السبت، 14 مايو 2011

راحة العقل - أحمد حميد الدين الكرماني

إنه ومما لا جدال فيه بأن هذا الكتاب الذي نقلب صفحاته، والذي وضعه المحقق بعد عمله فيه موضع التداول، يعتبر من أقدم الكتب الفلسفية الباطنية السرية عند الإسماعيلية، وهم لا يجيزون الاطلاع عليه إلا لمن ترقى في العلوم والمعارف العقلية، واجتاز الحلقات، وقطع المراتب، حتى بلغ مرتبة عليا خاصة من مراتب عالم الصنعة النبوية. 

فكتاب "راحة العقل" وما تضمنه من أسوار ومشارع، وعلوم ومعارف صورة ذهنية كاملة عن شخصية مؤلفه الكرماني الفلسفية المبدعة وعن الدور الكبير الذي اضطلع فيه في مجال العلم والمعرفة والنظر العقلي المجرد والحرف المشع والكلمة النيرة. 
ويبدو خصب الكرماني الروحي والفلسفي ظاهراً واضحاً في الطريقة المثالية التي ابتكرها من تبويب كتابه بحيث جعله كمدينة قائمة بذاتها مستغنية بمن فيها وبكل ما حوته عما سواها من المدن، وذلك مثالاً للأصول والأحكام الإسماعيلية، ونظرية الظاهر والباطن والمثل والممثول. 
ففي الاعتقادات الإسماعيلية لا بد لكل محسوس في ظاهر وباطن، فظاهره ما تقع الحواس عليه، وباطنه ما يحويه ويحيط العلم بأنه فيه. فالإنسان شخص واحد، إلا أنه جسد وروح، فالجسد هو الظاهر والروح هي الباطن. هذا وقد عمد المؤلف إلى تسوير مدينته الفاضلة هذه بأسوار سبعة للدلالة على النطقاء السبعة أصحاب الأدوار الصغيرة، وانتقل بعد ذلك إلى شق الشارع فأدخل في نطاق كل سور من الأسوار السبعة، سبعة مشارع ليسهل على النفس المرتاضة التنقل بين الأسوار لتلتقي الفوائد العقلية التي تمكنها من إدراك كليتها. 
ومن أجل بلوغ هذه الكلية التي تشتاق إليها النفس الجزئية بالطبع أوجب عليها أن تجتاز تسعة وأربعين مشرعاً وهكذا لقد وصل الكرماني عن طريق الإلهام للكشف والتطلع الفكري إلى ذروة الذروة فغرق في خضم الحقيقة السرمدية، واستراح في أحضانها، فقسم كتابه وجعله صورة طبق الأصل عن جزيرة "صاغون" أو مدينة "أهل الخير" التي تحدث عنها اخوان الصفا في رسائلهم أكثر من مرة. 
حتى أنه ذهب إلى أبعد منهم حين جعل الأسوار السبعة للدلالة على النطقاء السبعة أصحاب الأدوار الصغيرة الذين يقومون بهداية النفوس عملياً - ظاهراً - إلى السبيل النجاة والسعادة عند قيام النفس الجزئية الصغرى - أي بعد الموت ومفارقة الجسد - لأن الناطق حسب المفهوم الإسماعيلي هو الأصل الذي يصدر عنه الدين بما فيه من علم وعمل وبمن فيه من أئمة يدعون إلى التحقق بكمال العلم عن طريق العبادة الظاهرة - صاحب التنزيل - وعلى يده تكتسب النفس الجزئية كمالها العملي الذي يأتي من العبادة الظاهرة.


راحة العقل - أحمد حميد الدين الكرماني

0 تعليقات::

إرسال تعليق