الجمعة، 6 مايو 2011

"‬تل كلخ‫"‬ في ‫"‬الفيغارو‫":‬ ‫"منذ ٤٠ سنة ونحن نختنق"! ‬

من الطرف الآخر للجسر الحجري الذي يفصل سوريا عن لبنان تتراءى كتلة قائمة وكثيفة عبر الأفق المليء بالغيوم‫.‬ وسرعان ما تتعالى أصوات نساء من مجرى النهر‫.‬ وها هنّ أمامنا، بأثوابهن السوداء الطويلة، ووجوههن الكالحة، ونظراتهن الشاردة‫.‬ خلال ثوانٍ قليلة، نجحت تلك الأمهات السوريات في اجتياز هذا الممرّ الصغير غير الشرعي وفي اللجوء إلى بلاد الأرز‫.‬
١٥٠٠ عائلة نزحت إلى لبنان
‎‫"‬رأسي يوجعني‫"‬، تقول إحداهنّ وهي تلقى إلى الأرض كيسي بلاستيك كبيرين‫.‬ ويحتوى الكيسان على ملابس، وأحذية، ومجوهرات، تم تجميعها على عَجَل قبل الفرار سيراً على الأقدام من العنف الذي يغمر ‫"‬تل كلخ‫"‬، وهي مدينة صغيرة تبعد ٤ كيلومتر فقط عن هذا المعبر غير الشرعي‫.‬ وإذا كان الجيش اللبناني يغمص عينيه عن هذا الدفق المفاجئ للاجئين‫-‬ ١٥٠٠ عائلة منذ الأربعاء الماضي‫، حسب موظف في الأمن العام اللبناني- فالوضع مختلف من جهة سوريا. "دبابات الجيش السوري تطوّق "تل كلخ" من اجل وضع حدّ للمظاهرات المناوئة للنظام. للوصول إلى الحدود، كان علينا أن نجتاز ٥ نقاط تفتيش وأن نخضع للاستجواب عدة مرات"، قالت إحداهن قبل أن تصعد، وهي ترتجف، في سيارة. وبعد برهة تردّد بين الخشية من الكلام والرغبة في الشهادة على ما يحصل، فقد طلبت منا أن نتبعها، شرط ألا نذكر اسمها وأسماء رفيقاتها. وأضافت: "هنالك أشياء كثيرة يمكن أن نخبركم عنها، ولكن البقاء هنا خطر"! وعلى مسافة نصف كيلومتر، في قرية "بقايا" اللبنانية، ينفتح باب منزل على حديقة مليئة بالأطفال. وعلى نوافذ المنزل المبني بالإسمنت الأبيض، نلاحظ جوارب منشورة لكي تجففها الرياح. وتستقبل صاحبة المنزل، وهي لبنانية متزوجة من سوري، ١٠ عائلات سورية مقابل إيجار زهيد. "قبل أيام، وصلت امرأة سورية مع أطفالها الأربعة وسط الليل"، قالت لنا وهي تستقبلنا في صالون منزلها.‬



‎‫بجوارها، على فراش ممدود على الأرض، جلست واحدة من النازحات السوريات. وبدأت السورية بالكلام محتدّة: "بشّار الأسد ليس إلا فأراً". وأخبرتنا أنها، في اليوم السابق، كانت قد خاطرت بالذهاب إلى "تل كلخ" والعودة منها بعد أن أحضرت بعض الأغراض. ‬وأخبرتنا أنها نزحت عن ‫"‬تل كلخ‫"‬ يوم الأربعاء الماضي ‫(‬قبل ٦ أيام‫)‬ بسبب الصدامات التي وقعت بين القوات الموالية للأسد والمتظاهرين‫.‬ وقد سجّلت على هاتفها ‫"‬الموبيل‫"‬ فيديو التقطه أحد جيرانها يوم الجمعة الماضي، حيث أن ‫"‬الجمعة‫"‬ هو يوم التظاهرات في سوريا‫.‬

قمع دموي

وشاهدنا على الفيديو ألوفاً من الرجال يتظاهرون في السوق وهم يهتفون ‫"‬سنّة وعلويون، كلّنا إخوة‫".‬ وهذا الشعار قوى جداً‫.‬ فهو يطال حزب البعث السوري، الذي يسيطر عليه العلويون منذ العام ١٩٦٣، والذي يتّهمه أهالي ‫"‬تل كلخ‫"‬، ذات الأغلبية السنّية، بالتمييز ضدّهم‫.‬ ويقول أهالي ‫"‬تل كلخ‫"‬ أن السلطة تقوم بتسليح سكان قرى علويّة مجاورة لكي يؤازروا أعمال القمع‫.‬ وتشرح لنا النازحة السورية أن ما يشجعها على أن ‫"‬تبصق‫"‬ على النظام هو أنها ‫"‬لم يعد لديها ما تخسره‫".‬ وتضيف‫:‬ ‫"‬تم اعتقال زوجي منذ حوالي السنتين، وليس لدينا أي خبر عنه، ولا نعرف إذا كان ما زال حيّاً أم لا‫"!‬ ثم تضيف أن ١٥ شخصاً من عائلة زوجها اعتقلوا أيضاً‫.‬ بأي تهمة؟ تجيب‫:‬ ‫"‬أتمنى لو كنت أعرف التهمة‫..‬ كما تعرفون فالقمع ليس جديداً عندنا‫.‬ منذ أربعين سنة ونحن نختنق‫".‬

ثورات تونس ومصر

‎وفجأة، قبل ٦ أسابيع، انكسر حاجز الخوف‫.‬ أولاً في ‫"‬درعا‫"‬، على مسافة ١٠٠ كلم جنوب دمشق، حيث خرجت أول مظاهرة احتجاج‫.‬ ثم في سائر مدن سوريا، حيث أخذت الاحتجاجات تنتشر بالتدريج حتى بلغت العاصمة‫.‬ ويضيف لاجئ آخر‫:‬ ‫"‬لكثرة ما جِعنا ونحن نرى أقلية تثري على حسابنا، فقد انتهى بنا الأمر إلى الانفجار‫"، قبل أن يضيف أنه تأثر ، كذلك، بالثورتين التونسية والمصرية. ‬
‎ولكن ثمن التمرّد باهظ‫:‬ ‫"‬في تل كلخ، قُتِل ٤٠ شخصاً منذ بدء المظاهرات وتم اعتقال ٧٥٠ شخصاً‫.‬ وهنالك ‫"‬قنّاصة‫"‬ في كل مكان، على جميع الأسطح‫.‬ وهم يطلقون النار على جنازات المتظاهرين الذين قُتلوا بالرصاص‫.‬ ومنذ أيام، عمدت السلطات إلى قطع الماء والكهرباء‫".‬
‎ويتوقف الراوي عن الكلام لدى وصول رجل تحمل حدقات عينيه علامات التعب‫.‬ وبعد أن يلتقط أنفاسه، يخبرنا القادم الجديد عن رحلته من تل كلخ إلى لبنان‫:‬ ‫" عند كل حاجز، تم تفتيشي من الأقدام إلى الرأس. ولحسن الحظ، فلم تكن هنالك صور على الهاتف الذي أحمله. فقد أيام، اعتقلوا رجلاً لأن كان التقط صورة لموقع رشاش ثقيل تابع للجيش". ونسأله إذا كان يخشى أن يكرّر بشّار الأسد مجزرة حماه الشهيرة، التي أمر بها والده في سنة ١٩٨٢؟ فيجيب صارخاً: "ولكن المجازر الجديدة حدثت فعلاً"! مع ذلك، ورغم القمع الدموي، فإنه ينوي العودة إلى مدينته بأسرع وقت.‬
‎‫إن أهالي تل كلخ ينوون التظاهر غداً (أي اليوم، الثلاثاء). ويضيف القادم الجديد: "في البداية كنا نريد مزيداً من الحرية. أما الآن، وبعد المذابح الجارية، فقد أصبح مطلبنا هو إسقاط النظام".‬

* من الويكيبيديا:

مدينة تلكلخ مركز منطقة تلكلخ في محافظة حمص في سورية. تقع إلى الغرب من مدينة حمص في سورية تبعد عن حمص مسافة 45 كيلو متر وهي عبارة عن قضاء كبير جدا، وقد تأسست تلكلخ فعليا أبان الاحتلال الفرنسي لسوريا بعد أن قام الانتداب فرنسا بإلغاء الإدارة الحكومية بقلعة الحصن ونقلها إلى تلكلخ وبنى لذلك مبنى خاص يعرف بالسرايا لا يزال قائما إلى الآن لتدار المنطقة من خلال تلكلخ ومن مبنى السرايا الكبير بالمدينة. بلغ عدد سكان المدينة 62,069 نسمة حسب تعداد عام 2004.
تتميز مدينة تلكلخ بجمال الطبيعة والمناظر الخلابة وجوها الجميل وتجتذب الزائرين والسياح وتنتشر في المدينة المنشآت السياحية مثل المطاعم والمنتزهات الطبيعية حيث الخضرة والجمال وترتبط المدينة بطرق حديثة مع محيطها ومع مدينة حمص وبها محطة قطارات حيث تنطلق من المدينة القطارات إلى مناطق سورية، وبها مركز اجتماعية وصحية وثقافية مثل المركز الثقافي العربي في تلكلخ منذ 1960 ومراكز خدمية وصوامع للحبوب وتقوم في المدينة عدة صناعات وتنتشر المحال التجارية بكافة تخصصاتها.
مدينة تلكلخ مشهورة بتربية وإنتاج سلالة من الخيول العربية الأصيلة المنتشرة في سوريا وأوروبا.وفي عهد الاستعمار الفرنسي قامت بها ثورة ضد الفرنسيين ثورة(أهالي تلكلخ) أبان الثورة السورية الكبرى.

مراسلة "الفيغارو" الفرنسية "دلفين مينوي" - الثلاثاء 3 أيار (مايو) 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق