الاثنين، 9 مايو 2011

مهندس مصري يروي قصة 8 أيام من السجن في سوريا.. خالد الغايش دخل دمشق سائحا وخرج منها متهما بالجاسوسية

http://www.aawsat.com/2011/05/09/images/news1.620866.jpg
 خالد الغايش

دخل المهندس المصري خالد الغايش، الذي يعمل في بيروت، دمشق سائحا، لكنه سجن عقابا على دخوله بلدا أصبح يعج بالمظاهرات التي تطالب بالحرية ورحيل النظام، وبعد أيام خرج منه متهما بالجاسوسية لجهات لا يعلمها حتى الآن. خلال ذلك لم تسكت أسرته وأصدقاؤه، بل أقاموا الدنيا صخبا وضجيجا للفت الأنظار إلى ابنهم المعتقل.. «الشرق الأوسط» زارت بيت الغايش في القاهرة، وسألته حول وقائع هذه الأيام.
في حي المعادي الراقي، في أقصى جنوب القاهرة، وبعد أن تقطعت بنا السبل للوصول إلى بيته، بدا أن شهرة خالد الغايش هي التي ستقودنا إليه دون عناء؛ فبمجرد السؤال عن الغايش يشير العشرات إلى منزله ذي الأدوار الخمسة.
خالد الغايش، المهندس المصري الذي قضى 8 أيام أسيرا في سجون بشار الأسد في حمص، يصف نفسه بأنه محب للمغامرة، معترفا أن رحلته في سوريا كانت مغامرته الأصعب على الإطلاق، لكنه لم يكن يتصور أبدا أن تنتهي رحلته، التي وصفها بالأخيرة في حياته، إلى سوريا بذلك الشكل المهين.

وبنبرة يختلط فيها الأسى بالسخرية أطلعنا خالد على الصور الجاسوسية الخطيرة التي كلفته 8 أيام بالسجن في سوريا، المدهش أنها صور شخصية في أماكن سياحية في المقام الأول، وحتى الصور التي تجسد المسيرات كانت لمسيرات مؤيدة لبشار الأسد. وروى خالد لـ«الشرق الأوسط» معاناته في سجن الأمن العسكري لـ8 أيام في حمص السورية، ففي طريق عودته من حلب لبيروت، أوقفت المخابرات السورية الغايش في نقطة الدبوسية الحدودية؛ حيث قاموا بتفتيش أمتعته وكاميرته الخاصة، يقول: «لقد استجوبوا الرجل الذي يجلس بجواري، وبدأت الناس تنظر إليَّ على أنني جاسوس»، حينها لم يكن خالد يشعر بأي قلق على نفسه وكل قلقه منصب على سرعة العودة لبيروت ليبدأ أسبوع عمل جديدا، وانقلب الوضع رأسا على عقب حين أمر الضابط السوري، الذي كان يرتدي زيا ملكيا، حافلته بالرحيل ووضع الأصفاد الحديدية في يديه.
ثم اقتادوه إلى حمص (على بعد 60 كم) من الدبوسية، ليستقر الحال بخالد سجينا جديدا في الزنزانة رقم 18 بسجن الأمن العسكري رفقة مصريين آخرَين، الزنزانة التي لا تتعدى مساحتها مترين مكعبين، لم تكف ثلاثتهم للنوم بطريقة طبيعية، يصف خالد لحظة دخوله السجن: «رأيت المصابين في كل مكان، الدماء والجرحى جعلتني أقلق لأول مرة».
بعد دقائق من دخوله السجن المنيع صادر سجانه كل متعلقاته، يقول خالد: «صادروا حزامي ورباط حذائي حتى لا أقوم بإعدام نفسي، على ما أعتقد». ويصف الغايش سجنه: «ممر ضيق تتدلى منه لمبات صفراء خافتة الإضاءة على جانبيه زنازين ضيقة اكتظت بالسجناء من كل الجنسيات، لكن التعذيب اقتصر على السوريين».
8 أيام مرت كئيبة بطيئة على خالد، لا يعرف شيئا عن أخبار العالم، ولا عن ناديه الكروي المفضل (الزمالك).. يقول خالد: «لم أكن أدرك الوقت إلا من خلال فتحة التهوية في سقف السجن.. 8 أيام لم أتناول فيها من الطعام سوى كمية قليلة من الأرز وكسرات الخبز».
يصف خالد التحقيق الأول الذي جرى معه بالمهين، فعيناه المعصوبتان ويداه المكبلتان وجلوسه على ركبتيه أرضا، أوضاع شاذة لا تتفق إطلاقا مع التعليم الراقي الذي تلقاه المهندس المصري ابن الـ25 ربيعا، ثم إن الضربات التي كالها له الشخص الذي لم يره أثناء التحقيق جعلته يشعر بالمهانة.. يقول الغايش: «قررت بيني وبين نفسي ألا أعترف بأي شيء مخالف للحقيقة ولو دفعت عمري ثمنا لذلك»، واصفا التحقيق الذي استمر ساعتين بالحرب النفسية الشديدة التي انتهت بتهديده بانتزاع أظافره. لكن خالد أصر على موقفه، أصعب لحظات الغايش في تحقيقه الأول كانت حين اتصل والده بهاتفه المحمول الذي دق كثيرا، لكن المحقق الذي كان يحتفظ بهاتفه حال دون أن يطمئن الغايش الأب على فلذة كبده.
المحقق اختتم التحقيق قائلا: «أمثالك مصيرهم خلف الشمس»، منهيا كلمته الشديدة بلكمة قوية لوجه الغايش، في الوقت نفسه كان عمه يبحث عنه في مستشفيات سوريا وسجونها دون جدوى ليعود بخفي حنين. 6 أيام مرت بعد التحقيق الأول معه، قضاها المهندس المصري في عداد المساجين، مد خلالها جسور الصداقة مع بقية السجناء في حوارات مفعمة بالمحبة الإنسانية قال عنها خالد: «كانت ترفعني أحيانا لعنان السماء ثم تأتي كلمات أخرى لتقضي على آمالي في الخروج من السجن تماما».. بمرور الوقت بدأ خالد يفقد الأمل واسودت الدنيا في عينيه؛ حيث بدا الخروج من السجن بالنسبة له حلما بعيد المنال. فقد انتظر 6 أيام أن ينادي سجانه عدنان على اسمه لعل وعسى أن يفرج عنه، وبالمناسبة عدنان هو السجين السجان، فهو «كومندا» المساجين والمسؤول عنهم أمام إدارة السجن، على الرغم من كونه واحدا منهم.. يحكي خالد لحظات الصمت والترقب والخوف حين كانت تتعالى صرخات وآلام المساجين في الزنازين البعيدة: «كان كل ما في ذهني: متى يأتي دوري؟».
حين سمع الغايش النداء الذي يحمل اسمه صباح الاثنين 4 أبريل (نيسان) الماضي قفز من جلسته وقد اختلط إحساس القلق والخوف بداخله بالأمل في الخروج سالما من سجنه، مشى خالد بخطوات ثقيلة إلى غرفة التحقيق، لكن تلك المرة من دون العصابة السوداء على عينيه ليفاجأ بقرار الإفراج عنه بعد أن عامله المحقق باحترام بالغ وأجلسه على كرسي لأول مرة منذ 8 أيام؛ حيث استعاد متعلقاته وأخرجوه خارج السجن من دون سابق إنذار، استقل خالد سيارة أجرة ليغادر حمص إلى الحدود، ومنها إلى بيروت. يحكي خالد أن سائق التاكسي كان يحاول أن يتحدث معه في السياسة، لكنه كان مصمما على ألا يتحدث في السياسة حتى لا يعود إلى زنزانته رقم 18 مرة أخرى.
في طريق عودته تلقى خالد اتصالا تليفونيا من والدته، وهي المكالمة التي يراها أهم اتصال تليفوني في حياته؛ لأنه كان يشعر بالذنب للقلق الذي سببه لوالديه وأسرته كلها. الغايش شكر الخارجية المصرية على مجهودها الكبير لاستعادته، كذلك شكر أصدقاءه، الذي يبكي من التأثر كلما عرف حجم مساندتهم لقضيته أثناء وجوده في السجن.

القاهرة: هيثم التابعي  - الشرق الأوسط 9 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق