من يقمع الناس بـ «القبضة الحديدية»، سيسقط ولو بعد حين. من يتجاهل حقوق الناس، ويغلق باب حرية التعبير، سيسقط ولو بعد حين. من يقفز على الإصلاحات بالتسويف والمماطلات، سيسقط ولو بعد حين. من يحتكر الحياة السياسية لنفسه أو لفئة معيّنة، لن يبشر بطول سلامة، ولن يبقى قائداً، ولو طوّق نفسه بسلاسل ذهبية. من يتنكر للديموقراطية والعدالة وكرامة الناس وعزتهم، سيخرج من قمقمه (آسف قصره) ولو بعد حين. من يعلّق الناس على مشانق الفقر والقهر، ثم يتحدث إليهم بغرور وكبرياء، سيعلّق على تلك المشانق في يوم ما، والشواهد العربية في القرن الحالي كثيرة.
النظام السوري يعلّق المشانق للشعب كما يفعل معمر القذافي لليبيين. يُخرج جماعات مسلحة من البلطجية والشبيحة، وفرقاً من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وألوية من الجيش، لرفس ودهس وسب وشتم وقتل شعبه، لمجرد أنهم يطالبون بتسريع الإصلاحات ومنحهم حقوقهم.
لماذا لم تتحرك المجنزرات والدبابات والمدرعات لضرب إسرائيل عندما حلّقت طائراتها فوق قصر الرئاسة في اللاذقية؟ لماذا لم يتحرك الجيش باتجاه إسرائيل عندما دمّرت طائراتها مواقع عسكرية قرب دير الزور؟ كيف يمكن توصيف هذا التناقض «المريب»؟
كيف يمكن تصديق من يتهيّب تحرير جبهة الجولان المحتلة منذ خمسين عاماً، ولا يطلق على إسرائيل رصاصة واحدة؟ هل يمكن الدفاع عن ممارسات هكذا نظام أو تبرير سوء أفعاله إلا من أبواق مأجورة ومأمورة؟
من عدّل الدستور السوري في أقل من ربع ساعة واحدة، لتوريث الحكم؟ لماذا تأخر النظام عشر سنين عن رفع قانون الطوارئ، ورفع الظلم عن المظلومين، ثم لا يزال يستخدم أسطوانة «المؤامرة» و»المندسّين»، ليبرّر أفعاله ضد شعبه، ثم يخرج الشبيحة والقناصة لقمع الشعب وقتله علناً؟
للأسف لا تزال سجون النظام السوري تكتظ بمعتقلي الرأي، وتحاصر الأجهزة الأمنية وفرق الجيش درعا، وتقطع عنها الكهرباء، وتمنع عنها الماء والغذاء، وتستمر في قتل إناس يطالبون بالحرية والكرامة والمساواة وتحسين الأوضاع المعيشية. في كل جمعة يرتكب النظام أخطاء فادحة ووحشية لن تزول من القلوب، طالما يصرُّ على مواجهة مطالب الشعب بالنار والبارود وأساليب القمع والقتل الوحشي.
تتجلى إرادة الشعوب العربية نحو معانقة الحرية، ورفض العبودية، والرغبة العارمة في احتضان شهادة العزة والكرامة، التي غابت عن بلدانهم طويلاً.
لا أعرف هل قرأ الحكام العرب عن رئيس البرازيل السابق لولا دا سيلفيا الذي انتهت فترة ولايته أخيراً، وكيف بكاه البرازيليون على طول البلاد وعرضها، وهو الرئيس اليتيم الذي كان يذرف الدموع مع كل نجاح يتحقّق لبلاده، حتى بلغت شعبيته 80 في المئة، وليس على طريقة الحكام العرب 99.99 في المئة، حتى انتفضت الشعوب ضدهم وطردتهم شر طردة، ليرحلوا إلى المنافي، أو يودعوا في السجون، أو يلاحقوا قانونياً.
قدم دا سيلفيا إلى كرسي الرئاسة، بعد أن عمل وهو يتيم الأب، ماسح أحذية في ضواحي ساو باولو، ثم صبياً في محطة بنزين، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار. وكانت عائلته تسكن في غرفة واحدة خلف نادٍ ليلي، تنبعث منه الموسيقى الصاخبة وشتائم السكارى، غير أن لولا العصامي يقول إن «والدته علّمته كيف يمشي مرفوع الرأس، وكيف يحترم نفسه ليحترمه الآخرون».
قصة الرئيس البرازيلي السابق مع البكاء طويلة، وتبعث في نفوس البرازيليين البكاء، فخلال آخر خطاب له كرئيس للبلاد، أجهش دا سيلفيا بالبكاء، ليس بسبب مغادرة كرسي الرئاسة، وإنما بسبب حب شعبه له، بعد أن خرج الناس لتحيته على تواضعه وأفعاله وقراراته التي رفعت من أسهم بلاده، لتصبح خلال فترة رئاسته ثامن أكبر قوة اقتصادية في العالم. يبدو أن الرؤساء العرب لم يندموا على ما اقترفوه بحق شعوبهم من مجازر وقمع وظلم وقتل وفساد واستبداد، فما زالوا يتشبثون بالكراسي ولو قتلوا كل الشعب. ويبدو أن ليست هناك بارقة أمل، ليتعلم هؤلاء من سيرة «ابن البرازيل - اليتيم»، الذي غادر كرسي الرئاسة بشهادة وفاء وحب بإمضاء الشعب. كم يحتاج العرب إلى أمثال دا سيلفيا... لكنهم لا يستخلصون العبر!! أليس كذلك؟
جميل الذيابي - الحياة - الاثنين, 02 مايو 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق