السبت، 30 أبريل 2011

أسرار الاغتيالات السورية في لبنان

قوائم مطلوبين وفرق موت والحبل على الجرار

* إشارة واحدة من حافظ الأسد كانت تكفي للتخلص من هذا الزعيم اللبناني او ذاك السياسي

* ((أبواب السماء)) والسلطة كانت تفتح لأي سياسي يقول الأسد إنه ((كويس)) 

* الأسد الأب أراد السنّة على غرار رشيد كرامي وكان يكره صائب سلام ولا يحب تقي الدين الصلح

* من أساليب الأسد طمأنة من يريد التخلص منه قبل اغتياله وامتحان من يريد تسليمه منصباً

* وليد جنبلاط مقتنع بأنه سيقتل ساعة يطمئن للنظام السوري على غرار ما حصل مع والده

* نسيب الخطيب هرب من غضب السوريين بعد لقاء عرفات وبعد أن طمأنوه اغتيل بعد احتفال بعودته بحضور كنعان

* جورج حاوي اغتيل بسبب مبادرته لإيجاد حل 

* كمال جنبلاط اغتيل لتخويف اللبنانيين والفلسطينيين وحسن خالد لقطع الطريق على المصالحة في لبنان

* القاعدة السورية المعتمدة في لبنان: إذا ابتعدت عن الاستخبارات السورية تبرد وإذا اقتربت منها تحترق

* الأسد الابن اعتبر تحالف الحريري مع جنبلاط لرفع الوصاية الاستخباراتية عن لبنان

* قوائم مطلوبين على الحدود شملت اسماء عديدة وبعض الشخصيات كان يفاجأ بها

* الأسد لجأ إلى تغطيس القيادات في لبنان بالفساد ليستخدمه سيفاً مسلطاً عليها

* فرق موت سورية تتولى تنفيذ عمليات الاغتيال

شهداء لبنان

يتندر العارفون بسلوك ومفردات وايحاءات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بوقائع وإشارات معينة كان يعتمدها أمام المقربين منه والذين ينفذون تعليماته دون تردد كي تصبح هذه الاشارات أوامر لا ترد، تنفذ دون ان تحمله اية مسؤولية لأنه في معظم الاحيان لا يتكلم بل يوحي ويؤشر..

فإذا غضب الأسد على زعيم سياسي محلي او لبناني تحديداً وأراد التخلص منه، كان يكتفي بإمرار أصابع يده على ذقنه أو على شاربيه، عند الحديث عن هذا الزعيم أو السياسي ليفهم من حوله أنه اصبح عبئاً وخطراً يجب التخلص منه.

ومن سلوكيات الأسد الخاصة كإشارات دون كلام اعتماد إجلاس ضيفه اللبناني تحديداً على يمينه لتخرج الصورة في إشارة إلى أن الأسد راض عن ضيفه، فإذا أجلسه على يساره فهذه إشارة الى ان موقفه من هذا الضيف سلبي، أو في أحسن الحالات عادي وليس بالضرورة إيجابياً.

وكان يكتفي عند تقييم أي سياسي لبناني بالقول إنه سلبي ليقضي من حوله على مستقبل هذا السياسي، فإذا أشار إلى أن هذا السياسي كويس، فهذا يعني أن أبواب السماء فتحت له ليعمل المقربون من الأسد على إيصال هذا السياسي اللبناني إلى أعلى المراتب، رئيساً أو وزيراً أو نائباً او قائداً للجيش أو مديراً عاماً للأمن العام أو قاضياً أو مدعياً عاماً تمييزياً.

وكان جزء من قرارات الأسد الأب في تقييمه لهذا السياسي اللبناني أو ذاك يستند إلى الكيمياء التي تقبل الانصهار مع كيمياء الآخر، استلطافاً أو امتعاضاً.. وقد اعتمد كل رجال الاستخبارات الذين كلفهم نظام الأسد حكم لبنان هذا الاسلوب أيضاً.

كان الأسد يستلطف مثلاً الياس الهراوي ونبيه بري كان يطرب لخطابات بري المليئة بالمفردات والتعابير العربية في لغة قشيبة جذابة، وكان يضحك ملء فِيه لتعليقات وطرائف وأسلوب الياس الهراوي خاصة خلال اجتماعاته المنفردة معه او مع الترويكا الحاكمة سابقاً في لبنان.

بالمقابل كان الأسد يتحسب للقاءات الزعيم الراحل كمال جنبلاط قليل الكلام حاسم المفردات دقيق التعابير، لا يطيل الجلوس معه، وكان الأسد يعتبر جنبلاط منافساً في شد أطراف الحديث في اتجاهات متناقضة، بينما كان الأسد يغوص في التاريخ لارهاق محدثه الى ان يصل في نهاية الجلسة الى بيت القصيد في الهدف الذي من أجله تم الاجتماع، كان جنبلاط ينحو في احاديثه نحو الفلسفة التي يبرع في الحديث فيها ويتمتع ويجد في مفرداتها رموزاً يمرر ما يريد سواء استوعب جليسه ما يقصد وتعمد تجاوزه، او لم يعط له آذاناً صاغية.

كان الأسد الاب يريد القيادات السياسية اللبنانية على هواه، ومن خالفه اهمله وتجاهله.

كان يريد المسلمين السنة في لبنان كلهم على غرار الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وكان يكره الزعيم الراحل صائب سلام الذي حسم موقفه من التعامل مع الأسد بما اعلنه بأنه لا يقبل ان يكون ((باشكاتب)) عند السوري ((روح روح تعا تعا)) وكان الأسد لا يحب المفكر السياسي الالمعي في لبنان تقي الدين الصلح، فهذا الرجل الذي ينضح عروبة لم يكن ليكون أداة طيعة في يده فتم تجاهله حتى توفي منفياً في باريس مثلما عاش صائب سلام نحو عقد ونصف من عمره بين أميركا وجنيف.

وكان من أساليب الأسد الأب ان يطمئن من يريد التخلص منه من القادة اللبنانيين، وأن يجري امتحانات لمن يريد تسليمه منصباً سياسياً في لبنان.

طمأن حافظ الأسد كمال جنبلاط قبل اغتياله بعدة أيام من خلال رسالة وجهها إليه مطلع شهر آذار / مارس 1977 يطلب منه فيها وضع تصور لتصحيح العلاقة بين دمشق والحركة الوطنية اللبنانية، فإذا بالاستخبارات السورية تغتال القائد الشهيد كمال جنبلاط يوم 16/3/1977.. وهذا أحد أسرار الموقف الحاسم للزعيم وليد جنبلاط من نظام الأسد وهو أحد الخبراء بسلوكياته وغدره.. إذ بات مقتنعاً بأنه ساعة يطمئن لوعد من نظام الأسد سيقتل فوراً.

وقد اعتمدت الاستخبارات السورية الامر نفسه مع جماعاتها في لبنان اسلوباً في التعامل، فقد كان نسيب الخطيب احد العناصر المرتبطة بأحد أجهزة الاستخبارات السورية، فاتهمه جهاز سوري آخر بأنه يجري اتصالات مع جماعات الزعيم الفلسطيني (الراحل) ياسر عرفات فجرى عليه ((الحرم الكنسي)) واتهم بالخيانة العظمى فعاش لاجئاً خارج لبنان لفترة، الى ان اقنعه بعض في أجهزة الأمن السورية بالعودة بعد أن تم ترتيب الامر مع الجهاز الامني الآخر الذي اتهمه بالخيانة العظمى لأنه التقى مع عرفات، عاد الخطيب الى لبنان وأقيم له غداء تكريمي في بعلبك ألقى فيه كلمة أشاد فيها بالاسد ونظامه والقى أيضاً حاكم لبنان يومها غازي كنعان كلمة احتضان وحب، وبعد انتهاء الغداء عاد المسكين نسيب الخطيب الذي لم يكن يبزه بالولاء للاستخبارات السورية إلا قريبه زاهر، إلى بيروت وفي طريقه وعند منحدرات ضهر البيدر كمن له جنود سوريون بألبسة مدنية وأمطروا سيارته بنار غزيرة قضت على حياته بعد اطمئنان يعفيه من غدر هذه الاستخبارات.

والأمر نفسه يكشف عنه رافي مادويان عن الوالد الراحل المناضل جورج حاوي في حديثه عن الاطمئنان الذي حمله أبو أنيس من الاستخبارات السورية بعد اقتراحه بتصحيح العلاقة بين ((ثورة الأرز)) والنظام السوري من خلال إلغاء مفعول التمديد القسري لإميل لحود الذي فرضه بشار الأسد.

بعد اطمئنان حاوي بأيام قليلة تم اغتياله بتفجير مقعد سيارته تحته يوم 21 حزيران / يونيو 2005.

وشخصية حافظ الأسد لا تقبل ولاء مزدوجاً من أي قيادي لبناني تحديداً، فأن تكون مع نظامه يعني انك ممنوع من أي علاقة مع أي نظام عربي آخر او حتى اية شخصية عربية حتى لو كانت على علاقة مع النظام السوري الا ان تكون هذه العلاقة من خلال هذا النظام او جهاز فيه او بتكليف منه او برضى يقبض ثمنه سلفاً سياسياً او مالياً من هذا الشخص او هذا النظام العربي.

وهذا الاسلوب معتمد أيضاً داخل أجهزة الاستخبارات السورية نفسها، فأن تكون على صلة مع الاستخبارات العسكرية فهذا يعني انك ممنوع من الاقتراب من مخابرات امن الدولة، او من جهاز الأمن السياسي، او جهاز الأمن الجوي، او الاستخبارات العامة.. او حتى جهاز الأمن العام او حتى شرطة السير.. واذا كنت مع أي جهاز سوري واقتربت من أي جهاز آخر فقد حكمت على نفسك بالعزلة وتحمل المجابهة والتشهير والابعاد..

وشخصية حافظ الأسد تحدد للقيادي اللبناني مع من يجب ان يتعامل عربياً – سواء في المغرب او في المشرق، سواء في الخليج او في مصر او في فلسطين، وللأسد حساباته الخاصة التي يجب ان يلتزم بها الجميع، فحين يعادي صدام حسين كان يعدم كل لبناني يرميه بشبهة العلاقة مع الرئيس العراقي الاسير، وما زالت قوائم الاستخبارات السورية تضم آلاف المواطنين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والاردنيين المطلوب القبض عليهم حتى الآن بتهمة العلاقة مع النظام العراقي السابق او حزب البعث (العراقي) او جبهة التحرير العربية (الفرع الفلسطيني المقاتل في حزب البعث العراقي).

وحين كان حافظ الأسد يعادي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات – ونادراً ما كان يصالحه – كان كل لبناني او سوري او فلسطيني او اردني يصادف عرفات محكوم عليه بالحرم الكنسي او بالارهاب الاستخباراتي، وما زالت قوائم وملفات الاستخبارات السورية تحمل اسماء آلاف اللبنانيين – وغيرهم – مطلوب القبض عليهم بتهمة العلاقة مع ياسر عرفات.. ومن اظرف الأمور في اسوأ الظروف ان الوزير اللبناني السابق عصام نعمان الذي كان النظام السوري يحسبه على الاستخبارات العراقية احياناً وعلى ياسر عرفات احياناً أخرى بسبب كونه محامياً يتولى وكالة عقارات فلسطينية في بيروت، ما زال اسمه على الحدود اللبنانية – السورية مطلوباً للتوقيف او ارساله للتحقيق رغم ان الرجل جاء وزيراً في اول حكومة في عهد رجل سوريا في لبنان اميل لحود وكان من اشد منتقدي الرئيس الشهيد رفيق الحريري.. وكان يطلب من صديقه الوزير السابق عبد الرحيم مراد ايصاله بسيارته التي تحمل اذناً بالمرور على الطريق العسكري للمرور الى دمشق ومقابلة المسؤولين فيها لأنه لو دخل عبر الطريق المدني لاعتقلته أجهزة الأمن السورية بناء على اضبارة توقيف فورية.

وكان المناضل الشهيد جورج حاوي يمر على الطريق العسكري إلى دمشق لمقابلة المسؤولين السوريين ومنهم حافظ الأسد، لأنه ممنوع من المرور عبر الطريق العادي حيث اسمه بين المطلوبين للاستخبارات السورية.. وغيرهما آلاف اللبنانيين.. حتى الآن. وحين كان نعمان أو حاوي أو غيرهما من مئات السياسيين اللبنانيين (ينجحان) بحذف أسميهما من ملفات الاستخبارات السورية كانت أجهزة استخباراتية سورية أخرى تحتفظ بالأسماء لمحاسبتها يوماً ما، فقوائم هذا الجهاز الأمني مختلفة عن قوائم الأجهزة الأخرى!!

وكان حافظ الأسد يحدد من الذي يعفو عنه إذا تعامل مع العدو الصهيوني، ومن الذي يجب أن يعاقب إذا تعامل مع هذا العدو، فالرئيس بشير الجميل خائن يستحق الإعدام لأنه تعامل مع إسرائيل كما حكمت استخبارات الأسد، أما إيلي حبيقة فشريك الجميل في الذهاب إلى إسرائيل والتدريب فيها على العمل الاستخباراتي وعمليات الاغتيال وقتال المواطنين اللبنانيين فقد احتضنه حافظ الأسد ثم نصبه وزيراً ونائباً ومرشحاً دائماً لرئاسة الجمهورية دون أي تفسير لتخوين الجميل ولا لاحتضان حبيقة، وعلى الجميع أن يلتزموا بمقاييس الأسد التي وصلت إلى حد إلزام حزب الله بإصدار تكليف شرعي لانتخاب إيلي حبيقة عام 2000 في الانتخابات النيابية في قضاء بعبدا.

ومثلما اعتمد حافظ الأسد نظام تغطيس كل قياداته وأركانه بالفساد داخل سوريا حتى يحفظ لكل منهم ملفاً يكون سيفاً مسلطاً عليه فيلتزم بتعليماته مهما كانت قاسية أو غير منطقية ويذهب معه أنى يشاء، كذلك اعتمد الأسد النظام نفسه في لبنان فكل مسؤول لبناني في عهد الوصاية السورية على لبنان له ثمن، وعليه واجبات. وله بعد ذلك أن يصل إلى تحقيق كل طموحاته، ومن يخضع لنظام الوصاية السورية يحق له أن يسرق وأن ينهب وأن يكذب وأن يتعامل مع الشيطان إذا شاء نظام الوصاية هذا الأمر، وعليه أن يدفع جزءاً كبيراً مما يسرقه للاستخبارات السورية ونظام الوصاية كله لبنانياً أو سورياً سواء من النفط أو الكهرباء أو الطرقات أو المغاور السياحية أو الخلوي أو الالتزامات في البناء والتشييد.

كان حافظ الأسد يحتفظ بمال النفط السوري في حسابه الخاص وقد سجله باسم ابنه باسل خارج سوريا، ثم حوّله باسم ابنه الآخر بشار بعد مقتل باسل عام 1994، وكانت الحجة التي اعتمدت يومها انها مصاريف سرية خاصة بالرئاسة لم يكن ملزماً بتقديم أي إقرار عنها وبالتالي لم تدخل الموازنة السورية أية ليرة من أموال النفط الوطني.

والأمر نفسه مارسته الاستخبارات السورية في لبنان بإقتطاع أموال من قطاعات عديدة منها النفط والغاز والوقود المستورد و((اللوتو)) وكازينو لبنان، تصرف منها هذه الاستخبارات على أعمالها القذرة وعلى تمويل محاسيبها من سليمان فرنجية إلى بقية المخبرين الصغار والأكثر أهمية.

فرض نظام الأسد الثواب والعقاب في وقت واحد على الساسة اللبنانيين فمن التزم بالحرف بما أرادته أجهزة الاستخبارات العسكرية التي كانت مكلفة حكم لبنان وصل إلى أعلى المناصب ومن خالفها وشكل خطراً لقي الاغتيال أو السجن أو النفي.

رسائل الأسد الأب عبر فرق الموت
وكان الأسد يوجه رسالة دم قاسية عبر فرق الموت التي حكمت وتحكم سوريا ولبنان حتى الآن لكل من يريد إسماعه موقفاً لا تردد فيه. فقد قتلت الاستخبارات السورية كمال جنبلاط لتخويف اللبنانيين والفلسطينيين بعد عدة أشهر من دخول قوات الأسد إلى لبنان.. وقد ركع الجميع 28 سنة بعد هذا الاغتيال حتى اغتالت الاستخبارات نفسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري فثارت انتفاضة الاستقلال الثاني في تاريخ الوطن. كان الأسد الأب يعتبر تحالف جنبلاط الأب مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات يقطع عليه الطريق لحكم لبنان وإخضاع منظمة التحرير الفلسطينية لشروط الصفقة التي عقدها مع هنري كيسنجر عام 1974 وكان الأسد الابن يعتبر تحالف الحريري مع جنبلاط الابن الجدار الذي سيسند قوى الاستقلال لتحقيق مطالبها برفع الوصاية الاستخباراتية السورية عن لبنان. وقتلت الاستخبارات السورية الشيخ الشهيد المفتي حسن خالد في 16 أيار/مايو 1989، لقطع الطريق على أي مصالحة حقيقية في لبنان من خلال حوار كان يقوده ويرعاه الشيخ الشهيد دون رضى الاستخبارات السورية.

ولهذه المحاولة في المصالحة رواية تقال:

فقد وصلت أصداء أقوال قائد الجيش ميشال عون عام 1988 حول بناء المؤسسات ومحاربة الميليشيات إلى المفتي الشهيد فأبدى استعداده للقائه في دار الفتوى وعلناً أول الأمر، ثم تنبه إلى عدم استفزاز أحد خاصة الاستخبارات السورية فطلب أن يلتقي عون بشكل سري في منـزله أو في أي منـزل آخر، وان يأتي إليه عون أيضاً سراً دون أية مظاهر، فلما أُبلغ عون باقتراح الشيخ الشهيد رد بحسم لا لن أزور الغربية والشيخ خالد إلا علناً وفي سيارة عسكرية مكشوفة.. فقضي على هذا الاقتراح في المهد.. لكنه كان سبباً كافياً لاستخبارات حافظ الأسد كي تدبر عملية اغتيال المفتي الشهيد لقطع الطريق على أي محاولة للمصالحة دون إرادتها.

وعندما كان مؤتمر الطائف على الأبواب في شهر أيلول/سبتمبر 1989 تم اغتيال النائب ناظم القادري بتهمة تلقي المال من ياسر عرفات وكان الاغتيال رسالة سورية إلى النواب الذاهبين إلى الطائف لعقد الاتفاق الشهير بأن يتذكروا مصير القادري والغريب ان الأسد وجه رسالة بالدم للنواب قبل توجههم إلى الطائف، وان ميشال عون هدد النواب بالاعتقال بعد عودتهم من المدينة نفسها.

على ان أسوأ أنواع الرسائل.. وهل بعد الموت ما هو أسوأ.. ان استخبارات حافظ الأسد كانت تعتمد أسلوب التجهيل في تعاملها مع قادة لبنان وأساس هذا التجهيل انك يجب أن تعرف أنت ماذا يريد منك هذا الضابط أو هذا المسؤول.. وعليك أن تنفذ بلا تردد دون أن تعرف هل ان المطلوب منك مطلوب أو خارج الموضوع.

وفي رسالة أخرى لمن يريد أن يكون له وجود سياسي في لبنان دون أن يكون خاضعاً لتأنيب هذا الضابط وتطاول هذا المسؤول عليه أن يلتزم القاعدة التي تقول: ان النظام السوري عبارة عن نار إذا ابتعدت عنها تبرد.. وإذا اقتربت منها تحترق.

اغتيال رينيه معوض.. نموذجاً

بناء على هذه المقاييس السورية التي وضعها حافظ الأسد لنظامه وفرضها على لبنان وعلى السياسيين اللبنانيين، كان لا يمكن أن يظل الرئيس الشهيد رينيه معوض على قيد الحياة رئيساً للبنان رغم ان انتخابه تم بموافقة حافظ الأسد نفسه.

لماذا؟
1- كان رينيه معوض يؤكد لكثيرين ان الفضل في انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1989 يعود إلى الدور الأميركي وليس الدور السوري فقط في لبنان، وكان هذا ما يزعج حافظ الأسد كثيراً، فهو يريد ولاء كاملاً له، ولا يريد مشاركة أية جهة بأي دور أو فضل.

2- كان حافظ الأسد يريد من الرئيس رينيه معوض أن يكون حاسماً في الموقف من ميشال عون الضابط المتمرد الذي هدد بتكسير رأس حافظ عام 1989، لكن الرئيس معوض كان لديه مشروع واسع للمصالحة الوطنية كما ورد في أحد بنود اتفاق الطائف الأساسية، يشمل ضم عون وزيراً في أول حكومة تشكل في مطلع عهد معوض.

3- رغم ان الأسد قبل معوض رئيساً للجمهورية إلا انه قبله على مضض كما يبدو من إصرار الرئيسين حسين الحسيني ونبيه بري على تفضيل معوض العروبي وصاحب النهج الشهابي السابق المعروف، في حين ان الأسد كان طرح اسم الياس الهراوي، وفيما بعد تبين ان الأسد اعتمد مقياساً محدداً للحكم على معوض أو الهراوي، ففي حين ركز معوض على المصالحة الوطنية وضم عون إلى أولى الحكومات في عهده، فإن الهراوي الذي كان قدم برنامجاً انتخابياً عبر مقابلة أجرتها معه مي كحالة عبر ((اللبنانية للإرسال))، أعجب حافظ الأسد، كان حاسماً في انه لن يبدأ عهده عملياً إلا بإزاحة ميشال عون من قصر بعبدا، وهو ما استهوى الأسد كثيراً.

4- أظهرت دمشق انزعاجاً شديداً من رسالة التهنئة التي وصلت الرئيس رينيه معوض من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب بمناسبة انتخابه رئيساً للجمهورية، وقد تلقاها معوض عبر اتصال هاتفي من السفارة الفرنسية في لبنان التي كانت ترعى المصالح الأميركية بعد سحب السفارة اثر تدميرها عام 1983، وكان نائب الرئيس السوري يومها عبد الحليم خدام جالساً في مكتب معوض أثناء تلقي الأخير خبر التهنئة الرئاسية الأميركية.. ونقل انبهار معوض المتعمد بالتهنئة الأميركية كأنه كان يريد إيصال رسالة للأسد بأن أميركا موجودة أيضاً ولست وحدك الآمر الناهي بشؤون لبنان.

هكذا كان حافظ الأسد يحكم لبنان.. بالإيحاء أحياناً يقتل هذا ويزيح ذاك، وبالإشارة لمن يريد أن يفهم، بالرسائل الدموية التي تحملها فرق الموت آخر قلاع نظامه الباقية بعد رحيله،.. ولئن كان حكمه لسوريا بالحديد والنار ضمن له السلطة منذ العام 1970، فإن شهداء لبنان قادة وسياسيين ورؤساء هم أكبر ثمن يدفعه شعب خضع لوصاية كهذه التي مثلتها استخباراته لوطن في الزمن الحديث.


الشراع - 2006 / 12 / 2

0 تعليقات::

إرسال تعليق