الثلاثاء، 26 أبريل 2011

ماذا تريد سوريا حالياً من لبنان؟



قد يظن المراقب للوضع القائم في سوريا أن قيادتها منهمكة بالكامل بتطوراتها الداخلية، وأنها لا تعير اهتماماً كبيراً للساحة اللبنانية إلا من الباب الأمني المتعلق بهذه التطورات. لكن زائر سوريا هذه الأيام من اللبنانيين، بعود بعد لقاء قيادتها بانطباع مغاير لهذا الكلام، حيث أن نظرة القيادة للأبعاد الأمنية للساحة السورية بالساحة اللبنانية تنطلق من خلفيات ووقائع سياسية بالأساس. وتشكّل "قضية" تأليف الحكومة أولوية أساسية من بين تلك الأبعاد. لقد ساد انطباع لدى الكثير من السياسيين من المستويات كافة في المدة الأخيرة، بان انشغال القيادة السورية بالاضطرابات الأمنية والسياسية التي تشهدها منذ مدة بشكل متتالي، يساهم بشكل أساس بعدم توصّل أطراف الأكثرية الجديدة إلى اتفاق حول حكومة جديدة، لان المتوقع أن تكون المساهمة السورية حاسمة في عملية التأليف لكون كل هؤلاء الأطراف حلفاء وأصدقاء لها بشكل وبآخر. وبالتالي فان دوراً اخوياً مساعداً من جانبها من شانه أن يحسم حال المراوحة كما سبق وفعلت إبان تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الحالية، حيث أن "المونة" التي مارستها على أحد أصدقائها كان لها الدور الحاسم في تقبّل ذلك الصديق فكرة تقديم تنازل محدد، مما جعل إعلان هذه الحكومة يتم من دارة الصديق ذي الصدقية العالية والاستثنائية بنظر القيادة في دمشق.


من هذا السياق يروي أركان القيادة السورية لـ "البناء" أن المستويات العليا في القيادة وفي مقدمتها الرئيس بشار يتابعون يومياً مسار التشكيل الحكومي اللبناني، وهم يكتفون بالمراقبة أكثر من "الحثّ" والاستعجال التزاماً منهم بمبدأ عدم التدخل. كما أنهم باتوا ينظرون في ضوء التطورات السورية الداخلية الأخيرة إلى هذا المبدأ كأحد الثوابت الجوهرية في العلاقة مع لبنان، الذي اعتادت كواليسه وأحيانا ساحته أن تكون جسر عبور الأزمات والانقلابات إلى دمشق، أو أداة تزكية لهذا النوع من المشاريع في أهدأ الأحوال. ويرى أركان القيادة أن وجود حكومة في لبنان ولا سيما مع حلول أوثق الأطراف لها في هذه الحكومة بشكل مؤثر وموجه لدفّة القرار الحكومي فيها حين يتعلق الأمر بأمن سوريا. وهي تعوّل على هكذا حكومة لتحافظ على التزام لبنان اتفاقية الطائف لجهة العلاقة السورية اللبنانية، والتي تعتبر معادلة امن سوريا من لبنان فيها من أهم مرتزاكتها. وهي، أي سوريا، التزمت هذا المبدأ منذ انسحاب جيشها من لبنان في العام 2005، وهي كرسته بالكامل عبر ابتعادها عن التأثير ولو غير المباشر في الانتخابات النيابية، ثم تأليف الحكومة الحالية، فتأليف الحكومة المستقبلية. ويرى أركان القيادة السورية أن وجود حكومة من فريق 14 آذار في هذه المرحلة، كان سيقلق القيادة السورية كثيراً، لأن هكذا حكومة ستكون عاجزة أن لم تكن متآمرة، عن منع التدخلات "الإرهابية" الآتية من لبنان، ومن الحركات الأصولية بشكل خاص، والتي تعمل ليل نهار على إسقاط النظام السوري. ولا يرتاح أركان القيادة السورية لفكرة وجود حكومة تصريف أعمال تبقي على وزراء 14 آذار على رأس الإدارات العامة ولاسيما الأجهزة الأمنية منها، حتى لو كانوا غير مخوّلين اتخاذ القرارات الكبرى، فان مجرّد الإهمال يشكل مساهمة متعمدة في ضرب الاستقرار السوري. بعد هذا الاستعراض التسلسلي للهواجس السورية من تأخير تشكيل حكومة لبنانية، لا بد من ترجمة الأولويات السورية في الساحة اللبنانية اليوم، وهي التالية:
-    أولا تعتبر سوريا أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يدرك أكثر من غيره أن وجود حكومة فاعلة وقوية في لبنان بات يشكّل ضرورة وطنية وسياسية وأمنية واقتصادية قصوى، وهو أبلغ اقتناعه هذا للقيادة السورية عبر موفد خاص.
-    ثانياً لن تتردد القيادة السورية من مطالبة الحكومة اللبنانية بان تضع في سلم أولوياتها التزام لبنان بمؤسساته وقواه كافة بعدم التدخل السلبي بالشؤون السورية الداخلية، وان يكون هذا الواجب من البنود الأساسية للبيان الوزاري للحكومة المقبلة.أما إذا أراد اللبنانيون العامل مع سوريا كبلد شقيق فذلك أمر ضروري وأبواب سورية مفتوحة للبنانيين كافة. وهذا الموقف السوري بات أقطاب الأكثرية في لبنان يعرفونه لأن السفير السوري في لبنان علي العلي أبلغ جميع المسؤولين والأطراف المعنيين اللبنانيين بهذا الموقف رسمياً.
-    ثالثاً تعتبر القيادة السورية أن فريق 8 آذار وحلفائه يدركون كل الإدراك أن المرحة الحالية بدأت تتخذ طابع الاستثنائية، وهذا ما يتطلب تصرفاً استثنائياً ولو تطلب هذا التصرّف تقديم التضحيات والنازلات في سبيل ولادة حكومة وحدة وطنية جديدة تقوم بواجباتها كاملة، فإن ما يربط لبنان بسوريا يشمل السياسة والاقتصاد والأمن والقضاء والتفاعل الاجتماعي والحضاري، وبالتالي "يجب أن لا ينسى الأصدقاء اللبنانيين أن ما يصيبهم يصيبنا والعكس صحيح أيضا، ولذلك فإننا نترقّب منهم مبادرة جديدة حاسمة ونهائية. وهم يعرفون موقفنا هذا جيداً".

-    رابعاً يرى أركان القيادة السورية انه على المتبصّرين في علاقات سوريا الخارجية من اللبنانية أن يفهموا أن استجلاب الأدوات والمشاريع الغريبة من الغرب إلى لبنان سيعود عليهم بالويل قبل غيرهم، فتجارب التاريخ القريبة ما زالت ماثلة في بقوة في ذاكرة الجميع و لم تصبح بعد طي النسيان.
 انطلاقاً من كل ذلك، تريد القيادة السورية من اللبنانيين جميعاً أن يدركوا بان موقفها الواضح هو دعوة أقطاب الأكثرية الجديدة في لبنان إلى الإسراع بإنجاز التفاهم المطلوب حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكل تأخير سيؤدي إلى تناقص قوة الجميع من دون استثناء.

أنطون الخوري حرب - موقع التيار الوطني الحر – نقلاً عن البناء  26 نيسان 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق