من الأمور التي كانت واضحة للعيان خلال الانتفاضات التي شملت عدداً من البلدان العربية، تباطؤ الإدارة الأميركية ومعظم حلفائها الأوروبيين في الوقوف إلى جانب الثوار العرب. غير أن هذا النوع من اللامبالاة لم يكن أكثر وضوحاً، وأكثر ضرراً، وأقل قابلية للدفاع عنه بالتالي، مما كان عليه في الحالة السورية.
لنبدأ هنا ببعض الحقائق: كان الاحتجاج الأول في سوريا، هو ذلك الذي وقع خارج المسجد الأموي في دمشق في الخامس عشر من شهر مارس الماضي تحت شعار" الله، الحرية، سوريا". وبعد ذلك، انتشرت الاحتجاجات بسرعة لمدينة درعا الجنوبية، وظل حجمها يكبر كل يوم جمعة عما قبلها نظراً لخروج عشرات الألوف من المتظاهرين للشوارع في العديد من المدن والبلدات الواقعة في مختلف أنحاء البلاد.
ومنذ البداية، رد النظام السوري على الاحتجاجات بوحشية، فاقت وحشية القذافي في ليبيا. ففي الثالث والعشرين من مارس، فتحت قوات الأمن النار على الجماهير المحتجة في درعا دون تمييز... ولم توقف تلك القوات - منذ ذلك الحين - أسلوبها في إطلاق الرصاص الحي لقمع الاحتجاجات السلمية. وتشير التقديرات إلى أن هناك 700 سوري تقريباً قد لقوا مصرعهم منذ بداية الأحداث، كما تم احتجاز ما يقرب من 10 آلاف شخص، اختفى منهم عدة مئات دون أن يعرف أحد شيئاً عن مصيرهم.
وقد جاءت أول استجابة غربية بعد أربعة أيام من إطلاق النار الجماعي على المتظاهرين في سوريا، عندما أدلت وزيرة الخارجية الأميركية بتصريح تعليقاً لها على تلك الأحداث، وصفت فيه الرئيس السوري بـ" المصلح".
ولم تفكر الإدارة الأميركية في فرض عقوبات على النظام السوري إلا بعد مرور خمسة وأربعين يوماً على أول نداء للحرية - وهي عقوبة كانت محدودة وضعيفة التأثير على أي حال. وفي يوم الجمعة الماضي، وعندما وجهت القوات السورية نيران مدافعها الرشاشة الثقيلة، ومدفعيتها نحو المتظاهرين، قررت أوروبا في نهاية المطاف أن تحذو حذو الولايات المتحدة. وبعد ذلك، هدد بيان صادر عن البيت الأبيض باتخاذ المزيد من الإجراءات، ولكنه قال إن تلك الإجراءات ستتوقف على أفعال النظام السوري! كما لو أن هذا النظام لم يقم بعمل ما يكفي بعد!
ربما ما زال يتعين على أوباما أن يقول للأسد، ما كان قد قاله للقذافي ومن قبله الرئيس المصري، وهو: "عليك أن تذهب الآن".
ولكن ما سبب بطء رد الفعل الغربي تجاه ما يحدث في سوريا؟... هل هذه الأخيرة أقل في الأهمية من ليبيا؟ العكس تماماً هو الصحيح، حيث يتفق معظم الخبراء الإقليميين على أن دمشق تعد محوراً من أهم المحاور في الشرق الأوسط، وأن نظام الأسد لو تداعى، فإن معنى ذلك أن إيران ستفقد أقرب حليف لها في المنطقة على الإطلاق، وهو الحليف الذي يمثل لها أيضاً جسراً مهماً بينها وبين "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزة. علاوة على ذلك فإنه في حالة تداعي النظام السوري، فإن النفوذ الإيراني في المنطقة يمكن أن يتداعى هو الآخر.
ومع أن أحداً في سوريا لم يطلب تدخلاً أجنبياً على غرار ما حدث في ليبيا، وأن أي إجراء تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون - حتى لو تم بشكل منسق - لن يحسم للأمور، فإن السؤال الذي ينبغي طرحه في سياقنا هذا هو: لماذا هذا القدر القليل من رد الفعل... ولماذا يتم رد الفعل بهذه الدرجة من البطء؟
تخميني أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا قد تعرضت لنفس الأسباب والعوامل التي أدت إلى تباطؤ استجابتها لجميع الانتفاضات العربية، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
العامل الأول، الأفكار التقليدية التي تأبى الولايات المتحدة تغييرها عن السياسة في العالم العربي، وعدم تصديقها لإمكانية حدوث التغيير الثوري. فهناك قلق ينتابها بشأن ما يمكن أن يحدث في البلدان العربية في أعقاب سقوط الديكتاتوريات، كما أن هناك عدم استعداد أو رغبة لديها في أن تبادر بالفعل متقدمة على حلفائها الإقليميين الغارقين هم أنفسهم في أوضاعهم الخاصة.
لقد ناقشت بعضاً من تلك العقبات الأسبوع الماضي مع "أسامة منجد" المتحدث الرسمي للمبادرة الوطنية للتغيير، وهي عبارة عن ائتلاف مكون من مجموعة من الناشطين السوريين على الإنترنت داخل وخارج سوريا. والمشكلة الأولى التي يراها منجد (وهي العامل الثاني من ضمن العوامل التي أشرت إليها) هي أن الولايات المتحدة" ليس لديها سياسة تجاه سوريا فهي لديها سياسة شرق أوسطية عامة، ولكن ليس لديها سياسة خاصة بسوريا تحديداً.
العامل الثالث والأخير هم الجيران الذين سيوليهم أوباما اهتماماً وهم السعودية وتركيا وإسرائيل. فيما يتعلق بالدولتين الأخيرتين على الأقل، كان هناك تحول في الموقف خلال الأسبوعين الماضيين، حيث بدأ يتكون إدراك لديهما بأن "الأسد" قد لا يتمكن من البقاء هذه المرة، وإنه حتى إذا ما تم الافتراض جدلاً أنه سيبقى، فإنه سيصبح ضعيفاً للغاية.
حول هذه النقطة قال"منجد": ما أتمناه أن تدرك واشنطن أنه حتى الإسرائيليين قد باتوا يدركون أن الأسد لن يبقى". وأضاف:" وانطلاقاً من هذا الفهم فسوف يكون من الأفضل بالنسبة للمستقبل أن تُظهر الولايات المتحدة في هذه النقطة من الزمن، نوعاً من الدعم والاستعداد للوقوف لجانب الشعب السوري... وتخميننا أن الولايات المتحدة، وقبل نهاية النظام بأربع وعشرين ساعة وعندما تتأكد تماماً من نهايته، سوف تغير موقفها". واختتم "منجد" كلامه بالقول المأثور:" أن يأتي المرء متأخراً أفضل في جميع الأحوال من ألا يأتي أبداً".
جاكسون ديل - كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
تاريخ النشر: الأربعاء 11 مايو 2011 - Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد
لنبدأ هنا ببعض الحقائق: كان الاحتجاج الأول في سوريا، هو ذلك الذي وقع خارج المسجد الأموي في دمشق في الخامس عشر من شهر مارس الماضي تحت شعار" الله، الحرية، سوريا". وبعد ذلك، انتشرت الاحتجاجات بسرعة لمدينة درعا الجنوبية، وظل حجمها يكبر كل يوم جمعة عما قبلها نظراً لخروج عشرات الألوف من المتظاهرين للشوارع في العديد من المدن والبلدات الواقعة في مختلف أنحاء البلاد.
ومنذ البداية، رد النظام السوري على الاحتجاجات بوحشية، فاقت وحشية القذافي في ليبيا. ففي الثالث والعشرين من مارس، فتحت قوات الأمن النار على الجماهير المحتجة في درعا دون تمييز... ولم توقف تلك القوات - منذ ذلك الحين - أسلوبها في إطلاق الرصاص الحي لقمع الاحتجاجات السلمية. وتشير التقديرات إلى أن هناك 700 سوري تقريباً قد لقوا مصرعهم منذ بداية الأحداث، كما تم احتجاز ما يقرب من 10 آلاف شخص، اختفى منهم عدة مئات دون أن يعرف أحد شيئاً عن مصيرهم.
وقد جاءت أول استجابة غربية بعد أربعة أيام من إطلاق النار الجماعي على المتظاهرين في سوريا، عندما أدلت وزيرة الخارجية الأميركية بتصريح تعليقاً لها على تلك الأحداث، وصفت فيه الرئيس السوري بـ" المصلح".
ولم تفكر الإدارة الأميركية في فرض عقوبات على النظام السوري إلا بعد مرور خمسة وأربعين يوماً على أول نداء للحرية - وهي عقوبة كانت محدودة وضعيفة التأثير على أي حال. وفي يوم الجمعة الماضي، وعندما وجهت القوات السورية نيران مدافعها الرشاشة الثقيلة، ومدفعيتها نحو المتظاهرين، قررت أوروبا في نهاية المطاف أن تحذو حذو الولايات المتحدة. وبعد ذلك، هدد بيان صادر عن البيت الأبيض باتخاذ المزيد من الإجراءات، ولكنه قال إن تلك الإجراءات ستتوقف على أفعال النظام السوري! كما لو أن هذا النظام لم يقم بعمل ما يكفي بعد!
ربما ما زال يتعين على أوباما أن يقول للأسد، ما كان قد قاله للقذافي ومن قبله الرئيس المصري، وهو: "عليك أن تذهب الآن".
ولكن ما سبب بطء رد الفعل الغربي تجاه ما يحدث في سوريا؟... هل هذه الأخيرة أقل في الأهمية من ليبيا؟ العكس تماماً هو الصحيح، حيث يتفق معظم الخبراء الإقليميين على أن دمشق تعد محوراً من أهم المحاور في الشرق الأوسط، وأن نظام الأسد لو تداعى، فإن معنى ذلك أن إيران ستفقد أقرب حليف لها في المنطقة على الإطلاق، وهو الحليف الذي يمثل لها أيضاً جسراً مهماً بينها وبين "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزة. علاوة على ذلك فإنه في حالة تداعي النظام السوري، فإن النفوذ الإيراني في المنطقة يمكن أن يتداعى هو الآخر.
ومع أن أحداً في سوريا لم يطلب تدخلاً أجنبياً على غرار ما حدث في ليبيا، وأن أي إجراء تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون - حتى لو تم بشكل منسق - لن يحسم للأمور، فإن السؤال الذي ينبغي طرحه في سياقنا هذا هو: لماذا هذا القدر القليل من رد الفعل... ولماذا يتم رد الفعل بهذه الدرجة من البطء؟
تخميني أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا قد تعرضت لنفس الأسباب والعوامل التي أدت إلى تباطؤ استجابتها لجميع الانتفاضات العربية، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
العامل الأول، الأفكار التقليدية التي تأبى الولايات المتحدة تغييرها عن السياسة في العالم العربي، وعدم تصديقها لإمكانية حدوث التغيير الثوري. فهناك قلق ينتابها بشأن ما يمكن أن يحدث في البلدان العربية في أعقاب سقوط الديكتاتوريات، كما أن هناك عدم استعداد أو رغبة لديها في أن تبادر بالفعل متقدمة على حلفائها الإقليميين الغارقين هم أنفسهم في أوضاعهم الخاصة.
لقد ناقشت بعضاً من تلك العقبات الأسبوع الماضي مع "أسامة منجد" المتحدث الرسمي للمبادرة الوطنية للتغيير، وهي عبارة عن ائتلاف مكون من مجموعة من الناشطين السوريين على الإنترنت داخل وخارج سوريا. والمشكلة الأولى التي يراها منجد (وهي العامل الثاني من ضمن العوامل التي أشرت إليها) هي أن الولايات المتحدة" ليس لديها سياسة تجاه سوريا فهي لديها سياسة شرق أوسطية عامة، ولكن ليس لديها سياسة خاصة بسوريا تحديداً.
العامل الثالث والأخير هم الجيران الذين سيوليهم أوباما اهتماماً وهم السعودية وتركيا وإسرائيل. فيما يتعلق بالدولتين الأخيرتين على الأقل، كان هناك تحول في الموقف خلال الأسبوعين الماضيين، حيث بدأ يتكون إدراك لديهما بأن "الأسد" قد لا يتمكن من البقاء هذه المرة، وإنه حتى إذا ما تم الافتراض جدلاً أنه سيبقى، فإنه سيصبح ضعيفاً للغاية.
حول هذه النقطة قال"منجد": ما أتمناه أن تدرك واشنطن أنه حتى الإسرائيليين قد باتوا يدركون أن الأسد لن يبقى". وأضاف:" وانطلاقاً من هذا الفهم فسوف يكون من الأفضل بالنسبة للمستقبل أن تُظهر الولايات المتحدة في هذه النقطة من الزمن، نوعاً من الدعم والاستعداد للوقوف لجانب الشعب السوري... وتخميننا أن الولايات المتحدة، وقبل نهاية النظام بأربع وعشرين ساعة وعندما تتأكد تماماً من نهايته، سوف تغير موقفها". واختتم "منجد" كلامه بالقول المأثور:" أن يأتي المرء متأخراً أفضل في جميع الأحوال من ألا يأتي أبداً".
جاكسون ديل - كاتب ومحلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
تاريخ النشر: الأربعاء 11 مايو 2011 - Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد
0 تعليقات::
إرسال تعليق