سوريون مقيمون في الأردن يعدون مساعدات إنسانية عند معبر جابر الحدودي مع سوريا لمحاولة نقلها إلى الداخل أمس
الأسد خلال لقائه عبد الله بن زايد في دمشق أمس (أ ف ب)
شهدت العاصمة السورية أمس عودة تدريجية إلى نشاطها الاعتيادي، للمرة الأولى منذ أسابيع، فعادت حركة الازدحام إلى شوارع المدينة في ساعات النهار، وانشغلت طاولات المقاهي والمطاعم، كما أعاد العديد من المدارس الخاصة دوامها إلى توقيته الاعتيادي بعد أن كانت اختصرته سابقاً لضرورات أمنية. وتركت الخطوات العسكرية على ما يبدو شعوراً عاماً بقرب «النهاية» بعد أسابيع من الشحن الأمني والطائفي والشعور العام بعدم الاستقرار، وإن لم يغفل هذا الشعور العام بالأزمة المتمثلة في درعا التي تحاصر وسطها أو ما يعرف بالبلدة القديمة، القوى الأمنية بمواكبة من الجيش منذ يوم الثلاثاء الماضي. كما تمكن مواطنون من زيارة أقاربهم في بعض المناطق الريفية المحيطة بالمدينة.
ورجحت مصادر محلية لـ«السفير» أن يبدأ الانفراج في الوضع العام في درعا في الأيام المقبلة بعد «اقتراب العملية الأمنية من نهايتها»، فيما قال أهالي المحافظة أن الكهرباء عادت للقرى والبلدات المحيطة بالمدينة، وأرسلت الحكومة إمدادات بالطحين لمنع حدوث أزمة خبز في المنطقة. كما انفكت الحواجز في مدينتي دوما والمعظمية وعادت الحياة إلى طبيعتها في المنطقتين لكن مع استمرار وجود حواجز على المداخل. كما علمت «السفير» أن الأسد الذي التقى أمس، وفداً من عشائر دير الزور، كان قد اجتمع أمس الأول بوفد من علماء الدين المسلمين في دمشق للمرة الثانية خلال شهر ونصف الشهر.
واستقبل الرئيس السوري بشار الأسد وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان مساء أمس للمرة الثانية خلال أسبوعين، وبحث معه «التطورات الجارية في المنطقة العربية، خصوصاً في اليمن في ضوء المبادرة الخليجية لحل الأزمة هناك»، حسبما ذكر بيان رئاسي. «كما تناول اللقاء الخطوات التي اتخذتها سوريا لتجاوز المرحلة الراهنة وتعزيز مسيرة الإصلاحات على الصعد كافة». وجرى اللقاء بحضور وزير الخارجية وليد المعلم.
وتزامن ذلك مع إعلان الحكومة عن «خطة كاملة للإصلاح» لم توضح تفاصيلها، و«تشمل المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، لكن مصادر رفيعة المستوى أكدت لـ«السفير» «أن قانوني الأحزاب والإعلام المنشودين لا زالا في مرحلة الإعداد والتشاور» في القيادة السورية.
وشكلت الحكومة السورية ثلاث لجان لوضع «خطة كاملة للإصلاح»، حسبما أعلن مجلس الوزراء في اجتماعه يوم السبت الماضي، الذي أشار إلى أن الحكومة تعمل في الأسابيع المقبلة على «وضع خطة كاملة للإصلاحات المنشودة في القطاعات المختلفة وفق ثلاثة محاور: محور الإصلاح السياسي والأمني والقضائي، ومحور الإصلاح الاقتصادي والسياسات الاجتماعية، ومحور تطوير الإدارة وتطوير العمل الحكومي».
وأوضح وزير الإعلام عدنان محمود بعد الاجتماع الحكومي أن «الرؤية الإستراتيجية لمنهج العمل الحكومي هي أن يلمس المواطن النتائج مباشرة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي». وأوضح أنه سيتمّ تشكيل ثلاث لجان: الأولى، ستعمل بشكل مباشر على تعديل القوانين والأنظمة التي من شأنها تطوير النظام التنفيذي للقضاء، إضافة إلى وضع الأسس الضامنة لاستقلال القضاء وتنظيم عمل المؤسسة القضائية ودعم السلطة القضائية من خلال توفير مستلزمات عملها من زيادة عدد القضاة إلى تأمين البنية التحتية اللازمة لعملها. كما أشار إلى أن «هذه اللجنة ستعمل على إصدار قانون الأحزاب والانتخابات بما يكفل زيادة فعالية هذه الأحزاب في المجتمع، إضافة إلى صوغ قانون إعلام جديد ومعاصر».
وقال إن اللجنة الثانية «تتعلق بإصلاح الإدارة العامة وتطوير العمل الحكومي وستعمل على درس آليات إصلاح مجلس الوزراء والجهات التي تتبع له ونقل بعض الهيئات العليا لوصاية الجهات التنفيذية ذات العلاقة، إضافة إلى إصلاح نظام الوظيفة العامة ووضع آليات مكافحة الفساد». وأشار إلى أن اللجنة الثالثة «مهمتها الإصلاح الاقتصادي والسياسات الاجتماعية وستعمل بالتنسيق مع هيئة التخطيط والتعاون الدولي والجهات المعنية لدرس البرامج والأنشطة والمشروعات التي تضمّنها مشروع الخطة الخمسية الحادية عشرة والتي من شأنها الاستمرار بعمليات التحول الاقتصادي وتطوير السياسات الاجتماعية وتقديم ورقة عمل تتضمن البرامج الاقتصادية والاجتماعية».
من جهتها ذكرت صحيفة «الوطن» أمس أن رجال أعمال سوريين تدخلوا في اليومين الأخيرين لتخفيض سعر صرف الليرة السورية من 54 للدولار الواحد إلى 50 ليرة سورية لكل دولار أميركي. ونقلت عن صناعي سوري قوله إن مجموعة من رجال الأعمال السوريين قامت «بشراء كميات هائلة من الليرة السورية لساعات ما أدى إلى رفع قيمة الليرة السورية مقابل الدولار.
أما ميدانياً، فدعت وزارة الداخلية أمس كل من قام «بأعمال يعاقب عليها القانون من حمل السلاح أو الإخلال بالأمن أو الإدلاء ببيانات مضللة المبادرة إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى السلطات المختصة والإعلام عن المخربين والإرهابيين وأماكن وجود الأسلحة وسيصار إلى إعفائهم من العقاب والتبعات القانونية وعدم ملاحقتهم، وذلك اعتباراً من تاريخه وحتى 15 أيار» الحالي.
وكان بيان عسكري ذكر أمس أن وحدات الجيش والقوى الأمنية في مدينة درعا تواصل «تعقب المجموعات الإرهابية المسلحة التي روّعت المواطنين الآمنين فيها حيث أسفرت عمليات الملاحقة الأحد عن مقتل عشرة عناصر من تلك المجموعات الإرهابية واعتقال 499 منهم وعثر على مشفيين ميدانيين الأول في جامع عبد الله بن عباس والثاني في جامع عبد الله بن رواحة.
كما تم الاشتباك مع خمسة قناصين كانوا يقومون بقنص المارة من مئذنة جامع الكرك وقد سقطوا جميعاً وتم الاستيلاء على أسلحتهم. وأشار المصدر إلى استشهاد اثنين وجرح ثمانية من وحدات الجيش والقوى الأمنية».
وتوقعت مصادر محلية لـ «السفير» أن يحدث انفراج في الأزمة الحالية في درعا في اليومين المقبلين بعد اقتراب نهاية «الحل الأمني». وسيرت أمس الأول الشركة العامة للمطاحن إلى درعا والمناطق التابعة لها نحو خمسين شاحنة محمّلة بنحو 600 طن من مادة الدقيق، مشيرة إلى أن الشركة «تمدّ محافظة درعا بشكل منتظم ويومياً بحدود 450 طناً من الدقيق وتم رفع الكمية اليوم بشكل استثنائي نتيجة العطلة الأسبوعية إلى 600 طن ستوزع على أفران المحافظة كافة علماً أن الحاجة اليومية للمحافظة تقدر بنحو 200 طن يومياً. «وذلك رداً على اتهامات بـ«حصار المدينة غذائياً» وهو ما نفاه أهالٍ أيضا وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية. وأشارت الوكالة إلى أن السيارات المحملة بالدقيق قصدت بالإضافة إلى مدينة درعا العديد من المدن والبلدات التابعة لها ومنها الصنمين والحراك والشجرة وبصرى وجاسم وازرع والشيخ مسكين وخربة غزالة والمزيريب وانخل وغيرها. من جهة أخرى أكد عدد من المواطنين عودة الكهرباء إلى مناطق ريف درعا.
وبث التلفزيون السوري اعترافات من وصفه بـ «الإرهابي المتطرف إبراهيم نايف المسالمة»، والذي قال إنه أعطى أوامر باستهداف الجيش والأمن بالسلاح. وذكر المسالمة الذي كان يتحدث عبر شريط ممنتج «إنهم استهدفوا الجيش بالأسلحة بعد فتوى أطلقها الشيخ رزق» موضحاً أن قسماً منهم قام باستشارة إمام المسجد العمري أحمد صياصنة حول الممانعة المسلحة لدخول الجيش للمدينة فبارك الخطوة. وقال إن المجموعات بدأت تتسلح بعد قرار القيادة السورية سحب الأمن بعد لقاء وفد من أهالي درعا مع الرئيس السوري.
وذكر المسالمة أسماء أشخاص قالوا إنهم وعدوا بتسليح الناس وشراء السلاح، كما أشار إلى دخول أثرياء في المدينة على خط دعم التظاهرات بالطعام والشراب بشرط استمرارها. وذكر أن مجموعة من 250 شخصاً هي التي كانت تقود التظاهرات وتنسق بين البلدات والمدن، وأنها موزعة على مناطق وتمتلك السلاح الذي بعضه كان مخبأ في البيوت وبعضه تم استجلابه لاحقاً. وقال إنه أعطى أوامر بإطلاق النار لحظة دخول الجيش.
وشهدت ساحة الصالحية للمرة الثانية خلال يومين تظاهرة لعشرين امرأة حملن لافتات تندد بالعنف والقتل وتفرقت «من تلقاء نفسها»، لكن وكالة «فرانس برس» أكدت أن عدد المتظاهرات كان 150، وأن قوات الأمن عمدت إلى تفريقهن. وأكدت الوكالة أن قوات الأمن قامت باعتقال نحو 180 شخصاً في شمال دمشق، حسبما نقلت عن ناشطين معارضين. وأفاد مصدر رسمي أردني بأن السلطات السورية اعتقلت شاباً أردنياً هو رعد قعوار (26 عاماً) في 19 نيسان الماضي، أثناء عودته من لبنان إلى المملكة عبر الأراضي السورية.
وأعلنت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في بيان أن «المخابرات العسكرية بحمص اعتقلت أمس (الأحد الماضي) المحامي نادر الحسامي واقتادته إلى فرع الأمن العسكري بحمص» مشيرة إلى أن «التحقيق معه لا يزال جارياً»، حسبما نقلت عن مصدر موثوق اتصل باللجنة. كما أعلنت اللجنة اعتقال «الناشط الحقوقي المعروف والمحامي عبد الله الخليل (الرقة) عضو جمعية حقوق الإنسان في سوريا، ظهر أمس (الأحد) بعد مداخلة له مع قناة الجزيرة».
كما نقلت وكالة «فرانس برس» عن الأردني عاطف الوشاحي قوله إن «مقربين لنا أكدوا استشهاد شقيقي عبد اللطيف برصاص قناصة الاثنين الماضي في درعا بعد أن أنهى صلاة الفجر وكان متوجهاً لشراء الخبز لأطفاله وسام (9 أعوام) و يزن (13 عاماً)». وأضاف أن شقيقه «يقيم في سوريا منذ 15 عاماً وهو يعمل على منشار حجر».
وطالبت قناة «الجزيرة» الفضائية القطرية السلطات السورية بمعلومات «فورية» حول مصير صحافية من طاقمها فقد أثرها منذ وصولها إلى دمشق ظهر الجمعة الماضي. وأكدت القناة في بيان أن «دوروثي بارفاز (39 عاماً) غادرت قطر متجهة إلى سوريا الجمعة الماضي لتغطية الأحداث هناك، لكن الاتصال معها فقد ما أن غادرت طائرة الخطوط القطرية في مطار دمشق». وأضافت أن «بارفاز التي تحمل الجنسيات الأميركية والكندية والإيرانية التحقت بالجزيرة العام الماضي».
كما قال مواطنون في منطقتي المعضمية الشام ودوما في ريف دمشق إن الحواجز أزيلت من داخل دوما والمعضمية وإن الحياة عادت إلى طبيعتها. كما أشارت مصادر محلية لـ«السفير» إلى أن عمليات إطلاق سراح تجري بشكل متوالٍ لمعتقلين من المدينة.
يذكر أن أول تظاهرة مرخصة قانونياً خرجت ظهر الأحد في منطقة أبو رمانة مقابل السفارة الأميركية هتف فيها العشرات ضد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وطالبوا «بوقف تدخل واشنطن في الشؤون الداخلية السورية».
من جهة أخرى تراجع عضو مجلس الشعب ناصر الحريري عن استقالته التي أعلنها على قناة «الجزيرة» وشارك في جلسة مجلس الشعب الاستثنائية التي عُقدت أمس.
إلى ذلك، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد «سيسقط» إذا واصل قمعه العنيف للمتظاهرين. وقال الوزير الفرنسي لإذاعة «أوروبا 1»: «إذا استمر النظام السوري على هذا النهج (من القمع) فإنه سيسقط يوماً ما، لكنه سيسقط». وأضاف «اليوم هناك تطلع كبير للحرية والديموقراطية. يجب أن يؤخذ ذلك في الاعتبار. قمع هذه التطلعات بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين غير مقبول أياً كان البلد الذي يقوم بذلك». وتابع قائلاً أن «موقف فرنسا في منتهى الوضوح. عبرنا عن إدانتنا لكل الذين قاموا بمثل هذه الجرائم. ونحن ندينهم بأشد العبارات»، مذكرا بأن الاتحاد الأوروبي بصدد وضع عقوبات ضد النظام السوري.
وأوضح جوبيه «نحن بصدد العمل مع شركائنا الأوروبيين لتحديد عدد من العقوبات على المستوى الأوروبي، وذلك ليس فقط لتأكيد إدانتنا بل تحركنا للتصدي لمثل هذا السلوك».
زياد حيدر - دمشق : - السفير 3 أيار 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق