الاثنين، 23 مايو 2011

ما هو سر تزامن زيارتي شيباني وفيلتمان لبيروت... وما هي أبعاد رسائلهما إلى حلفائهما وخصومهما؟

لا ريب أن ثمة في الوسط السياسي اللبناني من يطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كان تزامن زيارتي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان ومعاون وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني مجرد أمر عارض، أم انه يختزن في طياته صورة تعكس جزءاً من صراع الدولتين وتجاذبهما حول مآل الأوضاع في ما يتعدى ساحة لبنان في لحظة التحولات العاصفة التي تشهدها المنطقة منذ فترة.
ومما يزيد في لجاجة المتسائلين حول كنه الترابط بين الزيارتين لساحة واحدة في يوم واحد، أن "بطلي" المشهد هما من الذين امضوا على الساحة اللبنانية أعواماً، بصفتهما سفيرين، وكلاهما يعرفان عن ظهر قلب صورة المشهد اللبناني وأسراره ودقائقه.
وعليه، فإن السؤال الأول المطروح في الشكل حول الزيارتين، هو هل أن نبأ زيارة احدهما وصلت إلى الآخر، فتعمد أن يحط رحاله في بيروت في اليوم عينه الذي وصل فيه نظيره إليها، فيعكس ذلك ضمناً رغبة طهران وواشنطن في تصعيد المواجهة والتنافس بينهما تقليدياً لملء فراغ المنطقة إلى مرتبة أعلى؟

بالطبع ليس ثمة من سيجد الإجابة الشافية عن هذا التساؤل قبل أن يمر حين من الدهر. لكن الثابت لدى أوساط قدر لها أن تغوص في خفايا الزيارتين أن الديبلوماسيين المحترفين سارعا إلى الساحة اللبنانية التي باتت عملياً في حالة وهن سياسي، بعد حال المراوحة والجمود فيها وحال التحولات العالقة في سواها من ساحات المنطقة، ولإدراكهما أنها (الساحة اللبنانية) ساحة الأضواء الساطعة من جهة، والمنصة التي عبرها تطير الرسائل، ومن خلالها تجس الأحداث وتسبر أغوارها الحاضرة والمستقبلية في لحظة المخاض.
ويكبر البعد إياه، إذا ما علمنا أن الصراع الحاد بين المحورين اللذين يتصارعان على مستوى المنطقة كلها منذ زمن بعيد وتقودهما عملياً طهران وواشنطن، بلغ أشده في الأسابيع الأخيرة، حتى أن ضجيج مطاحن المحورين بات يسمع عن بُعد إلى درجة أن ثمة من بات يعتبر أن لحظة معرفة أي من المحورين سيفوز، وبالتالي صار صراعاً وجودياً.
وأهمية الساحة اللبنانية في هذا الصراع المدوي والمتوالي فصولاً، أن لها ارتباطاً وثيقاً بميدان التصارع اللذين يتواجهان على صفيح ساخن جداً الآن، وهما ساحتي سوريا وإسرائيل.
لم يعد خافياً أن الساحة السورية باتت تعيش في الأيام القليلة الماضية بين مطرقة الضغوط الخارجية التي ارتفعت وتيرتها أخيراً ارتفاعاً غير مسبوق ولاسيما بعد دخول واشنطن مباشرة على خط هذه الضغوط واستخدامها خطاباً ذا مصطلحات غير معهودة ومألوفة، وسندان التظاهرات والمسيرات المتنقلة المواكبة لأحداث عنف مقصودة من "المتمردين".
ولقد بات جلياً أن الضغوط الغربية على النظام السوري باتت تشكل أكثر من 75 في المئة من الحدث السوري، في حين يشكل الحراك الداخلي نسبة الـ25 في المئة المتبقية، ولاسيما بعدما نجح النظام في دمشق في توجيه ضربات موجعة إلى الشريحة المعترضة التي وضعت الحراب على جدول أعمالها وسيلة لمواجهة هذا النظام.
وفي المقابل، فإن التظاهرات المنظمة بدقة التي انطلقت صبيحة 15 أيار الماضي إلى الحدود مع الكيان الإسرائيلي سواء في الجنوب اللبناني أو في الجولان السوري المحتل، فإن ثمة من لاحظ أن في طياتها رسالة ذات وجهين بعث بها "محور المقاومة والممانعة" إلى من يعنيه الأمر.
الوجه الأول لهذه الرسالة أنها تدحض عملياً فكرة أن هذا المحور بات تحت وطأة النار التي تستهدفه وصار في وضع العاجز عن الحراك والقاصر عن الفعل، كما روّج البعض، ولا سيما بعد اندلاع الأحداث في سوريا.
وعليه، فقد أوحى هذا المحور انه قادر على استعادة زمام المبادرة، بل أن في مستطاعه أن يبادر هو إلى إطلاق النار ويضع خصومه في زاوية الإحراج وموقع رد الفعل.
أما الوجه الآخر من رسالة 15 أيار الماضي، ففحواه أن مكونات هذا المحور إذا ما اعتبر أن حركة "حماس" ما زالت في عداده، جاهزة للقيام بهجوم وقائي يكسر قواعد اللعبة، إذا ما مضى الآخرون في السعي لإسقاط النظام السوري بعد الإطباق عليه ومحاصرته، وعليه لم يكن أمراً عابراً أن تتحرك جبهة الجولان فجأة بعد مضي نحو 40 عاماً على سيطرة الهدوء شبه التام على شعابها.
واتكاء على كل هذه الوقائع فإن ثمة من يرى أن زيارتي فيلتمان وشيباني للعاصمة نفسها في اليوم ذاته تنطويان على الآتي:
- أن العاصمتين اللتين يمثلانهما تريدان أولاً أن تؤكدا لحلفائهما على ساحة بيروت، وامتداداً إلى خارج المنطقة أنهما في الحسبان، وأن الصراع والتجاذب مستمران، أي أن المعركة بينهما لم تضع أوزارها بعد، بل أن ثمة من المستجدات والتطورات ما يستوجب شحذ الهمم لقابل الأيام.
- إن الديبلوماسيين أتيا إلى بيروت ليستجليا بطبيعة الحال تداعيات تطورات الأسابيع الأخيرة، سواء على الحدود أو في داخل سوريا على مآل الأوضاع على الساحة اللبنانية وعلى وضع قوى هذه الساحة، واستعداداتها لمفاجآت الساعة المقبلة الآتية لا ريب. وبمعنى آخر، أتيا ليقفا على نتائج الضغوط التي مارستها حكومة كل منهما على الأخرى، عبر ميدان معين وكيف يمكن استثمارها والبناء عليها لاحقاً.
- أن أحدهما يريد أن يوجّه إلى الآخر رسالة معينة تتصل بقابل الأيام، وما في ظهر الغيب.
وعليه لم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى الذين قدر لهما في بيروت أن يطلعا على كنه ما حمله الديبلوماسيان إلى بيروت، أن يخرجا بانطباع فحواه أن أوضاع الساحة اللبنانية كانت في الدرجة الدنيا من محادثاتهما.
وكذلك لم يكن غريباً أن يخرج هؤلاء بانطباع الخائف من سخونة الصيف المقبل، لأن كلا من العاصمتين تتعاطى مع الوضع على أنه صراع وجودي.
وعليه فإن هؤلاء يصلون إلى استنتاج فحواه إما أن الأمور ستبلغ في الأسابيع المقبلة حد تداعي كل أركان اللعبة السابقة المعهودة ومعاييرها، وبالتالي ولوج المنطقة تجاذباً من نوع آخر، أو أن الأمور ستعود القهقرى، وبالتالي إعادة إلى قواعد اللعبة السابقة، عبر تجديدها و"تهجينها" بتفاهمات جديدة وخصوصاً أن فكرة إسقاط نظام بشار الأسد سقطت والتركيز هو على تطويعه.
يبقى أن اللافت هو اختيار الموفد الأميركي رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط لنقل الرسائل، بعدما كلفته مواقع في دمشق أن يؤدي دور وزير خارجية فكانت زيارته لباريس. فيما يسجل للموفد الإيراني قدرته على الانفتاح على الجميع، من خلال مروحة اللقاءات التي عقدها، وفي ذلك مؤشر جدير بالاهتمام للمرحلة المقبلة.

إبراهيم بيرم - النهار 23 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق