السبت، 7 مايو 2011

تسعة مداخل لتحليل الوضع في سورية..!!


كيف نفكر في ما يحدث في سورية؟
أولاً، الرهانات على سورية كثيرة وكبيرة. فما يحدث هناك يؤثر سلباً وإيجاباً على اللعبة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، بما فيها الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وحاضر ومستقبل الثورات الشعبية في العالم العربي، والعلاقات العربية ـ العربية، والعربية ـ للتركية، والعربية ـ الإيرانية.
أصدقاء النظام السوري في الشرق الأوسط يعدّون على أصابع اليد الواحدة: إيران، وحزب الله، وحماس. لذلك، يصعب القول إن أحداً ما عدا هؤلاء سيذرف الدمع في حال غيابه.
ثانياً، ولكن ماذا عن إسرائيل؟
إسرائيل لا تحب النظام السوري، بالتأكيد، ولكنها تتصرف بطريقة تنسجم مع مأثور العرب عن العدو العاقل، الذي يكون في حالات كثيرة أفضل من صديق جاهل. وقد كان النظام على مدار أربعة عقود عدواً عاقلا: حافظ على الهدوء في الجولان، وخاض أشكالاً مختلفة من المجابهة والكر والفر في أراضي وعلى حساب طرف ثالث. لعبة تحكمها ضوابط تعوّد عليها الطرفان.
ومع تعديلات طفيفة يمكن القول إن الأميركيين لن يذرفوا الدمع على النظام، لكنه يبقى في نظرهم عدواً عاقلا، وكان في حالات بعينها حليفا ضرورياً، كما حدث بعد الغزو العراقي للكويت، عندما انضم النظام إلى التحالف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت.
ثالثاً، يعتبر النظام القائم حالياً في دمشق أحد آخر الأنظمة الستالينية في الكون: نظام الحزب الواحد، والزعيم الأوحد، والبرلمانات الوهمية، وأجهزة الإعلام المُحتكرة من جانب الدولة، والشعب المسكون بالرعب من أجهزة الأمن، وأجهزة الأمن كلية القدرة والجبروت.
العمر الافتراضي لهذا النوع من الأنظمة انتهى منذ عقدين من الزمن. ومع ذلك، ثمة بقايا أركيولوجية مثل كوريا الشمالية، وهي جمهورية وراثية، تبدو مثل درنة غريبة الشكل في خاصرة العالم.



رابعاً، إذا كان العمر الافتراضي لهذا النوع من الأنظمة قد انتهى على صعيد العالم، فإن العالم العربي يُعتبر متحفاً هائل الحجم لأنظمة دخلت في تكوينها قطع غيار ستالينية ومملوكية وعثمانية وسلطانية.
وإذا كان ثمة من معنى لربيع الشعوب العربية، فإن المعنى يتجسّد في تفكيك قطع الغيار، وتسمية الأشياء بأسمائها. وهذا يضيف عبئاً جديداً على عاتق النظام في دمشق. فلنتأمل ما حدث ويحدث في طرابلس، وصنعاء، والمنامة، ودمشق، وقبلها في تونس والقاهرة. ثمة أنظمة ومجتمعات مختلفة، لكن الشعار الذي يردده الناس في الشارع: الشعب يريد إسقاط النظام.
خامساً، في التجربة الصينية ما يوحي بأن نظام الحزب الواحد يستطيع قيادة الدولة والمجتمع في مشروع طموح للتنمية الاقتصادية، وبأن الغالبية العظمى من المواطنين تخسر حريّات أساسية مقابل الحصول على مكاسب مادية فردية وجمعية.
ومع ذلك يختلف النظام القائم في بكين عن مثيله في دمشق، وكلاهما شمولي. نقاط الاختلاف: الصين ليست جمهورية وراثية. النخبة الحاكمة في الصين لا تنتمي إلى طائفة بعينها. لا تلعب شبكات القربى والنسب، وشبكات المصالح التجارية والمالية في الصين الدور نفسه الذي تلعبه مثيلاتها في سورية. ومع هذا كله وفوقه وقبله لا يتبنى النظام في دمشق مشروعاً طموحاً للتنمية.
سادساً، حتى وإن كان من السابق لأوانه الكلام عن الضوء في نهاية النفق السوري، إلا أن ثمة حقائق تستدعي التأمل. ومن أبرزها أن بعض الأنظمة غير قابل للإصلاح، والنظام السوري من بينها.
فالإصلاح يعني الحد من الصلاحيات المُطلقة للنخبة الحاكمة والمهيمنة، وقبولها باقتسام مصادر الثروة والسلطة مع شركاء آخرين. بهذا المعنى ثمة ما يشبه إعادة الهيكلة لمنظومات الضبط والسيطرة الأمنية والسياسية والمالية. وهذا، على الأرجح، غير ممكن في الحالة السورية، طالما أن إعادة الهيكلة تنطوي على خطر فقدان السلطة، وانهيار النظام.
سابعاً، لن يتكرر النموذجان التونسي والمصري في الحالة السورية. ففي مصر وتونس حسم الجيش الصراع على السلطة بين الحاكم والشعب، وفي الحالة السورية فإن النموذج الليبي أقرب إلى الأذهان، في حال استمرت المجابهة بين القوات الأمنية للنظام، والمتظاهرين، خاصة وأن الرهانات الكثيرة والكبيرة للقوى الإقليمية والدولية تسوّغ للبعض محاولة التدخل لتحديد النتيجة النهائية للمجابهة، سواء لصالح النظام أو ضده.
وهذا لا يعني، بالتأكيد، القبول بكلام النظام عن الإمارة الإسلامية في درعا. لن يأخذ أحد كلام النظام في هذا الشأن على محمل الجد. ولا فائدة حتى من التذكير بأن القذافي وبن علي وعلى عبد الله صالح استخدموا كلاماً مشابهاً.
ثامناً، ما حدث على مدار الأيام القليلة الماضية يوحي بأن النظام اختار مجابهة المتظاهرين بالقوة المفرطة. في رصيده سوابق كثيرة وقعت أبرزها في مدينة حماة في الثمانينيات. بيد أن الأمر مختلف هذه المرّة، فالسابقة المذكورة لم تقع في سياق موجة شعبية عارمة تجتاح العالم العربي، بل في سياق مجابهة مسلحة مع جماعة إسلامية شنت هجمات إرهابية طالت مدنيين. وما تشهده المدن والقرى السورية هذه الأيام يتمثل في مظاهرات شعبية سلمية، تشارك فيها فئات اجتماعية مختلفة.
تاسعاً، هل يستطيع النظام المضي في المجابهة، بكل ما تنطوي عليه من تنكيل وسفك للدماء، دون تصدّع أجهزته الأمنية، ووقوع انقسامات في أوساط النخبة الحاكمة، والجيش، وأجهزة الدولة؟ وهل يستطيع المضي في المجابهة دون التعرّض لضغوطات وعقوبات من جانب المجتمع الدولي؟
في البحرين، مثلاً، تمكنت النخبة السائدة، بالتعاون مع السعوديين، وحكام المشيخات النفطية، من قمع المتظاهرين بقسوة بالغة، بينما أغمض العالم عينيه. وفي اليمن يثير احتمال الحرب الأهلية ذعر القوى الإقليمية والدولية، فتتصرف كمن يمشي في حقل ألغام. وفي ليبيا تدخل المجتمع الدولي بالطائرات.
يجب ألا نتوقع موقفاً واحداً في جميع الحالات. وبالقدر نفسه يجب ألا ننتظر من القوى الإقليمية والدولية أن تبني حساباتها على قيم تنسجم بالضرورة مع مطالب المتظاهرين في جميع البلدان. ثمة مصالح متعددة ومتضاربة.
وفي سياق كهذا تبقى الأسئلة الداخلية والخارجية، في الشأن السوري، مفتوحة. فهذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة. كل ما نعرفه الآن أن النظام يحاول القضاء على المعارضة بالقوة، وأن المتظاهرين في سورية هتفوا: الشعب يريد إسقاط النظام.
كاتب فلسطيني يقيم في برلين

حسن خضر - الأيام - الثلاثاء 26 نيسان (أبريل) 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق