السبت، 11 يونيو 2011

الحلاج الحريَّة على خَشَبَة الصَّلْب

ليست محض مطالعة في التاريخ. إنها أيضًا قراءة في الواقع، حيث لا يزال الوعيُ الجمعي في بعض المؤسَّسات التقليدية مسكونًا بهاجس إقامة الحدِّ المماثل على مَن تُسوِّل له نفسُه اتِّباع خُطى الحلاج في التفكير في فضاء مفتوح والتحليق في آفاق حرة، مهما كانت الروح عازفة عن رغائب السلطان وموائده وأعطياته.
صَلْبُ الحلاج يومٌ أسود في تاريخ الإسلام: إنه اليوم الذي حقَّقَ فيه التزمتُ نَهَمَه في الانتقام من حقِّ الإنسان في التعبير والفكر. إنه أكفر أيام الأمَّة بالهُدى الربَّاني الذي نادى به القرآن في الآية الكريمة: "لا إكراه في الدين."
واليوم، بعد مرور 1111 عامًا على بدء معاناة الحلاج، هل كان قرار المقتدر العباسي بقتل الحلاج صائبًا؟ وهل كان قرار المجمع المستبد من حوله نزيهًا حين صَلَبَ تلك الروح المتمردة الثائرة، التي لم تستطع الصمت بعد أن أهلَّتْ عليها إشراقاتُ الملأ الأعلى؟
إشراقُه كان من لون فريد. لم يطقْ أن المعرفة شيء أدركه الأوَّلون لأجله، وأن عليه أن يبصم على ما تخيَّروه لأجله. لقد كان يريد أن يمشي بنفسه في الوادي ذاته. أراد أن تدمى يداه بأشواكه، وأن يذوق نشوة وصاله ولهيب جفائه، حيث يحمله اليقين على أن الوجود الحق هو هو: "حقِّقْ لا ترى إلا الله"!

لم يرَ في الموجودات إلا أثر الموجِد، ولا في الخلق إلا نفحة الخلاق – وما سوى ذلك عدم.

جُبِلَتْ روحُك في روحي كما * يُجبَل العنبرُ بالمِسْـكِ الفَتِقْ
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنـا لا نفتـرقْ

وقوله:

مُزِجَتْ روحُك في روحي كما * تُمزَجُ الخمرةُ بالمـاءِ الزُّلال
فإذا مسَّـكَ شـيءٌ مسَّـني * وإذا أنـتَ أنا في كـلِّ حـال

وقوله أيضًا:

قد تحقَّقتُكَ في سرِّي فناجاكَ لساني
فاجتمعنا لِمَعَـانٍ وافترقـنا لِمَعـانِ
إن يكنْ غيَّبَكَ التعظيمُ عن لَحْظِ العِيانِ
فلقد صيَّركَ الوَجْدُ من الأحشَـاء دانِ

لم يكن الوصال عنده محض إطلالة على مرابع المحبوب. لقد كان فناءً فيه واستغراقًا في وصاله:

يا نسيمَ الريحِ قولي للرَّشَـا * لم يَزِدْني الوِرْدُ إلا عَطَشَـا
روحُه روحي وروحي روحُه * إنْ يشَا شئتُ وإنْ شئتُ يشَا

ولكن حبَّه وشغفه كان من لون فريد. لم يكن يرى في العشق سبيل ملذة، وإنما كان يستعذب رَهَقَه وآثاره، حتى أسْلَمَه ذلك للمهالك:

أريدُكَ لا أريدُكَ للثَّـوابِ * ولكـنِّي أريـدُك للعقــابِ
وكلُّ مآربي قد نلتَ منها * سوى ملذوذ وَجْدي بالعَذابِ

هكذا كان عالم الملأ الأعلى الذي يتقلَّب في رغائبه الحسين بن منصور الحلاج. ولكن أين كان خصومه وحاسدوه الذين قالوا: إن الله عَهَدَ إلينا أن لا نرى حرًّا إلا قيَّدناه، ولا مفكرًا إلا أرهقناه، ولا مخالفًا إلا قتلناه؟
قال الحلاج: "إنهم ينكرون عليَّ، ويشهدون بكفري، وسيسعون إلى قتلي، وهم في ذلك معذورون، وبكلِّ ما يفعلون مأجورون."
أمَرَ الخليفة المقتدر بتسليمه إلى حامد بن العباس، وأمَرَه أن يكشفه بحضرة القضاة والعلماء ويجمع بينه وبين أصحابه. فجرى في ذلك خطوبٌ طوال. وبدا طوق النجاة أمامه في وجه واحد، وهو أن يرجع عن موقفه الفكري، وأن يبصم على اختيار السلطان. ولكنه اختار طوق نجاة آخر، يعتصم فيه بصدقه مع نفسه ويرحل به إلى مجد الخلود. واستيقن السلطان أمره ووقف على ما ذُكِرَ عنه. وثبت ذلك على يد القضاة وأفتى به العلماء، فأمر بقتله وإحراقه بالنار.
واختاروا منطقًا شرسًا للموت، يقمعون به مَن تُسوِّل له نفسُه أن يمارس حقَّه في الفكر والاختيار. فضُرِبَ بالسياط نحوًا من ألف سوط، ثم قُطِعَتْ يداه ورجلاه، ثم ضُرِبَتْ عنقُه، وأُحْرِقَتْ جثتُه بالنار، ونُصِبَ رأسُه للناس على سور الجسر الجديد، وعُلِّقَتْ يداه ورجلاه!
عندما تقرأ الكلمات الأخيرة التي قالها الحلاج ما بين خشبة صلبه وارتقاء روحه، تدرك أنه كان يرسم للأحرار من بعده دربَ الموت في سبيل كلمة الحقيقة.
قال السلمي: "سمعت أبا العباس الرازي يقول: كان أخي خادمًا للحلاج. فلما كانت الليلة التي يُقتَل فيها من الغد قلت: أوْصِني، يا سيدي. فقال: عليك بنفسك، إن لم تشغلْها شغلتْك. فلما أُخرِجَ كان يتبختر في قيده ويقول:

نديمي غيرُ منسـوبٍ * إلى شيءٍ من الحَيْفِ
سقاني مثل ما يشربُ * فعل الضَّيف بالضَّيفِ
فلمـا دارتِ الكـأسُ * دعـا بالنَّطعِ والسَّيفِ
كذا مَن يشربِ الكأسَ * مع التنِّينِ في الصَّيفِ
ثم قال: "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق".
وعندما قُرِّبَ من خشبة الصلب كان يقول: "إلهي، نحن شواهدك، نلوذ بسنا عزَّتك لتُبدي ما شئت من مشيئتك. أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله. يا مدهر الدهور ومدبِّر العصور. يا مَن ذلَّتْ له الجواهرُ، وسجدتْ له الأعراض، وانعقدتْ بأمره الأجسام، وتصوَّرتْ عنده الأحكامُ. مَن تجلَّى لما شاء، كما شاء، كيف شاء".
وكانت آخر كلمة تكلَّم بها عند قتله: "حَسْبُ الواحد إفراد الواحد."
وكان أكثر قوله عند صَلْبِه: "إلهي! أصبحت في دار الرغائب، أنظر إلى العجائب. إلهي، إنك تتودَّد إلى مَن يؤذيك؛ فكيف لا تتودَّد إلى مَن يؤذى فيك!"
ومع أنه عوقب بتهمة الردَّة والزندقة، فقد قال ابن أبي النصر: "إن كان بعد النبيين والصدِّيقين موحِّد فهو الحلاج!" أما الشبلي فكان يقول: "كنت أنا والحسين بن منصور شيئًا واحدًا؛ إلا أنه أظْهَرَ وكتمت."
وعندما خُتِمَ قَدَرُ الحلاج، وأصبح شاهد التاريخ على معاناة الأحرار وكيد الاستبداد، أقبل الشبلي، شريك مشاهدته وخليل مناجاته، وتقدَّم تحت الجذع وقال: "أوَلمْ نَنْهَكَ عن العالمين؟"

محمد الحبش (مدير مركز الدراسات الإسلامية، دمشق) - جريدة الثورة  - حرر في: Sep 11 2007, 06:13 PM

......

قال الحلاّج:
ـ متى نُنَوْرِز؟

فسأله ابن فاتِك:
ـ متى تَعني؟

قال:
ـ يَوم أُصلب.

خَاطَبنِي الحقُّ من جِنانِي... فَكَانَ عِلمِي على لِساني
قَرَبني مِنه بَعْدَ بُعْدٍ ... وَ خَصَّني اللهُ واصطَفاَنِي

فكما أن يوم النيروز هو بداية سنة جديدة ونهاية أخرى ، فنيروز الحلاّج هو بداية حياته الثانية . يأمل اتحاده بخالقه ، وتحرره من قيود الزمان والمكان . وحين عُلِق على الصليب وهو حي في بغداد ، نظر الحلاّج لابن فاتِك قائلاً
ـ نَوْرَزْنَا.

: فقال ابن فاتِك مُداعباً:

ـ أيها الشيخ، هل أُتْحِفْتَ؟ (أي أٌتحِفْتَ بهدايا النيروز).

: قال الحلاّج:

ـ بلى، أُتْحِفتُ بالكَشف واليقين ... غير أنّي تعجّلت الفرح .
كَم دمعةٍ فيكَ لي مَا كُنتُ أُجريها ... وَلَيلةٍ لست أفنى فيكَ أُفنيها
لَمْ أُسلِمِ النَفسَ للأسقَامِ تُتلِفها ... إلا لِعلمِي بأن الوَصلَ يُحيِيها

لم يكن أبو المغيث الحسين بن منصور (الحلاّج) إلا شارباً من نبع ٍ لا ينضب معينه،
ولا يأسن. تضرب أمواجه وقد حرّكتها أعاصير الهوى، ولا شفاء من بعدُ . تنضَّر وجه الهوى ببشاشته فتجلَّى، وسرت السكينة في بدنه. حجَّ البيت ثلاث مرات، وسَاقته مطية التسفار شرقاً حتى بلاد الهند وتركستان وكشمير والصين. اطلع على طُرق المخاطبة العِرفانية بين الحُكماء، ونهل مستوىً من الإشراق الروحي لا يبلغه العامة. عاد من بعدها لموطنه ، وقد تشربت روحه من سحر الشرق، وأغصانه التعبدية المورقة. رققّت المعرفة المتصوفة الأستار من حوله، وسقطت الحُجب. عَرف ما يعانيه المستضعفون من الزنج والقرامطة في عهد الخليفة المقتدر العباسي، وتعاطف مع مأساة من يستطعمون السميد وحبات التمر في ليل العبودية الحالك. جلس للصفاء، وخاطب بلغة العابد سيد روحه ومالك قلبه. بَرى جسده وصهر الروح فتسربت العوالم الشفيفة إلى نفسه، كان المولى حاضراً ولم يزل في خاطره، فعشِقه وتولَّه. رفرفت كلمات العِشق شعراً تفوح روائحه الذكية أينما استقبلتك سيرته. فصدح بُلبل الصدر غناء، أفرط وغطس بحوراً فوق الإدراك، فتحيرت الألباب وهي تستمع لإنشاده. أفصَحَ عشقه بلغة عصية على الفهم ، يحسبها الطافِح في ظاهر النصوص كُفراً. تكاثف عليه المحبين حتى حسبه السُلطان طامع يزلزل الملك، فاستنوا له سيوف البتر والتكفير. و من يغوص إلى أعماق المعاني يرى غرائب تنهض من فوق دلالات اللغة، وتعبر الخطوط الحُمر التي يراها أهل الظاهر خيوطاً تُمسك بالكفرة : ـ

أنا منْ أهوى ، ومنْ أهوى أَنا ... نَحنُ روحانِ حَللنا بَدنا
نَحن ُ، مُذ كُنَّا عَلى عَهدِ الهوى ... يُضرَبُ الأمثالُ للناس بِنا
فإذا أَبصَرتَني .. أَبصَرْتَهُ ... وإذا أَبْصَرْتَه أَبصَرتَنا
أيها السائِلُ عَنْ قِصتَنا ... لو تَرانَا لَم تُفَرِّق بيننا
روحُه رُوحِي وروحِي رُوحه ... مَنْ رَأَى رُوحينِ حَلَّت بَدَنَا

ـــــــ

وحُرمَة الوُدِّ الذي لم يَكُنْ ... يَطمَعُ في إفسَادِه الدَّهرُ
ما نالَني عندَ هُجُومِ البَلاَ ... بأَسٌ وَلاَ مَسَّنِي الضُرُّ
ما قُدَّ لي عُضوٌ ولا مَفْصِلٌ ... إلاّ وَ فِيه لَكُمُ ذِكْرُ

ـــــــ

وَ البُعدُ لي مِنكَ قُربٌ ... والقُرْبُ لي مِنكَ بُعْدُ
وَكَيفَ يَثبُتُ ثَانٍ ... وأَنتَ ، يَا فَردُ فَردُ
فَذاكَ قَلْبُ المَعاني ... وَلَيسَ مِن ذَاكَ بُدُّ
وَالشِّركُ إِثباتُ غَيرٍ ... والشِّركُ لا شَكَ جَحْدُ

ـــــــ

الحُبُ ما دامَ مَكتُوماً على خَطَرِ ... وَغَايةُ الأمْنِ أن تَدْنُو مِنَ الحَذَرِ
وأَطْيَبُ الحُبِّ ما نَمَّ الحَديثُ بِهِ... كَالنَّارِ لا تَأَتِ نَفْعَاً وهْيَ في الحَجرِ

ـــــــ

و اللهِ لو حَلَفَ العُشَّاقِ أّنهُمُ ... مَوتَى مِن الحُبَّ أو قَتْلَى لما حَنَثُوا
قَوْمٌ إذا هُجِرُوا مِنْ بَعْدِ ما وُصِلُوا ... مَاتُوا وإن عادَ وَصْلٌ بَعْدَهُ بُعِثُوا
تَرَى المُحِبِينَ صَرْعَى في ديارِهمُ ... كَفِتْيَةِ الكَهفِ لا يَدْرُون كَم لَبِثُوا

ورويَّ عن إبراهيم بن فاتِك أنه قال: ـ

دخلت على الحلاّج ليلة وهو في الصلاة مبتدئاً بقراءة سورة البقرة ، فصلى ركعات حتى غلبني النوم ، فلما انتبهت ، سمعته يقرأ سورة (حم عسق) ، فعلمت أنه يريد الختم ، فختم القرآن في ركعة واحدة ، وقرأ في الثانية ما قرأ ، فضَحِكَ إليَّ وأنشد:

إذا بلغ الصَّب الكمال من الفتى ... ويذهل عن وصل الحبيب من السُكر
فيشهد صدقاً حيث أشهده الهوى ... بأن صلاة العاشقين من الكفر

نهج الحلاّج منهج الغلظة على الجسد لجلاء الروح وصفائها، حتى أصبح مُخشوشِناً كقِشرة الثمر، تُمعِن هي في الصلابة لتُنَضِّر باطنها فيحلو المذاق. ورويَّ عن أبي يعقوب النهرجوري أنه قال:

دخل الحلاّج مكة دخلة، وجلس في صحن المسجد سنةً، لم يبرح موضعه إلا للطهارة والطواف، ولم يحترز من شمس ولا من المطر . وكان يُحمل إليه في كل عشية كوز ماء وقرص من أقراص مكة، وكان عند الصباح يُرى القرص على رأس الكوز وقد عضَّ منه ثلاث عَضات أو أربعاً، فيُحمَل من عنده.

استعصت أقواله الفلسفية وتعاليمه إلا على القليلين، و منها:

(أيها الناس إن الله يحدّث الخِلق تلطُفاً فيتجلى لهم، ثم يستتِر عنهم تربيةً لهم. فلولا تجليه لكفروا جملةً، ولولا سترُه لَفُتِنُوا جميعاً، فلا يديم عليهم إحدى الحالتين . لكنِّي ليس يستتر عني لحظة فأستريح حتى استُهلِكَتْ ناسوتيَّتي في لاهوتِيَتِه، ويتلاشى جسمي في أنواره، فلا عين لي ولا أثر ولا وجه ولا خَبر).

مؤلفاته:

أثبت أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق المعروف بالوراق النديم ثبتاَ بمؤلفات الحلاّج ، فجاءت على النحو التالي: ـ

ـ كتاب طاسين الأزل والجوهر الأكبر والشجرة الزيتونة النورية.
ـ كتاب الأحرف المحدثة والأزلية والأسماء الكلية .
ـ كتاب الظل الممدود والماء المسكوب والحياة الباقية .
ـ كتاب حمل النور والحياة والأرواح .
ـ كتاب الصهيون.
ـ كتاب تفسير (قل هو الله أحد).
ـ كتاب الأبد المأبود.
ـ كتاب قران القرآن والفرقان.
ـ كتاب خلق الإنسان والبيان.
ـ كتاب كيد الشيطان وأمر السلطان .
ـ كتاب الأصول والفروع.
ـ كتاب سر العالم والمبعوث.
ـ كتاب العدل والتوحيد.
ـ كتاب السياسة والخلفاء والأمراء .
ـ كتاب علم البقاء والفناء .
ـ كتاب شخص الظلمات .
ـ كتاب نور النور .
ـ كتاب المتجليات .
ـ كتاب الهياكل والعَالم والعالِم .
ـ كتاب مدح النبي والمثل الأعلى .
ـ كتاب الغريب الفصيح .
ـ كتاب النقطة وبدء الخلق .
ـ كتاب القيامة والقيامات .
ـ كتاب الكبر والعظمة .
ـ كتاب الصلاة والصلوات .
ـ كتاب خزائن الخيرات .
ـ كتاب العين .
ـ كتاب التوحيد.
ـ كتاب النجم إذا هوى.
ـ كتاب الذاريات ذوراً.
ـ كتاب في أنّ الذي أَنزل عليك القرآن لرادك إلى ميعاد.
ـ كتاب الدرة، إلى نصر القشوريّ .
ـ كتاب السياسة ، إلى حسين بن حمدان .
ـ كتاب هُوَ هُو.
ـ كتاب كيف كان وكيف يكون .
ـ كتاب الوجود الأول.
ـ كتاب الكبريت الأحمر.
ـ كتاب السمري وجوابه .
ـ كتاب الوجود الثاني .
ـ كتاب لا كيف .
ـ كتاب الكيفيّة والحقيقة .
ـ كتاب الكيفيّة والمجاز .

بالإضافة إلى هذه الكتب ، هنالك ديوانه ، وأول من جمعه المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون).

من يا تُرى أراد أن يقتص من صاحب تلك المزرعة الفكرية المتميزة ؟!

حانت ساعته، فكانت خاتمة عمره عندما أصبح صباح يوم قاتم من أيام البؤس. أُخرج الحلاّج من محبسه ليُقتل في رحبة الجسر بباب خُراسان، في الجانب الغربي من بغداد. وكان قد بلغ الخامسة والستين من عمره، أبيض شعر الرأس واللحية. فتقدم وصلى ركعتين، فقرأ في الأولى فاتحة الكتاب ثم بعدها:

{ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع....}. ثم قرأ في الثانية فاتحة الكتاب، ثم بعدها:

{ كل نفس ذائقة الموت... }. ومبالغة في إذلاله تقدم السيَّاف ولطمه لطمة هشم بها وجهه وأنفه ، ثم ضُرب نحواً من ألف سوط ، فلما لم يمت ، قُطعت يده ثم رجله، ثم رجله الأخرى، ثم يده ثم ضُربت عنقه ، وأُحرِقت جثته فلما صار رماداً، أُلقي في نهر دجلة. ونُصِب رأسه للناس على سور السجن وعُلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.كان ذلك في بواكير القرن الهجري الرابع.

ستظل صفحة الحلاّج مشرقةً في التراث البشري ، تنطق بفضل ذلك الفيلسوف المسلم، وستظل مأساته مورداً عذباً تنهل منه العقول في كل زمان ومكان . فقد كانت لغته فتحاً جديداً في المعرفة ، وجنساً متفرداً في أدب التصوف .

المرجع: ديوان الحلاج - جمعه وقدم له / الدكتور سعدي ضنّاوي 20 فبراير 2010

1 تعليقات::

غير معرف يقول...

هل هذه الكتب متوفره

إرسال تعليق