضح ولم توضح مصير هؤلاء العسكريين، بخاصة وأن هذه الجريمة الكبيرة سواء كانت احتجازاً حتى اليوم أم اغتيالاً يجب أن تعلم تفاصيلها قيادة الجيش اللبناني. وهذا التحدي الكبير مرمي أمام قيادة الجيش ووزارة الدفاع والحكومة بأعضائها كافة لتحديد ما حصل في 13 تشرين وتحديداً في دير القلعة. لا يجوز ألا يعلم الجيش اللبناني الذي كان موجوداً على تلة دير القلعة شيئاً عن الموضوع. فالرئيس لحود يجب أن يعلم شيئاً، وكذلك قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي كان في اللواء العاشر في حينه، واللواء الأول الذي رافق الجيش السوري من البقاع. وفي هذه المناسبة نطلب من الجميع أن يعلنوا أمام الرأي العام ماذا حصل للجنود اللبنانيين في دير القلعة".

-------------------------------

روح "14 آذار"

بعد خمسة عشر عاماً على 13 تشرين يقول العماد عون أن هذه المرحلة غنية بالتجربة الشخصية والمشاهد: "شاهدت سقوط الجمهورية اللبنانية بكل معانيها و مؤسساتها ومبرر وجودها. لكن تجربتي المضحكة كانت مع سياسيي 14 آذار 2005 الذين شاركوا فيه حين أصبحت حياتهم على كف عفريت، وأحسوا أن لــ 14 آذار قيمة موجودة قبلاً. شاركوا في 14 آذار كذكرى مرور شهر على اغتيال الرئيس الحريري، لكن في الواقع، ومع احترامنا لكل الذين شاركوا في 14 آذار، الذي تجلت فيه مظاهر الوحدة الوطنية، يجب أن يكون لهذا الحدث مفهوم أعمق بكثير و يعلموا أن لهذا التاريخ تاريخ ست عشرة سنة تحملت مع شباب التيار الوطني الحر نتائجه السيئة. لــ 14 آذار معانٍ ترتبط بالحرية والسيادة والاستقلال والوحدة الوطنية ورمزية العلم اللبناني. كل ذلك لم يستمر موسماً انتخابياً واحداً إذ تبع السياسيون غرائزهم ومصالحهم ونسوا معاني 14 آذار".

شعور الجنرال عون في الذكرى الأولى لـ 13 تشرين التي يشارك فيها على أرض الوطن، يختلط بين شعور الإنسان و القائد:" الإنسان الذي يتذكر صور أشخاص فقدهم، فنحن العسكر لدينا ارتباط كالارتباط العائلي، والقائد الذي عليه واجب تكريم الشهداء وإعطاء معنى لشهادتهم. تكريمهم سيحصل في ذكراهم السنوية أما إعطاء المعنى لشهادتهم فقد تحقق بتنفيذ الهدف الذي قاتلوا من أجله، تحرير لبنان. هم أنموذج في التضحية لكن لا يمكننا أن نعيش معهم بل يجب أن نبقى مع الأحياء الذين نريد أن نبني مستقبلهم.

البلد 13 تشرين الأول 2005

تفاصيل عملية إسقاط العماد عون عام 1990

للمرة الأولى، تناول السفير الفرنسي السابق في لبنان رينيه آلا، كيف تم لجوء العماد ميشال عون إلى السفارة الفرنسية في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1990، حيث أمضى تسعة أشهر قبل أن يغادرها إلى فرنسا في إطار عملية نظمتها الاستخبارات الفرنسية التي ترأسها في حينه فيليب روندو، في عهد السفير الفرنسي دانيال هوسون.
رينيه آلا: لجوء عون إلى فرنسا كان يخيف السلطة اللبنانية. والتقت «الحياة» آلا المتقاعد من السلك الديبلوماسي ويترأس حالياً بلدية بلدة في جنوب فرنسا وقد عمل في لبنان من سنة 1989 حتى سنة 1991 ثم نقل إلى الفاتيكان.
روى آلا لـ«الحياة» أنه «في 13 تشرين الأول 1990 حلقت طائرات سورية من نوع سوخوي في الأجواء اللبنانية وحامت فوق منطقة مار تقلا حيث مقر السفارة الفرنسية، وراحت تقصف منطقتي اليرزة وبعبدا القريبتين، حيث كان مقر عون الذي كان رئيساً للحكومة»، فاتصل بي عون هاتفياً وقال: «هل أنت على علم بما يحدث»، فقلت: «نعم لقد فهمت».
أضاف آلا: «كان واضحاً أن تحليق الطيران السوري في سماء لبنان كان بموافقة إسرائيلية – أميركية، إذ أن مثل هذا التحليق كان ممنوعاً على الطيران الحربي السوري في الأجواء اللبنانية، فأدركت عندها أن هناك اتفاقاً دولياً مسبقاً يسمح بذلك، على رغم النفي الذي صدر في الولايات المتحدة».
وتابع: « كانت إدارة الرئيس جورج بوش الأب نفت عشية هذا الهجوم أنها سمحت لسورية القيام به، وفي تلك الفترة كانت الإدارة الأميركية تعد لحرب لتحرير الكويت».
وأشار آلا إلى أنه صباح يوم 13 تشرين الأول كانت الجبهة اللبنانية مشتعلة من جراء القصف السوري، فاتصل عون به مجدداً وقال: «انظر ما في وسعك أن تعمله، فهذا هجوم شامل». وكانت عائلة عون في تلك الفترة في أحد الملاجئ وهو في بعبدا: «فاتصلت بوزارة الخارجية في باريس وأيقظت مدير مكتب وزير الخارجية آنذاك السفير برنار كيسيدجيان (سفير فرنسا الحالي في جنيف) وأبلغته بالهجوم السوري على لبنان والعماد عون وطلبت منه إبلاغ وزير الخارجية رولان دوما والرئيس الفرنسي (الراحل) فرانسوا ميتران بذلك».
ومضى يقول: «حاولت الاتصال بالرئيس الهراوي. اتصلت به مرات عدة»، (الهراوي في مذكراته لم يشر سوى إلى اتصال واحد)، فعاد عون واتصل مجدداً «ليقول لي أن الهجوم شامل ونهائي وأنه يريد تجنب حمام دم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مطالباً بوقف لإطلاق النار، مضيفاً بصوت مخنوق ويكاد لا يسمع، أعتبر أنني هزمت».
وذكر آلا أنه عندئذ بدأ يكثف تحركه فتمكن من التحدث هاتفياً إلى الهراوي، بعد صعوبة و»أبلغته أن عون اعترف بهزيمته ويطلب وقفاً لإطلاق النار لتجنب حمام دم» وأنه «من المحتمل أن أكون قلت له مثلما ورد في مذكراته لماذا أطلقتم هذا الهجوم فيما كنا نسعى لحل سياسي، لكني لم أعد أتذكر ذلك بدقة».
وقال إنه أكد للهراوي أن وقف إطلاق النار ضرورة وان عون صادق، فأجاب: «أنا لا أصدقه ونحن معتادون على مناوراته، فليذهب إلى السفارة الفرنسية وبعدها سترى كيف ترتب الأمور». وأنه عاد واتصل بعون ليبلغه بالانتقال إلى السفارة، لأن مجيئه هو أحد شروط التفاوض لوقف إطلاق النار.
وذكر آلا أنه اتصل مجدداً بعون الذي قال له: «كيف أصل إلى السفارة والقصف من كل الجهات، فأنا لا أرى كيف يمكنني أن أخرج»، فكان لا بد من أن أعود وأتصل بالهراوي الذي رد علي قائلاً: «طالما لم يحضر إليكم (السفارة الفرنسية) فلا شيء ممكناً»، فاتصلت بعون وقلت له إنه ليس هناك أي حل إلا بمجيئك إلى السفارة، فأجاب: «سأخاطر وسنرى». وعند الساعة الثامنة والنصف من ذلك اليوم وصلت آليتان مصفحتان وعلى متنهما عون وحوالي 20 من أعوانه، وتوزعوا على مقر السفارة ومنزل السفير في ما كان يسمى فيلا الأمير، وحرصت على إنزال الجميع إلى الطبقة الموجودة تحت الأرض وبقيت مع عون وعدد من حراسه في الطبقة الأرضية.
وروى آلا أنه من هذا المكان أجرى اتصالاً هاتفياً بالهراوي وقال له: «أن عون الآن في دار السفارة، فماذا نفعل؟». فأجاب الهراوي أنه ينبغي أن يعلن أنه ينضم إلى قائد الجيش في حينه إميل لحود ويطلب من الجيش أن ينضم لهذه القيادة وبهذا الشرط فقط يتم وقف إطلاق النار، «فبدأت أناقش مع عون لإقناعه بضرورة الإدلاء بمثل هذا التصريح العلني»، فسألني: «كيف وبأي وسيلة». ثم اتصل بمدير إذاعة لبنان آنذاك، رفيق شلالا المستشار الإعلامي السابق للرئيس أمين الجميل، فقال له إنه وصل إلى السفارة الفرنسية وإنه يريد التفاوض.
وقال آلا إنه عاد واتصل بالهراوي وقال له إنه سيعطيه عون ليتكلم معه. فرفض الهراوي قائلاً: «التفاوض سيكون عبرك». فسألته متى ستعطى الأوامر لوقف إطلاق النار، فقال: «أن وزير الدفاع ألبير منصور سيتصل بك». فتأخر اتصال منصور، وعند حصوله طلب من عون أن يوجه أمراً شخصياً لوحداته للالتحاق بلحود وأن يضعوا أنفسهم تحت قيادته شخصياً، وعندها سألته عما إذا كان وجود عون في السفارة كاف للتفاوض على وقف إطلاق النار من دون أي إذلال له، إذ أنهم كانوا بدأوا مسار قتله سياسياً، فقال لي ينبغي أن يسمع صوت العماد على الإذاعة وإلا فلا وقف لإطلاق النار، لأن ذلك سيكون أكثر صدقية بالنسبة إلى جنوده، وعندها حاولت إقناع عون وتمكنت من ذلك لأنه أراد تجنب إراقة الدماء.
ورأى آلا أن عون كان يدرك أنه ينبغي تجنب المزيد من الدمار، وكانت سورية تكبدت أثناء المعارك حوالي 300 قتيل، فهذه الأسباب الأساسية جعلت خروج عون أكثر صعوبة.
وتابع آلا أن لحود كان وقتئذ في بيروت الغربية ولعب دوراً إيجابياً في تلك الفترة لأنه قاوم طويلاً قبل الموافقة على الحل العسكري الذي كان مسيئاً جداً للجيش، وكان هاجسه الأساس خلال الأشهر التي سبقت الهجوم السوري حمل عون على الالتحاق بقيادته، وكانت لديه معلومات حول ما كان يجري في دمشق.
وأشار إلى أن عون اتصل في هذه الأثناء برئيس أركان الجيش جان فرح وقال له: «لا تفاجأ سأدعو لوقف إطلاق النار وسأطلب من الجيش أن يضع نفسه بتصرف لحود وان يأخذ الأوامر منه». ثم اتصل مجدداً بشلالا وعاود تصريحه قائلاً إنه يطلب وقف إطلاق النار تجنباً لإراقة الدماء، ودعا جنود الجيش لتلقي الأوامر من لحود.
وقال آلا أن الجنرالين إدغار معلوف وعصام أبو جمرة لحقا بعون إلى السفارة في وقت لاحق، وذكر أنه علم باغتيال عدد من ضباط الجيش اللبناني، في حين أن وقف إطلاق النار لم ينفذ، على رغم الشروط المذلة التي وضعت لذلك، وقد «استهدفنا بقذيفة مباشرة سقطت على بضعة أمتار مني ومن عون، وبحسب الخبراء فإن القذيفة أطلقت من الشمال الغربي».
وكشف عن اتصال هاتفي تلقاه من جوزيف جبيلي نيابة عن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، قال له فيه ألا تحمي عون، وتساءل آلا عما إذا كان هذا الكلام تهديداً مباشراً لفرنسا، إذ أن القذيفة التي أصابت السفارة سقطت في الساعة التاسعة والقصف صباحاً «وكنت جالساً مع عون في مكتب في الطابق الأرضي، وكان في إمكانها أن تصيب أياً منا».
ومضى يقول إنه على رغم أن عون كان أعطى أوامره لجميع الوحدات الموالية له، جنود سوريون أمام القصر الجمهوري المدمر في 13 تشرين الأول 1990. فقد استمرت المعارك والنصف طوال النهار، إذ أن بعض الوحدات لم توافق على الأوامر، وكانت هناك مشكلة مع «وحدة (الضابط) كلس» الذي كان يريد المضي في المعركة إلى النهاية، فيما كانت الوحدات الأخرى تعمل على الالتحاق.
وتابع آلا انه في الثالثة من بعض ظهر اليوم نفسه، عاد جبيلي وأجرى اتصالاً جديداً معه قائلاً له أن عون «ينبغي تسليمه إلى السلطات الرسمية لتتولى محاكمته، فقلت له عندها أن عون في وضع اللجوء السياسي في السفارة، كوني اتصلت بالخارجية الفرنسية التي أكدت لي أن (الوزير) دوما قال أن عون حصل على اللجوء السياسي»، كما أبلغ آلا جبيلي بأن عون غادر قصر بعبدا ووصل إلى السفارة بطلب من الهراوي.
وأضاف آلا انه بعد ذلك احتلت القوات السورية قصر بعبدا، وبعد ذلك وصلت زوجة عون وبناته الثلاث مع عدد من العسكريين إلى السفارة برفقة إيلي حبيقة، في مشهد سوريالي، إذ أن حبيقة كان مع العماد السوري علي ديب الذي احتل قصر بعبدا حيث وجدت عائلة عون، وقد سأل (حبيقة) زوجة عون عن المكان الذي ترغب في الانتقال إليه فقالت أنها تريد الالتحاق بزوجها في السفارة الفرنسية، فأقنع حبيقة السوريين بأنه سيهتم شخصياً بالقضية ونقلت العائلة إلى السفارة.
وذكر آلا أن حبيقة كان مديناً لعون وأراد تسديد دينه كون عون أنقذ حياته في إحدى المرات. بعد ذلك بدأ التفاوض حول مغادرة عون إلى باريس، لكن هذه المفاوضات استمرت لمدة طويلة.
وأضاف آلا أنه في غضون ذلك لم يتمكن من الاتصال بالهراوي قبل المساء، وكان الوزير دوما اتصل به وطلب منه السماح لعون بالمغادرة إلى فرنسا، لكن الحكومة اللبنانية كانت تريد تسلمه لمحاكمته وقتله سياسياً «لأنهم كانوا يتخوفون من أن يتيح له اللجوء السياسي العودة وينهض سياسياً»، لكن الوزير الفرنسي حصل من الهراوي على وعد ضمني بأن عون سيتمكن من المغادرة خلال يوم أو اثنين.
وأشار إلى أن فرنسا كانت أرسلت طائرة إلى لارنكا لنقل عون، من دون علم منه، وقال آلا انه التقى الهراوي ليرتب معه تفاصيل مغادرة عون، لكن الرئيس اللبناني «أبلغني بأنه من غير الوارد أن يغادر عون لا اليوم ولا غداً لأن مجلس الوزراء اتخذ قراراً بهذا الشأن وانه ينبغي محاكمته بتهمة اختلاس أموال». وبعد ذلك طلب مني التحدث في الموضوع مع وزير الخارجية فارس بويز، فبدأت مفاوضات مديدة مع بويز وعادت الطائرة الفرنسية من لارنكا إلى باريس وبدأت السلطات اللبنانية بالمماطلة.
وأوضح آلا أن بويز كان يعطي الانطباع بأنه يبحث عن حل ويطالب بضمانات حول لجوء عون، منها مثلاً أن يمنع من الكلام ومن العمل، وكان واضحاً أن السوريين كانوا وراء مثل هذه الشروط، أما الحكومة اللبنانية فكان المهم بالنسبة إليها إنهاء عون سياسياً وحمل فرنسا على التراجع.
وروى آلا أنه في 16 آب (أغسطس)، صرح ميتران علناً بأن فرنسا لن تسلم عون أبداً وان هذه مسألة شرف بالنسبة إليها، و»كنت التقيت مرات عدة رئيس الحكومة سليم الحص وقمت معه مراراً بمحاولات عدة لم يكن مقتنعاً كثيراً بها، لكنه قام بواجبه».
وعاد آلا بالذاكرة إلى ما حصل بينه وبين الهراوي قبل التدخل العسكري السوري في 13 تشرين الأول، فقال إنه كان على موعد معه غداة اجتماع لمجلس الوزراء اتخذ خلاله القرار بالعملية العسكرية وطلب تدخل السوريين، إذ أن بويز كان توجه إلى دمشق حاملاً رسالة من الهراوي والحكومة اللبنانية تطلب تدخل السوريين، «سألت الهراوي عما حصل في الاجتماع الحكومي فأجاب لا شيء خارقاً، مكتفياً بذكر تعيين سفير لبنان في الفاتيكان، فركزت نظري على عينيه وسألته: هل أنت متأكد يا سيدي الرئيس أنه لم يحصل شيء؟ فقال: لا».
أضاف آلا: «كنت على علم بالقرار الذي اتخذ من مصادري، فقد كذب علي كأنه أراد أن أتجنب أسوأ الاحتمالات. وبعد ذلك أكد لي الحص القرار الذي اتخذ خلال الاجتماع الحكومي بطلب التدخل العسكري السوري».
ونقل آلا عن الحص قوله أن «جلسة مجلس الوزراء كانت صعبة جداً، فسألته هل فُقد الأمل برأيك، فأجاب: لا أدري لكن معلوماتي لا تدعوني للتفاؤل وان عون يجب أن يضع نفسه تحت قيادة لحود، فوجهت رسالة إلى عون لإبلاغه بالأمر فرد برسالة لا يقول فيها شيئاً ويكرر موقفه المطالب بانتخابات وحكومة وحدة وطنية، وهو ما لم يكن مقبولاً».
أضاف آلا أنه تساءل في تلك الفترة عما إذا كان في إمكانه التفاوض ديبلوماسياً لتأخير الهجوم المتوقع، خصوصاً أنه تلقى رسائل من بعض المقربين من سورية تشير إلى أن الحل الديبلوماسي لا يزال ممكناً، وكان ذلك في 11 و12 تشرين الأول، إلا أن الطائرات السورية بدأت القصف في 13 منه.
وبالعودة إلى المفاوضات حول خروج عون من لبنان، قال آلا أنها وصلت إلى طريق مسدود وأنه كان يلتقي بويز باستمرار الذي كان عليه أن يحصل على ضوء أخضر من جهته وعلى أقصى حد من الضمانات الفرنسية، «فأراد إنجاح المفاوضات، ولكن من الصعب علي القول إلى أي مدى، فعمل على التفاوض بأسلوب تقني، معتقداً أن في إمكانه الحصول من فرنسا على شروط وضمانات خطية تؤكد أن السلطات الفرنسية توافق على شروط الحكومة اللبنانية المتعلقة بشروط إقامة عون في فرنسا»، ولكن هذا لم يكن مقبولاً، لأن حق اللجوء إلى فرنسا خاضع لقوانين ولا يمكن أن يكون شبيهاً بعملية اعتقال.
وأضاف أنه حصل في هذه الأثناء على موافقة على مغادرة أسرة عون وزوجتي معلوف وأبو جمرة، التي كانت بدورها صعبة لأسباب مختلفة، إذ كان بحوزتهن مبلغ من المال احتجز من الضباط اللبنانيين الخاضعين لمراقبة ضباط سوريين، كما حصل، بعد مفاوضات مع لحود الذي قال إنه كان لائقاً جداً، على الموافقة على خروج الضباط الذين كانوا مع عون في السفارة على أن يعاد دمجهم في الجيش، بعد ملازمتهم منازلهم لفترة من الوقت.
وأشار آلا الذي غادر لبنان في نهاية مهمته في الأسبوع الثاني من حزيران (يونيو) 1991، فيما كان عون لا يزال داخل السفارة الفرنسية أنه توصل في تلك الفترة إلى استنتاج مفاده أن العلاقات السورية – اللبنانية أكثر أهمية في ذهن كبار المسؤولين اللبنانيين، ومنهم تحديداً الرؤساء الثلاثة، من حرصهم على علاقة جيدة مع فرنسا، وان تحرير عون والسماح له باللجوء إلى فرنسا كان يخيف السلطات اللبنانية، وان بيروت ودمشق لم تفكرا جدياً بحل قضيته، قبل ترسيخ المكاسب السورية المنبثقة عن اتفاق الطائف.
وعبر آلا عن اعتقاده بأن إصرار فرنسا على سيادة لبنان وانسحاب القوات الأجنبية من أراضيه، حمل الحكومة اللبنانية للكشف عن حقيقتها في وقت أبكر مما كان متوقعاً، إذ أنها لم تخف من المبادرة على دفع العلاقات مع فرنسا نحو التدهور عبر اتهامها بالتدخل، وان بيروت ودمشق أعطتا الأولوية للمفاوضات مع الولايات المتحدة التي كانت تغطي نهج إعطاء الطابع السوري للسياسة اللبنانية.
وقال إنه تساءل في تلك الفترة عما إذا كانت دمشق أجلت تحسين علاقاتها مع فرنسا، إلى الفترة التي سيعطي فيه تفردها مع واشنطن ثماره وتكون الأوضاع في لبنان وصلت، تحت وصاية سورية، إلى نقطة اللا عودة على كل الصعد.
وعبر آلا عن قناعته بأن تعطيل قضية عون وتدهور العلاقات الفرنسية – السورية انطويا في تلك الفترة على مكاسب لدمشق من دون أن ينطويا على أي مساوئ. 

الحياة 17/05/2005

0 تعليقات::

إرسال تعليق