بشار الأسد (متى يحمل لقب: الرئيس السابق؟!). |
اكتفاء خبر وكالة الأنباء السورية بوصف «المصدر» الذي نفى ما تناقلته وسائل الإعلام عن الاستقالات الجماعية في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي (الحزب الحاكم) في درعا وبانياس، على أنه «مصدر حزبي»، يشير إلى طبيعة هيمنة هذا الحزب على الحياة السياسية السورية. فالخبر لم يقل «مصدر في حزب البعث العربي الاشتراكي»، وإنما فقط قال «مصدر حزبي»، إذ لا حزب في البلاد سوى حزب البعث الحاكم، حتى صفة الاشتراكي باتت تحصيل حاصل منذ أوصى المؤتمر القطري العاشر في يونيو (حزيران) 2005، بالتخلي عن الاقتصاد الموجه وانتهاج طريق اقتصاد السوق الاجتماعية، لتكون إضافة كلمة «اجتماعية» تعبيرا يحفظ ماء الوجه. فمنذ ذلك التاريخ يمكن القول إنه تم الإجهاز على أحد أهم مرتكزات قيادة الحزب للدولة والمجتمع، فهو بات بالاسم فقط حزب العمال والفلاحين والكادحين وصغار الكسبة، بعدما تركهم نهبا للسياسات الاقتصادية الجائرة.
في سورية، غالبا لا يعرف العامة المنتسب للحزب الحاكم (حزب البعث العربي الاشتراكي) باسم الحزب، أي لا يقال له «بعثي» وإنما «حزبي»، وذلك لأنه لا حزب في سورية غير حزب البعث يسمح له بالدخول في كل تفاصيل الحياة العامة منذ عام 1963. وما تبقى من أحزاب مرخص لها، فقد تم إلحاقها بديكور التعددية المسمى «الجبهة الوطنية التقدمية»، حتى الحزب الشيوعي الذي يعد من الأحزاب الحاضرة على الساحة السياسية بعد «البعث» و«الحزب القومي السوري»، تم تجريده من دوره، وبات بعد انشقاقات عدة مجموعة من الأحزاب الضعيفة الصالحة للتنويع على مشهد الحزب الحاكم الوحيد. أما الأحزاب المعارضة فتكاد تقتصر على نخبة محدودة من السياسيين المنهكين.
يعد حزب البعث السوري، التنظيم القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، والحزب الحاكم فيها منذ مارس (آذار) 1963. وهو التنظيم الأقدم في العالم العربي لأنه تم تأسيسه في عام 1947. ويشار إلى أن فترة الستينات، شهدت عدة صراعات وانقسامات بين القيادة القومية والقيادة القطرية، ثم بين تيار يساري وآخر يميني، قبل أن يتسلم حافظ الأسد قيادة الحزب والدولة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، إثر ما سماه «الحركة التصحيحية» سنة 1972، وتشكيله «الجبهة الوطنية التقدمية مع أحزاب قومية وتقدمية». إلا أن الحزب بقي هو المهيمن بموجب المادة الثامنة من الدستور التي تقول إن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية». ينتمي إلى الحزب نحو مليون ونصف المليون شخص، منهم نصف مليون عضو عامل.
وأهم المواقع فيه الأمين العام، وهو شاغر منذ وفاة حافظ الأسد، والأمين العام المساعد عبد الله الأحمر، والأمين القطري بشار الأسد، والأمين القطري المساعد محمد سعيد بخيتان، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام الاختيار، ورئيس اللجنة الحزبية العسكرية مصطفى طلاس. وفي حين يلعب كل من سعيد بخيتان وهشام الاختيار دورين مهمين، إلى جانب قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية، في إدارة الأزمة اليوم، لا يلحظ دور ظاهر للقيادات الأخرى مثل عبد الله الأحمر ومصطفى طلاس.
وتتبع الحزب عدة مكاتب، منها مكتب الإعداد الحزبي والإعلامي ورئيسه هيثم سطايحي، والذي يتولى مهمة توجيه المؤسسات الإعلامية والثقافية الرسمية. وهناك مكتب التربية والطلائع ورئيسه ياسر حورية، ومكتب الفلاحين القطري ورئيسه أسامة حامد عدي، ومكتب الفلاحين الفرعي في دير الزور ورئيسه كمال الفارس، والمكتب المالي ورئيسه محمد سعيد بخيتان، والمكتب القانوني ورئيسه بسام جانبيه، والمكتب الاقتصادي القطري ورئيسه محمد الحسين، وزير المالية السابق، ومكتب الشبيبة والرياضة ورئيسته شهناز فاكوش، واتحاد شبيبة الثورة ورئيسه عدنان عربش. وهؤلاء هم من أعضاء القيادة القطرية، وغالبا ما تكون لهم الحظوظ الأكبر في تولي الوزارات أو رئاسة الحكومة.
والحزب الذي لديه فروع في كل المحافظات، إضافة إلى فرع جامعة دمشق وفرع فلسطين. يعرف نفسه حزبا للكادحين وصغار الكسبة، يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة، كونه الحزب الحاكم، إلا أن دوره هذا تراجع منذ عقد المؤتمر القطري العاشر من 6 حتى 9 يونيو 2005، لدى اعتماد سياسات اقتصادية تتناقض مع مبادئ الحزب وشعاراته.
واليوم، الذين يخرجون إلى الشارع هم صغار الكسبة والعاطلون عن العمل والمهمشون من جماهير الشباب المتعلم، ليطالبوا بإسقاط نظام «البعث» بعد نحو خمسة عقود من استيلائه على السلطة، كانت خلالها الحياة السياسية في سورية تسير بالاتجاه النقيض لمبادئ وأفكار حزب البعث. ويطالبون بأن يكون لهم دور ويكونوا شركاء في العمل الوطني.
ولا يبدو مستغربا تقديم عدد من الحزبيين استقالاتهم، من حزب لم يعد يدافع عن الشعب والجماهير الكادحين، بقدر ما يدافع عن النظام واستمرار احتكار السلطة. كما أنه ليس مستغربا أن يضع المصدر الحزبي الذي نقلت عنه وكالة «سانا» نفيه الاستقالات في صفوف الحزب في درعا وبانياس هذه الأنباء في «إطار الحملة الإعلامية التي تتعرض لها سورية والحزب»، وتأكيده على «تمسك البعثيين بمبادئ الحزب ودوره الوطني والقومي خلف قيادة الرئيس بشار الأسد لدحر المؤامرة»، وقوله إن «البعثيين اليوم أشد صلابة وعزما من أي يوم مضى». حتى لو كان الواقع على الأرض لا يشير إلى ذلك، بل إن الواقع يؤكد أن الذي يمسك بالقيادة هو الأجهزة الأمنية، وأن الحزب التاريخي الذي كان لدى تأسيسه حزب المثقفين والنخب المتعلمة تم إنهاكه من الداخل عبر سنوات طويلة منذ تسلمه السلطة، فلم يتبق منه سوى واجهة سياسية وشعارات فرغت من محتواها تدريجيا. فتحول إلى قاعدة للموالين للنظام، وطريق للتسلق إلى المناصب، يسلكه الانتهازيون والباحثون عن المنافع. هؤلاء الذين يجدون أنفسهم اليوم في موقع لا يحسدون عليه وهم يتصدرون الصفوف الأمامية في معركة البقاء.
فمند اندلعت الأحداث منذ نحو شهرين، استنفرت الأجهزة الأمنية الكادر الحزبي، ووضعته في مواجهة مباشرة مع المتظاهرين، وتمثلت مهماته الدفاعية في محاولة إخماد التظاهر، رغم تنافي ذلك مع تاريخ الحزب الذي يضع الحرية في مقدمة أهدافه. وبات على منتسبي الحزب ممن استراحوا لعقود طويلة على مكاسبهم سواء الصغيرة منها أو الكبيرة، أن يتحولوا إلى حراس لا يغمض لهم جفن يرابضون في مقرات الحزب، وينظمون مسيرات التأييد المجهزة للانقضاض على كل من يحاول التظاهر في الشارع. وباتوا الذراع المدنية لقوات الأمن والجيش في قمع المظاهرات، في اختبار حقيقي لهذا الحزب الذي يحكم منذ خمسة عقود باسم الجماهير الشعبية، وصغار الكسبة والمستضعفين، وينادي بالوحدة والحرية والاشتراكية.
وبعد ما سقط شعار الاشتراكية، أول شيء فعله النظام السوري لدى بدء الاحتجاجات في درعا، سارع إلى اتهام دول الجوار بافتعال الفتن واستهداف سورية، ولم يتوان عن اتهام الفلسطينيين بالضلوع في الاحتجاج، مرتكبا خطأ فادحا، هشم شعار الوحدة العربية، ليتبقى شعار «الحرية»، هذا الشعار الفضفاض الذي نكاد لا نعثر في أدبيات الحزب على تعريف واضح ومحدد له، أهو تحرر الأوطان من التبعية الاستعمارية، أم حرية المواطن وحقه في أن يعيش حياة كريمة؟
لندن: «الشرق الأوسط» 30 أبريل 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق