صاعقا كان الخبر:عصابات التحجر والظلام تغتال ببيروت حسن حمدان المعروف باسمه الحركي المستعار: مهدي عامل...؟‼
لحظة صمت مفعمة بالمرارة والذهول والرغبة في الصراخ: "يا ويل أمة يُغتال شرفاؤها، لينعم بالعيش لصوصها وجهالها ومزورو تاريخها...‼"
وبين تلافيف اللحظة يتحرك سؤال دام: "هل بمقدورنا ، بعد الآن، أن نثق في الهواء الذي نتنفسه ؟‼"
... مرة أخرى تتحرك طوابير الظلام، زاحفة على بطونها المتخمة بالجهل وهستيريا الإلغاء ، لتغتال عرقا نابضا في جسمنا / وطننا الكبير الممتد الجراح... تكشر عن فاشيتها – وهي وحدها الجوهر الفرد الكامن في ذاتها – لتنفذ بندا من بنود شرعتها: إلغاء كل شعاع يهدد الظلام بالزوال، والبطش بالأرض لتحيا السماء...
هل هو إذا استفزاز للتاريخ أم جهل مطلق بحركيته، أن تتجرأ أيادي الإثم والتعصب الأعمى ، المقنع بلثام الأصالة والإيمان، لتضيف واحدة من أبشع جرائمها إلى سجل "معجزاتها" الإجرامية، ولتطعن بكل أدوات الجبن والغدر والخرافة التي تمتلكها (وهي رأسمالها الوحيد) جسد الإنسانية ممثلا في وجه من أوجهها المشرقة؟؟
لقد فعلت ذلك، لأنها أولا ضعيفة الثقة في نفسها، بل ومنعدمتها، منخورة الأساس في معرفتها لا تقوى على المواجهة العلنية للدفاع عن ذاتها المهترئة المتهاوية. وثانيا لأنها تحس وتلمس أن "قميص عثمان" (الدفاع عن الماضي والتراث والدين...) الذي تخفي به بشاعة حقيقتها الرجعية، الخرافية والمعرقلة لكل تقدم ، أخذ يتمزق بين يديها تحت قوة الفكر النقدي العلمي الجديد، الداعي إلى إعادة النظر في كثير من القيم الثابتة والمقدسة، من أجل أن تحل محلها قيم تاريخية ملموسة وفاعلة في الواقع. ألم يكن في دفاع مهدي عامل عن الطبقة العاملة واعتبارها الوريثة الحقيقية للجانب الإنساني المشع في التراث، بعض من هذا الذي نحن بصدد الإشارة إليه. يقول مهدي عامل في كلمة / رسالة وجهها إلى الشهيد حسين مروة : " إن الفكر الثوري للطبقة العاملة هو القادر على التملك المعرفي للتراث من موقع اختلافه مع ما سبقه من أفكار، لأنه هذا الاختلاف نفسه، ولأن هدا الاختلاف أساسي لذلك التملك المعرفي، ولأن الطبقة العاملة وريثة كل ما هو ثوري في التاريخ. لهذا الفكر طابع علمي لأنه بالضبط فكر ثوري. والفكر العلمي، بما هو فكر علمي، له طابع كوني، ولا يصح فيه القول إنه شرقي أو غربي أو شمالي أو جنوبي، إلا عند من ليس له من العلم سوى الجهل به، وبالتالي، العداء له. ليس مثل هذا الفكر الظلامي وريث التراث، حتى لو ادعى ذلك، وزاد فقال إنه فكر إسلامي. ما كان الفكر الإسلامي في تراثه ظلاميا " - [مهدي عامل: أزمة حضارة أم أزمة بورجوازيات عربية – الصفحة 258 ..].
أليس مثل هذا التصور العلمي للأشياء "مبررا كافيا" عند صناع الظلام للتفكير في جريمة اغتيال مهدي عامل والإقدام عمليا على ذلك كرد فعل وحيد ووهمي على عملية سحب البساط التاريخي من تحت أرجلهم ، والتي بدأوا يحسون بها أمام خوائهم النظري وعجزهم المعرفي وعدم قدرتهم على التطور ومواكبة خطوات الإنسانية في سيرها الحثيث نحو الأمام؟؟
وفي المقابل، أليس من حقنا نحن أن نتساءل: كيف باسم السماء يراد اقتلاع الأرض من جذورها؟... نتساءل هكذا، ليس لأننا نجهل جوهر وخلفيات اقتلاع من هذا النوع، فقد علمنا مهدي عامل نفسه أن "مختلف أشكال الصراع الطبقي تتطور في إطار حركته المحورية، داخل الإطار البنيوي الذي يحدده التناقض الاقتصادي الأساسي. ومن المستحيل أن تنفلت منه، فلابد من الرجوع دوما إلى هذه القاعدة المادية... في فهم عملية التطور لمختلف أشكال هذا الصراع والترابط بينها..." [مهدي عامل : مقدمات نظرية... (في التناقض).. الصفحة 174.]
نتساءل فقط حتى نؤكد لقوى الظلام: بأنها هشة ، لا شك ، سماء لا تستوي إلا بإلغاء الأرض وطمس الحقيقة والإجهاز على الإنسان. ونتساءل أيضا هكذا لأننا لا نريد أن ننظر إلى الأمور بعين ضيقة... ولذلك نؤكد مرة أخرى أن الذين اغتالوا مهدي عامل لا يقيمون في لبنان فقط، بل هم في أكثر من منطقة واحدة وتحت أكثر من عمامة وزي واحد.. لذلك لا نستغرب أن يظهر "بيننا" من يحتج على وصف حسين مروة بالشهيد، بدعوى أن "ما كل قتيل شهيد".. وبدعوى أن حسين مروة كافر وملحد... لا يستحق صفة الشهادة ‼ ومع ذلك نشفق على فكر هؤلاء لأنه فكر بئيس بؤسا مركبا: أولا لجهلهم لحقائق الأشياء من جهة، ولجهلهم بأنهم جاهلون من جهة ثانية. ونقول لهم: ما كل ناعق بالإصلاح مصلح... وكما اغتيل الشهيد عمر بنجلون بالأمس بالدار البيضاء، تم اغتيال حسين مروة ومهدي عامل ببيروت، لا فرق إلا في اللحظة والرقعة، أما الشبكة الواضعة للسيناريو بكل خلفياته وتفاصيله، فهي واحدة هنا وهناك...
ما دخل هذا في ذاك؟.. تساؤل وارد طرحه، وجوابه بكل وضوح أنه لا يمكن وضع جريمة اغتيال الشهيد مهدي عامل في إطارها الحقيقي، إلا بالتركيز على المؤامرة التي تحاك ضد كل فكر علمي نقدي تقدمي وإنساني، كل فكر يدعو إلى تعرية ذاتنا الحضارية من أجل الكشف عن المساحات المضيئة والمتنورة فيها ، والكشف كذلك عن المناطق المريضة المتورمة فيها، وإعادة النظر في أسسها، والتفكير في صياغة جديدة لها، كل ذاك في إطار بناء مستقبل إنساني مشرق، بدل التحجر ـ تحت شتى الشعارات الروحية منها والأخلاقية، والقبول بالموت في دائرة الماضي في صورته المتجاوزة والساقطة تاريخيا.
وفي إطار هذه المواجهة بالذات نجد أنه ليس لنا بد من الاعتراف بأن خسارتنا، بغياب مهدي عامل، أكبر مما يمكن تصوره... ولكن مع ذلك، ليس لنا أيضا، ومن مطلق تفاؤلنا دوما بمسار التاريخ، إلا أن نتشبث بغد ستشرق شمسه، من قبضات العمال وأنات الجائعين وأحلام الفقراء، تنفيذا لوصية الشهداء... فكما استطاع مهدي عامل أن يصنع معجزة العطاء بتنظيراته التي حركت الخامل من الأفكار وخلخلت الجاهز من التصورات والثوابت، يستطيع أيضا – وهو فاعل ذلك – أن يعيش فينا باستمرار، لأنه اختار لحياته درب الإنسان واختار لفكره لغة التاريخ ، والاستمرارية والخلود بعض من قبس معجزة الشهداء...
ولأننا منحازون كل الانحياز لقافلة الشهداء وللمستقبل، نقول: تحية لكل الدماء التي سالت، وهي في ريعان عطائها، من أجل أن تبقى للإنسان هويته الحقيقية ... تحية لسهيل طويلة.. عمر بنجلون... حسين مروة ومهدي عامل: أشجارا أصرت ألا تنحني للعاصفة وأن تظل حتى في "موتها" صامدة واقفة ومتحدية....
لحظة صمت مفعمة بالمرارة والذهول والرغبة في الصراخ: "يا ويل أمة يُغتال شرفاؤها، لينعم بالعيش لصوصها وجهالها ومزورو تاريخها...‼"
وبين تلافيف اللحظة يتحرك سؤال دام: "هل بمقدورنا ، بعد الآن، أن نثق في الهواء الذي نتنفسه ؟‼"
... مرة أخرى تتحرك طوابير الظلام، زاحفة على بطونها المتخمة بالجهل وهستيريا الإلغاء ، لتغتال عرقا نابضا في جسمنا / وطننا الكبير الممتد الجراح... تكشر عن فاشيتها – وهي وحدها الجوهر الفرد الكامن في ذاتها – لتنفذ بندا من بنود شرعتها: إلغاء كل شعاع يهدد الظلام بالزوال، والبطش بالأرض لتحيا السماء...
هل هو إذا استفزاز للتاريخ أم جهل مطلق بحركيته، أن تتجرأ أيادي الإثم والتعصب الأعمى ، المقنع بلثام الأصالة والإيمان، لتضيف واحدة من أبشع جرائمها إلى سجل "معجزاتها" الإجرامية، ولتطعن بكل أدوات الجبن والغدر والخرافة التي تمتلكها (وهي رأسمالها الوحيد) جسد الإنسانية ممثلا في وجه من أوجهها المشرقة؟؟
لقد فعلت ذلك، لأنها أولا ضعيفة الثقة في نفسها، بل ومنعدمتها، منخورة الأساس في معرفتها لا تقوى على المواجهة العلنية للدفاع عن ذاتها المهترئة المتهاوية. وثانيا لأنها تحس وتلمس أن "قميص عثمان" (الدفاع عن الماضي والتراث والدين...) الذي تخفي به بشاعة حقيقتها الرجعية، الخرافية والمعرقلة لكل تقدم ، أخذ يتمزق بين يديها تحت قوة الفكر النقدي العلمي الجديد، الداعي إلى إعادة النظر في كثير من القيم الثابتة والمقدسة، من أجل أن تحل محلها قيم تاريخية ملموسة وفاعلة في الواقع. ألم يكن في دفاع مهدي عامل عن الطبقة العاملة واعتبارها الوريثة الحقيقية للجانب الإنساني المشع في التراث، بعض من هذا الذي نحن بصدد الإشارة إليه. يقول مهدي عامل في كلمة / رسالة وجهها إلى الشهيد حسين مروة : " إن الفكر الثوري للطبقة العاملة هو القادر على التملك المعرفي للتراث من موقع اختلافه مع ما سبقه من أفكار، لأنه هذا الاختلاف نفسه، ولأن هدا الاختلاف أساسي لذلك التملك المعرفي، ولأن الطبقة العاملة وريثة كل ما هو ثوري في التاريخ. لهذا الفكر طابع علمي لأنه بالضبط فكر ثوري. والفكر العلمي، بما هو فكر علمي، له طابع كوني، ولا يصح فيه القول إنه شرقي أو غربي أو شمالي أو جنوبي، إلا عند من ليس له من العلم سوى الجهل به، وبالتالي، العداء له. ليس مثل هذا الفكر الظلامي وريث التراث، حتى لو ادعى ذلك، وزاد فقال إنه فكر إسلامي. ما كان الفكر الإسلامي في تراثه ظلاميا " - [مهدي عامل: أزمة حضارة أم أزمة بورجوازيات عربية – الصفحة 258 ..].
أليس مثل هذا التصور العلمي للأشياء "مبررا كافيا" عند صناع الظلام للتفكير في جريمة اغتيال مهدي عامل والإقدام عمليا على ذلك كرد فعل وحيد ووهمي على عملية سحب البساط التاريخي من تحت أرجلهم ، والتي بدأوا يحسون بها أمام خوائهم النظري وعجزهم المعرفي وعدم قدرتهم على التطور ومواكبة خطوات الإنسانية في سيرها الحثيث نحو الأمام؟؟
وفي المقابل، أليس من حقنا نحن أن نتساءل: كيف باسم السماء يراد اقتلاع الأرض من جذورها؟... نتساءل هكذا، ليس لأننا نجهل جوهر وخلفيات اقتلاع من هذا النوع، فقد علمنا مهدي عامل نفسه أن "مختلف أشكال الصراع الطبقي تتطور في إطار حركته المحورية، داخل الإطار البنيوي الذي يحدده التناقض الاقتصادي الأساسي. ومن المستحيل أن تنفلت منه، فلابد من الرجوع دوما إلى هذه القاعدة المادية... في فهم عملية التطور لمختلف أشكال هذا الصراع والترابط بينها..." [مهدي عامل : مقدمات نظرية... (في التناقض).. الصفحة 174.]
نتساءل فقط حتى نؤكد لقوى الظلام: بأنها هشة ، لا شك ، سماء لا تستوي إلا بإلغاء الأرض وطمس الحقيقة والإجهاز على الإنسان. ونتساءل أيضا هكذا لأننا لا نريد أن ننظر إلى الأمور بعين ضيقة... ولذلك نؤكد مرة أخرى أن الذين اغتالوا مهدي عامل لا يقيمون في لبنان فقط، بل هم في أكثر من منطقة واحدة وتحت أكثر من عمامة وزي واحد.. لذلك لا نستغرب أن يظهر "بيننا" من يحتج على وصف حسين مروة بالشهيد، بدعوى أن "ما كل قتيل شهيد".. وبدعوى أن حسين مروة كافر وملحد... لا يستحق صفة الشهادة ‼ ومع ذلك نشفق على فكر هؤلاء لأنه فكر بئيس بؤسا مركبا: أولا لجهلهم لحقائق الأشياء من جهة، ولجهلهم بأنهم جاهلون من جهة ثانية. ونقول لهم: ما كل ناعق بالإصلاح مصلح... وكما اغتيل الشهيد عمر بنجلون بالأمس بالدار البيضاء، تم اغتيال حسين مروة ومهدي عامل ببيروت، لا فرق إلا في اللحظة والرقعة، أما الشبكة الواضعة للسيناريو بكل خلفياته وتفاصيله، فهي واحدة هنا وهناك...
ما دخل هذا في ذاك؟.. تساؤل وارد طرحه، وجوابه بكل وضوح أنه لا يمكن وضع جريمة اغتيال الشهيد مهدي عامل في إطارها الحقيقي، إلا بالتركيز على المؤامرة التي تحاك ضد كل فكر علمي نقدي تقدمي وإنساني، كل فكر يدعو إلى تعرية ذاتنا الحضارية من أجل الكشف عن المساحات المضيئة والمتنورة فيها ، والكشف كذلك عن المناطق المريضة المتورمة فيها، وإعادة النظر في أسسها، والتفكير في صياغة جديدة لها، كل ذاك في إطار بناء مستقبل إنساني مشرق، بدل التحجر ـ تحت شتى الشعارات الروحية منها والأخلاقية، والقبول بالموت في دائرة الماضي في صورته المتجاوزة والساقطة تاريخيا.
وفي إطار هذه المواجهة بالذات نجد أنه ليس لنا بد من الاعتراف بأن خسارتنا، بغياب مهدي عامل، أكبر مما يمكن تصوره... ولكن مع ذلك، ليس لنا أيضا، ومن مطلق تفاؤلنا دوما بمسار التاريخ، إلا أن نتشبث بغد ستشرق شمسه، من قبضات العمال وأنات الجائعين وأحلام الفقراء، تنفيذا لوصية الشهداء... فكما استطاع مهدي عامل أن يصنع معجزة العطاء بتنظيراته التي حركت الخامل من الأفكار وخلخلت الجاهز من التصورات والثوابت، يستطيع أيضا – وهو فاعل ذلك – أن يعيش فينا باستمرار، لأنه اختار لحياته درب الإنسان واختار لفكره لغة التاريخ ، والاستمرارية والخلود بعض من قبس معجزة الشهداء...
ولأننا منحازون كل الانحياز لقافلة الشهداء وللمستقبل، نقول: تحية لكل الدماء التي سالت، وهي في ريعان عطائها، من أجل أن تبقى للإنسان هويته الحقيقية ... تحية لسهيل طويلة.. عمر بنجلون... حسين مروة ومهدي عامل: أشجارا أصرت ألا تنحني للعاصفة وأن تظل حتى في "موتها" صامدة واقفة ومتحدية....
الحوار المتمدن - العدد: 1406 - 2005 / 12 / 21
0 تعليقات::
إرسال تعليق