(تقرير خاص في اليوم العالمي لحقوق الإنسان) (*)
في السابع من الشهر الجاري نشرت وكالة أنباء " سانا" الرسمية في سورية خبرا نقتبس منه حرفيا ما يلي : " تم اليوم الإفراج عن مئة واثني عشر معتقلا سياسيا في إطار عفو رئاسي يستند إلى نهج منفتح ومتسامح في التعامل مع هذا الملف . وسبق أن تم قبل شهر الإفراج عن عشرين معتقلا سياسيا ليصبح المجموع مئة واثنين وثلاثين معتقلا في الفترة الأخيرة . وسبق أن تم قبل شهر الإفراج عن عشرين معتقلا سياسيا ليصبح المجموع مئة واثنين وثلاثين معتقلا في الفترة الأخيرة". وسيكتشف الناس في اليوم التالي أن هؤلاء ليسوا في واقع الحال سوى من شملهم " العفو" الصادر في الصيف الماضي ، والذين تحفظت أجهزة المخابرات التي تعتقلهم ( لأنها أقوى من المراسيم وأصحابها!!) عن إطلاق سراحهم في حينه ! ومع ذلك ، بعد تسعة أيام على نشر الخبر الرسمي ، و ترحيب عدد من منظمات حقوق الإنسان به (!!) ، يقف جميع المواطنين السوريين ، وقبلهم السلطة ومنظمات الترحيب والتطبيل والتزمير، عاجزين عن تسمية إلا حوالي ثلث هؤلاء الذين " أفرج " عنهم ! ومن المؤكد أن آلاف الأسر التي فقدت أبناءها منذ سنوات طويلة في غياهب السجون لم تنم أو يهدأ لها بال منذ تسعة أيام ، لأن كلا منها يتساءل عما إذا كان ابنها مشمولا بهذا " العفو" ، فأي منها لم ير سجينها الذي تنتظره! فهل هي " حزورة "؟ وهل ما حصل خلال الأيام التسعة الماضية حلم أم كابوس!؟
من المفجع القول إنه كابوس وليس حلما أو حتى " حزورة" ؛ كابوس مستمر منذ سنين عديدة دون أن يستفيق منه الناس . ومن المفجع أكثر أن نكتشف أن النظام ، وللمرة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، ينجح ليس في تمرير لعبة قذرة وخطرة على الناس والرأي العام داخل البلاد وخارجها فحسب ، بل ـ وهذا هو الأخطر ـ ينجح في جر منظمات حقوق الإنسان السورية ، أو بعضها ، إلى مشاركته هذا السلوك اللا أخلاقي ، عبر الإدلاء بشهادة زور لصالحه ، و منحه براءة ذمة، والتصديق على صحة خطوته " التسامية ونهجه المنفتح " من خلال الترحيب بهذا " العفو " ، رغم أن جميع المرحبين ما زالوا عاجزين عن تسمية أكثر من ثلث المحررين " الوهميين " حتى ساعة طباعة هذا التقرير. علما بأن قسما منهم كان قد اعتقل حديثا ! أي بتعبير آخر " شاهد ما شفش حاجة " ! فأين هي بقية المعتقلين المحررين !؟ أليس لأصحابها أسماء ؟ أليس لهم عناوين ؟ أليس لهم أسر ؟ أليس لهم قرى أو بلدات أو مدن ينتمون إليها ؟ أين ذهبوا ؟
منذ سنوات عديدة ونحن نحذر من أن النظام يصدر مراسيم عفو خلبية ، حيث يطلق سراح من أنهى حكمه ( بغض النظر عن طبيعة "المحكمة" التي حاكمته ) ، أو حطام كائنات بشرية ، يمكن تسميتها بهذا الاسم من باب المجاز واحترام آدمية أصحابها ليس إلا . ذلك لأنهم في واقع الحال مومياءات متحركة بفعل التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له والظروف البربرية التي أحاطت باعتقالهم ، والأمراض العضالية التي فتكت بهم . ومع ذلك يتسابق " المنضالون الحقوقيون " ، أفرادا ومنظمات ، للترحيب والتهليل بـ " مراسيم العفو " هذه بدل أن يدعوا لمقاضاة القتلة والمجرمين المسؤولين عما لحق بهؤلاء خلال اعتقالهم!
ليت القضية توقفت عند هذا الحد ، أي إطلاق صفة " عفو " على من أفرج عنهم بعد أن أنهوا "أحكامهم" وفتكت بهم الأمراض وحطمهم التعذيب. القضية أبعد وأكبر وأخطر من ذلك بكثير ! إنها أبعد مما يصل إليه أي خيال، وأخطر من أن يمارسها حتى القتلة المحترفون، وأكبر مما تتفق عنه حتى أذهان الأبالسة ! ففي سورية لا يشارك الموتى في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية وحسب ، بل ويطلق سراحهم بمراسيم عفو رئاسية أيضا!؟ هل في الأمر مبالغة ؟ كلا . وإليكم حقائق أغرب من الخيال عن سلطة ظلت ، منذ العام 1991 ، أي على مدى أربعة عشر عاما ، تمارس عمليات الاحتيال على الرأي العام المحلي والدولي في قضية لا تمس المال العام أو عدد الإصابات بالإيدز أو الكوليرا كما جرت العادة ، بل أرواح البشر . هذا فيما المحتالون على غرارها في أوساط بعض منظمات حقوق الإنسان ، أو دراويش هذه المنظمات إذا ما عزونا الأمر إلى حسن نواياهم ، يطبلون ويزمرون ويهللون للقاتل وهو يدفن جثث ضحاياه بموجب ... مراسيم جمهورية:
في 17 كانون الأول / ديسمبر 1991 أصدر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد أول مرسوم " عفو عام" منذ وصوله إلى السلطة في العام 1970 . وقد شمل هذا المرسوم ـ وفق ما ذكرته في حينه صحيفة تشرين الرسمية بالمانشيت العريض على صدر صفحتها الأولى ـ حوالي ثلاثة آلاف معتقل ( 2864 معتقلا على وجه التحديد ) . ثم تلته مراسيم مماثلة على مدار السنوات اللاحقه في عهد الأسد الأب والأسد الابن ، وصولا إلى المرسوم الأخير . شيء واحد ميز جميع هذه المراسيم ، هو أنها كلها خلت من الأسماء!؟
في جميع البلدان التي تحترم نفسها ومواطنيها، بل وحتى التي لا تحترم نفسها ولا مواطنيها ، تصدر الجهات المسؤولة فيها عن تطبيق وتنفيذ مراسيم العفو ، العام منه أو الخاص ، قوائم بالمعتقلين والسجناء المفرج عنهم . ويمكن ، لمن يريد ، قراءة هذه القوائم في وزارة الداخلية أو وزارة العدل أو غيرهما ـ حسب الجهة المسؤولة . بل ويمكن للصحافة أن تحصل على هذه القوائم من مكتب الصحافة والاعلام في الوزارة المعنية بالأمر . إلا في سورية. فما من أحد يستطيع معرفة ذلك ... حتى المنجمون!
سنكتشف بعد أشهر طويلة من البحث والتحقيق أن مرسوم العفو الصادر في 17 كانون الأول / ديسمبر 1991 ، وإن هو تحدث عن 2864 معتقلا شملهم العفو ، لم يشمل في واقع الأمر إلا 781 معتقلا ( سبعمئة وواحدا وثمانين معتقلا ) . أو بتعبير آخر : إن من أطلق سراحهم فعلا ووصلوا إلى منازل ذويهم ، ليسوا إلا 781 شخصا . وهذا يعني أن 2083 ( ألفين وثلاثة وثمانين ) معتقلا لم يطلقوا أبدا ، وبقوا رهن الاعتقال ! والأمر نفسه ينطبق على مراسيم " العفو " اللاحقة .. وصولا إلى المرسوم الصادر في السابع من الشهر الجاري .
الوقاحة والاحتيال لم يقفا عند هذا الحد ، بل وصلا إلى حد إطلاق سراح المعتقلين .. مرتين . نعني إطلاق سراح كل واحد منهم مرتين ، أي بمرسومي عفو! مرتين .. نعم ، ولا تتعجبوا أو تذهلوا! ففي الصيف الماضي صدر مرسوم يقضي بإطلاق سراح 250 معتقلا . إلا أن الجهات الأمنية أطلقت 118 منهم وتحفظت على 132 لأنها لا تحتقر المواطنين وحسب ، ولا المعتقلين وفقط ، بل وحتى رئيس الجمهورية الذي يصدر أمرا وتمتنع هي عن تنفيذه ! وقد عاد هذا الرئيس ( هل نقول : الدرويش أم المستضعف أم .. المتواطئ !؟) وأصدر مرسوما جديدا أول أمس يقضي بإطلاق سراح الـ 122 أنفسهم الذين سبق وتحفظت عليهم الأجهزة الأمنية ، بعد أن كان عشرون منهم قد أطلقوا قبل فترة ... على ذمة الأستاذ هيثم المالح والجمعية السورية لحقوق الإنسان وذمة ... وكالة سانا !! وبلغة الأرقام يمكن أن يقال ما يلي : بافتراض الـ 118 قد أطلقوا فعلا ، وبافتراض أن الـ 20 ثم الـ 122 قد خرجوا فعلا ، وهذا أمر لا يستطيع أي شخص إثباته حتى الآن ، بما في ذلك السلطة نفسها ، فهذا يعني أن مجموع من أطلق سراحهم هو 250 + 132 = 382 معتقلا بموجب المرسومين ، رغم أن من أطلق سراحهم فعلا ـ بعد الأخذ بعين الاعتبار الافتراضات السابقة ـ هم 250 معتقلا !! ولكن ما المقصود بذلك كله ؟ ولماذا يلجأ النظام إلى هذه الحركات البهلوانية ؟ نعني : لماذا تلجأ السلطة إلى إصدار مرسومي " عفو " خلال بضعة أشهر يشملان المعتقلين أنفسهم !؟ ولماذا امتنعت هذه السلطة ، منذ أول مرسوم عفو أصدرته أواخر العام 1991 وحتى آخر مرسوم عفو قبل أول أمس ، عن إصدار لوائح اسمية بالمعتقلين المفترض أن مراسيم " العفو" شملتهم !؟
في تشرين الثاني من العام 2000 ، وإثر إصدار أول مرسوم " عفو " من قبل الرئيس الحالي (شمل 600 معتقل كما قيل ) بمناسبة ذكرى الانقلاب العسكري الذي جاء بالرئيس الراحل إلى السلطة ، وبينما كانت السيدة فيوليت داغر رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان تزور دمشق ، هرّب زميلنا السابق نزار نيوف معها ، من زنزانته الانفرادية في الطابق الثالث من سجن صيدنايا العسكري ، قائمة بالمعتقلين اللبنانيين الموجودين في سجن صيدنايا ، وقد نشرت " النهار" اللبنانية في حينه محتويات هذه القائمة ، مما أجبر الرئيس إميل لحود ، و رئيس الوزراء اللبناني في حينه رفيق الحريري ، والمدعي العام عدنان عضوم ( وزير العدل الحالي وصاحب ما بات يعرف اليوم بـ " العدالة العضومية " التي تقوم على قاعدة فقهية جديدة في الفقه الجنائي : ملاحقة المقتول بدلا من القاتل !!) على التراجع عن أكاذيبهم التي كانوا أطلقوها قبل ذلك بعدة أيام أمام الصحافة حول العدد الحقيقي للمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية .
ليست هذه القائمة ، على أهميتها ، موضع حديثنا ، بل الرسالة الصغيرة في حجمها ( لكن الكبيرة والخطيرة جدا في محتواها )التي حملتها السيدة فيوليت داغر ، بالإضافة إلى قائمة اللبنانيين ، من نزار نيوف إلى زوجها السيد هيثم مناع في باريس . ورغم أن هيثم كان قد أشار ، مشكورا ، إلى بعض محتوياتها في إحدى لقاءاته مع قناة " الجزيرة " ، من المفيد أن ننشر هنا وللمرة الأولى المقطع الذي يهمنا ، والذي يتعلق بموضوع تقريرنا هذا :
" عزيزي هيثم،
....
.....
من ناحية ثانية يجب الانتباه جيدا إلى التعابير التي تستخدمونها خلال الحديث عن مراسيم " العفو " . ليس هناك أي مراسيم عفو يا عزيزي . هذه كلها ضحك على الذقون . جميع من أطلق سراحهم مؤخرا [ الـ 600 معتقل] تقريبا ، كانوا قد أنهوا أحكامهم . وبعضهم من أنهى حكمه منذ عدة سنوات . ومن لم ينه حكمه بقي له في الأكثر شهر أو عدة أشهر ، أو هو على حافة القبر . والأخطر من ذلك أن جميع هذه المراسيم تصدر دون أسماء ، منذ المرسوم الصادر قبل تسع سنوات [المقصود مرسوم 17 كانون الأول / ديسمبر 1991 ] وحتى الآن . ولا أحد يستطيع أن يثبت أن الأرقام التي يجري الحديث عنها هي حقيقية فعلا . فما من أحد يعرف إلا المعتقلين في محيطه السكني أو من أبناء حزبه . وأخشى ما أخشاه أن تكون هذه لعبة قذرة من النظام للتخلص من قضية المفقودين . إذ بإمكانه أن يقول في المستقبل إن جميع المعتقلين قد أطلق سراحهم بموجب مراسيم عفو !! وإذا قال ، من يستطيع أن يدحض مزاعمه في ظل انعدام دولة القانون وبالتالي آليات التحقق !؟ لذا ينبغي مطالبة النظام بقوة ، وفي كل مرة يطلق سراح بعض المعتقلين ، بقوائم اسمية تتضمن أسماء من يزعم أنه أفرج عنهم . ينبغي التشكيك بقوة في وسائل الإعلام ، وكلما أتيح لكم ذلك ، بحقيقة أعداد من أطلق سراحهم ، من أجل إجبار النظام على نشر قوائم من هذا النوع .
ملاحظة : القوائم التي وصلت إلى فيوليت تضم اللبنانيين الموجودين في سجن صيدنايا فقط .
....
مع التحية والود
نزار " (1)
هذه الرسالة ، وعند الاتصال بزميلنا السابق نزار نيوف في مشفاه حيث يعالج من أجل أخذ رأيه في بعض الأمور الخاصة بهذا التقرير ، أصر على نشرها في صلب التقرير ، كي تكون " وثيقة يوما ما على أن هناك من حذر منذ عدة سنوات ودق ناقوس الخطر " . ونبه إلى " أن النظام يلعب لعبة قذرة بغية التخلص من قضية آلاف المفقودين ، عبر " تسريبهم " من خلال مراسيم عفو وهمية ". لكن المفجع هو أن جميع المعنيين ضربوا عرض الحائط بذلك . والأخطر من هذا ليس فقط التطبيل والتزمير لهذه المراسيم ، من قبل المنظمات التي استأمنت أنفسها على أرواح الناس وتطوعت للدفاع عنهم ، بل الكيفية التي تعاطت وتتعاطى بها هذه المنظمات مع قضية المفقودين ، السوريين منهم والعرب الآخرين . فإذ كانت هذه المنظمات قد أشارت في الماضي ، ولو من باب رفع العتب ، إلى هذه القضية ، فإن جميع المهتمين لاحظوا أن هذه القضية بدأت منذ فترة تغيب عن بيانات هذه المنظمات ونشاطاتها. حتى أن الحملة التي أطلقها مؤخرا بعض المحامين والسجناء السابقين ( كمال اللبواني ، ياسين الحاج صالح ، حسيبة عبد الرحمن ) من مقر الجمعية السورية لحقوق الإنسان ، واستهلت برسالة إلى الرئيس بشار الأسد ( ومرة أخرى يخطئون العنوان ..!!) ، غاب عنها أي ذكر لقضية المفقودين . فلا المؤتمر الصحفي الذي دشن حملتهم أشار إلى هذه القضية ، ولا الرسالة التي طالبوا الناس ( ممن يجهلون العناوين الحقيقية التي يجب أن ترسل إليها رسائل من هذا النوع !!) بالتوقيع عليها تضمنت شيئا عن هذه القضية الوطنية المفجعة !!؟؟
ولكي تكتمل لعبة التضليل بشأن قضية المفقودين ، كان لا بد من حل معضلتين هما سجن تدمر والمقابر الجماعية . فمن غير إقناع الرأي العام المحلي والدولي بأن هذا السجن قد أغلق ، لا يمكن التخلص من قضية المفقودين . على اعتبار أن هذه القضية ارتبطت بهذا السجن أكثر من ارتباطها بأي موقع آخر ، لأنه كان حتى الأمس القريب واحدا من أكثر الأماكن سرية في العالم ، ولأنه كان يضم في لحظة من اللحظات ( أيلول / سبتمبر 1987 ) حوالي تسعة عشر ألف معتقل، وبالتالي سيظل الناس يتحدثون عن وجود معتقلين في هذا السجن الجهنمي.هذا عل الرغم من أن المجزرة التي ارتكبت فيه في السابع والعشرين من حزيران / يونيو 1980 أخرجته من نطاق الأسرار منذ سنوات طويلة ، خصوصا بعد أن تم تثبيتها في ذاكرة القضاء الدولي وسجلاته هذا العام ، إثر قرار محكمة الاستئناف الباريسية في 8 نيسان / أبريل 2004 تثبيت الحكم الصادر لصالح نزار نيوف في مواجهة رفعت الأسد على خلفية المجزرة نفسها .
لذلك ، وفي سياق بحثها عن حل لهاتين المعضلتين اللتين تواجهانها على طريق طي صفحة قضية المفقودين ، عمدت السلطة إلى تسريب خبر " إغلاق " سجن تدمر صيف العام 2001 عبر بعض نشطاء حقوق الإنسان السوريين ، بالترافق مع حديثهم عن أن " آخر 137 معتقلا فيه ، وهم من المرضى العضال ، قد نقلوا إلى سجن صيدنايا آنذاك " . والغريب في الأمر ، بل والمفجع ،أن منظمات حقوق الإنسان السورية ، وغير السورية ، وبعض النشطاء والمحامين المعنيين بقضايا حقوق الإنسان ، داخل سورية وخارجها ، راحوا يرددون ببغاويا منذ ذلك الحين أن " من جملة الانفراجات التي شهدها عهد الرئيس بشار الأسد ، هي إغلاق سجن المزة وسجن تدمر " ، دون أن يكلف أحد منهم نفسه أو حتى أن يفكر بمطالبة السلطة باصطحابهم إلى السجن لمعاينته من أجل إثبات صحة هذه المزاعم . فإذا كان قد أغلق فعلا ، ما الذي يمنع السلطة من السماح للصحافة الأجنبية المستقلة ، أو حتى لشخص مثل المحامي هيثم المالح ( وهو أحد القائلين بنظرية إغلاق السجن ) ، من التأكد من ذلك على أرض الواقع !؟ ولو كان هذا صحيحا ، أما كان للسلطة أن توظف ذلك ، وهي المعروفة بديماغوجية إعلامها، في تصوير السجن وعرضه باعتباره إحدى مخلفات " الإرهاب الكولونيالي الفرنسي " الذي مورس ضد المناضلين الوطنيين السوريين !؟؟
على أي حال ، وإذا كان سجن المزة قد ثبت إغلاقه لدينا ، بالنظر لأن آخر من غادره في 13 أيلول / سبتمبر 2000 هو زميلنا السابق نزار نيوف ، حيث أعطاه مدير السجن العقيد بركات العش ( في لفتة لا تخلو من دلالة ورمزية ) مفتاح الباب ليقفله بيديه في حضرة المقدم فايز كنعان قائد دورية المباحث العسكرية الذي جاء لينقله إلى سجن صيدنايا ، وأمام العشرات من عناصر الشرطة العسكرية ، قائلا جملته الشهيرة " سجل يا نيوف ، وخبر الناس عندما تخرج ، أن هذا السجن أغلقته أنت بيديك في عهد بركات العش "(!!) كما يروي لنا الرقيب مازن سلامة من محافظة طرطوس ، وكما روى المقدم فايز كنعان والمساعد أول علي عمران والمساعد أول محمد هلال مسؤولا انضباط السجن (2)؛ نقول : إذا كان إغلاق سجن المزة قد ثبت ، فإن إغلاق سجن تدمر العسكري لا يستطيع أحد في سورية إثباته ! بل على العكس من ذلك ؛ كانت كل الدلائل بعد صيف العام 2001 تشير إلى أنه لا يزال قيد الاستخدام . وهو ما أشرنا إليه في أحد تقاريرنا قبل عدة أشهر حين تحدثنا عن أن السلطة عجزت عن توفير أماكن اعتقال لآلاف الأكراد عقب هبة 12 آذار / مارس الشعبية ، فلجأت إلى تجميع المعتقلين في الملعب الرياضي في الحسكة ، ثم إلى نقل بعضهم من " الخطرين" إلى السجن المذكور ، والأكثرية إلى دمشق . لكنها المرة الأولى التي نستطيع أن نثبت فيها أنه ما يزال قيد الاستخدام ، من خلال الحصول على قائمة ببعض معتقليه ، كما سيأتي بيانه أدناه .
المعضلة الثالثة التي كان لا بد للسلطة من حلها من أجل التخلص من قضية المفقودين ، هي قضية المقابر الجماعية القريبة من سجن تدمر العسكري . ذلك لأن اقتناع الرأي العام بوجود مقابر جماعية للمعتقلين السياسيين ، ينسف قضية مراسيم " العفو " والأرقام التي تتضمنها من جذورها . ولهذا ، حين تحدث زميلنا السابق نزار نيوف عن هذه المقابر ، عقب إطلاق سراحه وفي سياق إعلانه عن تأسيس " المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية" قبل توجهه إلى فرنسا للعلاج ، سارعت السلطة إلى نفي ذلك ، وعمدت المخابرات العسكرية إلى اصطحاب أحد عملائها من الصحفيين ( زياد حيدر ، مراسل " السفير " اللبنانية في دمشق وابن أحد الديبلوماسيين السوريين !؟) إلى المكان الذي تحدث نيوف عن وجود المقابر الجماعية فيه . وقد استطاع هذا الصحفي الجهبذ خلال عشر دقائق ، وهي الزمن الذي استغرقته زيارته في سيارة مخابرات إلى المكان ، أن " يثبت " أنه " لا وجود لأي أثر للمقابر الجماعية التي زعمها نيوف "(3) ! والغريب في الأمر أن منظمة حصيفة ورصينة مثل " اللجنة السورية لحقوق الإنسان " برئاسة سليم الحسن ، سارعت إلى الترحيب بهذه الخطوة ـ خطوة اصطحاب صحفيين إلى الموقع . وذلك دون أن تكلف نفسها بطرح مجرد تساؤل عن هوية الصحفي الذي قام بالمهمة ، ومن يكون ؛ ودون أن تطالب بأن يكون أمر التثبت من وجود المقابر متاحا أمام منظمات حقوق الإنسان والصحفيين الأجانب المستقلين ، وهو ما كان تطرق إليه قبل ذلك بحوالي أسبوعين من الشهر نفسه مراسل الإندبندنت البريطانية في بيروت ( روبرت فيسك ) الذي كتب ، في سياق اللغط الذي أثارته تصريحات نيوف عن المقابر الجماعية ، تقريرا لصحيفته حول ذلك ، مؤكدا صحة كلام نيوف ، ومضيفا إليه كشفا آخر هو المقابر الجماعية التي تضم الجنود اللبنانيين الذين قتلوا ، وهم أسرى في أيدي الجيش السوري ، بعد اجتياح القوات السورية لمقر رئيس الوزراء العماد ميشيل عون !!
الأهم من ذلك كله ، كيف لم يخطر في بال منظمة حصيفة كاللجنة السورية لحقوق الإنسان ، ( ولا داع للحديث عن المنظمات الأخرى ، فهذه " لا في العير ولا في النفير" حين يتعلق الأمر بهكذا قضايا) ، أن تطرح تساؤلا هاما جدا يتعلق بما إذا كان بمقدور صحفي واحد أو حتى ثلاثة ، ولو منحوا أسبوعا كاملا وليس عشر دقائق وحسب ، التحقق من وجود مقابر جماعية لمئات أو آلاف الأشخاص !؟ أهمية هذا التساؤل لا تتبين إلا حين نعرف أن التحقق من أي مقبرة جماعية ، حتى وإن كانت لا تضم إلا بضعة ضحايا، تحتاج إلى فريق كامل من المحققين المدعومين بخبراء في الطب الجنائي ( أطباء شرعيين ) ومعدات حفر وتجهيزات .. الخ . والواقع كان على هؤلاء الزملاء أن يطرحوا سؤالا واحدا فقط : هل نقّب زياد حيدر في الأرض بقلم " البيك " الذي يستخدمه في كتابة تقاريره الكاذبة ، أم بحش في الأرض بقدميه على طريقة الدجاج !؟
سوف تتحدث تقاريرنا ، وتقارير غيرنا ، اعتبارا من الخامس عشر من الشهر نفسه عن أن المخابرات السورية عمدت ، بعد أن فضح نيوف أمر هذه المقابر (من داخل البلاد ، وليس من خارجها ، وهنا أهمية ذلك ) إلى نقل محتوياتها ليلا بواسطة الجرافات والشاحنات إلى مناطق أخرى في البادية السورية وسط حراسة أمنية مشددة . ومع هذا ظل خوف السلطة قائما ، بالنظر إلى إمكانية الكشف عن هذه المقابر ، حتى بعد نقلها وتوزيعها إلى عدة أماكن في البادية ، إذا ما توافرت المعدات العلمية الضرورية . ولذلك عمدت صيف العام الماضي ، وبعد افتضاح أمر مقابر صدام حسين ، إلى نبش هذه المقابر في أماكنها الجديدة ، ثم طحن محتوياتها من الهياكل العظمية بواسطة الكسارات المستخدمة لطحن الحجارة من أجل الحصول على الرمال اللازمة لمواد البناء ، ومن ثم تذرية نواتجها على امتداد عشرات الهكتارات في البادية ، بحيث لا يمكن العثور على آثارها مستقبلا حتى بالمجهر ! ولكن فات هذه السلطة أن الطب الجنائي أصبح يمتلك من المعدات والتجهيزات ما يسمح له بتحديد حتى المرض الذي قضى به الفرعون توت عنخ آمون قبل ثمانية آلاف سنة ، وهو ما جرى يوم أول أمس بالضبط في القاهرة.. يا للمصادفة ! ولا يحتاج الأمر إلا لمنظمات حقوق إنسان شجاعة ، ونشطاء شجعان معنيين بمصير الآلاف من ضحايا أبناء شعبهم .. أكثر مما هم معنيون بكتابة البيانات المهللة لمراسيم عفو وهمية تطلق سراح الموتى والمفقودين وتبقي على الأحياء في أقبية المعتقلات السرية !!
ولهذا السبب ، ولأنه " على قدر أهل العزم تأتي العزائم " ، كان لا بد من أن نواصل بحثنا ، ولو بمفردنا ، من أجل إجلاء الحقيقة . وهذا ما كان على مدار الأشهر الماضية مهمة الزملاء والأصدقاء من الجنود المجهولين الذين نذروا أنفسهم للقضايا الكبرى بعيدا عن ضجيج وجعجعة ساحة عرنوس وساحة الشهبندر اللذين لم يأتيا لا بالدقيق .. ولا حتى بالغبار![/hide-show]
المعتقلات السرية في سورية نافذة أخرى لمعرفة مصير المفقودين
بخلاف ما هي عليه الحال في الأنظمة الديمقراطية ، بل وحتى الأنظمة الشمولية والفاشية كالنظام العراقي السابق ، تتميز أجهزة المخابرات في سورية بكونها " دويلات أو ممالك متعددة" داخل الدولة الواحدة يقود كلا منها أو " يملكه " ، بقوة الأمر الواقع ، مملوك حاكم بأمره . ورغم وجود " مكتب الأمن القومي " كقيادة سياسية عليا لأجهزة المخابرات الأربعة ( العسكرية ، والجوية ، والسياسية ، وأمن الدولة /المخابرات العامة) وأركان الجيش ، مهمته التنسيق بين عمل هذه الجهات ، فقد ظل " الحكم الذاتي" الذي تتمتع به هذه الأجهزة واحدا من المعالم الرئيسية للنظام . وذلك بالضبط لأن منشئه وصانعه ، الرئيس الراحل حافظ الأسد ، أراد له أن يكون كذلك ، على اعتبار أن هذا الشكل هو الأفضل والأنسب بالنسبة لطاغية لا يمكن له أن يحكم ويستمر ويؤبد إلا إذا كان جميع أركانه نظامه على درجة كبيرة من الضعف ، بذاتهم ، وعلى درجة كبيرة من القوة بالنسبة لبعضهم البعض . وقد خلف هذا الوضع ، ولا يزال ، نتائج كارثية في مجال الاعتقال والملاحقة لأسباب سياسية يعرفها جميع السوريين . ويكفي تدليلا على ذلك أن المعتقل يمكن أن يكون مطلوبا من قبل الأجهزة الأربعة للسبب نفسه ، لكن أيا منها ليس معنيا بالآخر . إذ يمكن أن يعود أي جهاز لاعتقال السجين بعد إطلاق سراحه من قبل جهاز آخر وللسبب نفسه . وأبرز واقعة سافرة على ذلك هي واقعة اعتقال الشاعر السوري فرج بيرقدار (عضو المكتب السياسي السابق في حزب العمل الشيوعي) بعد عدة أيام من إطلاق سراحه، إثر 14 عاما من الاعتقال وبضعة أعوام من الملاحقة ، من قبل جهاز أمن آخر كان قد أصدر بحقه مذكرة اعتقال منذ حوالي عشرين عاما للسبب نفسه! وكان لا بد أن يمكث مرة أخرى رهن الاعتقال ، في مدينة أخرى ، ولعدة أيام ، حتى تتصل " الأجهزة / الدويلات " فيما بين بعضها البعض وتزيل " اللبس"!؟؟ ومعظم المعتقلين ، إن لم يكن كلهم ، يعرفون أنه كثيرا ما فقد سجناء وضاع مكان اعتقالهم، ليكتشف الجهاز المعني بعد فترة أنهم معتقلون في المكان الفلاني !
هذه المقدمة كانت أمرا لا بد منه للقارئ كي يستطيع الاقتناع بحقيقة أن فروع المخابرات وأماكن الاعتقال السورية لا تختلف كثيرا عن " مغارة علي بابا" ؛ وكي يستطيع أن يتصور أن الكثير من هذه الأماكن والفروع لا يزال مجهولا بالنسبة للناس .. بل وحتى بالنسبة لبعض العاملين في أجهزة المخابرات السورية الأخرى نفسها. وإذا كانت جميع فروع المخابرات العسكرية وأمن الدولة ( المخابرات العامة) ، وجميع أماكن الاعتقال التابعة لهما تقريبا ، قد أصبحت معروفة بالنسبة للعاملين في الشأن العام ، بالنظر لأن هذين الجهازين أنيطت بهما العمليات الأساسية لقمع المعارضة على مدى ثلاثين عاما ، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمخابرات الجوية . فهذا الجهاز الذي يعتبر ، وفق معايير عديدة ، أكثر رعبا ودموية حتى من المخابرات العسكرية ، لم يعرف عنه الضلوع السافر و اليومي والمنهجي بملاحقة المعارضين واعتقالهم والتنكيل بهم ... إذا لم يكن نشاط هؤلاء داخل إطار سلاح " القوى الجوية والدفاع الجوي " نفسه. إلا أن هذا لم يمنع الرئيس حافظ الأسد ، في حالات معينة ( ولأسباب تتصل أحيانا بصراع الأجهزة فيما بينها وبسياسته في ضبط إيقاع هذا الصراع ) ، من أن يكلف هذا الجهاز بملف معين بين فترة وأخرى ، كملف حزب التحرير الإسلامي على سبيل المثال لا الحصر ، أو ملف بعض العمليات الخاصة خارج سورية ، كالاغتيالات السياسية ( اغتيال الصحفي الأردني ميشيل النمري في اليونان ، ومحاولة اغتيال أكرم الحوراني في باريس ..) وأعمال النسف والتفجير ( نسف مقر مجلة " الوطن العربي" و تفجير شارع ماربوف في باريس ...) . الأمر الذي كان يشرف عليه قائد هذا الجهاز ، اللواء محمد الخولي ، ورئيس مكتبه العقيد هيثم سعيد . كما ولعب فيه دورا هاما في مرحلة من المراحل العقيد مفيد حمّاد ، نسيب اللواء الخولي(5) .
ومن المؤكد أن ملف اختبار الأسلحة البيولوجية والكيميائية على العشرات من المعتقلين السياسيين في معتقل "خان أبو الشامات"، الذي كشف عنه نيوف في مقابلة إذاعية صيف العام الماضي، يبقى الملف الأخطر والأضخم الذي أنيطت مهمة تنفيذه بهذا الجهاز على صعيد سحق المعارضة، أو على صعيد الأمن الوطني بمعناه الدقيق (لا بمعناه السلطوي) ، وهو ما يقع خارج اهتمامنا . وقد كان من اللافت في حينه للمواطنين السوريين أن موقع " الرأي " التابع للحزب الشيوعي السوري ( بقيادة رياض الترك) ، وهو موقع غير ممنوع في سورية ، نشر المقابلة حرفيا ودون أي تحرير . ومع ذلك لم تقم السلطة بحظره ، ولا بردة فعل سلبية أو إيجابية إزاء ذلك !!؟
وبسبب الوضع الخاص لهذا الجهاز ، فقد بقيت معتقلاته إحدى الأسرار الكبرى في سورية . ومن المؤكد أن أول مكان اعتقال تابع لهذا الجهاز تتم تسميته وتحديده هو موقع " خان أبو الشامات" المشار إليه أعلاه . إلا أنه ظل من العسير والعسير جدا اختراق الستار الحديدي الهائل السماكة الذي يحيط بسريته ، بحيث أنه كان من المتعذر الحصول ولو على اسم واحد من ضحاياه ومعتقليه . إلا أن اليأس لم يتسرب إلى نفوسنا . وقد جاءت محاولة البحث التي قمنا بها ، على مدار أكثر من تسعة أشهر متواصلة، بنتيجة أولية يمكن اعتبارها خطوة هائلة ولو نسبيا على طريق تفكيك أسرار وألغاز معتقلات هذا الجهاز. وإذا كان أصبح بالإمكان الوصول الآن إلى جميع مراكز الاعتقال التابعة للمخابرات الجوية تقريبا، فإن ثلاثة منها فقط كان بالإمكان معرفة بعض المعتقلين فيها :
أولا ـ معتقل "خان أبو الشامات": يقع هذا المعتقل بالقرب من قاعدة الضمير الجوية شمالي شرق دمشق، وتحديدا من الجهة الشرقية. وقد أخذ اسمه من قرية "خان أبو الشامات" القريبة منه. ويمكن الوصول إليه عن طريق يتفرع من الطريق الدولي المؤدي إلى بغداد ، وكذلك من القاعدة الجوية المذكورة نفسها . ولا توحي الأبنية " المتواضعة " الظاهرة فوق الأرض، وسط مساحة كبيرة محاطة بالأسلاك الشائكة العالية، بوجود شيء ذي أهمية هنا. ذلك لأن جميع أبنيته تقريبا تقع تحت الأرض ، ويمكن الوصول إليها بأحد شكلين بعد الدخول من الباب الرئيسي للموقع والمسير لحوالي 2 كم : بواسطة مصاعد كهربائية ، أو عن طريق منحدر يبدأ ببوابة كبيرة متحركة كهربائيا على سكة معدنية . وبالنظر لأن محيط السور الشائك يقدر بحوالي 11 إلى 13 كيلو مترا ، وعدم إمكانية الاقتراب من المكان بسبب الحراسات الأرضية والبرجية المشددة ، فإن الأبنية المشار إليها تبدو باهتة حتى وإن نظر إليها من أقرب نقطة مسموح الاقتراب منها. وذلك إلى حد أنه حتى الصور ، التي قام أحد زملائنا بالتقاطها بكاميرا ـ زوم من نقطة بهذه المواصفات ، بدت غير واضحة أبدا ، وأشبه ببقع داكنة وسط مساحة صحراوية من الفراغ لا حدود لها . وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن متوسط محيط المكان هو 12 كيلو مترا ، وأن الأبنية الظاهرة فوق الأرض تقع في المنتصف ، فإن هذه الأبنية تبعد عن السور ( بحساب رياضي نشتق بواسطته بعد نقطة من قوس دائرة عن مركزها بدلالة محيطها المعلوم ) ما يقارب 2 كم .
يعود الفضل في الكشف ، للمرة الأولى ، عن هذا المكان للعميد الركن عصام غالب أبو عجيب ، حامل وسام بطل الجمهورية عن إنجازاته كقائد كتيبة صواريخ كفادرات (سام6 المحمولة على عربات مدرعة ) في حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973 . وذلك حين لقائه بزميلنا السابق نزار نيوف في سجن صيدنايا العسكري ( للمرة الأولى بعد حوالي عشر سنوات من تعارفهما الأول في اللواء 55 عام 1983 ) . وقد كان مضى على اعتقاله حوالي ثلاث سنوات في زنزانة انفرادية في فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية الكائن آنذاك في مطار المزة العسكري بقيادة العميد علي مملوك (6) . وكانت معرفته باختبار الأسلحة البيولوجية على المعتقلين السياسيين في هذا الفرع ، وموقفه الاحتجاجي الرافض بكل شجاعة وإباء لهذه الجريمة النكراء ، السبب الرئيسي لاعتقاله ووفاته بعد ست سنوات من الاعتقال بما يشبه عملية " التصفية " . وقد رحل عن هذه الدنيا دون أن يعرف أحد من أفراد أسرته سبب اعتقاله . وهذه هي المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن ذلك (7) .
وإذا كان " المجلس" سباقا في الكشف للمرة الأولى عن قضية اختبار الأسلحة البيولوجية والكيميائية على العشرات من المعتقلين السياسيين في هذا الفرع ، من خلال مقابلة أجرتها إذاعة مرحبا لبنان مع زميلنا السابق نزار نيوف قبل اعتزاله العمل العام ، وأعاد نشرها موقع تيار (8) ، فإنه لم يستطع في حينه الوصول إلى أي اسم من أسماء الضحايا الذين حولهم النظام إلى فئران لاختباراته الإجرامية هذه . واليوم فقط نستطيع أن نورد قائمة ببعض هؤلاء الضحايا ، الذين قضوا منهم والذين لم يزالوا في الفرع المذكور ولا يستطيع النظام الإفراج عنهم لا أحياء ولا حتى في التوابيت ، لأنها ستكون شاهد الإثبات الكافي وحده ، خصوصا الآن ، ليجعل مصيره كمصير النظام العراقي .
تبقى ملاحظتان هامتان جدا بشأن قضية اختبار الأسلحة البيولوجية والكيميائية على معتقلي "خان أبو الشامات"، وهي :
أولا ـ جميع من أجريت عليهم هذه الاختبارات هم من المحكومين بالإعدام (هناك معطيات تفيد بأن بعضهم محكوم بالسجن المؤبد ، ولكن لم نستطع التأكد من ذلك)؛
ثانيا ـ كل من أجريت عليهم هكذا اختبارات ( ويقدرون حتى الآن بحوالي ثلاثمئة معتقل ) كان يوقعون في البداية ( طبعا بالقوة وليس بإرادتهم ) نصا يتضمن فحوى الإقرار التالي :
" أنا الموقع أدناه ( فلان الفلاني ) ، وبالنظر لكوني محكوما بالإعدام على الجرائم التي ارتكبتها بحق وطني وأبناء شعبي ، وأود أن أقدم خدمة لهم وللتطور العلمي في وطني قبل مغادرتي الحياة الدنيا تكفيرا عن جرائمي بحقهم ، أوافق ، بملء إرادتي ودون إكراه ، على أن أهب جسدي لصالح وزارة الصحة السورية ومؤسساتها العلمية ، من أجل اختبار الأدوية والعقاقير الطبية التي تنتجها هذه المؤسسات قبل إقرار صلاحيتها وتوزيعها على المستهلكين . ولا تتحمل الوزارة أي مسؤولية مادية أو معنوية عن أي نتيجة أو أذى شخصي ينجم عن ذلك في المستقبل ..." !
وهكذا ، فإن أي تحقيق يمكن أن يجرى مستقبلا ، سوف لن يرى جريمة في ذلك تقوم بها السلطة وأجهزة المخابرات ، وإنما عملا " تطوعيا بطوليا نبيلا " من قبل معتقلين لم يشأوا مغادرة الحياة الدنيا قبل أن يفيدوا وطنهم وشعبهم ! وقد استطعنا الحصول على نماذج من هذه " الإقرارات " الشخصية ، إحداها للسجين الفلسطيني السابق عبد المجيد زقموت . إلا أننا لم نشأ نشرها قبل التأكد التام من دقتها وصحتها . وهذا يجري بالتعاون مع أهالي الضحايا لمعرفة ما إذا كانت هذه الخطوط والتوقيعات التي تتضمنها هي فعلا لأصحابها المذكورين وليست مزيفة . وهذا ما يحتاج لوقت طويل نسبيا ، ويستلزم إجراءات معقدة ( أهمها الاتصال بذويهم) لا يمكن إنجازها ببساطة . وسوف نعمل على نشرها فور التثبت من صحتها .[/size]
قائمة ببعض أسماء
ضحايا اختبارات الأسلحة البيولوجية والكيميائية
في معتقل خان أبو الشامات
( أحدث تاريخ تعود إليه المعلومات الواردة أدناه هو15 تشرين الثاني / نوفمبر 2004 )
1ـ بطرس خوند : لبناني بنتمي إلى حزب الكتائب . تشير المعلومات المتوفرة إلى أن حزب الله اللبناني اختطفه أواسط أيلول / سبتمبر 1992 و سلمه إلى المخابرات السورية بتاريخ 2 تشرين الأول / أكتوبر من العام نفسه . وكانت هذه المعلومات تشير إلى أنه في عهدة المخابرات العسكرية السورية . إلا أن آخر المعلومات تشير إلى أنه نقل من مقر قيادة المخابرات الجوية إلى معتقل خان أبو الشامات منذ شهر نيسان / أبريل 1997؛
2 ـ جوني ناصيف: عسكري لبناني . كان في سجن المزة العسكري ، ثم نقل إلى فرع التحقيق في المخابرات الجوية الكائن في مطار المزة العسكري. ونقل مرة أخرى إلى فرع خان أبو الشامات أواخر التسعينيات (لا يعرف بالضبط متى حصل ذلك)؛
3 ـ جون نخلة : عسكري لبناني . كان في فرع خان أبو الشامات حتى أواخر شهر آب / أغسطس 1998. ولم يعد يلاحظ وجوده هناك منذ ذلك التاريخ . ولا يعرف ما إذا كان توفي أو نقل إلى مكان آخر؛
4ـ أنطون زخور : لبناني . نقل من سجن المزة العسكري بتاريخ 27 تشرين الأول / أكتوبر 1990 إلى فرع التحقيق في المخابرات الجوية بمطار المزة العسكري . ومكث هناك حوالي شهرين، ثم نقل مجددا إلى فرع خان أبو الشامات . وآخر مشاهدة له في هذا الفرع كانت في شهر أيار / مايو 1999؛
5ـ حسان الآغا: فلسطيني. معتقل منذ العام 1979 بتهمة الانتماء لجهاز " الأمن الغربي" في حركة فتح ، وبأنه استخدم موقعه في هذا الجهاز لتمرير مساعدات لوجستية للإخوان المسلمين في صراعهم مع السلطة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات . نقل من " فرع التحقيق " في المخابرات الجوية ، الكائن في مطار المزة العسكري بتاريخ 23 حزيران / يونيو 1999 إلى فرع خان أبو الشامات ؛
6ـ جمال صباغ : سوري ، تيار إسلامي . اعتقل من قبل فرع المخابرات الجوية في المنطقة الشمالية (مركزه حلب) في العام 1981 ، ونقل إلى سجن تدمر . ثم نقل في العام 1983 إلى " فرع المخابرات الجوية في المنطقة الوسطى " (حمص) بناء على طلب العميد عبد الكريم النبهان من أجل إجراء تقاطع معلومات بينه وبين المعتقل رضوان سليخ ، ثم أعيد إلى سجن تدمر بعد ذلك ، ومنه إلى فرع خان أبو الشامات في حزيران / يونيو 1985؛
7ـ رضوان سليخ : سوري ، تيار إسلامي . اعتقل من قبل فرع المخابرات الجوية في المنطقة الوسطى في العام 1980 ، ونقل إلى فرع التحقيق في المخابرات العسكرية بدمشق (248) ، ثم نقل من هناك إلى سجن تدمر . ونقل مرة أخرى إلى فرع المخابرات الجوية في المنطقة الوسطى لمواجهته بجمال صباغ ، ثم نقل إلى فرع خان أبو الشامات في حزيران / يونيو 1985 . وتفيد المعلومات المتوفرة بشأنه أنه توفي في العام 1989 متأثرا بغاز السارين، إلا أن هذه المعلومة غير مؤكدة ؛
8ـ محمد السقا : سوري تيار إسلامي . اعتقل من قبل فرع المخابرات الجوية في المنطقة الوسطى في العام 1981 . ونقل إلى فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية في مطار المزة . ومن هناك إلى سجن تدمر ، ثم إلى فرع خان أبو الشامات في حزيران / يونيو 1985 ؛
10 ـ عبد القادر سراقبي : سوري ، بعث قيادة قومية ( عراق) . اعتقل في العام 1977 من قبل المخابرات العامة ، ونقل إلى الفرع 285 ( فرع التحقيق في المخابرات العامة ) بدمشق / دوار كفر سوسة . ومن هناك إلى تدمر بتاريخ 15 نيسان / أبريل 1981 . وفي حزيران / يونيو 1985 إلى فرع خان أبو الشامات . هناك معلومات شبه مؤكدة بأنه توفي متأثرا بغاز السارين صيف العام صيف العام 1989؛
11ـ بسام الصباغ : فلسطيني يعمل مترجما في إسبانيا . استدرج في العام 1990 من قبل العقيد هيثم سعيد ، مدير مكتب محمد الخولي ، إلى دمشق بحجة الاستعانة به في ترجمة وثائق تاريخية هامة عن الحقبة الأندلسية . وكان الاستدراج عبر موظف في وزارة الثقافة السورية. وهو متهم بزيارة السفارة الاسرائيلية في مدريد والتعامل معها بقصد التجسس!؟
12 ـ حاتم زريقات : أردني من مواليد 1938 . له علاقة وثيقة بسورية كبلد . إذ إنه انتمى لحزب البعث فيها منذ الستينيات ، واعتقل آنذاك لمدة عامين على خلفيةالصراع بين أجنحة البعث ، ثم غادرها وعاد إليها ليقطن مدينة حمص في أواسط السبعينيات ، حيث عمل مدرسا وصاحب محل لبيع أشرطة الفيديو والكاسيت . اعتقل في 3 آذار / مارس 1981 بتهمة " إيصال معونات مالية من النظام العراقي إلى المعتقلين السوريين الموالين لصدام حسين . وقد زارته زوجته في سجن تدمر عدة مرات بمساعدة اللواء غازي كنعان يوم كان رئيسا لفرع المخابرات العسكرية بحمص . وكانت آخر زيارة لهم في هذا السجن في العام 1981 . ومنذئذ انقطعت أخباره .
خلال شهر أيلول /سبتمبر الماضي ، وفي سياق جولته التحقيقية في الأردن لجمع معلومات عن المفقودين الأردنيين في سورية من ذويهم ، التقى زميلنا السابق نزار نيوف شقيقه فواز زريقات في منزل توجان الفيصل بعمان . وقد أخبره بأن معلومات من سجناء سابقين وصلتهم تفيد بأن شقيقه قتل تحت التعذيب في سجن تدمر أواسط الثمانينيات . وكان سجان سابق في تدمر أخبرنا بأن حاتم زريقات قتل بيد ضابط أمن السجن آنذاك نزيه إبراهيم (أبو فادي). إلا أن التحقيقات التي أجريناها أظهرت أنه نقل من سجن تدمر إلى " فرع خان أبو الشامات" في حزيران / يونيو 1985 . وتجدر الإشارة إلى أن السيد زريقات رفض إعطاء الزميل نزار نيوف وكالة لملاحقة خاطفي أخيه أمام القضاء الدولي بحجة " أن سورية تتعرض الآن لضغوط من قبل أميركا ، وهو لا يريد أن تكون قضية أخيه عاملا في الضغط على سورية". إلا أن مسؤولا أردنيا كبيرا أبلغ الزميل نزار "أن فواز زريقات قبض ثمن دم أخيه من النظام السوري، مثلما قبض من النظام العراقي سابقا. إذ إن اسمه في رأس قائمة جماعة كوبونات النفط"!؟
13 ـ نهيد درويش: ضابط طيار حربي سوري . اعتقل في العام 1982 . وبعد فترة التحقيق في " فرع التحقيق " في المخابرات الجوية في مطار المزة ، نقل إلى سجن المزة العسكري . ومن هناك جرت إعادته إلى المخابرات الجوية ، حيث نقل إلى فرع خان أبو الشامات ؛
14 ـ وسيم أبو حسن : سوري من محافظة السويداء ، كان يعمل في الخدمات الفنية الأرضية بمطار دمشق الدولي . اتهم بالعلاقة مع تنظيم البعث ( جناح العراق ) . اعتقل من قبل العميد علي عباس مملوك رئيس فرع التحقيق بالمخابرات الجوية في العام 1985 . ونقل في العام التالي إلى فرع خان أبو الشامات؛
15 ـ تحسين سعد الدين: سوري ، نقيب طيار حوامات من تعداد اللواء 82 في مرج السلطان . اعتقل في العام 1982 من قبل المقدم ( آنذاك) عز الدين اسماعيل رئيس فرع ( المعلومات ؟؟ ) في المخابرات الجوية في بلدة حرستا( سيأتي الحديث عن هذا الفرع لاحقا) ، ثم نقل إلى فرع التحقيق في المخابرات الجوية ، ثم إلى فرع " خان أبو الشامات " في حزيران / يونيو 1985 ؛
16 ـ أسامة هاشمي : سوري . اعتقل من قبل الرائد أليف الوزة في فرع أمن الدولة (المخابرات العامة) بحلب العام 1980 ، ونقل إلى الفرع 285 (فرع التحقيق في نفس الإدارة) بدمشق في أواخر العام المذكور . وبقي هناك حتى العام 1985 حين جرى نقله إلى فرع خان أبو الشامات؛
17 ـ عطا درويش: سوري، ضابط طيار . اعتقل في العام 1980 في حلب من قبل فرع المخابرات العسكرية، وجرى نقله في العام 1982 إلى فرع التحقيق في المخابرات الجوية بدمشق لإجراء تقاطع في التحقيق بينه وبين الطيار تحسين سعد الدين الذي كان اعتقل للتو؛
18 ـ جوزيف جوابرة: سوري من مدينة بصرى جنوبي سوريا. اعتقل في العام 1982 بتهمة الانتماء لحزب البعث (تنظيم العراق) . نقل في البداية إلى الفرع 235 (فرع فلسطين) في المخابرات العسكرية، ثم إلى تدمر في العام 1983 ، ثم إلى فرع " خان أبو الشامات" صيف العام 1985؛
19 ـ د. جورج حنا: لبناني ، أستاذ في الجامعة اللبنانية. اختطف في أيلول / سبتمبر 1985 من قبل الحزب القومي السوري وسلم إلى المخابرات السورية في لبنان، وجرى نقله بعد ذلك إلى الفرع 235 (فرع فلسطين) في دمشق ثم نقل إلى تدمر بعد أقل من شهرين، لينقل من ثم إلى فرع خان أبو الشامات مطلع العام 1986؛
ثانيا ـ مقر قيادة " إدارة المخابرات الجوية " الجديد : في إطار تحويلها من " شعبة " ملحقة بقيادة القوى الجوية والدفاع الجوي إلى " إدارة " قائمة بذاتها ، وما ينطوي عليه هذا التحويل من أبعاد إدارية وأمنية وأخرى تتصل بالمخصصات والميزانية المالية ، جرى نقل الإدارة من مقرها القديم الكائن خلف فندق الميريديان بدمشق ، أي في البناء المعروف تاريخيا باسم "آمرية الطيران"، إلى بناء حديث عند أطراف حي باب توما بدمشق . وتحديدا في الشارع المتفرع من ساحة التحرير والمؤدي إلى الحي المذكور .
في هذا البناء ، وبالإضافة إلى الطوابق الظاهرة منه ، ثمة عدة طبقات تحت الأرض تتوزع إلى مكاتب تحقيق وأقسام إدارية وإلكترونية . وتحتها مباشرة يقع معتقل يضم عدة مهاجع (زنازين كبيرة ) يتسع الواحد منها ، في الحالة الطبيعية ودون اكتظاظ ، لحوالي 12 ـ 15 سجينا. هذا بالإضافة لأكثر من ثلاثين زنزانة انفرادية أبعاد كل منها 80 × 200 سم. وبالنظر لحركة نقل المعتقلين من وإلى هذا المعتقل مؤخرا ، كان من الصعب تحديد العدد الحقيقي لنزلاء هذا المعتقل . إذ وفي إطار إنهاء تواجد فرع التحقيق العائد للمخابرات الجوية الكائن في مطار المزة العسكري (بعد قرار تحويله إلى مطار مدني وتأجيره لشركة التاكسي الجوي التي يعمل رامي مخلوف على إنشائها) ، فقد جرى نقل العشرات من نزلائه وتوزيعهم إلى معتقلات المخابرات الجوية الأخرى، ومنها "معتقل مقر القيادة" الذي نحن بصدده .
قائمة ببعض معتقلي
مقر قيادة إدارة المخابرات الجوية بدمشق
( أحدث تاريخ تعود إليه المعلومات الواردة أدناه هو15 تشرين الثاني / نوفمبر 2004 )
1ـ فرحان يوسف الزعبي: سوري ، ضابط سابق . من مواليد درعا في سورية العام 1942 . أسر في الأردن أثناء التدخل السوري ، وبقي هناك حتى أيلول / سبتمبر 1974 حيث سلم إلى المخابرات السورية . ومن المعلوم أن أول من كشف قضيته هو " المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية " وقاد حملة دولية من أجله . ويعتبر أقدم سجين سياسي في العالم . آخر معلومات موثقة كنا تلقيناه حوله هو وجوده في تموز / يوليو 1999 في زنزانة انفرادية في فرع الضباط 293 بمقر قيادة شعبة المخابرات العسكرية الجديد في البرامكة ( أول طريق كفر سوسة ، خلف بناء الجمارك ) . وكان قبل ذلك في مقر قيادة الشعبة القديم في الأركان العامة بجانب فندق الميريديان . إلا أن المعلومات الأحدث التي تلقيناها عنه تفيد بأنه موجود الآن في مقر قيادة المخابرات الجوية الجديد . وسوف ينشر " المجلس " قريبا بيانا خاصا بشأنه ، يتضمن نتائج زيارة التقصي التي قام بها أحد زملائنا إلى الأردن في أيلول / سبتمبر الماضي ولقائه ببعض المسؤولين الأردنيين المدنيين والأمنيين في سياق متابعة قضيته ، وما دار بشأنه من نقاش خلال اجتماع وفدي الداخلية الأردنية والسورية بشأن إعادة ترسيم الحدود . إذ من الواضح أن ثمة صفقة أبرمت بين الطرفين حول قضيته ؛
2 ـ سليمان خليل (رجل دين لبناني مسيحي) : اختطف (مع زميله رجل الدين ألبير شرفان) من قبل الجيش السوري من الكنيسة التي يخدمها خلال عملية الاجتياح التي نفذها للقضاء على حكومة العماد ميشيل عون في 13 تشرين الأول / أكتوبر 1990 . ونقل من هناك إلى مقر المخابرات السورية في عنجر ، ثم إلى 235 في دمشق ، ثم إلى سجن تدمر حيث بقي فيه حتى مطلع العام 1993 ، لينقل بعدها إلى مقر قيادة المخابرات الجوية بدمشق ؛
3 ـ ألبير شرفان (رجل دين لبناني مسيحي) : نفس المعطيات المتعلقة بزميله المذكور آنفا؛
4 ـ هاني عبيدات : أردني مواليد 1954 . اعتقل في نيسان / أبريل 1986 من قبل الفرع 251 (الفرع الداخلي في المخابرات العامة بدمشق) ، بينما كان يعمل سائقا على خط دمشق ـ عمان . واتهم بأنه يعمل لصالح قريبه رئيس المخابرات الأردنية آنذاك أحمد عبيدات . ثم نقل إلى الفرع285 (فرع التحقيق في المخابرات العامة ) بعد حوالي أسبوع ليصار إلى نقله في فبراير / شباط من العام 1987 إلى المخابرات الجوية . وبخلاف المعلومات المتداولة في الأردن ( والتي سمعها أحد زملائنا خلال زيارته لأهله في إربد) ، لم يذهب إلى تدمر؛
5 ـ وفاء عبيدات : أردنية . طالبة طب أسنان بجامعة دمشق . شقيقة هاني عبيدات المذكور آنفا . اعتقلت مساء 17 تشرين الأول / أكتوبر 1986 من قبل الفرع 251 في المخابرات العامة بعد أن استدرجت إلى كمين نصبته إحدى الطالبات من زميلاتها تتعاون مع الفرع المذكور. وهي متهمة بالتهمة نفسها التي وجهت لشقيقها . وبعد التحقيق معها من قبل العقيد تركي حامد علم الدين سلمت إلى الفرع 285 في منطقة كفر سوسة ، ثم إلى المخابرات الجوية في فبراير / شباط 1987 . وبخلاف المعلومات المتداولة في الأردن ( والتي سمعها أحد زملائنا خلال زيارته لأهلها في إربد) لم تعتقل في سجن صيدنايا . لأن سجن صيدنايا لا تعتقل فيه النساء . والمرة الوحيدة التي اعتقلت فيه امرأة كانت في العام 2000ـ 2001 حين نقل اللواء سليمان الخطيب السجينة ليلى إلى منفردة في الجناح (ج) /أيسر في الطابق الأرضي من السجن المذكورلأسباب لا مجال لذكرها هنا ؛
6 ـ رشيد أحمد خليل : لبناني . خطف من قبل حركة فتح ـ الانتفاضة الموالية لسورية بقيادة العقيد أبو موسى في العام 1985 ، وسلم للمخابرات العسكرية السورية في البقاع ، ثم نقل من هناك إلى الفرع 235 في دمشق . وفي العام 1987 سلم للمخابرات الجوية ؛
7 ـ فلورنس ميشيل رعد : صحفية لبنانية تحمل الجنسية الفرنسية أيضا . وهي من مواليد 1945 . اختطفت من قبل حزب الله اللبناني بالتنسيق والتخطيط مع المخابرات الجوية السورية في أيار/ مايو 1985 . وهناك معلومات تقول بأن الحزب القومي السوري لعب دورا مهما في مرحلة واحدة على الأقل من مراحل تنفيذ عملية الاختطاف ونقل الرهينة إلى أيدي المخابرات الجوية السورية . وطبقا لمعلومات دقيقة بنسبة 95 بالمئة استطعنا الحصول عليها عن ملف فلورنس رعد ، فإنها اختطفت لقناعة أجهزة الأمن السورية التامة بأنها كانت مكلفة من قبل المخابرات الفرنسية DST بتعقب مصير الصحفي والكاتب الفرنسي ميشيل سورا الذي كان مختطفا آنذاك من قبل حزب الله . علما بأن سورا تبين أنه توفي بين أيدي خاطفيه في آذار / مارس 1985 ، أي قبل اختطاف فلورنس بحوالي شهرين . ويشار إلى أن ميشيل سورا كان الصحفي الغربي الوحيد الذي استطاع التسلل إلى مدينة حماة وتغطية أخبار المذابح التي ارتكبتها السلطة في المدينة . وقد نشر لا حقا كتابه الشهير عن الدولة التي بناها حافظ الأسد ونشره بعنوان " الدولة البربرية " ، والذي من المعتقد أن اختطافه وقتله كان الثمن الذي دفعه مقابل تأليفه هذا الكتاب !
بعد تسليمها إلى المخابرات السورية نقلت فلورنس إلى مقر فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية في مطار المزة العسكري . وتولى التحقيق معها العقيد علي عباس مملوك . وبقيت هناك حوالي ثلاث سنوات ، لتنقل من ثم إلى مقر قيادة المخابرات الجوية القديم في " آمرية الطيران " خلف الميرديان . وبعد تدشين مبنى القيادة الجديد لإدارة المخابرات الجوية نقلت إليه مع عدد من المعتقلين السوريين واللبنانيين ، ولا تزال هناك على قيد الحياة ؛
8 ـ محمد خير العسكري : سوري ، فني طيران . اعتقل في العام 1982 لصالح فرع التحقيق في المخابرات الجوية بتهمة مساعدة عدد من الطيارين الحربيين لقصف مقر رئاسة الجمهورية . نقل بعد عدة أشهر من التحقيق إلى سجن المزة العسكري ، وبقي هناك حتى العام 1984 ، حيث نقل إلى مقر قيادة المخابرات الجوية؛
9 ـ عبد الله بعلبكي: سوري من مواليد دمشق العام 1953 . اعتقل من قبل الفرع 251 (الفرع الداخلي) في المخابرات العامة ، ثم نقل إلى الفرع 285 (فرع التحقيق في المخابرات العامة) في حي كفرسوسة. ومكث هناك حتى العام 1987 ، حيث جرى نقله إلى مقر قيادة المخابرات الجوية.
ثالثا ـ معتقل "فرع العمليات الخاصة": يقع هذا الفرع في أول الطريق الذي يشكل مدخل بلدة حرستا في ضواحي دمشق ، وبالتحديد بالقرب من مرآب تابع لشركة باصات النقل الداخلي بدمشق . ويكون على الجهة اليسرى بالنسبة لمن يكون متجها من دمشق إلى حرستا . يعتبر هذا الفرع من أكثر فروع المخابرات الجوية سرية . ونحن إذ نضع اسمه بين مزدوجين صغيرين فلأننا غير متأكدين تماما من هذه التسمية ، إذ لا تعرف بالضبط مهمته الرسمية . لكن أهم ما يعرف عنه أن رئيسه العميد عز الدين إسماعيل (وأحيانا تضاف كلمة "حمرة" إلى كنيته) رفع إلى رتبة لواء وتسلم رئاسة إدارة المخابرات الجوية خلفا للواء إبراهيم حويجة. ولا يزال على رأس الإدارة حتى الآن ، وإن يكن من المتوقع إحالته على التقاعد خلال الشهرين القادمين بموجب التعديلات التي أدخلها الرئيس بشار الأسد على قانون خدمة الضباط.
قائمة ببعض معتقلي هذا الفرع
( أحدث تاريخ تعود إليه المعلومات الواردة أدناه هو15 تشرين الثاني / نوفمبر 2004 )
1ـ مهدي يوسف حمزة (مسعود): سوري، مواليد حماة 1955، ومن سكان بلدة السلمية . تاجر خردوات . اعتقل في العام 1980 من قبل فرع المخابرات العسكرية في حماة على ذمة التيار الديني . نقل فيما بعد إلى الفرع 235 (فرع فلسطين) ومكث فيه حتى العام 1983 ، حيث نقل إلى سجن تدمر وبقي هناك حتى حزيران /يونيو 1985 ، حيث جرى نقله إلى هذا الفرع ؛
2 ـ شكر الله توما : لبناني يعمل في سلك الدرك . اعتقل في شباط /فبراير 1985 ونقل إلى فرع التحقيق في المخابرات الجوية ، ثم إلى فرع خان أبو الشامات في حزيران / يونيو 1985 . وبقي هناك حتى العام 1988 ، حيث أحضر إلى هذا الفرع مع رفيقيه جاك أبو مراد وألبير نقولا؛
3ـ جاك أبو مراد : لبناني يعمل في سلك الدرك . تنطبق عليه نفس المعطيات المتعلقة بزميله شكر الله توما؛
4 ـ ألبير تقلا : لبناني يعمل في سلك الدرك . تنطبق عليه نفس المعطيات المتعلقة بزميليه شكر الله وجاك ؛
5 ـ محمد خير الدين السكري : سوري ، ضابط فني طيران ، اختصاص هيكل ومحرك ميغ 21 . اعتقل في العام 1982 ( يقال من قاعدته الجوية في الناصرية بمنطقة القلمون) . وبقي في فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية بمطار المزة حتى العام 1983 ، حيث نقل في شباط / فبراير إلى سجن تدمر . وبقي هناك حتى حزيران / يونيو 1985 حين نقل إلى فرع خان أبو الشامات . ثم نقل إلى مقر قيادة المخابرات الجوية بدمشق صيف العام 1996.
قضية سجن تدمر العسكري الصحراوي (أكثر من ثلاثمئة معتقل لم يزالوا في سجن تدمر)
سبق وأشرنا في البداية إلى أن بعض المنظمات الحقوقية ، وبعض الناشطين الحقوقيين السوريين ، روجوا لإشاعة إغلاق سجن تدمر صيف العام 2001 إثر نقل 137 معتقلا مصابين بأمراض عضال إلى السجن العسكري الأول (سجن صيدنايا) . إلا أن التقصي الذي أجريناه أثبت الوقائع التالية :
أولا ـ جرى اختيار المعتقلين الـ 137 بالنظر لأنهم جميعا محكومون بعشرين عاما وما دون ، وكان لدى السلطة توجه بإطلاق سراحهم لأسباب عديدة بعد أن يقضوا فترة " نقاهة" في سجن صيدنايا كما جرت العادة بالنسبة لمعتقلي تدمر المنوي إطلاق سراحهم ؛
ثانيا ـ بعد أن تم انتقاء هؤلاء من جميع المهاجع وتجميعهم في الباحة ( الجناح) الثانية ، عادت إدارة السجن ( بأوامر من الجهات العليا) وقامت بعملية خلط وإعادة فرز بين من تبقوا في السجن تبعا لحالاتهم وقضاياهم . إلا أنهم جميعا ممن هم محكومون بأحكام مؤبدة أو بالإعدام ولم ينفذ الإعدام بهم وليس للسلطة نية في إطلاق سراحهم . وهم جميعا من التيار الديني وبعث العراق والسجناء العرب الآخرين ؛
ثالثا ـ قامت إدارة السجن بوضع الإسلاميين معا في الباحة (الجناح) السادسة ، ويقدر عدد هؤلاء بأكثر من مئتين ؛ والمنتمين لبعث العراق في الباحة الرابعة ، وهم أقلية ( ما بين 75 ـ 120 معتقلا ) . أما بعض الحالات الخاصة جدا من المخطوفين العرب فقد وضعوا في الزنازين الانفرادية في الباحة الخامسة ، وهي من رقم 1 حتى رقم 28 ، بينما وضع أصحاب الحالات الخاصة الأخرى الأقل" خطورة " في الغرف من 2 حتى رقم 6 . ويقدر عدد هؤلاء بحوالي ثلاثين معتقلا . وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن سجن تدمر لم يزل يضم أكثر من ثلاثمئة معتقل كحد أدنى . ومن هؤلاء تسنى لنا معرفة المعتقلين التالية أسماؤهم :
1ـ محمود عبد القادر صافي : مواليد فلسطين 1965 ومن اللاجئين في الأردن . كان طالبا في كلية الهندسة بجامعة تشرين في اللاذقية عندما اختفى بداية العام الدراسي 1988 ـ 1989 وهو طالب في السنة الثانية . أظهرت التحقيقات أن اعتقل من قبل فرع المخابرات العامة في اللاذقية ، وحقق معه العقيد برهان عليا . وبعد عدة أسابيع نقل إلى الفرع 285 (فرع التحقيق في المخابرات العامة) ، حيث قضى فيه حوالي العامين إلى أن نقل إلى سجن المزة العسكري . وبقي في هذا السجن حتى العام 1995 ، حين نقل إلى سجن تدمر العسكري الذي لم يزل فيه حتى الآن ؛
2 ـ سالم محمود أبو سالم : فلسطيني من مواليد 1947 . اعتقل في طرابلس (لبنان) 1983 من قبل حركة فتح ـ الانتفاضة بزعامة العقيد أبو موسى أثناء الحرب التي شنها هذا الأخير بالتعاون مع القوات السورية ومنظمات فلسطينية أخرى ضد مخيم البداوي حيث كانت قوات ياسر عرفات . ونقل من هناك إلى معسكر الاعتقال التابع لأبو موسى الواقع في بساتين الغوطة الشرقية بالقرب من الطريق المؤدي إلى مطار دمشق الدولي . ثم سلم لاحقا إلى الفرع 235 (فرع فلسطين ) في المخابرات العسكرية السورية . ونقل من هناك إلى سجن تدمر في ربيع العام 1985 ؛
3ـ سفيان أبو سالم : فلسطيني من مواليد 1957 ، وهو ابن أخت سالم أبو سالم ، وتنطبق عليه المعطيات ذاتها ؛
4 ـ زياد البزور : فلسطيني ـ أردني . كان طالبا في السنة الأخيرة بكلية الهندسة بجامعة حلب في العام 1988 حين اعتقل من قبل فرع المخابرات العسكرية بحلب . وقد اقتيد بعد اعتقاله إلى الفرع 235 (فرع فلسطين ) فور اعتقاله . وهو متهم بالعلاقة مع جهاز " الأمن الغربي" التابع لحركة فتح بقيادة الرئيس ياسر عرفات . بقي في فرع فلسطين حتى أوائل العام 1991 حيث نقل إلى سجن تدمر . وبقي هناك حتى نهاية العام 2001 حيث أعيد مجددا إلى سجن تدمر ؛
5ـ أسامة البزور : فلسطيني ـ أردني من مواليد 1965 ، وهو ابن أخ زياد البزور ، وكان هو الآخر طالبا بكلية الهندسة لكن في جامعة تشرين (اللاذقية). وقد اعتقد في اليوم نفسه الذي اعتقل فيه عمه زياد البزور . أما باقي تفاصيل قصته فهي نفسها المتعلقة بقصة عمه ؛
6 ـ وائل خزندار : سوري من مدينة حمص ، مواليد 1963 . اعتقل في العام 1980 وهو طالب في الثانوية العامة من قبل فرع المخابرات الجوية في المنطقة الوسطى . حقق معه أحد ضباط الفرع ( يدعى أنور) وهو برتبة رائد . نقل بعد ذلك إلى فرع التحقيق التابع للمخابرات الجوية في مطار المزة ، وبقي فيه حتى العام 1982 حيث نقل إلى سجن تدمر؛
7 ـ عبدو الشيخ علي : سوري من محافظة حلب . اعتقل في العام 1980 من قبل فرع المخابرات العامة وحقق معه الرائد أليف الوزة . نقل إلى الفرع 285 (فرع التحقيق في إدارة المخابرات العامة) بدمشق وبقي فيه حتى العام 1983 حيث نقل إلى سجن تدمر؛
8 ـ جميل ناعسي [ أو ناعس أو ناعسة ، فاسمه كما وصلنا غير واضح ؟] : سوري ، اعتقل من قبل فرع المخابرات العامة في محافظة إدلب في العام 1981 . وبقي في الفرع حوالي شهرين قبل أن ينقل إلى الفرع 285 بدمشق ، حيث بقي فيه حتى حتى آذار / مارس 1985 ، حيث نقل إلى سجن تدمر . هناك معلومات أنه نقل لحوالي ستة أشهر إلى سجن صيدنايا في العام 1999 من أجل علاجه في مشفى التل العسكري من مشاكل في الكليتين . إلا أن هذا غير مؤكد .
***
يتضح من المعطيات الحديثة المنشورة أعلاه أن الكثير مما كان متداولا بشأن قضية المفقودين ( سوريين ولبنانيين وفلسطينيين وأردنيين ) في أوساطنا ليس دقيقا تماما ، وتجب إعادة النظر به . إذ أن بعض من كان يظن أنهم ذهبوا ضحايا مجزرة تدمر لا يزالون على قيد الحياة ، سواء في سجن تدمر نفسه أو في أماكن أخرى . كما أن اكتشاف أماكن الاعتقال الجديدة الثلاثة يثبت الفرضية التي كنا تحدثنا عنها سابقا حول قضية المعتقلات السرية في سورية . ومن المؤكد ـ بعد هذا الاكتشاف ـ أن هناك معتقلات أخرى قد لا ينكشف أمرها في المستقبل المنظور .
إن هذا الأمر يفرض قضايا أخرى على جدول أعمال منظمات حقوق الإنسان ، بل على رأس هذا الجدول ، وهي :
1ـ المطالبة بتفتيش سجن تدمر من قبل جهة محايدة ، كمنظمة العفو الدولية أو هيومان رايتس ووتش أو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر . ومن المعروف أم جميع السجون والمعتقلات السورية التابعة لوزارة الدفاع وملحقاتها من أجهزة المخابرات ، غير مسجلة في قائمة السجون وغير معترف بها ؛
2 ـ بذل المزيد من الجهد للكشف عن معتقلات سرية أخرى ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل مفرزة أو فرع مخابرات ، مهما كان صغيرا أو كبيرا ، هو مركز اعتقال حتى يثبت العكس ؛
3 ـ التركيز على مسألة التدخل الدولي ، وبشكل خاص من قبل المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ، من أجل إجلاء قضية المفقودين السبعة عشر ألفا . ولعل النظام كان متنبها جيدا لهذه النقطة حين تحفظ على بعض النقاط أثناء المصادقة على اتفاقية منع التعذيب الصيف الماضي . ذلك لأن التحفظ الذي وضعه يفرغ هذه المصادقة من مضمونها لجهة إمكانية التفتيش على السجون والمعتقلات السورية .
هوامش التقرير :
(*)ـ كان من المقرر أن يصدر هذا التقرير ، كما سبق ونوهنا في بيان سابق، في العاشر من الشهر الجاري . إلا أن فقدان مسودته الأساسية قبل أن يأخذ طريقه إلى الطباعة مع مسودة تقرير آخر حول الاتجار بالرقيق الأبيض في سورية ، بالإضافة إلى بعض المواد الملحقة بهما، كاللوائح الإسمية والمعلومات المأخوذة من مقابلات خاصة مع معتقلين سابقين أو أشخاص خدموا أو لما يزالوا يخدمون في المواقع المعنية ، قد حال دون الإيفاء بالوعد في وقته المحدد . فنرجو المعذرة مرة أخرى من قرائنا.
(1) ـ نزار نيوف : دفاتر السجن ، الدفتر الأول : بين مقبرتين، مخطوط ، ص 171 وما بعد .
(2) ـ مقتطف من بعض حواراتنا مع هؤلاء ، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء ( دمشق ، اللاذقية ، طرطوس ، تموز / يوليو 2002 ، + الصفحة 164 من المصدر السابق ) .
(3) ـ راجع تقرير زياد حيدر في "السفير" ، 22 تموز / يوليو 2001 .
(4) ـ Robert Fisk : Victims of Palmyra slaughter return to haunt Syria s new leader , The Independent,9 July 2001.
(5) ـ مقتطف من شهادة لتوفيق عزيز حسن ، المرافق سابقا للواء ياسين محمد ياسين في القوى الجوية، وكذلك للعقيد مفيد حمّاد .
(6) ـ مقتطف من: عصام أبو عجيب ـ شاهد الحقيقة وشهيدها ( فصل خاص في: دفاتر السجن، الدفتر الأول ، بين مقبرتين ، مصدر سبق ذكره ، ص 69 وما بعد ) .
(7) ـ " ... ما زالت لقاء[ الابنة البكر للعميد عصام أبو عجيب ، وهي طبيبة أطفال ] تلح عليّ في السؤال خلال كل زيارة من زياراتها لي في السجن كي تعرف السبب الحقيقي لاعتقال والدها. فهي تدرك أن علاقتي الخاصة به قبل السجن، وفيه.. حيث فراشي يلاصق فراشه، تسمح له بأن يسرّ لي بسره . وهي محقة . ولكن كيف لي أن أخبرها إن واحدا من الأسباب الرئيسية لاعتقال والدها ، ولعله السبب الأوحد، هو معرفته بهذه الجريمة ورفضه لها على رؤوس الأشهاد من زملائه ومرؤوسيه ؟ وكيف لها أن تتفهم هذا الموقف دون أن تخدش صورته في ذاكرتها وهي سليلة " تربية وطنية " مشوهة لا يفصل فيها بين البطل الوطني ومرتكب الخيانة الوطنية إلا قيد شعرة أو البيان رقم 1؟ من المؤكد أن سنوات طويل ستمر قبل أن تنضج وتتخلص مع غيرها من هذه التربية، وقبل أن أقول لها لقد اعتقل والدك ورحل عن هذه الدنيا ، أو رحّل عنها، لأنه كان شاهد الحقيقة وشهيدها...". ( مقتطف من مذكرات نزار نيوف، المصدر السابق. وهو ينشر لأول مرة ) .
وللاستماع إليها بالصوت ، يمكن النقر هنا.
المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية - الحوار المتمدن - العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17
0 تعليقات::
إرسال تعليق