السؤال المسيطر على المشهد اليوم هو ماذا سيحدث لـ «القاعدة» بعد بن لادن؟ وهو سؤال إخواننا الباحثين الغربيين السذج الذين يعرفون منطقتنا إما من خلال السياحة أو من خلال العنف المفرط والاحتلالات والاستخدام الخشن للقوة. كتبت في 31 أغسطس (آب) 2009 مقالا في هذه الصحيفة بعنوان «ليس هناك شيء اسمه (القاعدة)»، قلت فيه إن «القاعدة» هي أكبر خدعة انطلت على العالم اليوم، فليس هناك شيء اسمه «القاعدة» بمعنى التنظيم القادر على زعزعة أمن دول كبرى وصغرى أو استهداف قيادات أمنية وسياسية. «القاعدة» ما هي إلا غطاء لحرب بالوكالة في منطقتنا، فلا يوجد في منطقة الشرق الأوسط سوى لاعب واحد وهو الدولة تليها القبيلة والطائفة، ما عدا ذلك من عصبيات فهي ليست من طبيعة المنطقة أو من تاريخها. كتبت هذا بعد محاولة متطرفين كانوا موجودين في اليمن، وحاولوا اغتيال الأمير السعودي محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية. وما زلت عند هذا الطرح الذي يقول لم يكن هناك «قاعدة»، بل كانت هناك عناصر مارقة في أجهزة استخباراتية تدير العملية، ومتى ما سقطت الأنظمة في منطقتنا سقط التنظيم، لذا كان ضروريا أن يموت بن لادن في هذا الظرف، بعد الثورة في مصر والثورة في ليبيا وسوريا واليمن، وتونس. بنية اللعبة تفككت، وتحلل معها جسد بن لادن في البحر. إذن «القاعدة» ماتت قبل بن لادن. لم يكن بن لادن هو «القاعدة»، بل كان عنوانها ورمزها (اللوغو) أو العلامة التجارية، ومتى انتهت الشركة انتهى اللوغو أو العلامة التجارية. أقول هذا وأعرف أن طرحي ضد ما هو سائد من اعتقاد في هذا المجال، ولكن لا بأس من طرح ما هو مخالف للسائد لمحاولة إعادة التفكير فيما هو مركون إليه.
والأمر لا يتعلق بـ«القاعدة» وحدها، فتفكيك الأنظمة في منطقتنا تتفكك معه أشياء كثيرة، فمثلا لو تساءل بعضنا لماذا تصالحت فتح وحماس الآن، فالإجابة الواضحة التي لا تحتاج إلى لعثمة أو لف أو دوران هي أن كفيل فتح، الممثل في نظام مبارك، قد انتهى، كما أن كفيل حماس في سوريا تحت وطأة التهديد بالانهيار، لذا لا يستطيع أن يتحمل عبء حماس، وتخلى عنها، إذن انتهى الكفيلان، وفرض التغيير البنيوي في المنطقة على حماس وفتح المصالحة. وهناك كثير من التنظيمات الأخرى التي ستنتهي أو تتصالح أو تحاول التكيف مع منطقة جديدة ومنطق جديد.
قد يبدو هذا التنظير مخالفا لما هو متعارف عليه، ولكن النقطة الأساسية هنا هي أن الإرهاب صنيعة دول وأجهزة استخبارات لا صنيعة حركات ومراهقين. المراهقون هم أدوات ووقود لتك الحروب بالوكالة، ولكن الأسلحة والتمويل والتخطيط والتدبير فهو شغل محترفين. ولو كانت «القاعدة» مجرد منظمة جهادية تحارب الدول المعادية لمصالح المسلمين لقامت بعملية ضد العدو المعلن لكل الحركات الجهادية وهو إسرائيل، أو لقامت بعملية في الدولة الجارة التي يوجد فيها الأميركان بقواعدهم العسكرية، أو في إيران المختلفة مذهبيا، وما هذا بتحريض على القيام بعمليات في تلك الدول، وإنما نريد أن نفهم، لماذا ليس في إسرائيل أو في إيران؟
في حواراتي المختلفة مع الباحثين الغربيين الذين يؤمنون بالحركات الإسلامية كظاهرة عابرة للحدود، كنت أؤكد لهم أنهم جاهلون بطبيعة ما يحدث في منطقتنا. ففي منطقة الشرق الأوسط، ورغم المسيرة الطويلة للحركات الإسلامية منذ ظهور حركة الإخوان المسلمين عام 1928، فإنه لا يوجد سوى لاعب وحيد ورئيسي هو الدولة، وإن كان هناك من لاعب ثان فهو القبيلة أو العصبية العائلية في منطقة الخليج والعراق، ما عدا ذلك فكله «زعبرة».
في الأسبوع الماضي كتبت أيضا تحت عنوان «الثورات العربية خطوط عريضة ومستفزة» فيه أن «القاعدة» والإرهاب هما من إنتاج الأنظمة الديكتاتورية في مصر وتونس وغيرها من أجل الدفاع عن أنفسها، وهي في الرمق الأخير أمام الضغط الدولي، والأميركي تحديدا؟ «القاعدة» لم تكن بتلك المنظمة القوية القادرة على تهديد الغرب، بدليل اختفائها هذه الأيام. بعد الثورة لا وجود لـ«القاعدة» في مصر ولا في تونس، ولا وجود لـ«القاعدة» في المغرب الإسلامي وشمال أفريقيا، كما يدعي المتخصصون في الحركات الإسلامية.
«القاعدة» ماتت قبل بن لادن، ولذا كان متوقعا لدى أي عاقل يفهم منطقتنا أن بن لادن ورقة احترقت، وبقية الأوراق تأتي..
مأمون فندي - الشرق الأوسط 4 مايو 2011
والأمر لا يتعلق بـ«القاعدة» وحدها، فتفكيك الأنظمة في منطقتنا تتفكك معه أشياء كثيرة، فمثلا لو تساءل بعضنا لماذا تصالحت فتح وحماس الآن، فالإجابة الواضحة التي لا تحتاج إلى لعثمة أو لف أو دوران هي أن كفيل فتح، الممثل في نظام مبارك، قد انتهى، كما أن كفيل حماس في سوريا تحت وطأة التهديد بالانهيار، لذا لا يستطيع أن يتحمل عبء حماس، وتخلى عنها، إذن انتهى الكفيلان، وفرض التغيير البنيوي في المنطقة على حماس وفتح المصالحة. وهناك كثير من التنظيمات الأخرى التي ستنتهي أو تتصالح أو تحاول التكيف مع منطقة جديدة ومنطق جديد.
قد يبدو هذا التنظير مخالفا لما هو متعارف عليه، ولكن النقطة الأساسية هنا هي أن الإرهاب صنيعة دول وأجهزة استخبارات لا صنيعة حركات ومراهقين. المراهقون هم أدوات ووقود لتك الحروب بالوكالة، ولكن الأسلحة والتمويل والتخطيط والتدبير فهو شغل محترفين. ولو كانت «القاعدة» مجرد منظمة جهادية تحارب الدول المعادية لمصالح المسلمين لقامت بعملية ضد العدو المعلن لكل الحركات الجهادية وهو إسرائيل، أو لقامت بعملية في الدولة الجارة التي يوجد فيها الأميركان بقواعدهم العسكرية، أو في إيران المختلفة مذهبيا، وما هذا بتحريض على القيام بعمليات في تلك الدول، وإنما نريد أن نفهم، لماذا ليس في إسرائيل أو في إيران؟
في حواراتي المختلفة مع الباحثين الغربيين الذين يؤمنون بالحركات الإسلامية كظاهرة عابرة للحدود، كنت أؤكد لهم أنهم جاهلون بطبيعة ما يحدث في منطقتنا. ففي منطقة الشرق الأوسط، ورغم المسيرة الطويلة للحركات الإسلامية منذ ظهور حركة الإخوان المسلمين عام 1928، فإنه لا يوجد سوى لاعب وحيد ورئيسي هو الدولة، وإن كان هناك من لاعب ثان فهو القبيلة أو العصبية العائلية في منطقة الخليج والعراق، ما عدا ذلك فكله «زعبرة».
في الأسبوع الماضي كتبت أيضا تحت عنوان «الثورات العربية خطوط عريضة ومستفزة» فيه أن «القاعدة» والإرهاب هما من إنتاج الأنظمة الديكتاتورية في مصر وتونس وغيرها من أجل الدفاع عن أنفسها، وهي في الرمق الأخير أمام الضغط الدولي، والأميركي تحديدا؟ «القاعدة» لم تكن بتلك المنظمة القوية القادرة على تهديد الغرب، بدليل اختفائها هذه الأيام. بعد الثورة لا وجود لـ«القاعدة» في مصر ولا في تونس، ولا وجود لـ«القاعدة» في المغرب الإسلامي وشمال أفريقيا، كما يدعي المتخصصون في الحركات الإسلامية.
«القاعدة» ماتت قبل بن لادن، ولذا كان متوقعا لدى أي عاقل يفهم منطقتنا أن بن لادن ورقة احترقت، وبقية الأوراق تأتي..
مأمون فندي - الشرق الأوسط 4 مايو 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق