الاثنين، 25 أبريل 2011

سورية ولبنان العلاقات المتميزة... واعترافات بتدخل الجرّاح


مرّت العلاقات اللبنانية السورية في الماضي بكثير من موجات "المد والجذر" وصولا إلى الفترة التي بدأت بعد أتفاق الطائف، حيث أصبحت تلك العلاقات "مميزة" حتى بات السياسيون في البلدين وخصوصا في لبنان لا يتحدثون إلا من منطلق وحدة "المصير والمسار" وما يترتب عليها من نتائج مع اتساع الصلات والعلاقات بين البلدين على الصعيدين الرسمي والشعبي وفي شتى مجالات الحياة.

اغتيال الحريري صدّع العلاقة بين سورية وبعض اللبنانيين

ولكن الزلزال الذي ضرب لبنان والمنطقة وتمثل باغتيال الرئيس الأسبق للحكومة في لبنان الشهيد رفيق الحريري كانت له ارتدادته في أكثر من اتجاه، ومن هذه الارتدادات ما أصاب العلاقات اللبنانية السورية من تصدع بين القيادة السورية وجزء من الطبقة السياسية في لبنان والمتمثلة بفريق "14 آذار". فبقيت هذه العلاقة تتراوح بين العداوة حينا والفتور أحيانا أخرى إلى أن وصل سعد الدين رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة في لبنان وبدأت معها صفحة جديدة من العلاقة بين هذا الفريق وسورية.

اعتقد البعض أن العلاقات الايجابية بين الدولتين ستعود إلى سابق عهدها خصوصا وأن الحريري الابن بدأ يرسل مندوبين عنه إلى سورية، وقام شخصيا بعدة زيارات إلى الدولة الجارة والشقيقة حتى بات الحديث أن العلاقة بين الحريري الابن والرئيس السوري بشار الأسد كادت أن تصل إلى حد الصداقة الشخصية والعائلية. إلا أن هذه العلاقة سرعان ما انتكست (بعد أن رسم عليها الكثير من الآمال) بخروج الحريري الابن من السلطة بعد استقالة الحكومة التي كان يترأسها، وبات فريقه السياسي أقلية في مجلس النواب مما استدعى منه الإعلان عن تموضعه في صفوف المعارضة والبدء بهجوم ممنهج على سلاح المقاومة الذي هزم العدو الصهيوني وصولا إلى تعرضه للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما التزم الصمت حيال سورية الدولة الحليفة لكل من المقاومة وإيران على السواء.

الحريري هاجم في الفترة الماضية المقاومة وإيران وتجنب التصويب على سورية!!

هذا الأمر دفع البعض إلى التحليل والتساؤل عن سر هذا الصمت اتجاه سورية، وعن سبب التصويب فقط على المقاومة وإيران؟ إلى أن بدأت الأحاديث تتناول تدخلات لتيار المستقبل وبعض نوابه في التحريض على التحرك "الشعبي" ضد السلطة في سورية. ومع تطور الأحداث بثت وسائل الإعلام السورية اعترافات لأشخاص قالوا إنهم شاركوا في أعمال شغب واضطرابات داخل سورية بقصد إحداث الفتنة هناك بتحريض وتمويل مباشر من قبل عضو كتلة "المستقبل" النائب جمال الجراح.

وقد لقيت هذه الاتهامات نفيا من تيار المستقبل وكتلته النيابية بالجملة والمفرق، وبقي من وقتها الجدل قائما: هل قام النائب الجراح فعلا بما اتهم به في الإعلام؟ وهل للتيار السياسي الذي ينتمي إليه الجراح دور ما في هذه الاعتمال أم أنها مجرد اجتهاد أو مجهود شخصي لهذا النائب المستقبلي؟

بكل الأحوال هناك اتهامات واضحة وصريحة وجهها الإعلام السوري الرسمي إلى نائب لبناني حتى ولو لم يتخذ حتى الآن أي إجراء أو تحرك قضائي سوري اتجاه الدولة اللبنانية بما يخص النائب الجراح أو أية شخصية أو جهة آخري، وكذلك لم تتحرك في لبنان أية جهة فاعلة في هذا المجال لا على الصعيد القضائي ولا على صعيد البرلمان الذي يشكل الجراح أحد أعضائه، وإنما اقتصر الحراك في لبنان على مجرد التصاريح والتصاريح المضادة حتى باتت هذه الاتهامات مادة سياسية وإعلامية يتناولها كل فريق بحسب تموضعه السياسي أو بحسب رغباته أو مصالحه.

وتناسى البعض أن هناك اتهامات لممثل عن الشعب اللبناني باشتراكه في أعمال شغب أو أحداث تزعزع الأمن في سورية الدولة الجارة والشقيقة التي تربطها بلبنان علاقات التاريخ والجغرافيا والسياسة والأمن والاقتصاد والثقافة وغيرها الكثير من العلاقات المتصلة بمجالات الحياة والناس التي تتجاوز بالتأكيد مصالح البعض ورغباتهم الضيقة والدنيا.

والسؤال المطروح قانونا هو: هل الاتهامات التي وجّهت إلى الجراح، إن ثبتت، تشكل إساءة للعلاقة مع سورية ومخالفة لقانون العقوبات اللبناني بالإضافة إلى مخالفة وثيقة الوفاق الوطني والاتفاقات الموقعة بين لبنان وسورية؟ وبالتالي، هل تشكل أفعالا يعاقب عليها القانون؟ أم أنها تقتصر على مجرد توجه سياسي فقط ينضوي تحت عنوان الاصطفاف السياسي لنائب يتبع تيارا ليس حليفا لسورية؟

والسؤال الذي يطرح أيضا: ماذا ينتظر القضاء اللبناني حتى يتحرك لوضع يده على هذه القضية؟ بمعنى آخر هل يمكن للقضاء اللبناني أو النيابة العامة في لبنان أن تضع يدها على هذه القضية بناء لقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبنانية؟ أم أن القضاء اللبناني يحتاج إلى إجراء ما يتخذ من جهة (كمجلس النواب اللبناني أو القضاء السوري) حتى يفعل؟

للنائب في مجلس النواب حصانة عن الأفكار التي يبديها مدة نيابته

علما أن النائب في المجلس النيابي طبقا للمادة 39 من الدستور اللبناني لديه حصانة تمنع إقامة الدعوى الجزائية عليه بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته، على أن هذه الحصانة لا تبيح له القيام بأفعال جرمية، ولكن إذا ما ارتكب جريمة ما فيجب لملاحقة النائب طبقا للمادة 40 من الدستور اللبناني الحصول على إذن من المجلس النيابي بذلك، إلا إذا كانت جريمة لها وصف "الجريمة المشهودة" (في أثناء دور الانعقاد العادي للمجلس).

سلامة: مجرد الاتهام عبر وسائل الإعلام لا يكفي لتحريك الدعوى العامة ضد النائب الجراح

للإجابة على كل هذه التساؤلات توجهنا إلى الخبير القانوني الأستاذ رشاد سلامة الذي أشار إلى انه "سواء كانت الاتهامات الموجهة إلى النائب الجراح من خلال التصريحات الصادرة عن السفير السوري في لبنان أو عبر وسائل الإعلام السورية، فإنها لا تكفي ليتحرك القضاء اللبناني في الدعوى العامة ضد النائب الجراح". واعتبر سلامة انه "رغم انه لا يمكن للقضاء اللبناني تجاهل الموضوع بشكل كلي بحسب الاتفاقية القضائية الموقعة بين البلدين فيجب عملا بنفس الاتفاقية أن يكون هناك معاملات قضائية (استنابات قضائية) صادرة عن المرجع القضائي السوري المختص، وان تقترن هذه الاستنابات باتهام مباشر ومعزز بالأدلة التي تثبت هذا الاتهام ويتم إبلاغها للسلطات القضائية اللبنانية المختصة".
"إن إبلاغ هذه الاستنابات يتم إما عبر السفارة السورية في لبنان أو عبر المجلس الأعلى اللبناني السوري (الذي لا يزال يمارس صلاحياته) أو من خلال السلطات القضائية مباشرة (من النيابة العامة السورية إلى النيابة العامة التمييزية في لبنان). وإذا تم كل ذلك فهنا يجب على القضاء اللبناني التحرك والبدء بملاحقة النائب الجراح ومن يثبت تورطه بالأعمال موضوع الاتهامات،" يقول الخبير القانوني.

سلامة: يجب رفع الحصانة عن النائب الجراح قبل ملاحقته أمام القضاء
وأوضح سلامة "ضرورة التنبه إلى موضوع الحصانات التي يتمتع بها البعض (نواب، أو وزراء، أو رؤساء أو دبلوماسيين)"، وأشار إلى أنه "في الحالة الراهنة، يتمتع النائب الجراح بحصانة نيابية يجب إما أن يتخلّى شخصيا عنها ليُخْضِعْ نفسه للملاحقة القضائية أو يجب اتخاذ إجراء معين عبر المجلس لرفع الحصانة عنه (الدستور في المادة 40 منه ينص فقط على اتخاذ إجراء هو الإذن من قبل المجلس بحق النائب الذي يرتكب جرما جزائيا قبل البدء بملاحقته)"، ويفسّر سلامة "الإذن الذي ينص عليه الدستور لملاحقة النائب المرتكب لجرم جزائي بأنه يعني رفع الحصانة عن النائب قبل ملاحقته جزائيا".

يذكر أن الرأي القانوني غير ثابت بالنسبة للأغلبية المطلوبة لرفع الحصانة عن النواب. ففيما يرى البعض أن الأغلبية المطلوبة لرفع الحصانة هي أغلبية موصوفة كما لو كانت أغلبية الثلثين، يرى البعض الآخر أن الأغلبية المطلوبة هي الأغلبية المطلقة (ما يزيد عن نصف أعضاء المجلس).

"
إن عدم رفع الحصانة عن النائب الجراح يخوله الحق بعدم حضور أي إجراء من الإجراءات حتى لو كانت في مرحلة التحقيق ولو كان التحقيق أوليا ولم يصل بعد إلى التحقيق القضائي أمام قاضي التحقيق. حتى أنه لا يمكن الطلب من النائب الجراح الخضوع لمساءلة أمام رجال الضابطة العدلية (الدرك مثلا)، اللهم إلا في حالة "الجرم المشهود" غير المتوفرة في الحالة الراهنة بالنسبة للنائب الجراح،" يقول سلامة.

سلامة: إذا ثبتت الاتهامات يكون لدينا فعل جرمي ومخالفة لوثيقة الوفاق الوطني
ولكن فيما لو ثبتت الاتهامات الموجهة للجراح وتمت المتابعة القضائية السورية للملف ووصل إلى مرحلة ملاحقة النائب الجراح وكل من يتم اتهامه، فما هي الأوصاف الجرمية لهذه الأفعال؟

"طبقا لوثيقة الاتفاق الوطني وما تضمنه حول العلاقات المميزة مع سورية وكذلك طبقا لقانون العقوبات اللبناني وما يتضمنه حول الجرائم التي تتعلق بالإساءة لعلاقة لبنان بدولة صديقة وشقيقة والإساءة إليها وإذا ثبت تورط النائب الجراح من خلال الأدلة بالاتهامات الموجهة إليه فهنا يكون لدينا إساءة إلى العلاقة مع سورية مخالفة لوثيقة الوفاق الوطني، وفعل جرمي منصوص عليه في قانون العقوبات يتعلق بتعكير صلة لبنان بدولة آخري (طبقا للمادتين 288 و289 من قانون العقوبات اللتين تتحدثان عن الجرائم الماسة بالقانون الدولي)، وفي هذه الحالة، تتصادم أو تتعارض الحصانة النيابية التي يتمتع بها النائب الجراح مع حصانة أهم بالنسبة للعلاقة مع دولة آخري وخصوصا سورية (وذلك بموجب الدستور ووثيقة الوفاق الوطني وقانون العقوبات)، يقول سلامة.

وختم الخبير القانوني بالقول: "إذا ما وصل شي مكتوب من السلطات السورية المختصة إلى القضاء اللبناني ولم يتحرك هذا القضاء، عندها يمكن للقضاء السوري التحرك بنفسه لملاحقة من يثبت تورطه في هذا المجال، لان القضاء اللبناني لم يتحرك وكان من واجبه ذلك"، مضيفا أن "القضاء السوري يمكنه حينها اتخاذ الإجراءات القضائية التي يراها مناسبة ولازمة (مذكرات توقيف أو إحضار أو حتى إجراء التحقيقات اللازمة أو البدء بالمحاكمات الغيابية)، وفي ذلك الوقت تبدأ العلاقات اللبنانية السورية في اخذ منحى آخر بما يفسره قانون العقوبات اللبناني وما ينص عليه انه تعكير لصفو العلاقات والهدوء بين البلدين، وبذلك تكون سورية تمارس حقها بحسب الاتفاقات أو القوانين للدفاع عن سيادتها وهذا يكون نتيجة لما مارسه هؤلاء من تعكير لصفو العلاقات بين البلدين نتيجة ما ارتكبوه".

النائب قاسم هاشم: الاتهامات كشفت نوابا الفريق الآخر الذي استهدف قوى المقاومة والممانعة

وعلى أمل أن لا يتم تعكير صفو العلاقات اللبنانية السورية، وفي إطار متابعة بحثنا في نفس الموضوع، استصرحنا عضو كتلة "نواب حزب البعث" النيابية في لبنان وعضو كتلة "التنمية والتحرير" النيابية النائب قاسم هاشم الذي اعتبر أن "ما تم كشفه من تورط فريق من اللبنانيين بما يحصل في سورية يؤكد نوايا هذا الفريق التي أخفاها طوال السنين لجهة استهدافه منذ العام 2005 قوى المقاومة والممانعة في لبنان وسورية بما يشكل تقاطعا لمصالح فريق لبناني داخلي مع أطراف إقليمية ودولية خدمة للأميركي والإسرائيلي ومشروعهما في المنطقة".

هاشم: ملف قضائي سوري يحضّر وسيقدم إلى القضاء اللبناني

وأضاف هاشم: "قد يتساءل البعض لماذا هذه اللغة التخوينية؟ ولكن الإجابة تأتي بأن الفريق الآخر هو الذي حدد خياراته بوضوح، وما التدخل في الأحداث الحاصلة في سورية سوى تأكيد لهذه الخيارات"، وتابع أن "ما كشف من اتهامات للنائب الجراح مستند إلى معطيات ووقائع وأدلة، وهذا ما أكده السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي..وعلى هذا الأساس يبنى اليوم ملف قضائي كامل في سورية لتقديمه إلى القضاء اللبناني، وبعد استكماله هناك كلام آخر ويبنى على أساسه المقتضى اللازم".

هاشم: أي رهان على تطورات سلبية في سورية هو رهان قاتل

"
ماذا فعل هذا الفريق في السنوات الماضية؟ ألم يوجه الاتهامات زورا وبهتانا لقوى الممانعة والمقاومة من خلال ما اسماه الاتهام السياسي؟" تساءل هاشم. "هذا الفريق هو من تورط في الاتهام سابقا والآن عاد وتورط في الأحداث وراهن على تطورات سلبية في سورية، وأية رهانات على أي أمر سلبي في سورية سيكون رهانا قاتلا يدل على أن الفريق المراهن لا يفقه شيئا في الجغرافيا السياسية والتاريخ والعلاقات بين الدول المجاورة التي تنعكس على كل المستويات بين البلدين (إيجابا أو سلبا) خصوصا في العلاقة بين لبنان وسورية".

وأسف هاشم أن " يتناسق موقف القضاء اللبناني مع موقف فريق 14 آذار الذي تغنّى بوثيقة الوفاق الوطني وما تتضمنه من إقامة علاقات مميزة مع سورية"، لافتا إلى أن "الأذى متبادل بين سورية ولبنان، فعندما يستهدف أي احد سورية فهذا يعني انه يستهدف ويعتدي على لبنان والعكس صحيح لان العلاقات بين البلدين ليست علاقات عادية وإنما علاقات متميزة ومتداخلة في كل المجالات".

وفي انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة من تطورات أو أحداث على صعيد هذا الملف، خصوصا مع اتساع دائرة الاتهامات بعد ما أظهره إلى العلن رئيس تيار "التوحيد العربي" في لبنان وئام وهاب من أموال دفعها أحد الأمراء السعوديين إلى عدة أشخاص من بينهم النائب الجراح الذي تناولتهم الاتهامات السورية، يبقى الأمل أن لا يكون هناك أي لبناني سواء أكان سياسيا أم غير ذلك متورطا أو مشاركا بأي شكل من الأشكال بما حصل أو قد يحصل في سورية، كي لا نكون قد عاملنا سورية بغير ما تستحق.

فمن منطلق حسن الجوار والأخوة التي تربط سورية ولبنان، ومن باب المصالح المتبادلة والمعاملة بالمثل يجب أن نعامل سورية بمثل ما عاملت لبنان به طوال سنوات من الدعم المستمر والوقوف دائما إلى جانبه خصوصا بوجه العدو المشترك "إسرائيل" وكل المشاريع الهادفة للنيل منه، فليس هكذا تكافأ سورية ولا كذا يرد الجميل.

ذو الفقار ضاهر  - المنار 25 نيسان 2011
                                                                         

0 تعليقات::

إرسال تعليق