الأحد، 10 يوليو 2011

«بحمدون» في ذاكرة الكويتيين سهرٌ وفرحٌ وصيفٌ رائع

منزل في بحمدون
«بحمدون» تلك البلدة اللبنانية المتفيئة الصنوبر والسنديان، المفعمة حياة، المشبعة هواء نقياً، شكلت، عبر تاريخها، علامة فارقة في الجمع بين تراثين وشعبين وحضارتين وثقافتين... تشكل مشهدا جديدا مميزا لافتا، تناغمت فيه دولتا لبنان والكويت في قالب واحد قد لا نجده إلا هناك، في بحمدون والجوار: عاليه، حمانا، فالوغا، الشبانية، قرنايل وصوفر.
بحمدون ترحب بكم، المركبات عادت تكرج الى بلدات الاصطياف، هواء الجبل عاد يلفح المصطافين في جنباته، نسيم رائع، هدوء أروع، بيوت تتوغل في الطبيعة، تنشق عنها التلال وترتفع في الوديان قبباً قرميدية حمراء، ننسى الهموم ونعيش اللحظة، هموم لبنان كثيرة، كبيرة، لكن اللحظات والتفاصيل تبقى ذات طعم ونكهة، ندخل سوق بحمدون، نجول في الشارع العريض، هنا بنك الكويت الوطني، هناك فندق «الصفاة» الكويتي، هنالك ديوانية بوراشد التي تتيح للمستثمرين الكويتيين، من لبنان، من بحمدون، التداول في الأسهم المدرجة في بورصة الكويت، أكثر من 95 في المئة من سوق بحمدون مستثمر من كويتيين بنوا فيها ويبنون.

اثنان وعشرون فندقا في البلدة، معظمها لا يزال قيد الترميم، فنادق «الكارلتون»، «السفير»، «الفارابي»، «الشيراتون»، «الشيخ»، «المونديال»، «الصفاة» استعدت للصيف الآتي، «السفير» فرش السجاد الأحمر ترحيبا بمن أتى ومن سيأتي، ومدير شؤون الموظفين ايهاب بلعة يشرح: «ان شاء الله يكون الموسم الآتي ممتازاً. فتحنا أبوابنا في الأول من حزيران، وننتظر المصطافين الكويتيين الذين يشكلون نحو 85 في المئة من زبائننا، موسم الصيف الماضي انتهى في عزه بسبب حرب تموز، وانتقل طاقم السفارة الكويتية الى فندقنا، من هنا، من «السفير»، غادر ألوف الكويتيين الذين كانوا في لبنان، غادروا وفي قلوبهم غصة».

حبل سرة

إذا كانت هذه حال المصطافين عموما في لبنان العام الماضي، والكويتيين منهم تحديداً، فمن يُطمئن هؤلاء هذا الصيف ليأتوا الى ربوع لبنان؟ الإجابة عاطفية: «بين لبنان والكويت «حبل سرة». الكويتيون الذين عاشوا فصول حرب الخليج يشعرون كثيرا مع لبنان، مثلما انتفضوا بعد الحرب على أراضيهم لن يلبثوا أن ينتفضوا هنا أيضا على فصول الموت، على الحرب، على الجمود، ويتقاطروا لإحداث الفرق».

الحجوزات بدأت. الاتصالات الاستيضاحية مثل زخّات المطر، الموسم انطلق، أهل الخليج، الذين لديهم صغار في المدارس والجامعات، يصلون الى لبنان بعد العشرين من حزيران. الأمل، كل الأمل، يظل عند أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية والتجارية في لبنان عامة، وفي بحمدون خاصة، أن تنتهي مراحل العذاب التي يتعرض لها لبنان التي، نكاية بخالقيها، لم تثنه عن التفكير في الغد والتحضير له.

فرفلي

تبعد بحمدون عن العاصمة بيروت مسافة 35 كيلومتراً وترتفع عن سطح البحر ألف متر، تتمتع بطقس جاف، صحي، مميز. تعتبر، على ذمة الكويتيين الذين التقيناهم والبحمدونيين الذين حدثناهم، البيت الثاني لأهل الكويت، بل هي المحافظة السابعة. نمشي في أرجاء «المحافظة السابعة» لاستبيان تحضيرات الصيف، العصافير تغرّد، البيوت تستعد، الإسفلت الجديد يُفرش سميكا على الطرقات، عقار معروض للبيع: للمراجعة الاتصال على الرقم (...). مطعم إيطالي في وسط السوق العريضة، الخليجيون مثل سكان بحمدون يحبون الأكل الطلياني، شيف المطعم الايطالي لبناني يقول: «عملنا مزدهر في تموز وآب، البيتزا على أنواعها مطلوبة، الباستا مرغوبة. يميز طبق الشيف صناعة البيتزا «لايت» للريجيم بالعجينة الرقيقة جدا التي يأكلها الزبون كلها ولا يصيبه «عسر هضم». بيتزا «الشيف» مصنوعة على الحطب لافي الفرن. أما «الباستا» فيطلبها الخليجيون في بحمدون «فرفلي» مع الفطر والكريما الطازجة.

في بحمدون بلديتان: بلدية المحطة وبلدية الضيعة، رئيس بلدية المحطة أسطا أبو رجيلي يهتم بالنواحي التي تضم عادة معالم الاصطياف، في البلدية أربع شرطيات نساء وهذه سابقة في بلديات لبنان، الهدف منها تأمين الراحة الكاملة للمصطافين الخليجيين، ولاسيما الخليجيات اللواتي بات في امكانهن الاستعلام عن أي شيء عبر «بنات جنسهن»، شرطيات البلدية.

70 سنة حباً

ماذا يتذكر أبو رجيلي ومن أي زمان؟ ماذا عن الاصطياف في بحمدون قبلاً واليوم وغداً؟ يجيب: «العلاقة بين أهالي بحمدون والخليجيين، تحديداً أهالي الكويت، وطيدة. عمرها أكثر من سبعين سنة. الطقس هنا، مناسب، معتدل. تضم المدينة كل المقومات التي جذبت أجيالاً مختلفة، كباراً وصغاراً وشباباً. بحمدون تعرف حاجات المصطافين والعائلات، الأجواء العائلية تغلب عندنا، عناصر شرطة البلدية يعملون ليل نهار، 24 ساعة على 24 ليمنحوا المصطافين الشعور بالأمان الكامل».

تتوافر في فنادق بحمدون كل العناصر التي تجعلها بجدارة: «خمس نجوم». المفارقة أن معظم الكويتيين الذين اعتادوا على بحمدون تملكوا فيها، في هذا الجانب، يحدد رئيس بلدية المحطة كيفية توزع الإطار العقاري في بلديته بين خليجيين ولبنانيين وبحمدونيين: «يملك الخليجيون ثلث بحمدون المحطة، والثلث الثاني يملكه لبنانيون، والثلث الثالث البحمدونيون».

صاحب محل بيع وشراء العقارات في بحمدون الكويتي خالد الدعيج يحدد أسعار البيع والشراء وحجم الاستثمارات الكويتية في المدينة الجبلية وضواحيها: «لم تتغير اسعار العقارات كثيرا عما كانت عليه في الصيف الماضي، ثمة مواقع أغلى من مواقع، أسعار العقارات في السوق التجارية مرتفعة جدا، أما البيوت السكنية فتزيد أسعارها في بلدة ضهور العبادية على بلدة بحمدون الضيعة، سعر المتر المربع الواحد في ضهور العبادية ارتفع في العامين الفائتين الى 350 دولاراً ولم يكن يزيد عن 170 دولاراً. في بلدة حمانا ارتفع السعر من ثمانين دولارا الى مئتي دولار».

ذكريات كويتية

أمام محل خالد الدعيج يجلس عدد من رجال الأعمال الكويتيين الذين أتوا الى لبنان لإنجاز بعض الأعمال، رغم كل الحوادث وسيعودون في تموز مع عائلاتهم، يتحدث الدعيج باسمهم عن بحمدون وحمانا وبرمانا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وعن استمرار عشقهم لها في الألفية الجديدة: «شعر الكويتيون في لبنان بالألفة والمحبة والترحيب، وشيئا فشيئا تقاطروا وتملكوا واستثمروا(...)». يتذكر الدعيج: «في ستينيات القرن الماضي، يوم أتيت للمرة الأولى الى لبنان، شغلت غرفة في «مينا هاوس» لقاء عشر ليرات لبنانية مع ثلاث وجبات طعام، كنا ندفع كلفة الاستحمام ليرة إضافية، وكنا يا طويلة العمر نصعد الى بحمدون ونتشاجر لنحجز طاولة تطل على الشارع العام في مقهى أبو الشامات الشعبي، كنا نقصد السينما عند طرف البلدة وحين ينتهي الفيلم نعطي العامل في الصالة ليرة إضافية ليعيد عرضه لنا ثانية، شاركنا في مسابقات أعدت في بحمدون اختير فيها «أجمل شنب». وحضرنا هنا حفلة لملكة جمال الكون جورجينا رزق».

لا تنتهي «خبريات» الكويتيين في لبنان التي يرويها خالد الدعيج: «كنا آكلين شاربين نايمين في بحمدون. التاكسي الى بيروت كان يتقاضى نصف ليرة لبنانية. كانت الليرة ليرة. الدينار كان يوازي ست ليرات لبنانية، ما الآن فبات يعادل خمسة آلاف ليرة، تفاصيل كثيرة تغيرت لكننا نستمر متمسكين بلبنان، ببحمدون، مثلما نتمسك بالكويت».

الحياة الكاملة

رائع كلام الدعيج باسم الكويتيين عن لبنان وبحمدون، رائعة المحبة التي يحرص باسمهم على إبرازها للبنان واللبنانيين.

نتابع جولتنا في تفاصيل بحمدون، الفنادق كثيرة. «الشيراتون» كويتي، «لا مارتين» كويتي، المسجد المبني قرب فندق «الصفاة» الكويتي، أكثر من 350 مؤسسة تجارية في بحمدون وأكثر من خمسين فيللا تُبنى وأكثر من مئة ألف مصطاف ألفت بحمدون استضافتهم، في بيوتهم طبعا، كل صيف.

استعدت بحمدون، رغم كل ما حدث ويحدث، إنها تنتظر الصيف، تنتظر تحديدا انتهاء المدارس في الخليج فهل ستكتب لها «الحياة الكاملة» هذا الصيف؟ كويتي معمّر جال بعباءته البيضاء الناصعة على رصيف السوق التجارية، بدا مستمتعا بتنشق نسيم الهواء المتغلغل في رئتيه وهو يتفرج على كل بيروت من قلب الجبل، أجاب في اختصار تام: فليُعطَ لبنان السلام وليأخذ العالم ما يدهشه! 

رئيس بلدية بحمدون المحطة
مشهد عام للبلدة
نوال نصر - جريدة الجريدة العدد 21 - 25/06/2007 تاريخ الطباعة: 03/08/2009

0 تعليقات::

إرسال تعليق