مسيحيون مصريون يواصلون اعتصامهم منذ تسعة أيام أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون الحكومي (ماسبيرو) بوسط القاهرة أمس (أ.ف.ب) |
وكان المسيحيون المعتصمون أمام مبنى ماسبيرو قد تعرضوا لإطلاق نار عليهم من مجهولين، مما أوقع إصابات في صفوف المعتصمين، الذين تمكنوا من ضبط أحد مطلقي النار عليهم وأوسعوه ضربا قبل أن يسلموه إلى قوات الجيش التي تطوق مكان الاعتصام، وتم نقله إلى المستشفى في حالة خطيرة.
وبعد نحو 30 دقيقة، تجدد الهجوم من أعلى كوبري «15 مايو»، حيث قامت مجموعة كبيرة، بينهم ملتحون، بإطلاق النار بشكل كثيف على المعتصمين، ورشقوهم بقنابل المولوتوف الحارقة، وصعد بعض المعتصمين إلى أعلى الكوبري لمواجهة المهاجمين والتصدي لهم فوقعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين، سقط خلالها جرحى، واحترقت 11 سيارة، فيما لم تحدث خسائر في الأرواح.
وتدخلت قوات الجيش والشرطة وأطلقت النار في الهواء والقنابل المسيلة للدموع للسيطرة على الاشتباكات التي استمرت حتى فجر أمس. وفرضت قوات الجيش سيطرتها على المنطقة وألقت القبض على عشرات الأشخاص من المسلمين والمسيحيين، قبل أن يعاود المسيحيون اعتصامهم في نفس المكان بأعداد كبيرة منذ صباح أمس. وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاشتباكات نشبت بسبب خلاف على عبور الكورنيش بين 3 أشخاص يستقلون دراجة نارية من سكان منطقة بولاق أبو العلا والمعتصمين، حين حاول راكبو الدراجة البخارية العبور من مكان الاعتصام، إلا أن المعتصمين رفضوا فحدثت بينهم مشاجرة، وأطلق أحد راكبي الدراجة البخارية عيار ناريا من فرد خرطوش لتبدأ الاشتباكات بعد ذلك».
وأكد المصدر أن أجهزة الشرطة تباشر عملها الآن للتوصل إلى أطراف الاشتباكات وضبطهم، مشيرا إلى أنه تم اعتقال 44 شخصا وإحالتهم للنيابة العسكرية للتحقيق معهم. وأعلنت وزارة الصحة المصرية أمس أن العدد النهائي للمصابين في أحداث ماسبيرو بلغ 78 شخصا، 69 منهم غادروا المستشفيات بعد تلقي العلاج اللازم، فيما لا تزال 9 حالات قيد العلاج بأربعة مستشفيات، موضحة أن الإصابات تراوحت ما بين طلق ناري بخرطوش وكسور وجروح وكدمات. وفي أول رد فعل للكنيسة الأرثوذكسية على تلك الأحداث، دعا البابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس بمصر المعتصمين أمام مبنى ماسبيرو إلى الفض الفوري للاعتصام الذي بدأ بعد الاشتباكات الطائفية التي شهدها حي إمبابة الشعبي بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) الأسبوع الماضي.
وقال البابا شنودة، في بيان ألقاه نيابة عنه سكرتيره الأنبا يوآنس وأذاعه التلفزيون الحكومي المصري أمس: «يا أبناءنا المعتصمين أمام ماسبيرو إن الأمر قد تجاوز التعبير عن الرأي وقد اندس بينكم من لهم أسلوب غير أسلوبكم، وأصبح هناك شجار وضرب نار وكل هذا يسيء إلى سمعة مصر وسمعتكم أيضا لذلك يجب فض هذا الاعتصام فورا».
وأضاف: «ما يحدث لا يرضي أحدا، وإن صبر الحكام قد نفد، وأنتم الخاسرون إذا استمر اعتصامكم». وكان البابا قد التقى أول من أمس ببعض قيادات الاعتصام وتناقش معهم في مطالبهم، مشيرا إلى ضرورة إنهاء هذا الاعتصام بعدما أبدت الدولة جدية كبيرة في علاج كل المشكلات، خاصة بعد بيان الدكتور عصام شرف رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي اعتبرته الكنيسة إيجابيا. إلا أن المسيحيين المعتصمين لم يستجيبوا لدعوة البابا شنودة بفض الاعتصام، حيث تجاوز عدد المعتصمين (لحظة إعداد هذا التقرير عصر أمس) الخمسة آلاف شخص، احتلوا طريق كورنيش النيل الرئيسي بدءا من كوبري «6 أكتوبر» بميدان عبد المنعم رياض، حتى كوبري «15 مايو» أمام مبنى وزارة الخارجية، مرورا بمبنى التلفزيون «ماسبيرو».
وأعاد المعتصمون إغلاق طريق كورنيش النيل الرئيسي بعد أن فتحوه جزئيا أول من أمس أمام حركة السيارات، وشكلوا لجانا شعبية لتفتيش الراغبين في الدخول إلى مقر الاعتصام للتأكد من عدم حملهم أي أسلحة والاطلاع على بطاقات هوياتهم.
وعقد ائتلاف شباب ماسبيرو (الذي شكله المسيحيون المعتصمون) أمس مؤتمرا صحافيا في ماسبيرو، أعلنوا خلاله رفضهم لدعوة البابا شنودة لهم بفض الاعتصام، مؤكدين أنهم سيواصلون الاعتصام حتى تتم الاستجابة لمطالبهم. وقالت إيفون مسعد المتحدثة باسم اتحاد شباب ماسبيرو: «نعتصم للمطالبة بحقوقنا المدنية، ونقدر ما طالب البابا شنودة به ولكن لا يعبر عن المعتصمين، والبابا شنودة لم يدع لتنظيم هذا الاعتصام حتى يطلب فضه، وتصريحاته تدخل في الإطار السياسي».
وقالت مصادر كنسية تحدثت معها «الشرق الأوسط»: «إن البابا وجه نداء للمعتصمين لفض الاعتصام ولا نعلم هل سيرسل أحدا من معاونيه لتهدئة المعتصمين أم لا». وأضافت المصادر: «ما حدث مرفوض تماما، ونحن نثق في قدرة السلطات على ضبط الجناة وتوقيع العقاب المناسب عليهم».
من جانبه، قرر مسؤول الأمن بمبنى التلفزيون اللواء نبيل الطبلاوي أمس رفع الاستعدادات الأمنية للدرجة القصوى بالمبنى عقب أحداث فجر أمس. وقال الطبلاوي، في تصريحات له: «تقرر تشديد الإجراءات الأمنية خاصة فيما يتعلق بنظام الدفاع المدني والحريق تحسبا لحالات الطوارئ؛ حيث إن أحداث الأمس شهدت حرق عدد كبير من السيارات»، مشيرا إلى أنه تقرر تخفيض عدد الموجودين من العاملين في المبنى إلى الحد الأدنى له بنسبة 25 في المائة نظرا للإجراءات الأمنية المشددة المفروضة حيث تم غلق الطرق المؤدية لماسبيرو وكورنيش النيل من جميع الجوانب بعد أحداث الأمس، كما تم توسيع النطاق الأمني حول المبنى بالكامل مما يصعب على العاملين الدخول والخروج من ماسبيرو.
وأضاف: «شددنا أيضا الإجراءات الأمنية على المكتبات التي تحوي التسجيلات النادرة والتراث المصري لوجودها في الطوابق الأولى من المبنى خشية إصابتها بأية أضرار».
وفي محافظة الإسكندرية (220 كيلومترا شمال غربي القاهرة)، تظاهر مئات المسيحيين أمام مكتبة الإسكندرية على الكورنيش بمنطقة الشاطبي للتنديد بأحداث ماسبيرو. ورفع المتظاهرون الصليب ورددوا هتافات تطالب بالإفراج الفوري عن كافة المقبوض عليهم من المسيحيين في الأحداث الطائفية الأخيرة.
وقال جوزيف ملاك، محامي الكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية: «نحن مندهشون من حالة الانفلات الأمني الموجودة والتي تسمح بتعرض الكنائس والمسيحيين لاعتداءات كان آخرها أحداث ماسبيرو».
وأضاف: «البلد تحترق ونرى أن قوات الجيش لا تتعامل بالحسم المعهود بها مع الخارجين على القانون من المعتدين على المسيحيين، كما تغيبت تماما قوات الشرطة عن المشهد وتركت البلطجية يرتكبون جرائمهم بمنتهى السهولة دون أي تصد أو ردع فوري لهم». وناشد ملاك المجلس العسكري بإصدار أوامره بالتعامل الأمني الصارم مع العناصر الخارجة عن القانون من مثيري الفتنة الطائفية.
القاهرة: محمد عبد الرءوفوأحمد يوسف الإسكندرية (مصر): أحمد صبري - الشرق الأوسط 16 أيار 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق