الشهيد حسن حمدان (مهدي عامل) |
نحن جيل لم يعرف مهدي عامل إلا عبر كتبه، والتعرف على مهدي عامل عبر كتاباته مشقة حيث الاصطدام بجمل طويلة وتكرار الفكرة الواحدة في أماكن مختلفة إضافة إلى لغة صارمة بدقتها ومصطلحات جديدة. بعد الاصطدام بهكذا نص لا بد من أخذ قسط من الراحة لشخذ الفكر في محاولة للوقوع على مقاربة فهم مشروع مهدي عامل الفكري. بعد محاولات عديدة ممتعة وسنوات وسنوات من قراءة نتاج مهدي عامل الفكري – ومازال فعل القراءة مستمرا –نتيجتها مقاربة ما زالت في بدايتها للوقوع على مشروعه الفكري الذي كرس من أجله وقته ودفع ثمنه حياته.
سنوات وسنوات من القراءة ومعاودتها يتضح عبرها أن الجمل الطويلة هدفها إعطاء المسألة المبحوثة حقها، وأن تكرار الفكرة الواحدة في أماكن مختلفة يعني استنفاذ وعرض معانيها الممكنة بالتحليل، واللغة الصارمة بدقتها تعكس صرامة ودقة المشروع الفكري. اما المصطلحات فتعكس تحفر مهدي عامل في تحليل الواقع الاجتماعي لنحت مصطلحاته، فكان مشروعه الفكري صدم مفاهيم الفكر الماركسي بواقع متميز، أي تمييز كونية القوانين الماركسية لإنتاج فكر ماركسي علمي، لأنه من هنا تبدأ، بحسب مهدي عامل، "صيرورة الفكر العربي فكرا علميا، بتوسط القضية الأساسية التي تحقق تلك الصيرورة" والتي هي بصياغتها العاملية "ما هو الشكل، أو بالأحرى ما هي الأشكال المحددة التي تتميز فيها حركة القوانين التاريخية الكونية في الحركة التاريخية للمجتمعات العربية المعاصرة". وبذلك حلق مهدي عامل ماوراء الصواب والخطأ بمشروعه الفكري لتمييز كونية القوانين الماركسية. وبمشروعه الفكري هذا ثار مهدي عامل على ما هو قائم، وثورته ثورتان، ثورة على الفكر البرجوازي المسيطر وثورة على التمركس، أي ثورة على تطبيق ما هو متكون على ما هو متميز.
وبثورته المزدوجة وضع مهدي أسس نقد القائم بشكليه البرجوازي والماركسي، وأساسه أنه لا يمكن للنقد إلا أن يكون ماركسيا بالمعنى المذكور أعلاه فكان التزامه بالمنهج المادي الماركسي في إنتاج مشروعه الفكري الذي انتقد في جانب منه تقيؤ مفاهيم وقوانين متكونة في تمارين إنشائية لا تنتج فكرا ماركسا علميا ولا تقدم للواقع أسس نقده. هنا كان تجاوز الصواب والخطأ في مشروع مهدي عامل الفكري، وهنا أيضا كانت المخاطرة التي أدركها منذ البدء بقوله:"انها لمخاطرة كبرى أن يفكر الواحد منا واقعه باللغة العربية"، والمخاطرة بلغت ذروتها باغتيال مهدي عامل وهو في أوج نتاجه الفكري.
تسع عشرة عاما على اغتيال مهدي عامل تخللتها أحداث وتغيرات كبيرة كانت ذروتها في تسعينيات القرن الماضي انهيار التجربة الاشتراكية المحققة، وكان نصيبنا منها نحن جيل الشباب الذي لم يعرف مهدي عامل إلا عبر كتاباته أن شهدنا بعض من شاركه في حلم التغيير ينقلب على تنظيراته للحلم وينقل قلمه من موقع الدفاع عن الحلم عن الممكن الى موقع الرذله والتبرؤ، شبه اليومي، منه. فماذا يمكننا القول عن انقلاب المنقلبين؟ هل نتمنى العودة الى الوراء إلى ما قبل اغتيال مهدي عامل بمركبة تسير بسرعة الضوء لنعرف منه رأيه بالمنقلبن على الحلم وعلى الممكن؟ كلا ، فنحن لسنا بحاجة إلى مهدي عامل جديد ولا مهدي يقبل أخذ ما أنتجه كما هو دون نقد ونقاش، بل نحن بحاجة لادراك أن تحقيق الحلم بالممكن لا يتحقق بفكر يومي أساسه التماثل، بل يتحقق بفكر أساسه الاختلاف.
والاختلاف لا يؤسسه من يبدل موقعه بحسب تبدل الحدث اليومي، أنه فكر ينتج إنتاجا قاعدته السير في زمن الممكن ضد القائم والتحديق فيه "بعين الفكر العلمي" لنر "الواضح في الآتي، يستقدمه الحاضر بمنطق تناقضاته" دون أن يعني ذلك تكرار تحديقات مهدي عامل بل للتعلم منه كيف يمكن للفكر أن ينتج وكيف يمكن للمثقف أن يكون عاملا بأدوات إنتاجه لا أن يكون متقلبا بين المواقع خادما لسلطان القائم.
ربيع ديركي - إيلاف - GMT 4:00:00 2006 الخميس 11 مايو
0 تعليقات::
إرسال تعليق