يقضي باراك أوباما على أسامة بن لادن، بعد أن نجحت الانتفاضات العربية في القضاء على أفكار زعيم تنظيم «القاعدة» ودعواته العالم العربي والإسلامي إلى «حرب مفتوحة على الكفّار وعملائهم». بمعنى ما يمكن القول إن بن لادن مات عملياً قبل أن تقتله غارة طائرات الهليكوبتر الأميركية على مقرّه في أبوت أباد الباكستانية. فالشوارع العربية التي شهدت تظاهرات الانتفاضات الشعبية أثبتت بشعاراتها وبأقدام شبابها ورسائلهم الالكترونية كم كانت كاذبة ادعاءات بن لادن وجماعته أنهم يتكلمون باسم العرب والمسلمين، عندما كانوا يبثون شعارات الحقد ودعوات الموت عبر رسائلهم المتلفزة. لم تكن «القاعدة» أقل غربة عن واقع شباب العرب والمسلمين من الأنظمة التي تطالب الانتفاضات العربية بإسقاطها.
لا شعارات التحرير ولا خطب الحقد ولا الحرب المفتوحة على أميركا والغرب هي شعارات الشوارع العربية، التي تقتصر مطالبها على استرداد الحرية والحكم الصالح، ورفع قبضة أجهزة القمع عن رقاب المواطنين وحقهم في العيش الكريم في أوطانهم. أي أنهم يطالبون باستعادة حقهم في الحياة، في الوقت الذي لم يعرض بن لادن عليهم سوى الحرب المفتوحة مع العالم كله وصولاً إلى «الشهادة»، ذلك الشعار الذي أغرى به كثيرين من الشبان السذّج، فدفعهم إلى الموت. ليس هذا فقط، بل أن هذه الجماهير أكدت بمطالبها أنها ليست معادية بالضرورة لمعالم الثقافة الغربية، التي تعتبرها خطب بعض المتطرفين ثقافة دخيلة، بينما لم يكن في جعبة بن لادن للشعوب العربية سوى الدعوة إلى الحرب على هذه الثقافة والقيم باعتبارها معادية حكماً لثقافة العرب والمسلمين وقيمهم.
وهكذا فمثلما يتيح قتل أسامة بن لادن أمام المسلمين والعرب فرصة لاستعادة صورة أكثر إشراقا، بعيداً عن الصورة التي شاء بن لادن أن يقدمهم بها إلى العالم ويعيدهم إلى الكهوف والمغاور، كذلك تفتح الانتفاضات العربية باباً واسعاً أمام الشعوب إلى الديموقراطية والانفتاح على العصر. وفي الحالتين ليس صعباً ملاحظة الدور الذي يلعبه الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكأنه يطبّق على الأرض الشعار الذي أطلقه في خطابه في جامعة القاهرة قبل عامين، والذي دعا فيه إلى علاقة جديدة بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، تقوم على احترام القيم الديموقراطية وإزالة الصورة النمطية السلبية القائمة بين الجانبين.
ليس منتظراً أن يؤدي القضاء على أسامة بن لادن إلى سقوط كامل ونهائي لأفكاره المريضة التي غرزها في بعض العقول، كما اثبت عدد من ردود الفعل التي ظهرت أمس رداً على خبر مقتله. لكن الأكيد أن تنظيم «القاعدة» بعد بن لادن لن يكون على ما كان عليه معه. يؤكد ذلك إفلاس أيمن الظواهري، الذي يوصف بـ «الرجل الثاني» في التنظيم، وفشله في استقطاب أي قدر من التأييد بين مواطنيه المصريين خلال انتفاضتهم. فحتى التيارات الإسلامية المصرية، كجماعة «الإخوان المسلمين»، أثبتت أنها أكثر استعداداً للتحالف مع الشعارات التي رفعت في ميدان التحرير مما هي مع شعارات تورا بورا.
في حملته لدعم المطالبين بالديموقراطية في العالم العربي، كبديل من الغزو العسكري، وفي تخطيطه الاستخباري الهادئ لقتل أسامة بن لادن، اثبت باراك أوباما انه أكثر حصافة من سلفه جورج بوش، وضَمِن تجديد ولايته حتى قبل بدء الحملة الرئاسية لانتخابات 2012. لقد ذهبت حربه على تنظيم «القاعدة» إلى الرأس مباشرة، فقضى نهائياً على الاستغلال الخبيث من جانب معارضيه الجمهوريين لتشابه الأسماء بين «أسامة» و «أوباما»، بهدف الإيحاء بأن الرئيس الأميركي الحالي سيكون اقل حزماً في ملاحقة الإرهاب من سلفه، ورد على المشكّكين بولائه الوطني، الذين بلغوا حد التشكيك في مكان ولادته، وهو ما اضطره إلى كشف وثيقة ميلاده لإثباته.
الياس حرفوش - الحياة - الثلاثاء, 03 مايو 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق