السبت، 14 مايو 2011

«راتبي 800 دولار.. أكثر من نصفه أنفقه على غرفة» ... حكايا البحث عـن «مرقد عنزة» للإيجار.. في بيروت وضواحيها

«السما أقربلك..» (حسن عبد الله) 
لطالما تعجّبت رانيا (23 سنة) من قصاصات الورق المرّبعة التي كانت تقرأها على اللوح الخشبي المعلّق على الحائط المحاذي لمقهى «تاء مربوطة»، في الحمراء. «مطلوب رفيقة سكن لشقة صغيرة في الحمراء، غرفتان، مطبخ وحمام. 300 دولار. إذا كنتِ مهتمّة اتصلي بـ «فلانة» على الرقم التالي..».
لم تفهم كيف أن فتاة قد ترغب بأن تتشارك البيت، الحمام، المطبخ.. والحياة أيضاً، مع فتاة أخرى لا تعرفها. «كنت أظن أن الفكرة من الانتقال للسكن خارج منزل الأهل هي التمتّع بالخصوصية والتعلّم كيف يكون الشخص أكثر مسؤولية عن نفسه وعن بيته»، تباشر رانيا بسرد حكايتها. «كنت أقول في نفسي انه حين انتقل من منزل الوالدين وأجد شقتي الخاصّة في الحمراء، لن أطلب من أحد الانتقال معي ومشاركتي التكاليف.. ولا حتى اقرب صديقاتي»، تكمل.

يشعر المستمع إلى حديث رانيا بأن شيئاً ما سيتغيّر. رأيها سيتبدل في مكانٍ ما من القصة. يثبت هذا الشعور، وضع رانيا اليوم. تسكن في «السوديكو»، في شقة تصفها بـ«المريحة والجميلة»، لكن مع ثلاث فتيات، حيث تتشارك الغرفة مع أقربهن إليها.

تتألف الشقة من غرفتي نوم، غرفة جلوس، مطبخ، حمام، وغرفة طعام. يبلغ إيجار الشقة 650 دولاراً، وذلك من دون فواتير الكهرباء، الموتور، الانترنت، «كابل ستالايت»، المصعد، عيار المياه، وأجر السيدة التي تأتي لتنظيف البيت أسبوعياً. «يعني، أدفع شهرياً حوالى 300 دولار. ويبدو انه ليس بالمبلغ الكبير مقارنةً بما يتكلّفه أصدقائي وصديقاتي». تتضح الصورة إذاً: «الآن صرت أفهم لما يسعى الناس إلى إيجاد من يشاركهم شققهم!».

اعتبرت رانيا نفسها محظوظة يوم وجدت تلك الشقة في آب الماضي ولم تتجرأ أن ترفضها، لأنها كانت أمضت أكثر من ثلاثة أشهر في البحث عن شقة. في «السوديكو»، لم توفّق رانيا بادئ الأمر. «وجدت شققاً غير مفروشة بـ800 دولار شهرياً، لا لسبب إلا لأنها قريبة من كليات الجامعة اليسوعية، حسب المالكين. قبل ذلك، سألت في الحمراء. وجدت شققاً في منطقة كليمنصو، لكن الإيجار بلغ ألف دولار شهرياً لشقة صغيرة، بحجة أن موقعها قريب من كل بيروت، حتى أنني وجدت شققاً في الحمراء بألف ومئتي دولار، من دون الكهرباء والمياه و«الدش».

يعيد جــان ضــو، العــامل في مجــال العقارات، ارتفاع أسعــار الشقق في الحمراء إلى أن «المنطقة منقــسمة إلى قسمــين: الأول يتألــف مـن شقق ومبان قديمة البناء، وبالتالي سكــّانها هم ذاتهم منذ عقود، وهم من «الملاّكــين»، والــثاني يتــألف من بنــايات حديثة البناء، بنيت خصيصاً لتـؤجرّ لمن يريد السـكن في الحــمراء اليوم. هذه شقــق مرتــفعة الثمن، لأن المالك يدري بأن المنطقة «مطلوبة جدّاً»، والأجانب من الأوروبيين والأميركيين غالباً ما يخــتارون الحمــراء للسكن، وغالباً ما يكونون من أصحاب الدخل العالي. كما يشير إلى «أن موجــة البناء الحديث في الحـمراء التي تزامنت مع ارتفاع الأســعار، حديثــة العهد، إذ لا يتعدى عمرها عقدا ونيّفا، أي حوالى إحدى عشــرة سنة.. ومن ضمنها تأتي الموجة في السنوات الثلاث الماضية».

غرفة بـ.. 400 دولار

لا يختلف وضع شيرين (24 سنة) كثيراً. «راتبي يبلغ 800 دولار. أسكن في صور، وأبحث عن شقة منذ بدأت العمل، أي منذ شهر تشرين الأول في العام الماضي. لم أجد شقة في محيط عملي، أي في بدارو. جلت فيها شارعاً شارعاً وسألت كل نواطير المباني»، تحكي شيرين وتشرد كأنها تستعيد تلك اللحظات المخيّبة. «جلت في فرن الشبّاك. وبعد بحث طويل، وجدت شقة صغيرة، غير مفروشة، بـ500 دولار. ساومت صاحب الشقة إلى أن قبل بأن يؤجرها بـ400 دولار. ويوم عدت لأستلمها، زعم أنه أجّرها لآخر عرض أن يدفع المبلغ الكامل...».

تقطن شيرين اليوم في منطقة قريطم، في غرفة واحدة غير مفروشة، استأجرتها بـ400 دولار، من دون كلفة الكهرباء والمياه والمصعد. «أصرف أكثر من نصف معاشي على الشقة، والنصف الآخر للسرفيسات والتنقل بين قريطم وبدارو!». وتختم شيرين قصتها باعتراف خجول: «لا زلت أتقاضى مصروفي من والدتي، لأن راتبي لا يكفي في معظم الأشهر.. فالمعاش يطير كلّه على الشقة والطريق».

برأي العقاري شادي مجاعص، الذي يعمل في منطقة بدارو ـ فرن الشبّاك ـ المتحف، البعيدة نسبياً عن وسط البلد، أنه من غير الممكن إيجاد شقة اليوم في تلك المنطقة، لأنها منطقة مسكونة أباً عن جدّ وسكّانها من العائلات التي انتقلت إليها منذ سنوات. ولدى سؤاله عن إيجارات الشقق في فرن الشبّاك مثلاً، يشير إلى انه «في منتصف التسعينيات، كانت المنطقة من أرخص المناطق سكنياً، إلاّ أن الإيجارات ارتفعت ما بعد الألفين بنسبة تعادل ثلاثين في المئة. وقد بلغ إيجار الشقق الصغيرة في منطقة الأسواق بين 450 و600 دولار شهرياً، بعد أن كان لا يتعدى 400 دولار».

أمّا السبب، فيرجّح مجاعص أنه يعود إلى ازدياد الطلب على الشقق، لا سيما أن الارتياح والازدهار الاقتصادي والأمني الذي شهده لبنان في مرحلة ما بعد الحرب، وخاصة بعد الألفين، شجّع الطلاب الشباب على السكن في محيط جامعاتهم: «لم يعد الأهل في حالة خوف من الوضع الأمني فباتوا مرتاحين لانتقال أبنائهم إلى شقق في محيط الجامعة. وفي فرن الشباك ومحيطها أكثر من كليّة جامعية، منها الفنون، والعلوم الطبية والإنسانية في الجامعة اليسوعية بمحاذاة المتحف»، مشيراً إلى أن معظم الذين يقصدونه للاستشارة العقارية، هم من الطلاب وأهاليهم.

«من 600 لـ1500»

إذا كانت شيرين ورانيا وجدتا شقتيهما في نهاية الأمر، فنديم (22 سنة) يبدو في وضع أكثر صعوبة. «أنا من سكّان صيدا. أعمل في بيروت منذ أربعة أشهر، وحتى اليوم لم أجد شقة أسكن فيها». بحث نديم بجدّية ومثابرة في الحمراء والطريق الجديدة والسوديكو. «كلّ الشقق اللي وجدتها صغيرة كتير وغير مفروشة وفوق 400 دولار، وأنا معاشي كلّو ما بيطلع 700 دولار». وبما أن لا رفيق سكن لديه «ولا بحب اقعد مع حدا غريب، قلت ضل فتّش يا صبي إلا ما تلاقي هالمرقد العنزة ببيروت..».

رنا ورامي (33 سنة)، ثنائي متزوّج. «أول ما تزّوجنا نقلنا على شقة صغيرة في كليمنصو، وكنّا ندفع 600 دولار شهرياً. كنّا راضين بها لأنها قريبة من مركز عملي في مستشفى الجامعة الأميركية»، تستهل رنا الحديث. «لكن اليوم، كبرت العائلة وصار لنا ولدان. لم تعد الشقة هذه تسعنا، لذلك قررنا البحث على شقة أخرى في المكان ذاته، لأنه قريب من مركز عمل رنا، ويمكن أن نذهب سيراً على الأقدام إلى حضانة الولدين»، يكمل رامي.

تكمن المعضلة بأن الثنائي هذا لا يريد أن يستأجر في منطقة أخرى. «بحثت أشهراً ولكنني لم اعثر في الحمراء سوى على شقق بألفي دولار، أو بـ1500 إذا كانت قديمة»، يروي رامي بأسف. إلاّ أن لرنا رأيها بالموضوع: «بعض العائلات لا تتردد بدفع 3000 دولار بدل إيجار شقة في الحمراء أو في وسط المدينة! ربما تكون هذه القيمة طبيعية بالنسبة للبعض، لكنها مرتفعة بالنسبة إلينا»، تبرر رنا. لكنها سرعان ما تستدرك: الأكيد أنو في مشكلة، يمكن مش بس بالإيجارات، ربما هي أيضاً في الأجور».

ناي الراعي السفير 15/01/2010 العدد: 11493

0 تعليقات::

إرسال تعليق