الأربعاء، 27 أبريل 2011

محللون ودبلوماسيون: الأسد لا يزال قادرا على السيطرة إذا قدم تنازلات ضخمة

على مدى سنوات برز الرئيس السوري بشار الأسد كزعيم تقدمي شاب وكرجل ربما تتوافر فيه القدرة على إصلاح الدولة البوليسية القمعية التي ورثها عن أبيه إذا ما أعطي الوقت والفرصة لذلك.

وربما كانت الأزمة التي تشهدها بلاده ـ والمعارك الدامية بين الشرطة والمتظاهرين التي راقبها العالم عن كثب ـ فرصة للتخلي عن العنف وضبط النفس أو حتى إصلاحات جريئة، وهو المسار الذي لم يتخذه والده على الإطلاق. غير أن ارتفاع أعداد القتلى، وتزايد أعداد المعتقلين من المعارضين تجعل الوقت يمر سريعا بالنسبة له. فالضغوط الدولية تتصاعد وكذلك الغضب الشعبي نتيجة أعمال القمع العنيفة التي يمارسها جهازه الأمني.

لا يزال بمقدور الأسد النجاح في تهدئة هذه الاضطرابات، بحسب تصريحات دبلوماسيين ومحللين. لكن في سبيل القيام بذلك عليه أن يحقق الآمال التي بنيت عليه من قبل عندما ارتقى إلى سدة الحكم بعد وفاة أبيه قبل 11 عاما، ومواجهة عائلته التي تسيطر على أجهزة الأمن السورية القمعية التي تدفع باتجاه استمرار العنف، الذي حصد يوم الجمعة الماضي نحو 120 قتيلا، في أعنف يوم منذ بدء الانتفاضة.

وقد شهدت الأيام الماضية إشارات مختلطة بشأن المسار الذي سينتهجه الأسد، فمن ناحية أشار الأسد إلى الرغبة في تطبيق إصلاحات أوسع من تلك التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي، عندما أعلن عن إلغاء قانون الطوارئ الوحشي، لكن هناك تحذيرات غامضة بمزيد من القمع أيضا. ومن ثم لا يستطيع أحد في مثل هذا المناخ السياسي الملغز توقع المسار الذي يمكن أن ينتهجه الأسد.

ويقول جان بيير فيليو، الأستاذ الزائر بجامعة كولومبيا الذي كتب بصورة موسعة حول سورية: «هذه هي لحظة الحقيقة بالنسبة للرئيس بشار الأسد. فهو يملك القدرة على فرض إصلاحات على حزب البعث السوري، لكن هل لديه الرغبة في ذلك؟».

ربما تكون العواقب المترتبة على قرار الرئيس بشار بالغة الأهمية وربما أكثر مما هو في أي ثورة أخرى في الشرق الأوسط. وعلى عكس مصر وتونس، فسورية تتألف من مزيج من العرقيات الدينية والاثنية، يخشى الكثيرون أن يؤدي انتهاء حكم عائلة الأسد الذي دام 40 سنة إلى انطلاق أعمال قتل وحشية وصراع على القوة. ومن السهولة بمكان أن تنتقل هذه الفوضى إلى دول الجوار كلبنان وما عداها.

من جانبها بدأت إدارة أوباما بالفعل في توجيه اتهام إلى إيران بدعم الأسد. فإذا ما سقطت سورية فسيكون ذلك ضربة موجعة لنظام الملالي في إيران، والذي اعتمد على النفوذ السوري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفي مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

وحتى إن نجا الرئيس الأسد، فمن المتوقع أن تلقي الاضطرابات بظلالها محدثة تأثيرات عميقة في سياسات الشرق الأوسط، على حد قول بعض المحللين. فيقول أندرو تالبر، المحلل في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى: «كانت سياستنا تجاه سورية خلال العامين ونصف الماضيين مبنية بشكل رئيسي على إعادة سورية وإسرائيل إلى طاولة التفاوض. والآن يتهم بشار الأسد إسرائيل والولايات المتحدة بالتحريض على هذا التحدي الذي يواجهه، ومن ثم سيكون المسعى الأميركي في إعادته إلى طاولة المفاوضات بالغ الصعوبة». الأزمة التي يواجهها الأسد في الوقت الراهن هي ذاتها التي حددت سنوات حكمه. فقد دأب الأسد على الحديث عن الأمل سواء في الداخل أو الخارج والذي لم يحقق شيئا سوى تخييب آمال السوريين. وقد تقرب إليه القادة الغربيون طمعا في أن يتحول بالبلاد إلى نظام ديمقراطي وأن يعقد سلاما مع إسرائيل وأن يتوقف عن دعم الجماعات المسلحة مثل حماس وحزب الله. وقد تمتع الليبراليون السوريون بربيع دمشق قصير، به الكثير من الانفتاح بعد توليه السلطة، لكنه ما لبث أن توارى. فقد ساعده أسلوبه الشخصي في تعزيز تلك الخيالات. وعلى عكس أبيه القاسي، الذي تولى السلطة في انقلاب عام 1970 بدا بشار الأسد هادئا ووديعا تقريبا. فقد درس طب العيون في لندن ويحظى بزوجة مثقفة مولودة في بريطانيا، كما أنه يتحدث الإنجليزية والفرنسية وله قراءات كثيرة. ويقل أحد المحللين المقيمين في سورية، الذي طلب عدم ذكر اسمه خشية تعرضه للتعذيب على أيدي عملاء الحكومة: «إنه حتى أسابيع قريبة كان البعض ينظر إليه على أنه منفصل تماما عن النظام، وأنه قادر تماما على تخطي دوره، لكن يبدو أن الصبر قد نفد، ولذا تحولت المظاهرات المطالبة بالإصلاح إلى مظاهرات مطالبة بإنهاء حكم الأسد».

ربما يكون الأسد قد شعر ببعض الارتياح عندما صور الإعلام السوري المظاهرات على أنها صنيعة عملاء خارجيين. لكن الأسد يدرك ما يحدث ـ وما يحتاج إليه لوقف ذلك ـ لكنه لا يزال مترددا إلى حد بعيد، أو ربما خائفا إلى حد بعيد من تنفيذه. ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين الذين قضوا سنوات في دمشق: «أعتقد أن بشار الأسد يعلم أن هناك حلا سياسيا، لكنه لا يملك الشجاعة للقيام بما يتوجب عليه القيام به لمصلحة بلده وربما لسلامته الشخصية هو».

ربما يكون الأمر راجعا إلى أن ذلك عائد إلى ديناميكيات الأسرة، فالأسد محاط ببعض الأقارب الذين يشيع عنهم القسوة ومن بينهم شقيقه ماهر الأسد الذي يقود الفرقة الرابعة المدرعة وزوج شقيقته آصف شوكت رئيس جهاز الاستخبارات السورية. ويقال إن العائلة تخشى من أن استعمال اللين مع المتظاهرين سيزيد من جرأتهم وهو ما سيدفع بالمزيد من الحشود إلى الشارع.

ويقول جوشوا لانديز، خبير الشؤون السورية في جامعة أوكلاهوما: «سيكونون ملعونون إن فعلوا، وملعونون إن لم يفعلوا، فبشار يعلم أن النظام مبني على الخوف والمحسوبية، وقد زال الخوف الآن لدى السوريين».

وأشار لانديز وعدد آخر من المحللين إلى أنهم يعتقدون أن الأسد لا يزال قادرا على السيطرة على الموقف عبر الإعلان عن تنازلات ضخمة مثل تخلي حزب البعث عن السلطة أو الإعلان عن إقامة انتخابات نزيهة. لكن التلميحات التي بعث بها بشار الأسد إلى الآن لا تزال قليلة جدا، ومتأخرة للغاية. ولو أن الأسد رفع قانون الطوارئ منذ بداية الانتفاضة في مارس (آذار) بدلا من التأخر حتى مقتل مئات المتظاهرين لربما كانت الانتفاضة قد توقفت عند هذه المرحلة. لقد باتت خيارات الأسد على منطق طائفي غامض، فعائلته التي تقود سورية منذ 40 عاما، تتبع الطائفة العلوية وهي أقلية دينية تمثل ربما 12% من سكان سورية البالغ عددهم 23 مليونا. وتمسك عائلة الأسد بزمام الأجهزة الأمنية التي يخشاها السوريون، الأمر الذي أثار غضب الغالبية السنية من أهل البلاد.

وخشية المخاوف من حدوث انقسامات في الجيش، عمدت حكومة الأسد إلى الاعتماد بشكل شبه حصري على الوحدات التي يهيمن عليها العلويون والتي يقودها ماهر الأسد الشقيق الأصغر للرئيس. لكن الوسائل التي انتهجها زادت من غضب السنة وأثارت مخاوف كبيرة بإمكانية حدوث مذابح طائفية.

ويقول دبلوماسي سابق: «بشار في مأزق كبير، وأنا على يقين من أنه محاط بأفراد يقولون له: نحن جميعا في قارب واحد».

روبرت وورث

نيويورك تايمز  - الثلاثاء, 26 أبريل 2011 05:06   

0 تعليقات::

إرسال تعليق