الأحد، 11 سبتمبر 2011

الإعلام العربي في تردٍّ مستمر ولا راحة للإعلاميين نتيجة القمع

"مراسلون بلا حدود" في التصنيف السنوي للحريات الصحافية في العالم: الإعلام العربي في تردٍّ مستمر ولا راحة للإعلاميين نتيجة القمع

جرياً على عادة منظمة "مراسلون بلا حدود" العالمية المدافعة عن الحريات الإعلامية في "التصنيف السنوي لحرية الصحافة" في نسخته التاسعة، احتلت دول مثل فنلندا وإيسلندا ونروج وسويسرا المراكز الأولى في حرية الإعلام والصحافة وقدمت نموذجاً يحتذى به، في موازاة التردي المستمر في أوضاع الصحافة في العالم الثالث بما فيه الدول العربية التي وان سجلت في التقارير السابقة بعضاً من التقدم إلا أنها عادت لتتراجع ولتسقط في ما وصفته المنظمة حالة "اللا راحة للصحافيين في الأنظمة الديكتاتورية". وانضمت رواندا واليمن وسوريا وميانمار وكوريا الشمالية إلى خانة البلدان الأكثر قمعا في العالم حيال الصحافيين.
ولاحظ تقرير المنظمة "أن التطور الاقتصادي وإصلاح المؤسسات واحترام الحقوق الأساسية لا تتفق بعضها مع بعض بأي شكل من الأشكال"، معتبرا أن الدفاع عن حرية الصحافة "معركة بكل ما في الكلمة من معنى، من أجل البقاء في تيقّظ دائم في ديموقراطيات أوروبا القديمة، ومعركة ضد الظلم وفي سبيل العدالة في الأنظمة التوتاليتارية التي لا تزال متناثرة في العالم". وفي هذا السياق، نوهت المنظمة بمحرّكي حرية الصحافة في فنلندا وإيسلندا ونروج وهولندا وأسوج وسويسرا، وأشادت بعزم الناشطين الحقوقيين والصحافيين والمدوّنين في أنحاء العالم "الذين يدافعون ببسالة عن حق الاستنكار والتنديد ولا يزال مصيرهم يشغل بالنا(...)".
وأضافت: "ما يثير القلق هو أن عدداً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما زال يخسر المراكز في التصنيف العالمي. وما لم يستدرك الاتحاد الأوروبي الوضع، فقد يخسر مكانته كرائد عالمي في مجال احترام حقوق الإنسان. فكيف له أن يبدو مقنعاً عندما يطلب من الأنظمة الاستبدادية إخضاع سياساتها للتحسينات". وأعرب التقرير عن قلق المنظمة حيال تشدّد بعض الحكومات، مشيرا إلى انضمام رواندا واليمن وسوريا وميانمار وكوريا الشمالية إلى خانة البلدان الأكثر قمعية في العالم حيال الصحافيين. "وهذا التوجّه لا يبشر بالخير لسنة 2011" .

الاتحاد الأوروبي يفقد الريادة

وأبرز التقرير قلقه من تدهور "وضع حرية الصحافة في الاتحاد الأوروبي". وأشار إلى أنه "من أصل 27 بلداً عضواً في الاتحاد، ثمة 13 بلداً في المراكز العشرين الأولى بينما احتلّ 14 بلداً مراكز أدنى. ويتربع البعض على مراكز دنيا: اليونان (المرتبة 70)، بلغاريا (70)، رومانيا (52)، إيطاليا (49).
وفي تحليل لواضعي التقرير أنه لا يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي مجموعة متجانسة من حيث حرية الصحافة. وينطبق هذا الوضع على فرنسا وإيطاليا اللتين شهدتا حوادث وأحداثاً بارزة هذه السنة، مما أكّد عجزهما عن عكس الاتجاه السائد: "انتهاك حماية المصادر، تركّز وسائل الإعلام، ازدراء السلطة السياسية بالصحافيين وعملهم واستدعاؤهم أمام القضاء".
وعلى رغم هذه الصورة المفاجئة عن أوروبا إلا أن دولا في القارة العجوز لا تزال تتقاسم المركز الأول، مثل: فنلندا، إيسلندا، نروج، هولندا، أسوج وسويسرا. وهي تحتل صدارة التصنيف منذ إعداده للمرة الأولى عام 2002. وتشكل هذه الدول الست مثالاً يحتذى في مجال احترام الصحافيين ووسائل الإعلام وحمايتهم من الملاحقة القضائية. حتى أنها مستمرة في التقدّم شأن أيسلندا التي اقترحت مشروع قانون نموذجياً وفريداً من نوعه في العالم في هذا الصدد هو "المبادرة الإيسلندية لوسائل الإعلام الحديثة". ويتميز بلد مثل أسوج بإطاره القانوني (قانون حرية الصحافة) الذي يصب في مصلحة ممارسة مهنة الصحافة وقوة مؤسساته واحترام السلطات المضادة، بما في ذلك الصحافة، في الأداء السليم للديمقراطية.
وفي لائحة الدول العشر الأولى الأكثر سوءاً من حيث التعامل مع الصحافيين واضطهادهم والافتقار الكامل للإعلام، لا يزال وضع حرية الصحافة في تدهور مستمر حتى بات يصعب التمييز بين دولة وأخرى وإعداد هرمية معيّنة. ففي 2010، بات فارق النقاط بين البلدان العشرة الأخيرة 24,5 بينما كان 37,5 نقطة في 2009 و43,25 نقطة في 2007. واللافت أن كوبا لا تنتمي إلى هذه المجموعة. ويعزى هذا التقدّم أساساً إلى الإفراج عن 14 صحافياً و22 ناشطاً خلال صيف 2010 مع أن الوضع الميداني لم يشهد أي تقدّم فعلي في ظل رقابة وقمع لا يزالان الخبز اليومي للمعارضين السياسيين والإعلاميين. وهذه الدول السيئة الذكر للحريات الصحافية هي: ميانمار، أفغانستان، باكستان، الصومال، المكسيك، وتعتبر الأكثر خطورة في العالم، ويستهدف فيها الصحافيون بشكل مباشر.

أرقام دموية معبرة

وكشف تصنيف 2010 تباينات كبيرة في أوضاع حرية الصحافة، إذ تقدّمت البرازيل (المرتبة 58) في حين أن الهند تراجعت 17 مركزاً وباتت في المرتبة 122. أما روسيا التي اتشحت بالدموية في العام الماضي فلا تزال تحافظ على مركزها السيئ (المرتبة 140). وحتى لو كانت الصين تضمّ عالم التدوين الأكثر حيوية وتعبئة، إلا أنها لا تزال مستمرة في قمع الأصوات المعارضة وسجنها (...)

العرب: تراجع مستمر

أما في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا فأشار التقرير إلى استمرار التراجع إذ سجل التقرير تراجع المغرب ثماني مراتب نتيجة توتر السلطات بشأن مسائل مرتبطة بحرية الصحافة ومنها إدانة صحافي وسجنه سنة، والإغلاق التعسفي لإحدى الصحف، والاختناق المالي الذي نظّمته السلطات ضد صحيفة أخرى، إلى ممارسات أخرى. وتنطبق الملاحظة نفسها على تونس التي انتقلت من المرتبة 154 إلى المرتبة 164 نتيجة ما وصفته المنظمة بـ"سياسة القمع التلقائي التي تنفذها السلطات التونسية ضد أي شخص يعبّر عن فكرة مخالفة للنظام". ولا يختلف الوضع في سوريا التي تراجعت بمعدل ثماني نقاط واليمن بمعدل ثلاث نقاط حيث تتقلّص مساحة حرية الصحافة إلى حد كبير. ولا تزال عمليات الاحتجاز التعسفي مستمرة وكذلك التعذيب. أما إيران فلا تزال تحافظ على مكانتها في أسفل التصنيف لا سيما أن القمع الذي انقضّ على الصحافيين ومستخدمي الإنترنت غداة إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في حزيران 2009 قد ازداد في 2010، على ما ذكر التقرير.

إسرائيل

وأشارت المنظمة إلى استمرار الجيش الإسرائيلي في ممارساته ضد حرية الصحافة كما يتضح من حالات الصحافيين الأجانب المعتقلين في قافلة السلام في أيار الفائت، أو الصحافيين الفلسطينيين الذين باتوا أهدافاً دائمة لنيران الجنود الإسرائيليين، وفي جنوب لبنان حيث قتل صحافي لبناني في آب الماضي. وتنطبق الملاحظات نفسها على الأراضي الفلسطينية التي كسبت 11 مرتبةً في 2010 (150 بدلاً من 161)، نتيجة ممارسات وصفتها المنظمة بأنها "أقل خطورة" مما كانت في 2009 حتى لو كان الصحافيون لا يزالون يدفعون ثمن المعركة الحادة بين حركتي "حماس" و "فتح".
وفي الجزائر، تراجع عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الصحافيين على نحو ملحوظ، ما يفسر تقدّم هذا البلد 8 مراتب في التصنيف العالمي. وبين عامي 2008 و2009، تراجعت الجزائر 20 مرتبة بسبب تعدد الدعاوى القضائية. وكسب العراق 15 مرتبة (130) نظراً إلى تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد على رغم مقتل ثلاثة صحافيين بين 1 أيلول 2009 و31 آب 2010، من بينهم اثنان تعرّضا للاغتيال. ومنذ ذلك الحين، توفي ثلاثة في غضون شهر منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية آب بما يسجل بداية لحقبة جديدة.
وسجل التقرير تراجعاً في أوضاع الحريات الصحافية في الخليج العربي، وأشار إلى البحرين التي تراجعت في التصنيف من 119 إلى 144. ويمكن تفسير هذا التراجع بازدياد عدد الاعتقالات والمحاكمات، خصوصا تلك الموجهة ضد المدونين ومستخدمي الإنترنت. وسجّلت الكويت أيضاً انخفاضاً ملحوظاً في التصنيف بخسارتها 27 مرتبة، فإذا بهذا البلد ينتقل من المرتبة 60 إلى المرتبة 87 بسبب تنكيل السلطات بالمحامي والمدوّن محمد عبد القادر الجاسم المسجون مرتين إثر رفع قضايا من شخصيات مقرّبة من النظام ضده، بما يتنافى مع رغبة السلطات نفسها في إعطاء صورة كأول ديموقراطية في الخليج.

بيار عطاالله - النهار 21 أكتوبر 2010

كارثة التلفزيون العربي

يستقبل العالم العربي 1100 محطة تلفزيونية ناطقة باللغة العربية. تقدر التكاليف التشغيلية لهذه القنوات سنوياً بـ 6.5 بليون دولار، في المقابل تتنافس على حصة إعلانية تصل إلى 700 مليون دولار سنوياً. وفي حال إضافة السوق الإعلاني المصري، ربما وصل الإنفاق على الإعلان التلفزيوني في المنطقة العربية إلى بليون دولار. هذا يعني أن التلفزيونات الناطقة بالعربية تتكبد خسارة سنوية تقدر بـ 5.5 بليون دولار، ويُسد هذا العجز الضخم عبر دعم وتمويل من الحكومات، والمنظمات السياسية، وأصحاب رؤوس الأموال الذين لديهم أهداف، وأجندات سياسية.

المشكلة لا تقف هنا. يضاف إلى ما سبق أن 85 في المئة من المشاهدين في البلاد العربية يتابعون أول 25 قناة، فضلاً عن أن 85 في المئة من مداخيل الإعلانات تصل إلى أول 12 قناة من الـ 25 التي تظهر باستمرار في قوائم استفتاءات المشاهدة ، وتستأثر مجموعة «إم بي سي» بقنواتها بأكثر من نصف هذه النسبة من الإعلان. وهذا يشير إلى أن الفضائيات في العالم العربي يجرى تشغيلها بأموال الحكومات والأحزاب والمنظمات، وإن شئت فإن هذه الأموال تُهدر، فهي جهد تائه في الهواء.

الوضع المالي المتدهور يخفي خلفه صورة ليست جميلة لجهة المضمون والمهنية. وتشير دراسات إلى أن عدد العاملين في الفضائيات العربية من المحيط إلى الخليج، يبلغ حوالي 800 ألف موظف، 95 في المئة منهم غير متخصصين بالتلفزيون، والإعلام، ويُوَظفون بمعايير الولاء للأشخاص والأنظمة والمنظمات والأحزاب، والعلاقات الشخصية، ناهيك عن أن 75 في المئة من معاهد الإعلام وكلياته في الجامعات العربية لا تدرِّس الإنتاج التلفزيوني، وما زالت تعتقد بأن الإعلام هو الصحافة المكتوبة، وتتمسك بالمناهج النظرية. هذه باختصار صورة قنوات التلفزيون في العالم العربي، ضجيج هائل، هدر مالي ضخم، ومهنية متواضعة.

الأكيد أن صورة الإعلام التلفزيوني في المنطقة العربية لا تسِر، فضلاً عن أن تدخل دول وأحزاب في تمويل محطات تلفزيونية وتشغيلها ساهم في تشجيع هذا الترهل المهني، وساهمت هذه المحطات في تغييب الوعي، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية والعرقية، وروّجت لثقافة سطحية، وأصبح العالم العربي اليوم يجني آثاراً مدمرة لهذا المستوى المتدني لصناعة التلفزيون في المنطقة.

داود الشريان – الحياة - الأربعاء, 20 أكتوبر 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق