الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

الفساد يضرب العالم: "يللي استحوا ماتو"

في الشهور الخمسة عشر الأخيرة قرأت الصحف بهدف التفتيش عن أخبار الفساد في العالم، وعن أخطاء كبيرة ارتكبها من يعمل في الشأن العام. حاولت أن أتبصر كيف يتعامل "الفاسد" مع نفسه عند اكتشاف أمره، وما هو القرار الذي يتخذه "المخطئ" في حق نفسه، وكيف تتعامل السلطة السياسية والإدارية في تلك البلاد مع هذه الحالات. لا أدعي أنني قمتُ بتوثيق هذه الحوادث، لكني قرأتها وأبقيتُها في أرشيفي لأكتب عنها وها قد فعلت ذلك.
في نيسان الـ 2009، استقال رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في شرطة "اسكوتلنديارد" بوب كويك بعد خطأ ارتكبه كاد يتسبب بإحباط توقيف إرهابيين مفترضين. وقال كويك في بيان: "سلمت استقالتي مدركاً أن تصرفي كان من شأنه أن يعرقل عملية كبيرة لمكافحة الإرهاب". وكان 12 شخصاً يشتبه في علاقتهم بالإرهاب أوقفوا في شمال غرب إنكلترا، في عملية دهم عاجلة نفذتها الشرطة خشية إفلات هؤلاء من الرقابة الأمنية، بعد الخطأ الذي اقترفه كويك الذي صُوِّر قبل يوم وهو يتأبط ملفاً ظهرت منه صفحة أمكن قراءة أسماء 11 مشتبهاً منهم، كتب فيها (10 طلاب ذوي أصول باكستانية وبريطاني)، إضافة إلى تفاصيل ملاحقتهم.
أيضا في نيسان 2009، نظر الإدعاء الإسرائيلي في توجيه اتهامات إلى رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب كاديما إيهود أولمرت الذي كان أُجبر على الاستقالة في وقت سابق وسط تحقيق كانت تجريه الشرطة في اتهامات بالفساد.
وفي أيار 2009، انتحر الرئيس الكوري الجنوبي السابق روه مو - هيون بإلقاء نفسه من أعلى صخرة في جبل بونغهوا، بعدما اتهم بالضلوع في فضيحة فساد بملايين الدولارات، الأمر الذي رأى أنه يشوه صورته. وجاء في رسالة تركها: "لا يمكنني تخيل الآلام التي لا تحصى التي سأواجهها. بقية عائلتي ستصبح عبئا فقط على الآخرين. ليس في وسعي القيام بشيء لأني لست في صحة جيدة، وتسببت بمعاناة كثيرين من الناس. لا تحزنوا. أليست الحياة والموت من الطبيعة؟ لا تشعروا بالأسف ولا تلقوا باللوم على أحد. هذا هو القدر. رجاء احرقوا جثماني. ورجاء ضعوا شاهدا صغيرا على قبري قرب منزلي. فكرت كثيرا في هذا الأمر".
وفي الشهر نفسه، أيار 2009، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل استقالة المسؤول عن أسطوله الجوي لويس كالديرا بعدما حلقت فوق نيويورك طائرة رئاسية أيقظت المخاوف التي شعر بها الناس في 11 أيلول 2001. وهذه الاستقالة كانت الأولى لمسؤول في إدارة أوباما. وكتب كالديرا في كتاب الاستقالة إلى الرئيس: "أكد لي الجدل الدائر في شأن عملية التصوير للأسطول الجوي الرئاسي فوق نيويورك أن من المتعذر علي أن أتولى بطريقة فاعلة المكتب العسكري للبيت الأبيض". وقد أثار تحليق طائرة "بوينغ" رئاسية تواكبها مطاردتان قبل شهر من الاستقالة طوال نصف ساعة في مكان غير بعيد من موقع برجي مركز التجارة العالمي وتمثال الحرية، لالتقاط صور، الهلع وتسبب بعمليات إخلاء للمباني.
وفي أيار 2009 أيضا، أفادت الشرطة الفرنسية أن رئيس بلدية سان سيبريان في جنوب غرب فرنسا جاك بوي (62 سنة)، الذي يواجه تهماً بالفساد، انتحر في زنزانته في سجن بيربينيان. وكان بوي، الذي رئس البلدية منذ عام 1989 إلى 2008، سُجن بعد اتهامه بالحصول على رشى. ووجهت إليه اتهامات بشراء أعمال فنية قدر ثمنها بخمسة ملايين أورو (سبعة ملايين دولار) للمجلس البلدي اختفى معظمها.
وفي الشهر نفسه هزت بريطانيا فضائح مالية متتالية، قدم على أثرها وزير الدولة للعدل البريطاني استقالته، في انتظار انتهاء تحقيق في اتهامات بأنه دفع إيجاراً أقل من القيمة المتعارف عليها في السوق لمنزل!!! يومها تخوف القضاء البريطاني من أن يكون الوزير المتهم قد قدم خدمات أو تسهيلات مقابلة لأصحاب هذه الشقق. وفي سياق متصل، علق حزب العمال البريطاني الحاكم عضوية عضو بارز في مجلس العموم هو إليوت مورلي، وهو وزير سابق للزراعة، وأشير إلى أنه طالب بنفقات مقدارها 16 ألف جنيه إسترليني (24200 دولار) لتغطية قرض عقاري سدده فعلاً، فيما تنحى أحد كبار مساعدي زعيم حزب المحافظين المعارض. وكانت لجنة رقابية برلمانية أوصت بتعليق عضوية اثنين من حزب العمال في مجلس اللوردات، بعدما نشرت صحيفة أنهما يعتزمان الحصول على مبالغ مالية كبيرة في مقابل سعيهما إلى تعديل قوانين.
في حزيران من العام نفسه، دفعت فضيحة النفقات، التي تورط فيها عدد من النواب البريطانيين، رئيس مجلس العموم مايكل مارتن إلى الاستقالة، فبات أول رئيس للمجلس يستقيل من منصبه منذ 300 سنة. ومع أن مارتن نفسه ليس متورطاً في هذه الفضيحة، فان لوماً وجه إليه لإيجاده بيئة أتاحت للنواب تجاوز حدود الإنفاق المسموح لهم بها. وفي بيان مقتضب تلاه أمام مجلس العموم، قال مارتن إنه تنحى من منصبه حفاظاً على "وحدة" المجلس.
وفي حزيران 2009، اقر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بارتكابه "خطأ" بتركه نجله جان ساركوزي (23 سنة) يترشح لرئاسة شركة لتطوير حي لا ديفانس، أكبر أحياء الأعمال في أوروبا قرب باريس، وقال ساركوزي أنه أساء التقدير. وفي 22 تشرين الأول من العام نفسه، تراجع نجل الرئيس الفرنسي عن الترشح بعد الجدل في هذا الشأن.
في حزيران أيضاً، حكمت محكمتان إسرائيليتان بالسجن الفعلي على وزير المال إفراهام هيرشسون ووزير الرعاية الاجتماعية والصحة السابق شلومو بن عزري بعد إدانة الأول بسرقة أموال والآخر بتلقي رشى. ونص الحكم على سجن هيرشسون، وهو حليف لرئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت في حزب "كاديما"، خمس سنوات وخمسة أشهر عن جرائم تشمل السرقة والاحتيال. وصرحت ناطقة قضائية بأنه حكم أيضا على المتهم بدفع غرامة قيمتها 450 ألف شيقل (115 ألف دولار). وكان دين بسرقة أكثر من نصف مليون دولار من نقابة العمال الإسرائيليين العامة "الهستدروت" التي كان يرأسها قبل أن يصير وزيرا في الحكومة الائتلافية التي ألفها أولمرت في 2006 .
في تموز 2009، وفي قرار مفاجئ، أعلنت حاكمة ولاية ألاسكا الأميركية سارة بايلين (45 سنة)، أنها ستستقيل وأنها لن تخوض الانتخابات مجددا لمنصب الحاكم. واستقالت فعلا في ما بعد. وأوضحت أن قرارها جاء بعد كثير من "الصلاة والتدبر". وأوضحت أنها لا ترغب في إضاعة الوقت في "لعبة سياسية دامية"، مشيرة إلى الانتقاد العلني لتصرفاتها ولأسرتها منذ الحملة الانتخابية لعام 2008.
في أيلول 2009 حُكم على الرئيس التايواني السابق تشن شوي - بيان وزوجته وو شو - تشن بالسجن المؤبد بعدما دينا بتهمة الفساد، في خطيئة كبيرة لرجل وصل إلى السلطة مع وعود بإنهاء عقود من الفساد. كذلك حُكم على نجل الرئيس السابق تشن تشيه - تشونغ بالسجن سنتين بتهمة تبييض الأموال، وعلى زوجته هوانغ جوي - تشينغ بالعقوبة ذاتها مع وقف التنفيذ. ودين تشن، البالغ من العمر 58 سنة، باختلاس 3,15 ملايين دولار من صندوق رئاسي خاص خلال ولايتيه اللتين امتدتا من 2000 إلى 2008، وتلقي رشى قيمتها تسعة ملايين دولار في صفقة أرض حكومية وتبييض أموال بواسطة حسابات في "المصرف السويسري" وتزوير وثائق.
في تشرين الأول 2009، جردت المحكمة الدستورية رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني (73 سنة) من حصانته بسبب اتهامات الفساد الموجهة إليه، وقضت المحكمة الدستورية بأن قانوناً يوفر له الحصانة من المساءلة القانونية خلال تولّيه منصبه يخالف الدستور.
في كانون الأول 2009 اعتذر رئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما عن ورود اسمه في فضيحة أموال سياسية اتهم فيها اثنان من مساعديه السابقين. وكان أمينا سر سابقان لدى رئيس الوزراء أُحيلا إلى التحقيق بتهمة الغش في تمويل صندوق دعم ترشيحه، الأمر الذي شكل فضيحة محرجة له وإن تكن لا تستوجب ملاحقته قضائياً. وإذ أعلنت النيابة العامة عدم ملاحقة رئيس الوزراء قضائياً لعدم توافر أدلة على علمه بالتمويل المشبوه، قدم هاتوياما بياناً خطياً أكد فيه عدم تورطه في أي اتهامات موجهة إليه، لكنه قال: "أشعر بمسؤولية كبيرة. إذا كانت ثمة دعوة كبيرة لهاتوياما ليستقيل، سأحترم ذلك. لكنني سأعمل لتفادي ذلك".
أيضا في كانون الأول 2009 قدم الأسقف الايرلندي جيمس موريارتي (73 سنة)، راعي أبرشية كيلدار وليلين الذي ورد اسمه في تحقيقات تتعلق بتعديات جنسية على أولاد في أبرشية دبلن، استقالته، فيما قالت أبرشية أوكسبورغ الألمانية أن الأسقف فالتر ميكسا، الذي يواجه مزاعم أنه كان يضرب أولاداً بقسوة، قدم استقالته في وقت لاحق. بعد أربعة أشهر أعلن الفاتيكان أن البابا بينيديكتوس الـ16 قبل استقالة الأسقف موريارتي، وهو الأسقف الايرلندي الثالث الذي يستقيل في أربعة أشهر، على خلفية فضيحة التعديات الجنسية.
في أيار 2010، أعفت وزارة الدفاع الكندية قائد القوات الكندية في أفغانستان البريغادير جنرال دانيال مينار من مهماته. وقالت إن "قرار الإحالة اتخذ عقب ادعاءات أن سلوكه لم يكن مطابقاً "لتوجيهات القيادة الكندية في شأن العلاقات الشخصية". وأضافت أن قائد القوات الكندية في الخارج اللفتنانت جنرال مارك ليسارد فقد ثقته في قدرة الجنرال مينار على القيادة".
وفي أيار أيضاً قبل البابا بينيديكتوس الـ 16 استقالة راعي أبرشية كلويني الأسقف الايرلندي جون ماجي الذي يتهم بتعريضه أولاداً للخطر بإخفاقه في التزام قواعد الكنيسة في شأن إعلام الشرطة بتعديات جنسية لكهنة على أولاد. وطلب الأسقف ماجي الصفح وقدم "اعتذاره الصادق" إلى ضحايا التجاوزات الجنسية في أبرشيته. وقد اتهم المونسنيور ماجي، الذي كان سكرتيراً خاصا لثلاثة بابوات هم بولس السادس ويوحنا بولس الأول ويوحنا بولس الثاني، بفضيحة التجاوزات الجنسية في حق أولاد في ايرلندا، وذلك في تقرير أعدته في كانون الأول 2008 الكنيسة الكاثوليكية الايرلندية.
بعد أيام، استقال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا دنيز بايكال بعد بث شريط مصور على شبكة الانترنت يظهر فيه مع امرأة شبه عارية في غرفة نوم. وقال في مؤتمر صحافي: "لن أسمح لأحد بالشك فيّ، وإذا كان لهذا ثمن، وهذا الثمن هو الاستقالة من قيادة حزب الشعب الجمهوري، فأنا مستعد لدفعه."
وقبل ثلاثة أشهر، قدمت وزيرة الدولة لشؤون الثقافة والسياحة اليونانية أنتزيلا غيريكو استقالتها بعد فضيحة تتعلق بتهرب زوجها من دفع الضرائب، وقالت إنها لا تريد إحراج الحكومة بمشكلات ضريبية عالقة تتعلق بزوجها". وكانت صحيفة يونانية نشرت أنه يتوجب على توليس فوسكوبولوس، زوج الوزيرة، دفع مبلغ خمسة ملايين أورو لخزينة الدولة.
قبل نحو شهرين استقال وزير الموازنة البريطاني ديفيد لوز بسبب كشف معلومات عن تقاضيه أكثر من 40 ألف جنيه إسترليني نفقات غير مبررة استخدمها ليستأجر غرفاً في منزلين يملكهما صديقه. وقال لوز في بيان صحافي مقتضب: "لا أرى كيف يمكنني الاضطلاع بمهماتي من حيث الموازنة ومراقبة النفقات في الوقت الذي يترتب علي أن أواجه العواقب الشخصية والعامة للمعلومات التي كشفت أخيراً".
في آخر الأخبار، وفي مسعى لإنهاء الحديث عن فضيحة "فيرت - بيتانكور" المتعلقة بتبرعات سياسية غير مشروعة والتي زعزعت ثقة الفرنسيين بحكومتهم، أفادت مصادر مقربة من وزير العمل الفرنسي إريك فيرت أن الأخير سيستقيل من منصبه كأمين لصندوق الاتحاد من أجل حركة شعبية، فيما تواصل الشرطة التحقيق في مزاعم عن تلقيه تبرعات نقدية بطريقة غير مشروعة من ليليان بيتانكور، أغنى امرأة في فرنسا، لمصلحة الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2007.
لماذا كتبتُ كل هذا؟ طبعا ليس بهدف الوعظ. كتبته لأسأل نفسي لماذا نقرأ عن أحداث مثل هذه تدور في الخارج وليس في لبنان؟ هل يبادر أصحاب الشبهات هنا إلى الاستقالة من مناصبهم كما يفعل نظراؤهم في الدول الأخرى؟ لماذا تتكرر الحكايات نفسها بالوجوه ذاتها منذ عشرات السنين في بلادنا ولا من يحرك ساكناً؟ هل السبب يكمن في غياب نظام المساءلة؟ هل يكمن في أن الذين استحوا ماتوا؟ لا أدري... ومرات كثيرة أشعر أنني لا أريد أن أعرف.

سمير قسطنطين – النهار 2 آب 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق