عشرات العائلات السورية عبرت جسر البقيعة الحدودي * إجازات طويلة لضباط في الجيش السوري.. وجنود يفرون من الخدمة
مع تصاعد وتيرة الأحداث في مدينة حمص القريبة من الحدود الشمالية اللبنانية، عادت أفواج النازحين السوريين لتتوافد على شمال لبنان، بعد أن خفت طوال الأسبوع الماضي بشكل ملحوظ. واستعد سكان منطقة وادي خالد في عكار اللبنانية منذ مطلع يوم أمس، لاستقبال أفواج الهاربين إلى منطقتهم مع سماعهم أخبار حمص وما يجري فيها، كما سمع سكان منطقة الكنيفة الحدودية أصوات انفجارات قوية عرفوا من خلالها أن الوضع يتوتر في سوريا بشكل كبير. ومع حلول منتصف يوم أمس، كانت عشرات العائلات السورية قد عبرت جسر البقيعة الحدودي. ويقول أحد المستقبلين من منطقة وادي خالد الذي يؤمن السيارات للسوريين الواصلين «خلال ساعتين فقط استقبلت 45 عائلة، ولم يتوقف وصول الهاربين. ومن الصباح وحتى الساعة الرابعة بعد الظهر، كانت 30 عائلة قد توجهت إلى مدينة طرابلس، ونحو 15 إلى قرية البيرة، وعدد مماثل إلى مشتى حسن، هذا عدا الذين توجهوا إلى القرى الأخرى مثل مرياطة والكويخات والعيرونية وغيرها. ونعتقد بحسب ما يروي لنا الواصلون أن العدد سيتزايد، ونخشى أن يتأزم الوضع في الليل، ويضطر الناس إلى مغادرة منازلهم واللجوء إلى هنا بأعداد متزايدة». ويؤكد هذا المتطوع العكاري، الذي يرفض ذكر اسمه، أنه سيبقى عند نقطة البقيعة لمساعدة القادمين «فطالما استقبلونا أيام محنتنا، والآن جاء دورنا لمساعدتهم»، شارحا أن «الواصلين أغلبيتهم من حمص من بابا عمرو وجورة العرايس وباب السباع والبياضة ودير بعلبا، وهناك نازحون من تلكلخ يقولون إن ثمة مخاوف كبيرة في البلدة، لأن المدارس أغلقت فجأة بأمر من السلطات، وأرسل الأولاد إلى البيوت، وكذلك أغلقت المحاكم والبريد ودوائر رسمية عديدة، وهم لا يعرفون سبب هذه الإجراءات، مما يجعل البعض يفر خوفا، ويكتفون بوصف ما يحدث بأنه غير طبيعي ولا يفهمون له سببا، لذلك يفضلون الرحيل». ويقول هذا المتطوع «كان النازحون منذ أسبوعين يأتون بما خف حمله، أما الآن، فهم ينقلون معهم كل ما يستطيعون، ويقولون إنهم خائفون على بيوتهم لأن ثمة كسرا للأبواب ونهبا للممتلكات من قبل بعض الجنود. كما أنهم كانوا يأتون ويظنون أنهم سيبقون هنا يوما أو اثنين، بينما الواصلون الآن يعتبرون أن بقاءهم قد يطول وأن الأزمة لن تنتهي بسرعة».
وبدأت القرى والبلدات الشمالية المتاخمة للحدود السورية، تغص بالعائلات السورية النازحة من جراء الأحداث الجارية والمرشحة للأسوأ. وعلمت «الشرق الأوسط» أن أعداد الأسر التي فرت إلى لبنان تزداد يوميا وإن بشكل تدريجي، وأشار ناشطون ممن يتولون استقبال النازحين وترتيب أوضاعهم من النواحي الصحية والاجتماعية والإنسانية، إلى أن منطقة وادي خالد تؤوي العدد الأكبر من هذه العائلات التي وصل عددها إلى نحو الـ150، يليها بلدة حنيدر التي لا يقل عدد الوافدين إليها عن أربعين عائلة وكذلك بلدتا هيت والكنيسة اللتان تؤويان العشرات.
وكشف هؤلاء الناشطون أنه «بفعل المراقبة المشددة للحدود التي تتولاها أجهزة الأمن، فإنه لم يسمح إلا للنساء والأطفال وبعض الرجال المسنين بمغادرة الأراضي السورية باتجاه لبنان، وإن معظم هؤلاء قدموا من مدينة حمص بعد تعرض أحيائها للحصار العسكري والقصف بمدفعية الدبابات المتمركزة في كل شارع وزاوية». ولاحظ هؤلاء «وصول عشرات الشبان السوريين الفارين إلى المناطق اللبنانية، بعد سلوكهم مناطق وعرة ليلا، بهدف الإفلات من المراقبة الأمنية وتحاشيا للقبض عليهم»، ولفتوا إلى أن «عددا لا بأس به من هؤلاء الرجال والشبان اعترفوا بأنهم من عناصر الجيش السوري النظامي، لكنهم فروا من صفوفه لرفضهم أوامر بإطلاق النار على أهلهم من المحتجين والمتظاهرين بشكل سلمي».
وتكثر روايات الآتين من الداخل السوري، رجل ستيني بدا أن الأسى يعتصره، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما يجري في سوريا مجازر حقيقية ترتكب يوميا مقابل صمت عربي وعالمي، العالم كله متواطئ ضد شعب بريء يذبح في وضح النهار، ولا من يحرك ساكنا». ويستدرك الستيني: «لا يظنن أحد أن الشعب السوري سيعود إلى الوراء بعد كل ما حصل، نحن عشائر ولن نترك دماء أبنائنا التي أهرقت ظلما تضيع سدى».
سيدة تحمل رضيعها ابن الأشهر الأربعة، تؤكد أن «مخابرات بشار الأسد وشبيحة النظام هي التي تنكل بشبابنا، هؤلاء يطلقون الرصاص الحي على كل من يتجرأ على التظاهر في حمص وتلكلخ ضد النظام، فيقتل من يقتل، ومن سلموا من القتل تطاردهم الشبيحة إلى المستشفيات والمنازل وتعتقلهم».
عجوز متقدمة في السن تبكي حسرة على من فقدتهم، ولوعة على من تركتهم في الديار، تناشد المؤسسات الإنسانية دخول سورية «لتشوف اللي عم يصير مع الناس وتساعدهن».
ينبري شاب غاضب ليقول «هذا النظام (السوري) يكذب على الناس، فهو لا يفكر في الإصلاحات لا اليوم ولا بعد مائة سنة، لا تصدقوا أن بشار الأسد هو من يحكم سوريا، والحكام الحقيقيون هم أكبر منه بكثير»، ويسأل «عن أي إصلاحات يتحدثون؟ كيف يتحدثون عن إلغاء قانون الطوارئ ومن ثم القبض على ما يزيد على 15 ألف شاب في شهر وزجهم في السجون لمجرد أنهم طالبوا بالحرية؟ بأي إصلاحات يعدون وقد حولوا المدارس إلى سجون كبيرة بعد أن امتلأت السجون العادية عن بكرة أبيها؟».
وإلى جانب الشهادات الحية، ثمة روايات تبدأ ولا تكاد تنتهي، فهناك من يتحدث عن تسليح النظام السوري لفئة معينة من الشعب (غامزا من قناة الطائفة العلوية)، «في حين أن ألوية من الجيش السوري محسوبة على طائفة أخرى (السنة) لا تكلف بأي مهمة، بينما تمنح القيادة إجازات طويلة لقادة هذه الألوية لتكون بعيدة عن أرض الأحداث، وحتى لا تثير المجازر المروعة التي ترتكب نقمتهم».
بيروت: «الشرق الأوسط» - 12 مايو 2011
مع تصاعد وتيرة الأحداث في مدينة حمص القريبة من الحدود الشمالية اللبنانية، عادت أفواج النازحين السوريين لتتوافد على شمال لبنان، بعد أن خفت طوال الأسبوع الماضي بشكل ملحوظ. واستعد سكان منطقة وادي خالد في عكار اللبنانية منذ مطلع يوم أمس، لاستقبال أفواج الهاربين إلى منطقتهم مع سماعهم أخبار حمص وما يجري فيها، كما سمع سكان منطقة الكنيفة الحدودية أصوات انفجارات قوية عرفوا من خلالها أن الوضع يتوتر في سوريا بشكل كبير. ومع حلول منتصف يوم أمس، كانت عشرات العائلات السورية قد عبرت جسر البقيعة الحدودي. ويقول أحد المستقبلين من منطقة وادي خالد الذي يؤمن السيارات للسوريين الواصلين «خلال ساعتين فقط استقبلت 45 عائلة، ولم يتوقف وصول الهاربين. ومن الصباح وحتى الساعة الرابعة بعد الظهر، كانت 30 عائلة قد توجهت إلى مدينة طرابلس، ونحو 15 إلى قرية البيرة، وعدد مماثل إلى مشتى حسن، هذا عدا الذين توجهوا إلى القرى الأخرى مثل مرياطة والكويخات والعيرونية وغيرها. ونعتقد بحسب ما يروي لنا الواصلون أن العدد سيتزايد، ونخشى أن يتأزم الوضع في الليل، ويضطر الناس إلى مغادرة منازلهم واللجوء إلى هنا بأعداد متزايدة». ويؤكد هذا المتطوع العكاري، الذي يرفض ذكر اسمه، أنه سيبقى عند نقطة البقيعة لمساعدة القادمين «فطالما استقبلونا أيام محنتنا، والآن جاء دورنا لمساعدتهم»، شارحا أن «الواصلين أغلبيتهم من حمص من بابا عمرو وجورة العرايس وباب السباع والبياضة ودير بعلبا، وهناك نازحون من تلكلخ يقولون إن ثمة مخاوف كبيرة في البلدة، لأن المدارس أغلقت فجأة بأمر من السلطات، وأرسل الأولاد إلى البيوت، وكذلك أغلقت المحاكم والبريد ودوائر رسمية عديدة، وهم لا يعرفون سبب هذه الإجراءات، مما يجعل البعض يفر خوفا، ويكتفون بوصف ما يحدث بأنه غير طبيعي ولا يفهمون له سببا، لذلك يفضلون الرحيل». ويقول هذا المتطوع «كان النازحون منذ أسبوعين يأتون بما خف حمله، أما الآن، فهم ينقلون معهم كل ما يستطيعون، ويقولون إنهم خائفون على بيوتهم لأن ثمة كسرا للأبواب ونهبا للممتلكات من قبل بعض الجنود. كما أنهم كانوا يأتون ويظنون أنهم سيبقون هنا يوما أو اثنين، بينما الواصلون الآن يعتبرون أن بقاءهم قد يطول وأن الأزمة لن تنتهي بسرعة».
وبدأت القرى والبلدات الشمالية المتاخمة للحدود السورية، تغص بالعائلات السورية النازحة من جراء الأحداث الجارية والمرشحة للأسوأ. وعلمت «الشرق الأوسط» أن أعداد الأسر التي فرت إلى لبنان تزداد يوميا وإن بشكل تدريجي، وأشار ناشطون ممن يتولون استقبال النازحين وترتيب أوضاعهم من النواحي الصحية والاجتماعية والإنسانية، إلى أن منطقة وادي خالد تؤوي العدد الأكبر من هذه العائلات التي وصل عددها إلى نحو الـ150، يليها بلدة حنيدر التي لا يقل عدد الوافدين إليها عن أربعين عائلة وكذلك بلدتا هيت والكنيسة اللتان تؤويان العشرات.
وكشف هؤلاء الناشطون أنه «بفعل المراقبة المشددة للحدود التي تتولاها أجهزة الأمن، فإنه لم يسمح إلا للنساء والأطفال وبعض الرجال المسنين بمغادرة الأراضي السورية باتجاه لبنان، وإن معظم هؤلاء قدموا من مدينة حمص بعد تعرض أحيائها للحصار العسكري والقصف بمدفعية الدبابات المتمركزة في كل شارع وزاوية». ولاحظ هؤلاء «وصول عشرات الشبان السوريين الفارين إلى المناطق اللبنانية، بعد سلوكهم مناطق وعرة ليلا، بهدف الإفلات من المراقبة الأمنية وتحاشيا للقبض عليهم»، ولفتوا إلى أن «عددا لا بأس به من هؤلاء الرجال والشبان اعترفوا بأنهم من عناصر الجيش السوري النظامي، لكنهم فروا من صفوفه لرفضهم أوامر بإطلاق النار على أهلهم من المحتجين والمتظاهرين بشكل سلمي».
وتكثر روايات الآتين من الداخل السوري، رجل ستيني بدا أن الأسى يعتصره، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما يجري في سوريا مجازر حقيقية ترتكب يوميا مقابل صمت عربي وعالمي، العالم كله متواطئ ضد شعب بريء يذبح في وضح النهار، ولا من يحرك ساكنا». ويستدرك الستيني: «لا يظنن أحد أن الشعب السوري سيعود إلى الوراء بعد كل ما حصل، نحن عشائر ولن نترك دماء أبنائنا التي أهرقت ظلما تضيع سدى».
سيدة تحمل رضيعها ابن الأشهر الأربعة، تؤكد أن «مخابرات بشار الأسد وشبيحة النظام هي التي تنكل بشبابنا، هؤلاء يطلقون الرصاص الحي على كل من يتجرأ على التظاهر في حمص وتلكلخ ضد النظام، فيقتل من يقتل، ومن سلموا من القتل تطاردهم الشبيحة إلى المستشفيات والمنازل وتعتقلهم».
عجوز متقدمة في السن تبكي حسرة على من فقدتهم، ولوعة على من تركتهم في الديار، تناشد المؤسسات الإنسانية دخول سورية «لتشوف اللي عم يصير مع الناس وتساعدهن».
ينبري شاب غاضب ليقول «هذا النظام (السوري) يكذب على الناس، فهو لا يفكر في الإصلاحات لا اليوم ولا بعد مائة سنة، لا تصدقوا أن بشار الأسد هو من يحكم سوريا، والحكام الحقيقيون هم أكبر منه بكثير»، ويسأل «عن أي إصلاحات يتحدثون؟ كيف يتحدثون عن إلغاء قانون الطوارئ ومن ثم القبض على ما يزيد على 15 ألف شاب في شهر وزجهم في السجون لمجرد أنهم طالبوا بالحرية؟ بأي إصلاحات يعدون وقد حولوا المدارس إلى سجون كبيرة بعد أن امتلأت السجون العادية عن بكرة أبيها؟».
وإلى جانب الشهادات الحية، ثمة روايات تبدأ ولا تكاد تنتهي، فهناك من يتحدث عن تسليح النظام السوري لفئة معينة من الشعب (غامزا من قناة الطائفة العلوية)، «في حين أن ألوية من الجيش السوري محسوبة على طائفة أخرى (السنة) لا تكلف بأي مهمة، بينما تمنح القيادة إجازات طويلة لقادة هذه الألوية لتكون بعيدة عن أرض الأحداث، وحتى لا تثير المجازر المروعة التي ترتكب نقمتهم».
بيروت: «الشرق الأوسط» - 12 مايو 2011
0 تعليقات::
إرسال تعليق