الجمعة، 6 مايو 2011

النظريات التربوية المعاصرة

النظريات التربوية المعاصرة                                                                                            


النظريات التربوية المعاصرة

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
المركـز الجامعـي بغردايـة

معهد العلوم الإنسانيـة والاجتماعيـة
مقياس: التربية والدين
قسم: سنة أولى ماجستير علم الاجتماع تربية والدين

النظريات التربوية المعاصرة
التفاعلية الرمزية - النظرية البراجماتية
النظرية الطبيعية - الرأسمال الثقـافي

الطالب: حسان هشام
إشراف الدكتور: كمال عويسي

السنة الجامعية 2008-2009

مقدمـــة:
يحظى الفكر التربوي باهتمام متميز، كونه المنطلق الأساسي لتكريس قيم الأصالة في المجتمع والمرتكز الأهم في بناء مستقبل يحقق استثمارا أمثل لمعطيات الحاضر، مجسداً من خلال ذلك تطلعات الفرد والمجتمع على حد سواء، في إطار مشروع حضاري متكامل،وإذا كان الهدف الأساسي للفكر التربوي، هو ذلك المشروع الحضاري، فإنه يستند بالضرورة إلى عملية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل من جهة، والتفاعل مع معطيات المجتمعات البشرية، على اختلاف نماذجها، زمنياً ومكانياً، من جهة أخرى.
من هنا يبدو البحث في موضوع الفكر التربوي الغربي، مرتبطاً بالبحث في مضامين الفكر التربوي العالمي، في ماضيه وحاضره، وفي اهتماماته وتطلعاته، وفي أساليبه وأغراضه،فالمجتمع محتاج إلى التربية،وخاصة أن التربية تهدف جملة ما تهدف إليه إلى تكييف الإنسان مع مجتمعه بما فيه من أنماط ثقافية وعادات مختلفة،وذلك باستفادتها من النتائج التي توصل إليها علم الاجتماع وتسعى إلى تطبيقها في الميدان،ولكن ما يتبادر في الأذهان الآن هو فيما تمثلت أهم النظريات التي فسرت العملية التربية ؟ ومن هم أهم منظريها ؟وهل فعلا قاموا بتحليل الظواهر الاجتماعية التي كانت تحدث في عصرهم وذلك باستعمال نظرياتهم لكشف الواقع السوسيولوجي المعاش؟ وماهي أبرز الانتقادات التي وجهت لهم على المستوى الفكري،كل هذا سأحاول التعرض إليه بنوع من الاختصار، ولعلي سأطنب في مواضع وذلك بما دعت إلية الضرورة.



أولاً: مفهوم النظرية:

إن علم الاجتماع هو علم دراسة المجتمع و الإنسان دراسة علمية، وحتى تتصف هذه الدراسة بالعلمية كان لابد أن تتسم ببعض المواصفات وهي:
- أن تنطلق من نظرية علمية،لها من الخصائص والشروط تؤهلها لتوسم بالعلمية،ولعل أهم شروط النظرية العلمية هي،الوضوح والدقة والإيجاز،والتفرد الذي يعني تجنب تكرار ما لايجب تكراره،وأن تتسم بالواقعية في صياغتها وطرحها،وقابلة للاختبار في الميدان،فضلا عن قدرتها على التنبؤ بمسار الوقائع والظاهرات.
ومن هنا يتجلى لنا مفهوم النظرية العلمية وهي كما عرفها عبد الباسط عبد المعطي:
"نسق فكري استنباطي متسق حول ظاهرة أو مجموعة من الظاهرات المتجانسة،يحوي-أي النسق- إطارا تصوريا ومفهومات وقضايا نظرية توضح العلاقات بين الواقع وتنظمها بطريقة دالة وذات معنى،كما أنها ذات بعد إبريقي بمعنى اعتمادها على الواقع ومعطياته،وذات توجيه تنبئي يساعد على تفهم مستقبل الظاهرة ولو من خلال تعميمات احتمالية"( )

ويتضح لنا أن على النظرية في علم الاجتماع يجب أن تعبر تعبيرا واضحاً وشاملا عن موضوع علم الاجتماع وتحمل في مضمونها وشكلها خصائص النظرية العلمية وشروطها، بوصفها أركانا ضرورية تمكنها من أداء أدوارها،بالنسبة لعلم الاجتماع وما تنجز من خلاله من بحوث.

وإذا كانت النظرية التربوية والتي هي جزء من النظرية الاجتماعية، كونها مجموع من المبادئ المترابطة التي توجه المبادئ المترابطة التي توجه العملية التربوية و تحكم الممارسات التعليمية.
فإذا كانت النظرية العلمية وصفية وتفسيرية في الأساس، فإن وظيفة النظرية التربوية-كما يقول بول هيرست - هي التشخيص والعلاج. وإذا كانت النظرية العلمية تحول وصف وتفسير ما هو قائم، فإن النظرية التربوية تصف وتقرر ما ينبغي عمله مع الناشئة، وتوجه وترشد الممارسات التربوية. ( )

وتتسم النظريات التربوية بجملة من الأهداف تجعل لها أهمية مرموقة في دراسة الظاهرة التربية،ولعل من بين أهم هذه الأهداف مايلي:
1-دراسة الظواهر التربوية من حيث طبيعتها وما تتسم به من خصائص وسمات، والتي بفض هذه الأخيرة تجعل منها موضوعا متميزاً لعلم الاجتماع التربوي.
2-التعرف على الوقائع الثقافية والاجتماعية والشخصية المرتبطة بالظاهرة التربوية في نشأتها وتطورها.
3- فهم طبيعة العلاقات التي تربط الظواهر التربوية بعضها ببعض، والتي تربطها بغيرها من الظواهر الاجتماعية في المجتمع.
4-الكشف عن أبعاد أو الوظائف الاجتماعية،التي تؤديها الظواهر والنظم التربوية بالنسبة للجوانب الاجتماعية والثقافية في المجتمع.
5- تحديد المضمون الأيدلوجي للتربية وآثاره على العمليات التربوية.
6- تحديد القوانين الاجتماعية العامة التي تحكم الظواهر التربوية وما يرتبط بها من وقائع اجتماعية وثقافية وشخصية.
7- تحليل التربية كوسيلة للتقدم الاجتماعي.
- بعدما قدمنا لمحة بسيطة عن تعريف النظرية وما تتسم به من شروط، وما لأهداف التي ترمي إليها، سوف نحاول في الأسطر القادمة أن نعرج على أهم النظريات الحديثة التي عالجت موضوعات وميادين خاصة بالتربية، ولعل أبرز ما نتعرض عليه من هذه النظريات هي:
1- التفاعلية الرمزية.
2- النظرية الطبيعية.
3- النظرية البراغماتية.
4- نظرية رأسمال الثقافي،نظرية رأسمال الاقتصادي.
وفي هذه العرض سنحاول أن نتعرف على أهم مؤسسي هذه النظريات وما هي الأسس التي تقوم عليه، وقد نحاول في بعض هذه النظريات أن نضع بعض التصورات والنقد العلمي، وذلك بكشف أهم الثغرات والسقطات التي وقعت فيها هذه النظريات السابقة الذكر.

ثانياً: النظريات الحديثة في علم الاجتماع التربوي :
1): التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionalism:
تعتبرُ التفاعلية الرمزية واحدةٌ من المحاور الأساسيةِ التي تعتمدُ عليها النظرية الاجتماعية، في تحليل الأنساق الاجتماعية.وهي تبدأ بمستوى الوحدات الصغرى (MICRO)، منطلقةً منها لفهم الوحدات الكبرى، بمعنى أنها تبدأُ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي، فأفعالُ الأفراد تصبح ثابتةً لتشكل بنية من الأدوار ويمكن النظر إلى هذه الأدوار من حيث توقعات البشر بعضهم تجاه بعض من حيث المعاني والرموز، وهنا يصبح التركيز إما على بُنى الأدوار والأنساق الاجتماعية، أو على سلوك الدور والفعل الاجتماعي.ومع أنها تَرى البُنى الاجتماعية ضمناً، باعتبارها بنىً للأدوار بنفس طريقة بارسونز Parsons ، إلا أنها لا تُشغل نفسها بالتحليل على مستوى الأنساق، بقدر اهتمامها بالتفاعل الرمزي المتشكِّل عبر اللغة، والمعاني، والصورِ الذهنيةِ، استناداً إلى حقيقةٍ مهمةٍ، هي أن على الفرد أن يستوعب أدوارَ الآخرين،إذن فالتفاعلية الرمزية تركز اهتمامها على دراسة التفكير وعملياته.
إن أصحابَ النظريةِ التفاعلية يبدَءُون بدراستهم للنظام التعليمي من الفصل الدراسي (مكانَ حدوثِ الفعلِ الاجتماعي). فالعلاقةُ في الفصل الدراسي والتلاميذِ والمعلم، هي علاقةٌ حاسمةٌ لأنه يمكن التفاوضُ حول الحقيقة داخل الصفّ، إذ يُدرك التلاميذ حقيقةَ كونهم ماهرين أو أغبياءَ أو كسالى. وفي ضوء هذه المقولات يتفاعل التلاميذ والمدرسون بعضهم مع بعض، حيث يحققون في النهاية نجاحاً أو فشلاً تعليمياً.
1-1)هربرت ميد:
ولد ميد 1863 وتوفي سنة 1921 وهذا يهني أنه عاش فترة مزامنة للعالم الألماني الكبير ماكس فيبر(1864-1920).ويعد من أشهر الرواد والمؤسسين في الاتجاه التفاعلي الرمزي.

انبثق نجم ميد من جامعة شيكاغو(أمريكا)وقد برز في كتاباته تأثره الشديد بالنظرية التطورية وقام في مرات عديدة بالمقارنة بين سلوك الكائن الحي (الحيوان)وسلوك الإنسان مبرزا الكثير من أوجه الاختلافات بينهما وأهمها القدرة الذهنية على خلق عوالم مشتركة بين الفاعلين باستخدام الرموز.
ويرى ميد أن الذات تنبثق وتنمو في الوسط الاجتماعي من خلال عملية التفاعل الاجتماعي (وهو هنا يشارك ماركس في أسبقية الوجود الاجتماعي على الوعي بشكل ما)ويبدأ الفرد في التعرف على ذاته من خلال أراء الآخرين فيه في سنوات حياته المبكرة و تحديدا من خلال عملية اللعب التي يقوم خلالها محاولا تقمص العديد من الأدوار المختلفة(فمسألة القيام بدور ما لا تتطلب معرفة الدور فقط بل ما يتوقعه الآخرون من هذا الدور أيضا،ومن خلال أول كتابه والذي جمع بعد وفاته سنة 1934م" L’esprit,le soi et la société" أول عالم اجتماع يعمل على تطوير النظرية الخاصة بالتنشئة الاجتماعية وصلبها.
1-2)مصطلحات النظريّة:
1التفاعل: Interaction وهو سلسةٌ متبادلةٌ ومستمرةٌ من الاتصالات بين فرد وفرد، أو فرد مع جماعة، أو جماعةٍ مع جماعة.
2المرونة :Flexibility ويقصد بها استطاعةُ الإنسان أن يتصرفَ في مجموعةِ ظروفٍ بطريقة واحدة في وقت واحد، وبطريقةٍ مختلفة في وقتٍ آخرَ، وبطريقةٍ متباينة في فرصةٍ ثالثة.
3الرموز : Symbolsوهي مجموعةٌ من الإشارات المصطَنعة، يستخدمها الناسُ فيما بينهم لتسهيل عمليةِ التواصل، وهي سمة خاصة في الإنسان. وتشملُ عند جورج ميد اللغةَ، وعند بلومر المعاني، وعند جوفمان الانطباعاتِ والصور الذهنية.
4الوعيُ الذاتي : Self- Consciousnessوهو مقدرةُ الإنسان على تمثّل الدور، فالتوقعات التي تكُون لدى الآخرين عن سلوكنا في ظروف معينة، هي بمثابة نصوصٍ يجب أن نَعيها حتى نُمثلَها، على حدّ تعبير جوفمان.

- ككل النظريات الاجتماعية التي لها وزن في أي علم من العلوم الإنسانية، نجدها تزخر بعلماء أفذاذ أفنوا أعمارهم من اجل تحقيق وترسيخ مبادئهم،وقد كانت لكل واحد من هؤلاء وجهته وأيدلوجيته الخاصة في الطرح والمناقشة ولعل أبرز ممثلين نظرية التفاعلية الرمزية هم هؤلاء الثلاثة الذين سأتناولهم بنوع من الاختصار ما عدا أشهرهم والذي هو جورج هربرت ميد.
1-3) أشهرُ ممثلي النظريةِ التفاعليةِ الرمزية:
1) جورج هربرت ميد 1863-1931)George H. Mead):
استطاع جورج ميد في محاضراته التي كان يُلقيها في جامعة شيكاغو، على طولِ الفترة من (1894-1931) أن يُبلور على نَحوٍ متقن، الأفكار الأساسية لهذه النظرية، وقد جَمعَ له تلاميذُه كتاباً بعد وفاته، يحتوي على معظم أفكاره التي كانوا يدوّنوها في محاضراته، تحتَ عنوان: (Mind, Self and Society )1934م.
فيعتبر جورج ميد G.H.Mead أن التنشئة الاجتماعية نتاج عملية التفاعل أوّلاً مع الآخر ذي الدلالة ثم مع الآخر العام:فالطفل في مرحلة الأولى يعيد إنتاج داخل ألعابه سلوكيات محددة ثم في مرحلة ثانية يمكنه وهو يلعب وحده إبداع الدور الذي يختاره والتعبير عنه كما يفهمه،بمعنى أن الطفل في الفترة الأولى يختار أدوارا معينة برغبة منه،سواء وحده أو مع غيره،مثلا كدور أمه أو أبيه أو بطل أو شرطي...فيقوم بهذه الأدوار عن طريق حركات رمزية محددة وكأنه يستبطن في داخله أدوار غيره،هذا اللعب الحر هوا لذي يؤهله في الدخول على المرحلة الثانية والتي يسميها ميد G.H.Mead "دلالات الآخرLes autres signifisatifs"أو الآخر ذو المعنى.
ثم ينتقل الطفل من اللعب الحر على اللعب المنظم فمثلا حين يريد الطفل لعب كرة القدم مثلا يجب احترام قواعد معينة واخذ ادوار ومواقع محدد بدقة إلى حد ما،وعلى كل فرد في الفريق احترام مكانه وتموقعه داخل الملعب،فكل عنصر في الفريق له علاقة بما يطلق عليها جورج ميد الآخر المعمم أو الآخر العام L’autrui généralisé،فمعرفة القواعد وكل دور خاص بكل فرد داخل الفريق من طرف زملائه في الفريق،يجعل من كل واحد يرتبط من خلال علاقة الآخر.

ومن هنا فإن التنشئة الاجتماعية عند ميد عبارة عن بناء للذات من خلال احتلال أدوار مختلفة باستمرار،فهي تدل على ان الفرد يمكن أن يكون الموضوع والمضمون في آن واحد"Sujet et Objet" فالأنا تتضمن مواقف المجموعة "الآخر العام" إضافة إلى السمات والعادات الخاصة بالمعني أي البعد الاجتماعي لشخصية الفرد للفرد،لكن "الذات" ( Le Je) تمثل عكس ذلك الجانب الفرداني للشخصية وتشعره بنوع من الحرية والتذمر ومن ثم مخالفة ومن هنا يقع بين مد وجزر،ومن خلال هذا البناء للهوية تظهر سلوكيات مختلفة عن بعضها،كلما زاد التفاعل بين الأنا والذات زاد التفاعل بين الفرد والمجموعة.
2) هربرت بلومر H. Blumer (1900-1986)):
وهو يتفق مع جورج ميد في أن التفاعل الرمزيَّ هو السمةُ المميزةُ للتفاعل البشري، وأن تلك السمةَ الخاصةَ تنطوي على ترجمةِ رموزِ وأحداثِ الأفراد وأفعالهم المتبادلة. وقد أوجَزَ فرضياتِه في النقاطِ التالية:
• إن البشرَ يتصرفون حيالَ الأشياءِ على أساسِ ما تعنيهِ تلك الأشياءُ بالنسبة إليهم.
• هذه المعاني هي نتاجٌ للتفاعل الاجتماعي الإنساني.
• هذه المعاني تحوَّرُ وتعدّل، ويتم تداولُها عبر عملياتِ تأويلٍ يستخدمُها كلُّ فردٍ في تعامله مع الإشاراتِ التي يواجهُها.
• الإضافة التي قدمها بولمر للتفاعلية الرمزية هي:
- أنه لم يحدد عملية التفاعل ولم يحصرها بالأفراد فقط. بل يرى حدوثها بين (الأفراد، المؤسسات، المنظمات، الجماعات المحلية، الطبقات)
3)إرفنج جوفمان (1922-1982) Erving Goffman):
وقد وجَّهَ اهتمامَهُ لتطوير مدخلِ التفاعلية الرمزية لتحليلِ الأنساق الاجتماعية، مؤكداً على أن التفاعلَ – وخاصةً النمطَ المعياريَّ والأخلاقيَّ- ما هو إلا الانطباع الذهنيُّ الإرادي الذي يتم في نطاق المواجهة، كما أن المعلوماتِ تسهم في تعريف الموقف، وتوضيحِ توقعات الدَور.

لعل من أشهر كتبه "تقديم النفس في الحياة اليومية"1971م The Presentation of Self in Everday life ففي هذا الكتاب يقوم بعمل وصفي محض،وتصنيف لوسائل لعب الأدوار وإستراتيجيتها .

4فيكتور تيرنر:
الرجل لا يقل أهمية عن المؤسسين الذين سبقوا، حيث ألف كتاب (غابة الرموز)
يعتقد أن الإنسان محاط بغابة من الرموز التي اختبر وجرب معانيها خلال فترة حياته،ولقد وضع فيكتور تيرنر على مسلمات من أهمها مايلي:
تقوم نظرية فيكتور تيرنز في التفاعلية الرمزية على المسلمات التالية:

• أننا محاطون بمئات الأشياء المادية وغير المادية.
• عن طريق اللغة والذات تختبر هذه الأشياء ونجربها.
• بعد الاختبار تتحول الأشياء إلى رموز.
• الرموز تقيم بالنسبة لنا على أنها رموز ايجابية أو رموز سلبية.
• تفاعلنا مع الرموز الايجابية يكون قويا، أما تفاعلنا مع الرموز السلبية يكون ضعيفا.
• الرمز الذي نعطيه لأي شيء هو الذي يحدد صورة التفاعل بيننا وبين الرمز.
1-4)تعقيب في نظرية التفاعلية الرمزية:
- إن النظريةَ التفاعليةَ الرمزيةَ، لا تقدّم مفهوماً شاملاً للشخصية، فأصحابُ النظرية وعلى رأسِهم بلومر يقرّون بأن هذه النظرية يجب ألا تُشغِل نفسَها بموضوع الشخصية كما ينشغل بها علم النفس. وهذا سبب واضحٌ، ومبررٌ جوهري على قِلة الاستفادة من هذه النظرية في الميدان التربوي، على الرغم من وجود بعض الأبحاث القليلة المنشورة هنا وهناك.
-كما أن التفاعليةَ الرمزية أغفلت الجوانبَ الواسعةِ للبُنية الاجتماعية لذلك نجدها لا تستطيع قولَ أي شئ عن ظواهرَ اجتماعية كالقوّة والصراع والتغيّر، وأن صياغتَها النظرية مُغرقةٌ في الغموض، وأنها تقدم صورة ناقصة عن الفرد.

- تفتقد الصرامة العلمية ولا تستخدم الاستنباط المنطقي،بل تقدم سلسلة من الأفكار التي يمكن للباحث أن يوظفها في عمله بصفتها توجيهات عامة،كما أنها تقدم للباحث أثناء توظيفها في عمله تفسيرات منخفضة نسبيا.
التفاعلية الرمزية نظرية تختص في دراسة الأفراد،وتحديداً بالفعل الاجتماعي،وبالرغم من وصف بول روكPaul Rock" " 1979م بالغموض المتعمد،وقد اعتمدت على إلقاء محاضرات جامعية شفاهية أكثر من اعتمادها على شكل كتب مدرسية معتمدة،لكن في الوقت ذاته يعتقد أصحاب النظرية الوظيفية أن النظرية التفاعلية الرمزية أكثر النظريات قوة من الناحية البحث التجريبي.
على غرار نظرية التفاعلية الرمزية التي كانت من بين أسسها الفلسفة الوضعية،بالولايات المتحدة الأمريكية ،ظهر رجل آخر من ذات المكان ،يدعوا إلى تغيير نظرة المهتمين إلى التربية ،وأتى بمبادئ جديدة ،والذي كان له الفضل في خلق ثورة علمية في علم الاجتماع والمجتمع نفسه،إنه جون ديوي John Dewey.فمن هو هذا العالم الفذ،والذي قام بقفزة نوعية في مجال التربية؟وماذا قدم لعلم الاجتماع والتربية حتى يحضى بهذا الاهتمام؟
2)النظرية البراغماتية: جون ديوي (1859-1952):
2-1)جون ديوي حياته وافكاره:
إن جون ديوي أبرز مثال على صحة المقولة التي تقول إن الإنسان ثمرة بيئته التي يعيش فيها،فقد اجتمعت له ميراث أبوي علمي كبير،وكذا الإقليم الذي نشأ فيه،والتربية التي تلقاها في صغره وحياته،والأمة التي كان واحد من أفرادها والتي كانت تمجد الحرية وديمقراطية،والعصر الذي ولد فيه ،حتى أنه من المفارقات أن العام الذي ولد فيه 1859م هو العام نفسه الذي نشر فيه دارون كتابه " أصل الأنواع" هذا الكتاب الذي لعب في فلسفة ديوي دورا كبيراً فيما بعد،كل هذه العوامل عملت على تكوين جون ديوي ،فكان بذلك حقا ثمرة هذه البيئة الثقافية والحضارية.
يعتبر جون ديوي من أبرز ممثلي ومؤسسي الحركة أو الفلسفة البراجماتية.
لقد ولد في مدينة بورلنجتن (Burlington) من ولاية فيرمونت (Vermont) سنة 1859، وقد تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدينته وتعليمه الجامعي في جامعة ولايته. وبعد إتمامه لتعليمه الجامعي في ولايته عام 1879 اشتغل بالتدريس لفترة من الزمن في إحدى المقاطعات، ثم ما لبث أن تاقت نفسه لمواصلة دراسته العليا في ميدان الفلسفة والعلوم السياسية والتاريخية. وقد استطاع في سنوات قليلة أن يحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة جون هوبكنز عام 1884م.
وبمجرد حصوله على الدكتورة انضم إلى "جامعة ميتشجين" كمحاضر بها في الفلسفة. وقد بقي في هذه الجامعة لم يغادرها إلا فترة قصيرة إلى جامعة "مينيسوتا" حتى دعى عام 1894 لتولي رئاسة قسم الفلسفة بجامعة شيغاغو. وقد استمر في رئاسة قسم الفلسفة في هذه الجامعة حتى انتقل منها في عام 1904 إلى جامعة "كلومبيا"، ثم استمر في جامعة كلومبيا منذ هذا التاريخ حتى تقاعده عام 1930،ومن أبرز أعماله في الميدان التربوي إنشاؤه لمدرسته النموذجية في مدينة شيكاغو سنة 1896، وقد اتخذ ديوي من هذه المدرسة الابتدائية النموذجية حقلا لتجربة نظرياته وآرائه التقدمية في التربية. وفي سنة 1902 ضمت هذه المدرسة لكلية التربية بجامعة شيكاغو لتكون مدرسة تطبيقية تجريبية لها.
2-2)جون ديوي وأفكاره البراجماتية:
دعت البرجماتية إلى أن تعود الفلسفة إلى وظيفتها الحقيقية التي كانت عليها في الماضي, وهي أن الفلسفة أسلوب حياة أو خطة عمل أو مشروع نشاط. ونادت البرجماتية بالخبرة ويمكن التخطيط للواقع والتغلب على مشكلاته لا بد من الخبرة وبهذا الصدد يقول ديوي (إذا جاز لنا أن نصوغ فلسفة التربية التي يقوم عليها ممارسات التربية الحديثة، فمن الممكن فيما أعتقد أن تكشف عن طائفة من الأسس المشتركة بين المدارس القائمة المختلفة).
ترفض البرجماتية أن تكون التربية عملية بث للمعرفة للطالب من أجل المعرفة إنما ترى أنها تساعد الطفل على مواجهة احتياجات البيئة البيولوجية الاجتماعية.

ويرى البرجماتيون أن التربية هي الحياة وليست إعداد للحياة، وأن واجب المدرسة كمؤسسة تربوية أن تستخدم مواقف الحياة في العملية التربوية، ويعرف جون ديوي التربية بأنها عملية مستمرة من إعداد بناء الخبرة بقصد توزيع محتواها الاجتماعي وتعميقه، وأن الفرد في الوقت نفسه يكتسب ضبطاً وتحكماً في الطرائق المتضمنة في العملية.
نشر جون ديوي كتابه " المدرسة والمجتمعSchool and Society عام 1898،وقد فرق ديوي بين نوعين من الخبرة :الخبرة الساذجة والخبرة العلمية التي اعتبرها أساسا للتربية وهي تقوم على الفهم والإدراك ومعرفة العلاقات بين الأشياء مما يفيد في تكييف الفرد لنفسه في البيئة التي يعيش فيها والسيطرة عليها في المستقبل.
والمهم في رأي البرجماتية في العملية التربوية التأكيد على أمرين الأول: العناية باهتمام الطالب والثاني: العناية بحب الاستطلاع لديه وذلك لأنهما يحفزانه على التعلم بصفة أساسية.أما فيما يخص المعلم عند أصحاب هذه النظرية فإن وظيفته تكون في قدرته على تنظيم الخبرة وبيان الاتجاه الذي تسير فيه فضلاً عن قدرته على شحذ أذهان التلاميذ وهو بذلك يكون عوناً للحرية لا قيد لها.
والبرجماتية لم تجعل من المعلم محوراً للعملية التربوية ووظيفة المعلم من وجهة نظر البرجماتية ليس مجرد تدريس الأفراد , بل تكوين الحياة الاجتماعية الصحيحة.
وقد انعكست النظرية البرجماتية على المنهج وذلك باختيار الخبرات لكل فرد أو جماعة من الخبرات المناسبة التي تساعدهم أن يبنوا منهجاً عقلياً متكاملاً.
وأحد الأهداف الرئيسية في المنهج البرجماتي هو إقرار الدراسات ذات الطبيعة الحديثة والمعاصرة والمفيدة في إعداد الشباب لظروف المجتمع المتغيرة دوماً وخاصة ما يتعلق منها بالعمل والتعامل ودراسة المواقف بما تتضمنه من موضوعات وليس القراءة منها فحسب.
لا يفرق المنهج البرجماتي بين الفعاليات المنهجية وغير المنهجية، فكل ما يمر بخبرة التلميذ هو جزء من المنهج سواء أكان نشاطاً ترويحياً أم اجتماعياً أم عقلياً.

ومن هنا نجد ديوي يعرف التربية بأنها:"عملية اجتماعية تعد الطفل لاندماج في الحياة الاجتماعية،وتنشئته بطريقة تستطيع من خلالها خلق فرد واع ومدرك بالمجتمع الذي يتطور حوله"

3-2) السمات العامة لنظرية جون ديوي التربوية:
1-الميول والنشاطات الفردية للطفل تنظم من خلال النشاطات الجماعية التي تعكس مستوى تطور المجتمع.
2-مهمة المدرسة هي تدريب المتعلم على التعاون وتبادل التأثير للوصول إلى هدف مشترك.
3-أساس التعليم يبنى على اكتشاف الرغبات الخاصة والقدرات الشخصية عند المتعلم. وعلى اكتشاف ما يحتاجه وتدريبه لتكيف مع الوسط.
4-الطلاب والمدرسون يوزعون المهام فيما بينهم.
5-الطالب كائن باحث يستطيع أن يعلم نفسه من خلال المشاركة في النشاطات.
3-3)تعليق على أفكار جون ديوي :
- يقوم التفكير العلمي كنشاط إنساني على مبدأ الإيمان بقدرة الحواس والعقل والبرهان من أجل الوصول للحقائق بصورة موضوعية تعتمد على إجراء التجارب، واثبات النتائج تحت مجهر الاختبار، وهو المنهج الذي ينادي به الإسلام وهو يعمل على كسر احتكار العلم على فئة ما كما يعمل على نبذ الأوهام والغيبيات التي لا سند لها.
- جاء جون ديوي ليركز على الحواس وكل ما يمكن قياسه مادياً وبذلك أخذ جانباً من المنهج العلمي السليم في حين أنه فرَّط في قدرة العقل على الاستنباط والاستدلال فما يتصل بأمر الدين فأخل ديوي بالمنهج العلمي الشامل للتفكير من المنظور الإسلامي. - إن أسلوب حل المشكلات الحاضرة خير مهارة يتعلمها الإنسان لمستقبله ولمواجهة تغيرات الحياة والتغلب على مشكلاتها. - يجمع الباحثون على أن فكر ديوي مازال يلعب دورا حيوياً وعلمياً وعملياً في الميدان التربوي المعاصر رغم الانتقادات الموجهة والتحديات المتزايدة.

الكثير من أعلام الفكر التربوي العربي المعاصر لا يثيرون نقطة جوهرية هامة عند حديثهم عن فلسفة ديوي وهي أنه غرس في أعماق التربية فلسفته الإلحادية(Atheistic Philosophy) حيث أصبحت القيم نسبية. هذه التحديات لا تقلل من قيمة هذه الطريقة فلكل وسيلة تربوية نقاط ايجابية وأخرى سلبية ولا تسلم أي نظرية من التحديات وهذه طبيعة الحياة التربوية ، إننا نتوقع نمو متزايد لأفكار ديوي لأن التكنولوجيا الحديثة ستفتح المزيد من آفاق البحث الحر والمشاريع الإبداعية والانفتاح الثقافي. كما أن سقوط الشيوعية أنعش الديمقراطية مما يدل على أن أفكار ديوي ستكون أكثر قبولا على المستوى العالمي. تعلم ديوي من إسهامات الفلسفة الكلاسيكية ثم رسم مدرسته الحديثة على أسس نفسية واجتماعية مختلفة. وقدأخذ من سقراط صفة الصبر، ومن أفلاطون عمق التأمل، ومن أرسطو فكرة الواقعية ثم قدم لنا - مع غيره - الفلسفة البراجماتية بغية تكوين الفرد الليبرالي والمجتمع الديمقراطي ، ربط ديوي الفلسفة بالتربية ثم ربط التربية بالحياة العملية ومشكلاتها وتحدياتها بشبكة فكرية ذات نزعة عملية ، هذه الشبكة هي نظرياته الشاملة التي تعتبر من أبرز نظريات التربية الحديثة القائمة على مبدأ البحث الحر المستمر عن المعرفة النابعة من الخبرة المباشرة والنشاط الذاتي.
4-3)الانتقادات التي وجهت إلى الفلسفة البراجماتية :
1- تركز البرجماتية على المتعلم وتعده المحور الأساس في بناء المنهج وتنفيذه وترفض الاتجاهات التربوية التقليدية التي اتخذت المادة الدراسية محوراً لها في بناء المنهج وتنفيذه، ولأن المتعلم محور العملية التعليمية وترفض البرجماتية التحديد السابق للمادة العلمية وترفض التخطيط للعملية التعليمية ومراحلها، مما يجعلخا تبتعد عن تنظيم العملية التربوية مواداً وفصولاً.
2 - تؤكد الخبرة الذاتية للفرد بوصفها وسيلة لمعرفة العالم الخارجي والتعامل معه, وترى أن مفهوم الصدق يطابق مفهوم النجاح والفاعلية تطابق المنفعة فكل ما يحقق فائدة عملية ويقود إلى تحقيق أهداف الفرد صادقاً وصحيحاً.

3 - أنها تؤكد النمو التلقائي للفرد بحكم العوامل الوراثية الحتمية والبيولوجية وتنظر إلى أهمية التراكم الكمي للخبرات الفردية في تكوين الشخصية. وعلى هذا الأساس تتعامل مع التربية بالانتقاء الاجتماعي والتوزيع وفقاً لقدرات الأفراد الطبيعية، ولا سيما الذكاء. وعليه لا يمكن بناء الشخصية المتكاملة بحكم إغفالها للتراث الحضاري والعوامل الاجتماعية والعوامل الأخرى تؤدي أثراً في بناء شخصية الإنسان وهذا يناقض منطق العلم , ويؤدي بالمتعلم إلى تشتت اتجاهاته.
4 - لا تتقيد التربية البرجماتية بمعايير روحية فليس في رأيها وجود سابق للقيم والمعايير الروحية، ولكنها تنشأ في أثناء القيام بالتجارب الناجحة، وتتولد في أثناء حل المشكلات المتنوعة. وترى أيضاً أن الخبرة الذاتية للفرد والنجاح الفردي هما الأساس للأخلاق، وليس تراكم التراث الثقافي للإنسانية، أو لمصلحة المجتمع وقيمته، فهي بذلك ت}كد التنافس، وتنمي الفردية والنجاح الفردي والمنفعة والبقاء للأقوى.
5- النظرية البرجماتية تركز على الجانب العملي لعملية التعليم فإن نشاط المتعلم وفاعليته في النشاط والمشروعات والوحدات التي خططها المتعلم وينفذها فهي بذلك تقدمه للمعرفة بدلاً من أن تقدم المعرفة له. وهذا سيؤدي إلى تحطيم التنظيم المنطقي للمادة العلمية، فضلاً عن أنها لا تقدم للتلاميذ إلا المعلومات الجزئية والسطحية ذات الهدف النفعي مما يؤدي إلى ضعف المستوى العلمي للتلاميذ.
6- يتمثل دور المعلم البرجماتي في النصح والاستشارة وتنظيم ظروف الخبرة والإمكانات التي تساعد على تعلم الفرد. وهذا يعني إهمال الكثير من طاقات المعلم وإمكاناته وإبداعاته لأنه عنصر فاعل في العملية التعليمية مما يكسب العملية التربوية قدرة على بناء المتعلم وتعليمه.
7- إن هذه النظرية ما هي إلا تعبير عن واقع المجتمع الأمريكي وتطوره الاقتصادي والاجتماعي في تطوره العلمي وتقدمه الصناعي , وهي محور القيم الحضارية والاجتماعية التي تؤكد الربح والنجاح , ونمو الروح الفردية والنزعة العلمية والواقعية والنفعية معبرة عن ازدهار الرأسمالية وقوة البرجوازية.
8- البراجماتية لا تقدم لنا بحثاً إيجابيا عن الحقيقة. إذ إنها مجرد منهج لاكتشاف الأفكار الخاطئة، وهي التي ليست لها آثار عملية.

جون ديوي (1859-1952)

العوامل المؤثرة في أفكاره أفكاره الفلسفية

- الفلسفة الداروينية. – القيم الأخلاقية والتي هي إنسانية
خالصة من صميم الحياة.

- المذهب البراغماتي - نظرية المعرفة والتي تتعلق بالخبرة
" وليم جيمس وآخرون" ونشاط الفرد الذاتي.

- مبادئ الحياة الديمقراطية التي - طبيعة الكون والإنسان والتي هي
كانت سائدة في المجتمع الأمريكي. عبارة عن عملية ديناميكية.

مخطط يوضح أفكار جون ديوي والعوامل المؤثرة فيها

3)النظرية الطبيعية:جون جاك روسو (1712-1778)
يُعدّ ( روسو ) رائد (المذهب الطبيعي) وواضع أصوله ومن أصول ذلك المذهب أنّ الفرد هو شعار التربية، وأنّ التعبير عن الذات هو الهدف النهائي لها وبنى الطبيعيون على هذا أنّ التربية القويمة لا تتحقق إلا بإطلاق الحرية التامة للأطفال،و أن تكون تربية الطفل بين سن الخامسة والثالثة عشرة سلبية، لا يُعلَّم فيها الطفل شيئاً ولا يُربّى خلالها أيّ تربية، بل يُترك للطبيعة، محاطاً بأجهزة وأدوات مـن شأنها أن تُوسِّع مداركه. ويـؤمـن الطبيعيون بأنّ التربية هي عملية إعداد للحاضر لا للمستقبل، ومن الخطأ ـ عندهم ـ أن يُضَحّى بالحاضر المتيقَّن في سبيل مستقبل مضنون.
3-1)جون جاك روسو في سطور:
ولد جون جاك روسو (28 يونيو 1712-2 يوليو 1778) فيلسوف فرنسي، كان أهم كاتب في عصر العقل، في مدينة جنيف فيما يُعرف الآن بسويسرا. وكانت أسرته من أصل بروتستانتي فرنسي، وقد عاشت في جنيف لمدة مائتي عام تقريبًا. توفيت أمه عقب ولادته مباشرة، تاركة الطفل لينشأ في كنف والده، الذي عُرف بميله إلى الخصام والمشاجرة. ونتيجة لإحدى المشاجرات عام 1722م، اضطر والد روسو إلى الفرار من جنيف. فتولى عم الصبي مسؤولية تربيته. وفي عام 1728م، هرب روسو من جنيف، وبدأ حياة من الضياع، ومن التجربة والفشل في أعمال كثيرة. ولكنه كان دائمًا تستهويه الموسيقى. وظل لسنوات مترددًا بين احتراف الكتابة أو الموسيقى. وبعد وقت قصير من رحيله عن جنيف، خدم روسو أمينًا للسفير الفرنسي في البندقية خلال عامي 1743، 1744م. كانت نقطة التحول في حياة روسو عام 1749م،وفي روايته الطويلة إميل (1762م) أعلن روسو أن الأطفال، ينبغي تعليمهم بأناة وتفاهم. وأوصى روسو بأن يتجاوب المعلم مع اهتمامات الطفل. وحذر من العقاب الصارم ومن الدروس المملة، على أنه أحس أيضًا بوجوب الإمساك بزمام الأمور لأفكار وسلوك الأطفال. كان روسو يعتقد أن الناس ليسوا مخلوقات اجتماعية بطبيعتهم، معلنًا أن من يعيشون منهم على الفطرة معزولين عن المجتمع، يكونون رقيقي القلب، خالين من أية بواعث أو قوى تدفعهم إلى

إيذاء بعضهم بعضًا. ولكنهم ما إن يعيشوا معًا في مجتمع واحد حتى يصيروا أشرارًا. فالمجتمع يُفسد الأفراد من خلال إبراز ما لديهم من ميل إلى العدوان والأنانية.
3-2) أسس التربية عند روسو :
1. إن الهدف الاعلي للتربية هو تحقيق النزعات الطيبة وتعميقها في الطبيعة البشرية من خلال المؤسسات الاجتماعية والتربوية.

2. يولد الإنسان كائنا طيبا ولكن فساد المجتمع هو الذي يفسد طبيعته البشرية.

3. الطبيعة البشرية مثل النبات الذي لا بد أن نرعاه ونهتم به. هذه هي مهمة المربي.

4. لنا ثلاثة معلمين هم الطبيعة والإنسان والأشياء. الطبيعة تعلمنا عن طريق النمو الداخلي وعن طريق الألم والمعاناة. والرجل يعلمنا أو يجب أن يعلمنا كيف نستفيد مما نتعلمه من الطبيعة. بينما الأشياء تزيدنا خبرة.

5. يجب أن تكون الدروس التي نتعلمها من هذه الجهات الثلاثة متناغمة وغير متصارعة أو متنافرة فيما بينها.

6. لا سيطرة لنا على ما تعطينا إياه الطبيعة. فغرضنا هو الغرض الذي تحدده لنا الطبيعة. ما نسيطر عليه سيطرة قصوى هو التعليم البشري الذي يجب أن يتناغم مع الميول الطبيعية وإلا فانه سيكون هناك صراع. يجب أن ينسجم التعليم الرسمي مع الميول البشرية وان لا يصطدم بها.

7. يجب أن تنسجم مشاعرنا وخيالنا وقدراتنا الذهنية مع ميولنا الطبيعية.

8. يجب أن نحترم براءة الأطفال. يجب أن نسمح لهم بات يستمتعوا بطفولتهم وان يعيشوها.

9. يجب أن يتعلم الأطفال الاعتماد على النفس، وكلما ازدادت قدرتهم على الاعتماد على أنفسهم قل اعتمادهم على الآخرين.

10. يجب أن يختبر الأطفال المعاناة بشكل يمهد لهم السبيل أن يعيشوا الحياة بشكل كامل. يجب أن لا نجعلهم يعانون أكثر أو اقل مما يجب. فالطبيعة تعلم عن طريق الألم والمعاناة. وهذا من شأنه أن يجعلهم يخشوشنون.

11. لا توبخ الأطفال أكثر مما يجب، فهذا يجعلهم كالعبيد. ولا تتسامح معهم أكثر مما يجب، فهذا يجعلهم مستبدين. فالطبيعة جعلت من الأطفال كائنات يجب أن نحبها ونساعدها وليس أن نظلمها أو نطيعها أو نخافها.

12. لا تستعمل مشاعر دنيئة في تربية الأطفال، مثل الخوف والحسد والجشع والغيرة كوسائل لتربية الأطفال. فمحاولة جعلهم طيبين بوسائل سيئة تؤدي إلى جعلهم أشرارا.

13. شجع الأطفال على التعلم عن طريق الخبرة: تجنب الدروس المباشرة.

3-3)أفكاره التربوية:

كانت آراؤه تعبيرا عن أراء الفلسفة في الطبيعة البشرية والتي هي بدورها رد فعل متطرفة لفساد المجتمع في تلك الحقبة.
يعتقد روسو أن الطبيعة خيرة، وأن الشر والفساد من صنع البشر "كل ما يخرج من يدي الله يكون خيرا ويد الإنسان تفسده.
الفصل الأول لكتاب إميل (تحدث فيه عن تربية الطفل من الميلاد إلى خمس سنوات)
انتقد روسو التربية التقليدية في كتابه إميل بشدة وعنف ورفض عادة اللفافة وتعجب كيف نقيد الطفل منذ ولادته بلفافة، ونقيده في حياته بالعادات والتقاليد، ثم نقيده بعد مماته بكفن فيولد الإنسان ويعيش ويموت مقيدا.
التربية الطبيعية هي ترك الطفل يعيش بحرية.

يرفض تلقين الطفل مفردات لغوية كثيرة، وأن يردد ألفاظا لا يفهمها، إذ يرى أنه من الخطأ أن نعلمه نطق الكلمات أكثر من قدرته على التفكير.
من ستة سنوات إلى اثنى عشرة سنة يعتبرها روسو من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، لذا يترك الطفل يعيش في الطبيعة، يستمد معلوماته عن طريق الحواس ومن ملاحظاته، فالمربي الحقيقي هو الطبيعة وموجودتها ودور الإنسان هو مساعدة الطفل على فهم دروس الطبيعة، دعامة التربية في هذه المرحلة هي الحواس والمحسوسات، فيقول: "اجعل المسائل في متناوله ودع حلها له ولا تجعله يعلم شيئا عن طريقك واجعله يفهم كل شيء بنفسه." ويقول أيضا: "لا تقدم لتلميذك أي نوع من الدروس الكلامية، فعليه ألا يتلقى مثل هذه الدروس إلا من التجربة."
3-4)مبادئ التربية الطبيعية عند روسو :
1- الإيمان ببراءة الطفل، وهو تأكيد لاعتقاده بخيرية الطبيعة البشرية، إنه يذكر أن الإنسان ابن الخطيئة.
2 - الإعلاء من شأن الطبيعة: فالطبيعة يتعلم منها الإنسان ما يحتاج، والتربية الصحيحة هي السير وفق قوانينها.
3 - مبدأ الحرية : ترك الطفل يتدبر أمره بنفسه يحمله على التفكير واكتشاف المفاهيم والحقائق، على المربي أن يخلق مأزقا للطفل ثم يترك له الحرية للخروج من المأزق، وبهذا تتم عملية التعلم التلقائي الراسخ.
4 - مبدأ التربية السلبية: أي ألا نعلم الطفل شيئا لا يطلب تعلمه، فترك له الحرية في الحركة والاحتكاك واكتشاف الخبرة العملية والابتعاد عن الدروس اللفظية فيقول: "لا ينبغي أن نلقن الطفل دروسا لفظية، فالتجربة وحدها هي التي يجب أن تتولى تعليمه وتأديبه.
5 - مبدأ الطفل هو محور التربية: أي معاملة الطفل كطفل لا كراشد، وأن ميوله وخصائصه وحاجاته الحاضرة ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية لا رغبات وطموحات الكبار.
-إن أصحاب هذا المذهب يهتمون بطبيعة الطفل وأساس التربية عندهم لا يتمثل في الإعداد للمستقبل حيث يقول روسو :" إن الطبيعة تتطلب منهم أن يكونوا أطفالا قبل أن يصبحوا رجالا وعلى المربين أن لا يحملوا الطفل ما لا طاقة به، وإلا عاش تعيسا"

ومن هنا ينحصر دور المربي عندهم في ملاحظة نمو الطفل نموا طبيعيا وتهيئة الفرص والظروف الملائمة لهذا النمو والتشديد على خبرة الطفل وميوله.
أي إشراك الطفل في العمل والتجريب في المعامل.. وتهيئة الظواهر لإدراكها وإلغاء النظام التعليمي القائم على السلطة العليا.
وبالعودة إلى السياسات التعليمية في بلدنا نجد أنه من الناحية النظرية فإن القائمون على العملية التربوية يؤمنون بأن هذه النظريات السابقة بمجملها تكمل بعضا .
أما من الناحية العملية فأعتقد أنهم لم يأخذوا بهذه النظريات.. وهذا يظهر ويتضح لنا بسرعة بالنظر إلى النتائج المخيبة التي وصل إليها واقع التعليم والتعلم.
وإلا كان يمكن أن نشهد نفس النجاحات التي تحققها المدارس في فرنسا أو الولايات المتحدة.. أو أية دولة أخرى.
إذا فنحن لم نشهد الكمال في مدارسنا.. ابتداء بإنشاء مبان مدرسية لائقة من حيث توافر الشروط الصحية ومراعاة توافر ساحات اللعب والنشطات المختلفة وانتهاء بموضوع الاستيعاب والصفوف المكتظة التي تحتم أن يصبح المدرس شرطيا لا مربيا.
- لقد ألهمت نظرية روسو j.j.Rousseau الكثير من التحليلات السوسيولوجية الفردانية،فقد أثرت في تصورات ريمون بودون (1934-) Raymond Boudonخاصة كتابه والذي كان تحت اسم"Effet pervers et ordre social" وما تزال تؤثر إلى اليوم إلى اليوم أيضا،في الحريات الفردية والحرية للدولة والجماعة،ومن الدراسات التي تأثرت بفكر روسو أعمال روبارت نوزيك Robert Nozick (Anarchy state, Utopy, 1974) الذي انطلق من فكرة انتقال من الحلة الطبيعية إلى الحالة المدنية في تأسيس الدولة،وأعمال جون رولس
John Rowls(A theory of justice,1971) والذي أسس العقد الاجتماعي على مشروع يعطي الامتياز للطبقات الأقل حظاً من اجل تحسين أوضاعها.

جون جاك روسو (1712-1778)

العوامل المؤثرة في أفكاره أفكاره الفلسفية

- ما ورثه من صفات والديه المتقلبة - إيمانه بفكرة أن المجتمع طبيعي

- الشقاء والتشرد الذي عاشه في - تطور الفنون والعلوم والتي
طفولته وحتى شبابه. كانت سبباً في فساد عقله
وخلقه.

- عاطفته الكبيرة ورقة شعوره - إيمانه بمبدأ الدين الطبيعي.

- اضطراب شخصيته وعدم اعترافه - معرفة الله ممكن أن تتحقق في
بالقيم السائدة. أي مكان.

- تشبعه بفكر الفلاسفة من - نبذ فكرة الإنسان البدائي.
مختلف العصور.

تزامنه مع حركة التنوير وتأثره - الاعتراف بضرورة التنظيم
بزعمائها وعلمائها. الاجتماعي ووجود حكومة.
مخطط يوضح أفكار الفلسفية لجون جاك روسو والعوامل المؤثرة فيها

4)نظرية رأس مال الثقافي The Cultural Capital Theory:
4-1)بيار بورديو وأهم أفكاره:
بيير بورديو(1930 - 2002) عالم اجتماع فرنسي وأحد أبرز المراجع العالمية في علم الاجتماع. بدأ نجمه يبزغ بين المتخصصين انطلاقًا من الستينيات بعد إصداره كتاب الورثة (مع جون كلود باسرون)، وازدادت شهرته في آخر حياته بخروجه في مظاهرات ووقوفه مع فئات المحتجين والمضربين. اهتم بتناول أنماط السيطرة الاجتماعية بواسطة تحليل مادي للإنتاجات الثقافية يكفل إبراز آليات إعادة إنتاج البنيات الاجتماعية، وذلك بواسطة علم اجتماعي كلي يستفر كل العتاد المنهجي المتراكم في كل مجالات المعرفة عبر اختلاف التخصصات، ولقد انتقد بورديو تغاضي الماركسية عن العوامل غير الاقتصادية، إذ أن الفاعلين المسيطرين ، في نظره، بإمكانهم فرض منتجاتهم الثقافية (مثلا ذوقهم الفني) أو الرمزية (مثلا طريقة جلوسهم أو ضحكهم وما إلى ذلك). فللعنف الرمزي (أي قدرة المسيطرين على الحجب عن تعسف هذه المنتجات الرمزية وبالتالي على إظهارها على أنها شرعية) دور أساسي في فكر بيير بورديو. معنى ذلك أن كل سكان سوريا مثلا بما فيهم الفلاحون سيعتبرون لهجة الشام مهذبة أنيقة واللهجات الريفية غليظة جدًّا رغم أن اللهجة الشامية ليست لها قيمة أعلى بحد ذاتها. وإنما هي لغة المسيطرين من المثقفين والساسة عبر العصور وأصبح كل الناس يسلّمون بأنها أفضل وبأن لغة البادية رديئة. فهذه العملية التي تؤدي بالمغلوب إلى أن يحتقر لغته ونفسه وأن يتوق إلى امتلاك لغة الغالبين (أو غيرها من منتجاتهم الثقافية والرمزية) هي مظهر من مظاهر العنف الرمزي.
4-2)أهم أعماله:
أنتج بيير بورديو أكثر من 30 كتابًا ومئات من المقالات والدراسات اللتي ترجمت إلى أبرز الألسن في العالم واللتي جعلته يتبوأ مكانة بارزة بين الأسماء البارزة في علم الاجتماع والفكر النقدي منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي.
*سوسيولوجيا الجزائر 1958
* الوَرَثَة. الطلبة والثقافة (1964)
* إعادة الإنتاج. أصول نظرية في نظام التعليم (1970)
* التمييز-التميز. النقد الاجتماعي لِحُكم الذوق (1979)

* الْحِس العملي (1980)
* ما معنَى أن تتكلم. اقتصاد التبادلات اللغوية (1982)
* درس في الدرس (1982)
* مسائل في علم الاجتماع (1984)
* الإنسان الأكاديمي (1984)
* أشياء مَقُولة (1987)
* الأنطولوجيا السياسية عند مارتن هيدغر (1988)
* إجابات. من أجل إنسيات انعكاسية (1992)
* قواعد الفن. تكوُّن وبنية الْحقل الْأدبي (1992)
* بؤس العالَم (1993)
* عِلَلٌ عَمَلية. في نظرية الفعل (1994)
* في التلفزة (1996)
* تأملات باسكالية (1997)
* في التلفزة (1996)
* السيطرة الذكورية (1998)
* البنيات الاجتماعية للاقتصاد (2000)
* علم العلم والانعكاسية (2001)
* تدخلات. العلم الاجتماعي والعمل السياسي 1961-2001، (2002)
* توطئة لتحليل-ذاتي (2004)

4-3)مفهوم رأس المال الثقافي:
الثقافة عند بيار بورديو P.Bourdieu نسق رمزي Symbolic System أو كما أطلق عليها اسم القوة الرمزية وهو يقصد أن الأنسقة الرمزية في أي مجتمع هي أدوات للسيطرة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الديمقراطي،وبهذا فإن الثقافة كأنسقة رمزية هي رأس مال، وهي موضوع صراع بين القوى الاجتماعية المتعددة،وتهدف كل قوة من هذه القوى الاجتماعية إلى السعي وراء السيطرة على حقل الثقافة أو إنتاج وتوزيع رأسمال ثقافي فيه.
وبالتالي إذا أردنا أن نصوغ معنا ولو كاريكاتوريا على رأسمال الثقافي فيمكننا القول بأنه:
القبول أو الاعتراف أو الاعتقاد بقوة أو بسلطة من يملك مزايا أكثر، أو شكلاً من الاعتراف بالشرعية، أو قيمة معطاة من الإنسان. ويرتبط هذا المفهوم بمبدأ السلطة ومبدأ التميُّز أو الاختلاف (في الخصائص) ومبدأ الأشكال المختلفة لرأس المال. ويدخل في مختلف الحقول وفي مختلف أشكال السلطة أو الهيمنة، أو في أشكال العلاقات.
- هذا هو ”العنف الرمزي“ الذي يحدثنا عنه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو في كتابه عن ”الهيمنة الذكورية“، ويقول عنه انه ”عنف هادئ لا مرئي لا محسوس حتى بالنسبة إلى ضحاياه“، ويتمثل في أن تشترك الضحية وجلادها في التصورات نفسها عن العالم والمقولات التصنيفية نفسها، وأن يعتبرا معا بنى الهيمنة من المسلمات والثوابت. فالعنف الرمزي هو الذي يفرض المسلمات التي إذا انتبهنا إليها وفكرنا فيها بدت لنا غير مسلم بها، وهي مسلمات تجعلنا نعتبر الظواهر التاريخية الثقافية طبيعة سرمدية أو نظاما إلاهياً عابرا للأزمنة. أشد أنواع العنف ضد المرأة العنف الثقافي المقنّى العتيق الذي تعود ممارساته إلى مئات السنين إن لم نقل آلافها. وأشد أنواع العنف الثقافي هو ذلك العنف الرمزي الذي يبدو بديهيا، ويفرض نفسه على الضحية والجلاد والقاضي، ويقول عن نفسه انه ليس عنفا.

4-4) التربية كأداة لترسيخ الطبقية:
إن النظام التربوي في المجتمعات ذات التفاوت الطبقي كما يرى بورديو يعتبر أحد الأليات الأساسية الفعالة في ترسيخ النمط الاجتماعي السائد في تلك المجتمعات،وهذا يبدو جليا من خلال بنية الفرصة النسبية المتاحة لأبناء الطبقات المختلفة لدخول النظام التعليمي في مراحله المختلفة،هذا من جهة ومن جهة أخرى ثمة مظهر آخر لهذا العنف الممارس القوى السائدة وهو في تنوع المدارس في المجتمع الواحد واختلاف مستوياتها باختلاف أصول الطبقية للطلاب الداخلين إليها،فأبناء الطبقات العليا هم الذين يحتلون المدارس ذات النوعية الرفيعة،وعلى ذلك فالتنوع في المدارس واختلاف مستوياتها إنما يعكس صور هذا التفاوت الطبقي ويجسد بشكل واضح أحد أهم مظاهر العنف الثقافي في المجتمعات الحديثة.
4-5)تعريف الأبيتوس Habitus:
يرى بيار بورديو P.Bourdieu أن الأبيتوسات هي نسق من الترتيبات الدائمة والمتغيرة المواضع،والبنى المبنية المهيأة للعمل كبنى تبني ،وبشكل بسيط يمكن تعريف الأبيتوس كنسق من التنظيمات أو الترتيبات المرتبطة بمسار اجتماعي معين(فالعامل ابن العامل،اًلأصل أن يكون له الأبيتوس عامل تقليدي في حين أن العامل بن الفلاح يمكن أن يكون له أبيتوس البرجوازي الصغير
ومن هذا المنطلق فإن لكل طبقة اجتماعية نوعان من الأبيتوس:
1- أبيتوس إعادة الإنتاج: وهنا يعني محولة توافق الفرد مع الظروف المعاشة من طرف العائلة الأصلية فابن العامل لا يطمح إلا أن يكون عاملاً.
2- أبيتوس"التسلق" الاجتماعي: وهو الذي يطمح إلى الصعود فوق الطبقة الأصلية كأن تجد ابن العامل يطمح أن يصبح في المستقبل طياراً ًأو جراحاً.

وخلال هذا التحليل للأبيتوسات فإن التنشئة الاجتماعية حسب بيار بورديو P.Bourdieu عبارة عن عملية بيوغرافية لدمج التنظيمات الاجتماعية المكتسبة لا في العائلة فقط والطبقة الأصلية،لكن في مختلف مراحل حياة الفرد التي يمر بها أثناء وجوده داخل مجتمعه،إذن فالتنشئة الاجتماعية من وجهة نظرية بيار بورديو P.Bourdieuتضمن اندماج "أبيتوسات" الطبقة وتنتج الانتماء الطبقي لأفراد كل هذا بإعادة إنتاج الطبقة باعتبارها مجموعة تتقاسم نفس الأبيتوسات.
4-6) صعوبات ومشكلة نظرية الرأسمال الثقافي:
رغم قوة هذه النظرية التي استعرضناها بشكل سريع ومختصر،إلا أنه ثمة مشاكل وصعوبات تنطوي عليها هذه النظرية لعل من أهما مايلي:
1-إهمال دور المحتوى الدراسي في عملية تعزيز علاقات التفاوت الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة وإعادة إنتاجها.
2- إغفال دور الثقافات الأخرى وتواجدها داخل المؤسسات التعليمية،وتأثيرها في المدرسة.
3- تقديم صورة سلبية للإنسان تنطوي على قابلية فائقة للتطبيع.

المجتمع
"البنية الاجتماعية"

الثـقـافــة

ثقافة متعددة ثقافة سائدة

المدرسة

ثقافة مجموعة معينة من الطلاب العلاقات الاجتماعية
ذات أصصل اجتماعي محدد للاتصال البيداغوجي في
عملية تربوية محددة.

رأس مال ثقافي فعالية الاتصال رأس مال ثقافي
- تمكنات يمتلكها طلاب نجاح/رسوب/ تمكنات ثقافية المر نقلها
- طموحات وتوقعات استمرار/ تنوع إلى التلاميذ ومطلوبة منهم
- طموحات مراد نقلها إلى
الطلاب .

رأسمال ثقافي
خصائص نفسية
إعادة إنتاج ثقافي/ اجتماعي إعادة إنتاج ثقافي/اجتماعي

رسم توضيحي بنية التفاعل داخل المدرسة وفقا لنظرية رأس مال الثقافي

الخاتمــــة:
يستعرض هذا البحث المتواضع أبرز النظريات الاجتماعية في الميدان التربوي على وجه العموم،والتي ظهرت منذ عصر التنوير إلى يومنا هذا،وهي التفاعلية الرمزية،النظرية البراجماتية،النظرية الطبيعية والنظرية الرأس مال الثقافي،إلا أنه تجدر الإشارة التنبيه إلى أننا لم نراعي في طرحنا لهذه لتسلسل هذه النظريات من حيث تاريخيتها،أي منذ ظهورها زمنيا،لكننا أخذنا معيار آخر وهو مدى أهميتها وانتشارها،وهذا ربما اجتهاد منا لا أكثر ولا أقل،ولعل أبرز نقطة يدور حولها البحث هي محاولة تحليل ونقد لهذه النظريات،وذلك من خلال كشف أهم المبادئ التي ترتكز عليها ،ومن هم روادها والأوضاع التي ساعدتهم في السعي وراء إبداع هذه النظريات ويمكننا أن نلفت النظر إلى حقيقة حول هذه النظريات الغربية على تعددها وتباينها في بعض الخصائص والصفات، تكاد يجمعها قاسم مشترك أساسه مفاده - كونها صادرة عن مصدر وحيد في المعرفة- هوا لعقل البشري في حركت ومعاناته وقلقه المأساوي في البحث عن الحقيقة، وكونها صادرة عن تصور واحد للكون والإنسان والحياة،والجدير بالاعتبار أنه ما من نظرية في التربية إلا وهي انعكاس لمذهب فلسفي ما، وهذه قاعدة عامة لا يمكن أن يند عنها أي مذهب تربوي، ولا تعدو الاختلافات التي تظهر بين نظرية وأخرى أن تكون تعبيراً عن الاختلاف والتنوع في الملابسات والتطورات التاريخية التي مرت بها المجتمعات الغربية، بكل ما تحمله تلك التطورات من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وغيرها.
لكن ما تشهده المجتمعات من تغير في بنيتها وثقافتها،كفيل أن تظهر على السطح نظريات أخرى غير نلك الكلاسيكية ،وظيفتها إعطاء بعد سوسيولوجي جديد للوقائع والظواهر الاجتماعية التي تحدث في عصرنا هذا،ولعل أبرز هذا الاتجاه الجديد هي ما يطلق عليها الآن باسم الحداثة أو ما بعد الحداثة،فهل ياترى أن النظريات التي قمنا بعرضها أصبحت عاجزة عن تفسير الظواهر؟ وهل بالضرورة إتباع ما يدعوا إليه أصحاب الاتجاه الحداثي إلى ابستمولوجية المعرفية أو بمعنى أدق القطيعة بين النظريات الكلاسيكية من اجل إعطاء تحليل واضح وأشمل لتغيرات المجتمع؟

الفهرس
مقدمـــة 1
مفهوم النظرية 3
النظريات الحديثة في علم الاجتماع التربوي 5
1- التفاعلية الرمزية 5
1-2)مصطلحات النظريّة 6
1-3) أشهرُ ممثلي النظريةِ التفاعليةِ الرمزية 7
1-4)تعقيب في نظرية التفاعلية الرمزية 9
2-النظرية البراغماتية 10
2-1)جون ديوي حياته وافكاره 10
2-2) أفكار البراجماتية 11
3-2) السمات العامة لنظرية جون ديوي 13
3-3)تعليق على أفكار جون ديوي 13
4-3)الانتقادات التي وجهت إلى ديوي 14

3-النظرية الطبيعية 17
3-1)جون جاك روسو في سطور 17
3-2) أسس التربية عند روسو 18
3-3)أفكاره التربوية 19
3-4)مبادئ التربية الطبيعية 20
4-نظرية رأس مال الثقافي 23
4-1)بيار بورديو وأهم أفكاره 23
4-2)أهم أعماله 23
4-4) التربية كأداة لترسيخ الطبقية 26
4-5)تعريف الأبيتوس Habitus 26
4-6) صعوبات نظرية الرأسمال الثقافي 27
الخاتمــــة 29

المراجـع

المراجع باللغة العربية:

1- إيان كريب: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماز، تر: محمد حسين غلوم، عالم المعرفة، ع (244)،1999م، الكويت.
2- أحمد فؤاد الأهواني: نوابغ الفكر الغربي "جون ديوي"،ط3،دار المعارف،القاهرة،مصر،1959م .
3- حسان هشام: مدخل إلى علم الاجتماع التربوي، ط1، مطبعة النقطة، 2008م.
4- شبل بدران،حسن البيلاوي:علم الاجتماع التربية المعاصرة،دار المعرفة الجامعية،الإسكندرية،مصر،2003م.
5- عبد الباسط عبد المعطي: اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، عالم المعرفة، العدد44، الكويت، 1981م.
6- عبد العزيز خواجة:علم الاجتماع المعاصر من الجذور إلى الحرب العالمية الثانية،دار الألباب،غرداية،2007م.
7- عبد العزيز خواجة:مبادئ في التنشئة الاجتماعية،دار الغرب للنشر والتوزيع،وهران 2005م.
8- علي عبد الرزاق جلبي: الاتجاهات الأساسية في نظرية علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية.،1993م.
9- فاديه عمر الجولاني: علم الاجتماع التربوي، مركز الإسكندرية للكتاب،مصر،1997م.
10- كمال عبـد الله، عبـد الله قلي:محاضرات في مدخـل إلى علوم التربية،تكوين أساتذة.
11- محمد حسنين هيكل:جون جاك روسو حياته وكتبه،مكتبة المصطفى.
12- ول ديورانت:قصة الفلسفة،ط6،مكتبة المعارف،بيروت،لبنان،1988م.

المراجع باللغة الفرنسية:

13- j.j.Rousseau, Émile ou De l'éducation,1762, Paris Garnier, 1961 .
14- Ivor Morrish,The Sociologie of Education,AnIntaduction.

المواقع الإلكترونية:
15- موقع دنيا الوطن
16- موقع الموسوعة الحرة
17- موقع مجلة العلوم الإنسانية:
http://www.ulum.nl
18-http://www.dahsha.com
19- http://www.ejtimay.com
20-http://www.nesasy.org

2 تعليقات::

غير معرف يقول...

بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك إلى يوم الدين

د.مذاني محمد يقول...

بالتوفيق

إرسال تعليق