إنه انتصار كبير للولايات المتحدة، وللرئيس باراك أوباما خصوصا. تكثيف الهجمات بالطائرات من دون طيار على مواقع مشبوهة لتنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان أينع أخيرا ثمارا مذهلة. الأسبوع الماضي، أعلنت حركة طالبان، حامية بن لادن وشريكته في السلاح، إطلاق هجوم جديد خلال نهاية الأسبوع في أفغانستان. لكن الأمور لم تمض على ما يرام بالنسبة إليها، فقد جبهت برد أميركي حازم أسفر عن مقتل عدد كبير من مقاتليها. ومع تأكد مقتل أسامة بن لادن في باكستان، حققت الولايات المتحدة انتصارات عدة على أعداء مختلفين ووجهت رسالة واضحة إلى الأصدقاء والأعداء في أنحاء العالم عن جدية معركتها ضد الإرهاب والتطرف.
قد يفضح موت بن لادن إفلاس تنظيم القاعدة ويسلط الضوء على بنيته التحتية المفككة. فبعد مقتله، من سيقود العديد من المجموعات الفرعية في أنحاء العالم من باكستان وأفغانستان إلى الفيليبين والمغرب واليمن والسعودية بلدان أخرى تضم مجموعات أصولية وإرهابية أصغر تعلن ولاءها لتنظيم القاعدة المركزي علنا؟ بن لادن الميت أكثر قيمة من بن لادن الإرهابي الطليق أو المعتقل. إنه هارب منذ سنوات، وقد أصبحت رسائله أقل وهجا مع مرور الوقت، ولم تؤثر تهديداته منذ سنوات عدة، وخصوصا بعدما تراجعت وتيرتها.
يكتب موته أهمية بالغة لدى الأميركيين لأنه يطوي صفحة بالنسبة إليهم بعدما شهدوا على المأساة الكبرى في تاريخهم على يد بن لادن الذي لم يبد قط ندما على ما فعله. لم يفوت فرصة لمخاطبة الشعب الأميركي مباشرة وتهديده وترهيبه سيعتبر موته هدية تقدمها إدارة أوباما إلى الشعب الأميركي وإلى كل من يحارب الإرهاب في أنحاء العالم.
خسر بن لادن بريقه على مرّ السنين، لكنه حافظ على حضوره إذ كان لا يزال طليقاً. أما مقتله فانتصار أكبر من اعتقاله، لأن نهائية الموت تسدد ضربة إلى عناصر تنظيم القاعدة وأنصاره، وتحد من فرص استقطابه مزيداً من الاهتمام من خلال التغطية الإعلامية اللاهثة لكل خطوة من خطواته ثم لمحاكمته وكل ما كان ليترتب عليها. الآن يغطي الإعلام مقتله وتداعياته وردود الفعل عليه، ثم ينتقل إلى الخبر المهم التالي.
هل يشن تنظيم القاعدة هجوماً انتقاماً لمقتل بن لادن؟ هذا ممكن جداً، ويجب أن نتوقّع هجوماً، ونكون سذجاً إذا صدّقنا أن العالم في مأمن من الإرهاب. يجب أن نبقي دوماً نصب أعيننا أن ارتكاب جريمة إرهابية هو فعل رخيص وسهل، لكن محاربة الإرهاب والحفاظ على اليقظة والتأهّب مكلفان جداً. ويجب أن نتذكّر أيضا أنه يكفي الإرهابيين أن ينجحوا مرة واحدة فقط، في حين أنه يجدر بجهود مكافحة الإرهاب أن تنجح في كل دقيقة من كل يوم يمر. سوف يستمر تأثير المجموعات الإرهابية مثل القاعدة وطالبان وسواهما، وستظل تشكل تهديداً إلى أن ينجح العالم في تحويلها مجموعات بائدة من الماضي. إلى جانب الهجمات بالطائرات من دون طيار، من الأهمية بمكان أن تكون هناك استخبارات متطوّرة، وان يمضي التحاور مع الشباب لإبعادهم عن المجموعات الأصولية والإرهابية عبر منحهم فرصاً في مستقبل أفضل. وعلى القادة المحليين والأهل أن يظلوا منخرطين بفاعلية في حياة أولادهم والشباب ويبعدوهم عن الايدولوجيا المتطرفة التي غالباً ما تُنشر عبر مؤسسات دينية.
أخيرا، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تنظر في دورها في العالم وتعيد تعريفه. مقتل بن لادن هو إنجاز مهم يمكن استعماله لمد جسور مع من ينشرون رسالة السلام والتعاطف والحوار والازدهار التي تتناقض بشدة مع رسالة الانعزالية والكراهية والتطرّف التي ينشرها الأصوليون.
يجب ألا تستكين الولايات المتحدة أبدا. بعد أسامة بن لادن، ارغب في أن اسمع انه تم القضاء على أيمن الظواهري وأنور العولقي.
لا شك في أن إسلاميين متطرفين سيهتفون باسم بن لادن بطلاً وشهيداً. هذا بالضبط ما كان يتمناه شخصياً. حتى أن احدهم اقترح أن يرتفع مقام أو متحف باسمه. ربما وجد الاقتراح صداه لدى البعض، لكن السؤال عمن سيقصده، من سيزوره؟ من سيغدق المديح عليه؟ من سيتذكّره بالخير؟ أظن أن العدد لن يكون كبيراً، وسيتضاءل يوماً بعد آخر، وفي هذه الأثناء سنظل ندعو لأرواح ضحاياه بالسلام.
بقلم أوكتافيا نصر – النهار 3 أيار 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق