لا يوجد عالم عربي |
لا أدري لماذا أتذكّر الآن ما جرى في أيلول الذي سُمّي بالأسود سنة 1970. في ذلك الأيلول وعلى أثر الأحداث الدموية التي حصلت في المملكة الأردنية الهاشمية، وتحت ضغط الجيش الأردني قام بعض المسلّحين الفلسطينيين بعبور النّهر وتسليم أنفسهم بالذّات للجيش الإسرائيلي. نعم، لقد فرّوا من بلد عربيّ وفضّلوا تسليم أنفسهم لجيش الـ“عدو“.
أتذكّر هذه الأحداث الآن على ضوء ما يجري في سورية. فها هم العرب ينتكبون مرّة أخرى بأنظمتهم المافيوزية، ولكنّ النكبة هذه المرّة يصنعها العرب بأنفسهم ولأنفسهم. فها هم المواطنون السوريّون يفرّون باحثين عن ملجأ في تركيا خشية بطش هذا النّظام البعثي المافيوزي. نعم، إنّ المواطنين السوريين يفرّون من بلد هو بلدهم طالما ادّعى بأنه حامل لواء العروبة، وذلك بحثًا عن ملجأ في تركيا. وهي التي طالما وسمها مراهقو العروبة بأنّها أساس بلاء العرب وتخلّفهم، بسبب سيطرة العثمانيين على العرب طوال قرون.
خلاف على أسباب التخلّف:
لقد ذكرت مرّة لصديق تركيّ هذه الدعوى القوموية العربية والتي تنسب التخلّف العربي المزمن إلى تلك القرون من الحكم العثماني للمنطقة العربيّة. غير أنّ الصديق التركي انفجر ضاحكًا حتّى كاد يستلقي على قفاه. ولمّا حاولت الاستفسار عن سبب ضحكه هذا، أجاب: هنالك دعوى مشابهة في تركيا، غير أنّها معكوسة تمامًا. القومويون الأتراك يقولون إنّ سبب بقاء تركيا متخلّفة كلّ هذا الزّمان هو بسبب حكمهم العرب.
وفي هذا دلالة على أنّ القومويّين لا يختلفون عن بعضهم البعض. القومويّ يعلّق أسباب تخلّفه على الآخرين. إنّه لا يستطيع، أو أنّه لا يرغب في النظر إلى نفسه بالمرآة. إنّه يبحث عن أسهل الطرق بغية تجنّب مساءلة الذات، والوقوف على جذور وأسباب الفشل الذّاتي. لهذا السّبب أيضًا، فإنّنا نرى أنّ العرب هم أكثر شعوب الأرض قبولاً واستيعابًا لنظريّات المؤامرة على اختلافها وغرائبيّتها.
إنّه اليأس، يا خوري!
في مقالة بعنوان ”إنّه الأمل“ نشرها في ”القدس العربي“ في الأسبوع الفائت يصبّ الكاتب اللبناني إلياس خوري، ”المُصاب بالأسى“ بتعبيره، دلوًا من اللّوم على رأس الكاتب المغربي الطاهر بن جلون. ومناسبة هذا الدلو من اللائمة هو ما ورد من تفوّهات على لسان الطاهر بن جلون بشأن أحوال ”العالم العربي“ في لقاء حواري مع الروائي اللبناني شريف مجدلاني في بيروت. لقد ذكر أنّ بن جلون نفى وجود ”عالم عربي“ وهو ما حدا بإلياس خوري إلى التساؤل: ”ما معنى أن يقول بن جلون أن العالم العربي غير موجود؟“، ثم يُضيف: ”هل يكفي ان تكون هناك اختلافات في اللهجات والأديان كي يصير العالم العربي غير موجود؟“. ثمّ يذكر خوري من بين مسبّبات الأسى الذي دلقه عليه بن جلون في هذا اللقاء: ”لكن ما يثير الأسى هو ان يدافع المثقف عن نظام بلاده وعن مليكه، في بيروت، وعلى مبعدة مئة كيلومتر فقط من الشام، حيث تسيل الدماء.“
ولهذا السّبب يطلب الكاتب اللبناني من الكاتب المغربي أن يكون حذرًا وأكثر دقّة قائلاً: ”كان على صاحبنا المغربي أن يكون أكثر دقة. فالحوار العلني في الجامعة ليس شبيهًا بحوارات المقاهي، بل يفترض شيئًا من المسؤولية الأدبية.“
هكذا، إذن. إنّه يطلب من الكاتب المغربي أن لا يقول ما يجيش بصدره من أفكار في منصّة عامّة، بل يطلب منه أن يكون بوقًا لـ“فكرة مُتوَهَّمة“ اسمها الـ“عروبة“ أو ”العالم العربي“، وهي الفكرة التي طالما جلبت وبالاً على أصحابها. والغريب في الأمر أنّ هذه الدّعوى تأتي من كاتب لبناني، وهو على علم بحيثيّات الوضع اللبناني. ففي بلد صغير مثل لبنان، لم يستطع هذا البلد ولا زعاماته أو أهله أن يبنوا هويّة واحدة جامعة لأبنائه تتخطّى هذه الطوائف المتصارعة طوال تاريخه.
وعودًا على بدء:
نعم، لا يوجد عالم عربي. لا يوجد تكافل عربي بما تعنيه هذه الكلمة. فلو كان هنالك شيء اسمه ”عالم عربي“ لاستنفر هذا العالم نفسه لوقف المجازر التي يرتكبها البعث المافيوزي بحقّ المواطنين السوريين. يكفي المرء أن ينظر إلى صور التمثيل بجثث الأطفال السوريّين لكي يقف على طبيعة هذا النّوع من الأنظمة.
ولو كان هنالك شيء اسمه ”عروبة“ لانطلقت المظاهرات في العواصم العربية ضدّ هذا النّظام المجرم وضدّ كلّ ما يمثّله من استبداد طوال عقود من الزمان.
لكنّ الحقيقة هي أنّ بيوت العرب كلّها وكلّهم مصنوعة من زجاج. هذه هي الحقيقة المرّة التي يجب أن يواجهها كلّ عربيّ. وما لم يبدأ العربيّ بالنّظر إلى نفسه في المرآة فلن يصل إلى سواء السّبيل.
والعقل ولي التوفيق!
سـلمان مصـالحة - إيلاف“، 13 يونيو 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق